ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 07/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

للكبار فقط !! "السلاح النووي"

أ . محمد بن سعيد الفطيسي*

azzammohd@hotmail.com

         تشكل الأسلحة النووية أعظم تهديد يمكن ان يحل بالبشرية والحضارة والبقاء خلال السنوات القادمة , لذا وجدنا حرصا غير عادي من قبل العديد من المنظمات الدولية والحقوقية والإنسانية , وجل دول العالم تقريبا على احتواء انتشار ذلك النوع من أسلحة الإبادة البشرية , والحقيقة انه من الناحية " النظرية " فان الصورة واضحة تقريبا حيال ذلك التوجه , والذي لا نجد له قبولا قانونيا ولا إنسانيا حول العالم .

         إنما – وللأسف الشديد – فان مبدأ النية والرفض الشفهي لاستخدام واقتناء تلك الأسلحة غير كاف لتحقيق الهدف الإنساني العالمي المنشود من وراء القصد العام لاحتواء انتشار تلك الأسلحة كما هو حاصل اليوم على ارض الواقع , كما ان الكيل بمكاييل مختلفة وازدواجية المعايير والرؤية المضطربة حول من له الحق ومن ليس له الحق في اقتناء تلك الأسلحة , قد خلق واقعا ساخرا لبيئة تحكمها القوة والقوة المضادة , وليس العدالة والديمقراطية والحرية وحق الإنسان في الحياة بأمن وأمان , كما يطالب بذلك الرافضون لانتشار تلك الأسلحة .

         والحقيقة أن المتتبع للعديد من الملفات الدولية الأخيرة الخاصة بالأسلحة النووية حول العالم , يتبين له تلك الهوة العميقة بين ما هو قائم على ارض الواقع وبين حقيقة تلك المساعي المنشودة لكبح واحتواء انتشار الأسلحة النووية حول العالم , كما أننا ومن خلال دراسة المشاريع الدولية الساعية لذلك الهدف سالف الذكر , لاحظنا حقيقة أن ما يطبق من نتاج تلك الدراسات لا يزيد عن كونه مجرد أحاديث إعلامية يراد من وراءها الترويج والتسويق لبضاعة فاسدة , سرعان ما يكتشف غش صاحبها على ارض الواقع .

         وليس أدل على تلك الحقيقة المرة , من واقع لا يحتاج الى أدلة وبراهين كثيرة لاكتشاف أن حقيقة احتواء الأسلحة النووية ليس أكثر من " سيناريو سينمائي غربي " يسعى مخرجوه ومنتجوه لاحتكار ادوار البطولة فيه , بحيث يتم الإبقاء على دور " الكومبارس " لبعض من يرون فيهم وسيلة مقنعة للترهيب وإقناع الآخرين بالكذبة الكبرى , و- بمعنى آخر – لابد من ضحية دولية يتم من خلالها ترويع تلك الدول التي ستفكر لاحقا في الحصول على التقنية النووية وليس السلاح النووي , وربما لاحقا ستتمكن من الحصول على تلك الأسلحة التي ستقارع فيها الدول الصغيرة رؤوس الكبار.

         وما بين دول لا تنكر امتلاكها للأسلحة النووية كالدول النووية السبع , ودول تملك تلك الأسلحة وبكميات كبيرة ولكنها تنكر امتلاكها كالمستعمرة الإسرائيلية الكبرى , تبقى دول أخرى تسعى علنا وان كان بطريقة غير مباشرة لامتلك تلك الأسلحة ككوريا الشمالية وأخرى تقول بأنها لا حاجة لها بذلك النوع من أسلحة الدمار الشامل بين اخذ ورد , وجزر ومد , وصراع لا يمكن ان ينتهي سوى بأمرين , أولهما : ظهور دول نووية جديدة , وثانيهما : قيام حرب على دول أخرى لم تعرف بعد كيف تمارس تلك اللعبة التي كتب عليها من الخارج " للكبار فقط ".

         و بحسب تأكيد نائب شؤون الأمن القومي الأمريكي في واشنطن والأستاذ في كلية الخدمة الخارجية لجامعة جورج تاون جوزيف سيرينسيوني , فانه يوجد حاليا ما يقارب من الـ 30 ألف رأس نووي تنتشر في سبع دول نووية فقط هي الولايات المتحدة الاميريكية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين والهند والباكستان وتأتي بعد ذلك المستعمرة الإسرائيلية الكبرى لتكمل بذلك الحلقة الثامنة من المسلسل النووي بأكثر من 135 رأس نووي , بينما تؤكد الكثير من الدراسات والأبحاث والتحليلات المتخصصة ان في العالم اليوم أكثر من 100 ألف رأس نووي , منها 200 رأس نووي في إسرائيل فقط , كما يوجد اليوم أكثر من خمسون دولة حول العالم تمتلك اليورانيوم القابل للاستخدام في الأسلحة النووية , منها أكثر 20 دولة لا يستبعد امتلاكها لتلك الأسلحة .

         المهم في الأمر , ان ما دفعني لكتابة هذا الطرح , هو تهديد رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين في مقابلة معه أجرتها شبكة CNN قال فيها ان روسيا ستنشر أسلحة نووية و" قوات ضاربة" إذا تم استبعادها من نظام غربي للدفاع الصاروخي وذلك في تكرار لتحذير وجهه الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف , وأضاف بوتين أنه إذا قوبلت اقتراحات موسكو بالرفض وظهرت "تهديدات إضافية" قرب حدودها نتيجة منشآت الدفاع الصاروخي الغربية فإنه "سيتعين على روسيا ان تضمن أمنها." .

        وقال بوتين إن روسيا "ستضع قوات هجومية جديدة.. في مواجهة التهديدات الجديدة التي ستظهر على حدودنا." وأضاف "سيتم وضع صواريخ جديدة وتكنولوجيا نووية." وقال بوتين إن روسيا لا تهدد الغرب. لكن تصريحاته تبرز إصرار الكرملين على لعب دور كبير في أي نظام للدفاع الصاروخي وتشير إلى أن العلاقات قد تسوء إذا لم يتم التوصل لاتفاق يرضي الطرف الروسي.

         وهنا نطرح الأسئلة التالية : هل استخدام بوتين لهذه النوع من التهديدات , - أي – استغلال الأسلحة النووية الروسية كورقة ضغط رابحة على المجتمع الدولي والدول الكبرى أمر مستساغ  للكبار فقط ؟ في وقت هل سيتقبل المجتمع الدولي ونفس الدول الكبرى هذا الأمر لو انطلق من دولة غير نووية وبأسلحة " كرتونية أو بلاستيكية " وذلك في محاولة لحماية نفسها وأمنها القومي كما فعل ذلك بوتين تجاه مسالة الدرع الصاروخي الغربي ؟ , وهل من هذا المنطلق يجوز ان تهدد الدول الكبرى الدول الأصغر والمجتمع الدولي بأسلحتها النووية ؟

         وهل حقا ان الأسلحة النووية هي أسلحة للردع فقط , وبالتالي لا أهمية أو منفعة منها ما لم تستخدم ؟ في وقت نجد وبالدليل القاطع ان امتلاك هذه الأسلحة دون استخدامها قد مكن روسيا وإسرائيل على سبيل المثال من اللعب والمناورة السياسية والعسكرية , بل والحصول على مميزات وتسهيلات وأوراق ضغط ولعب رابحة لم تكن ممكنة لولا امتلاكها لتلك الأسلحة ؟ وبالتالي لماذا تلام دول أخرى في مساعيها لامتلاك الأسلحة النووية ككوريا الشمالية على سبيل المثال , وهذه هي فوائد الأسلحة النووية في يد الكبار ؟ فأنت بمجرد امتلاكك لرأس نووي واحد فقط تكون مسيطرا على الكثير مجريات الأمور حول العالم , بل وتملك زمام المبادرة والسيطرة , وبالتالي فان الكثيرون سيفكرون ألف مرة قبل ان يؤذوك أو يحاولوا استغلالك وتهديدك !! , وكما يقال " حلال عليهم حرام علينا " !!! .

         وكما اشرنا في مقال سابق لنا تحت عنوان  ماذا تغير ؟ كوريا الشمالية 2006 – 2010م , حيال أسباب فشل المجتمع الدول في الحد من انتشار الأسلحة النووية , واشرنا الى كوريا الشمالية تحديدا بفقدان الصراحة والمصداقية في التعامل مع هذه التجارب والأفكار من قبل بعض أعضاء المجتمع الدولي وخصوصا الدول الكبرى منها , بحيث ان اغلب تلك المواقف كانت تتعامل مع هذا النوع من الملفات بمعايير مزدوجة , منها على سبيل المثال لا الحصر , ان تناول تلك الدول لهذا الملف كان من باب محاولات احتكار معارف هذه التجارب على نفسها وليس من باب رفضها لها , كذلك كانت مخاوفها الأكبر تحوم حول خوفها من ترويج وتسويق هذه الأسلحة وحصول بعض الدول عليها أكثر منها خوفها من امتلاك كوريا الشمالية أو غيرها لهذه الأسلحة .

         إذا فان واحد من أهم أسباب فشل الحد من انتشار الأسلحة النووية حول العالم يكمن في ان القوانين والتوجهات الأممية والدولية الخاصة بالحد من تلك الأسلحة , وذلك في كونها باتت تطبق على البعض دون البعض الآخر, كما شاهدنا ذلك سابقا مع الجمهورية العراقية التي اتهمتها الولايات المتحدة الاميركية بامتلاك السلاح النووي وقامت بإسقاط نظامها وحولتها إلى ساحة فوضى ودمار تحت هذه الذريعة , التي ثبت بعد ذلك (عدم مصداقيتها) وكما نشاهدها من جديد هذه الأيام مع الجمهورية الإيرانية دون إسرائيل التي (تمتلك) من الأسلحة ما قد بيناه سابقا .

       كما انه وفي ظل هذه الظروف الحالية فقد تضاءلت إلى حد كبير سياسة حظر نشر الأسلحة النووية منذ مؤتمر البحث في المعاهدة في شهر يونيو من العام 1995 في وقت بدا فيه أن الهدف المطلوب قد تحقق إلى حدٍ ما, وقد كانت ضرورة وقف نشـر الأسلحة موضـع هجوم في الولايات المتحدة من جانب المحافظين الجدد الذين رفضوا أن يخضع بلدهم لبعض الالتزامات الدولية أياً كان نوعها، ثم من جانب آخرين رأوا أن حظر نشر الأسلحة يعود إلى منطق الحرب الباردة ولم يعد هناك من داعٍ لوجوده بعد أن انتهت تلك الحرب .

         ويرى هؤلاء أن الرد على مخاطر نشر الأسلحة النووية يكمن في إنشاء أنظمة الدفاع المضادة للصواريخ التي يفترض أنه على جميع الدول أن تشتريها من الولايات المتحدة الاميركية, كما أن معاهدة حظر نشر الأسلحة النووية كانت هي بدورها موضوع انتقادات أكثر حدة, فمنذ زمن بعيد ارتفعت بعض الأصوات ضد نظام يسمح لخمس دول بامتلاك الأسلحة الأكثر قوة ويحظر على الآخرين امتلاكها, وهذا الإجحاف في التعامل وبعد أن اعتبر غالباً أمراً حتمياً خلال الحرب الباردة لم يعد محتملاً كثيراً منذ انهيار الاتحاد السوفيتي.

         خلاصة الأمر أن الأقوال والتصريحات حيال المساعي الدولية لاحتواء الأسلحة النووية تنافي الأفعال والحقائق على ارض الواقع , وان خداع وكذب وتصرفات الدول النووية حيال نواياها ومساعيها من تلك الأسلحة , هو ما جعل من دول أخرى حول العالم تنظر الى تلك الأسلحة على أنها أوراق ضغط وردع وحماية رابحة لابد من حصولها عليها , بل ووسيلة لحفظ أمنها القومي واحتواء لغطرسة وتهديدات الدول الامبريالية الكبرى لها ولمصالحها , وان مساعي المجتمع الدولي للحد من انتشار الأسلحة النووية لن تلقى أي قبول أو صدى من الدول الساعية لامتلاك ذلك النوع من الأسلحة ما لم تحظى تلك الدول بما يمنحها الأمن والأمان والسلام , ويحمي سيادتها وأمنها القومي من تهديدات الدول الكبرى , ويمنحها الحق الشرعي في الحصول على التكنولوجيا والطاقة النووية السلمية وبطريقة لا تجعلها ترضخ لضغوطات ومزايدات الدول العظمى.

         والى ان تجيب الدول النووية الكبرى عن تلك التساؤلات المشروعة , ستبقى العديد من دول العالم اليوم وفي الغد تسعى لامتلاك الأسلحة النووية وليس الطاقة النووية السلمية فقط , والى ان تحصل الدول الفقيرة والمستعمرة حول العالم من قبل الدول الامبريالية الكبرى كالولايات المتحدة الاميركية على سبيل المثال على حقوقها السيادية والإنسانية وتنال شعوبها حق الحياة الشريفة الآمنة المطمئنة , ستبقى بعض تلك الدول وبعض تلك الشعوب تسعى للبحث عن وسائل التدمير والشر حول العالم , وذلك بهدف مقارعة الإرهاب بالإرهاب والقوة بالقوة , والى ان تطبق القوانين الدولية المعمول بها في هذا الجانب على الأقوياء والضعفاء والكبار والصغار على حد سواء , فستظل تلك القوانين مجرد حبر على ورق , وستبقى مجرد مواد قانونية لا قيمة لها في هذا العالم الذي يثبت للضعفاء كل يوم بأنه غابة لا يعيش فيها سوى الأقوياء .

ــــــــــ

*باحث في الشؤون السياسية والعلاقات الدولية , رئيس تحرير صحيفة السياسي التابعة للمعهد العربي للبحوث والدراسات الإستراتيجية .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ