ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 01/12/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

من مخاطر شعار (فصل الدين عن الدولة)

الانحلال الجنسي جزء من الضغوط على الكنائس 

في الدول العلمانية

نبيل شبيب

لا شكّ في أخطاء فاحشة ارتكبتها الكنائس المسيحية، وأقرّ المسؤولون فيها بذلك، ودفعتهم النقمة الشعبية المتنامية إلى اتّخاذ بعض الإجراءات وتأكيد الحرص على عدم تكرار تلك الأخطاء، والمقصود هنا ما كان من استغلال أعدادٍ كبيرةٍ من القساوسة والرهبان لمواقعهم الكنسية في شؤون الرعاية والتربية والتعليم، لممارسة اعتداءاتٍ جنسيةٍ على أطفالٍ وناشئة، منهم من بلغ في هذه الأثناء سنّ الكهولة، بينما لا تزال تكشف الأخبار عن المزيد، ومن هؤلاء من لا يزال الآن عرضة للاعتداءات الجنسية وهم في سنّ الطفولة بعد.

إنّما لا ينبغي فصل هذه الصورة المأساوية إنسانيا، المخزية حضاريا، المحرّمة دينيا، الإجرامية قانونيا، عن واقع المجتمعات التي نشأت فيها هذه الظاهرة واستفحلت، ولا يُستبعد أن تنتقل منها –كسواها- إلى مجتمعات أخرى تحذو حذوها على صعيد انحلال القيم وافتقاد الضوابط والوازع الذاتي على وجه التخصيص، ولئن وجد فيها الآن بعض هذه الصور والممارسات البشعة، فالخطر كبير أن تتحوّل أيضا إلى "ظاهرة اجتماعية" متفشية، وأن تصبح –كما أصبحت في معظم الدول الغربية- مستعصية على الحلول الجذرية العاجلة.

*   *   *

إنّ توجيه أصابع الاتهام إلى الكنائس الآن لا ينبغي أن يغيّب استحالة فصل الممارسات الكنسية على هذا الصعيد عن حقيقة أنّ الظاهرة نفسها ولدت على أرضية فكرية واجتماعية وسياسية وثقافية أخرى، لم تصنعها الكنيسة في العصر الحديث، بل من أبرز معالمها تحوّل الكنيسة نفسها إلى هيئة من الهيئات التي تحتكم إلى "منظومة قيم" يصنعها النظام العلماني السائد، مع كلّ ما يتفرّع عن ذلك من سلوك وقوانين، ومن خلل في العلاقات الاجتماعية على مختلف الأصعدة، مع تأكيد عدم تبرئة الكنيسة أو أيّ طرف آخر من المسؤولية الذاتية قطعا.

لا تنفصل ظاهرة الاعتداءات الجنسية على الأطفال والناشئة عن ظاهرة تفشّي ظاهرة اغتصاب النساء، وظاهرة "الرقيق الأبيض"، وتحويل "منظومة القيم" لتبيح ما يسمّى "العلاقات المثلية" ممّا نعرفه بعنوان اللواط والسحاق، وتفكّك العلاقات الأسروية، وسواد منطق قائم على "انتزاع" الحقوق بالقوّة وما نشأ عن ذلك من استغلال الأقوى للأضعف في المجتمع الواحد.

إنّ انهيار العلاقات بين الجنسين إلى صور أقلّ ما يقال فيها إنّها "فوضوية" تقوّض خلية الأسرة ركنا يحفظ للمجتمع أهمّ دعائم بنيانه القويم، هو جزء من تكوين المجتمعات العلمانية الحديثة، بعد أن انحرفت بها مقولات الحداثة المعادية للعقائد السماوية وقيمها وضوابطها، عن مقولات "تحرير الإنسان" في الفكر التنويري الأوروبي الأول.

*   *   *

في هذا الإطار أصبحت الكنيسة عضوا تنظيميا في مجتمع لا تملك فيه أسباب التأثير من منطلق عقدي قويم، ومن منظومة قيم دينية ذاتية، ولم يعد الشعار العلماني "فصل الدين عن الدولة" مقتصرا على ما كان عليه في البداية، أي فصل هيئة الكنيسة عن ممارسة السلطة، بل أصبح واقع المجتمعات العلمانية قائما على شبيه ما قامت الكنيسة عليه في عهود استبدادها القديمة، أي على السعي لفرض ما يصل إليه التسلط العلماني من متغيّرات "فرضا" على الجميع، مرحلة بعد مرحلة، عبر تقنين "قيم" تتغيّر وتتبدّل على حسب موازين التأثير في صالح من يملك أسباب القوة –بأشكالها المختلفة، لا سيما المالية- للتغيير.

في هذا الإطار تحوّلت الهيئة الكنسية بمختلف تفرّعاتها إلى طرف معرّض لضغوط التغيير العلمانية على هذا النحو، ومن ذلك ما يرتبط بالعلاقات بين الجنسين.. ولا تنقطع مطالبة الكنائس للتخلّي مثلا عن معارضتها، للإجهاض، أو العلاقة الجنسية خارج نطاق الأسرة، أو الإقرار بمشروعية السحاق واللواط.. وما شابه ذلك.

من هنا أيضا أصبحت الأخطاء الذاتية للكنيسة في ميدان الاعتداءات الجنسية على الأطفال والناشئة، ورقة أخرى من أوراق الضغوط على الكنيسة، لتبدّل ما لا تزال تتمسّك به من تعاليم محورها الحفاظ على تكوين الأسرة، أي "الأسرة التقليدية".. كما باتت توصف في الأدبيات الغربية، للتأكيد أنّ تكوين الأسرة من زوجين وأولاد، هو "مجرّد شكل من الأشكال الأسروية" وبالتالي لا ينبغي لأيّ طرف في المجتمع –بما في ذلك الكنيسة- أن يعارض وجود أشكال أخرى، سواء المعاشرة بين الجنسين دون زواج، أو ما بات يُسمّى زواجا من علاقات مقنّنة للسحاق واللواط.

*   *   *

لقد شهدت المؤتمرات الدولية العملاقة ذات العلاقة بالسكان، والمرأة، والأوضاع الاجتماعية، والتي نشأت من البداية لتعميم ما ساد في المجتمعات العلمانية الغربية على سواها.. شهدت تلاقي الكنائس المسيحية مع جهات إسلامية على "مقاومة" الضغوط الكبيرة الجارية عبر "الحكومات الغربية" تخصيصا لتمرير ذلك التعميم عبر "حكومات" قائمة في الدول الأخرى، لا سيما في البلدان الإسلامية.

ولئن تعرّضت الكنائس إلى مزيد من الضغوط في هذا الاتجاه، واستجابت لتلك الضغوط، كما اضطرت للاستجابة إلى ضغوط سابقة في مجالات مشابهة، فلا ينبغي في البلدان الإسلامية انتظار أن تصل الأمور إلى أوضاع شاذة مماثلة.

يجب التأكيد أنّ الدعوة إلى ترسيخ "فصل الدين عن الدولة" وتوسيع نطاقه، في المجتمعات المسلمة هي دعوة إلى تقويض ما بقي من "القيم الدينية" لصالح "الرؤى" العلمانية التي تنشر تحت عنوان "الحريات الإنسانية" ما شاءت نشره من انحرافات، لا تشمل الجانب المادي وحده، كفتح الحدود أمام السلع والاستثمارات الأجنبية دون ضوابط، ولا تقتصر على صناعة "دويلات" مجزأة بدعاوى انتقائية لتطبيق ازدواجي على طريق التفتيت لإضعاف الجميع.. بل تشمل في الوقت نفسه الجوانب الإنسانية الأخرى، القائمة على منظومة القيم بالذات.

ومنظومة القيم هي التي تصنع التميّز الحضاري والثقافي والاجتماعي، والمطلوب علمانيا ألا يكون للدين دور في صناعة هذا التميّز، بغض النظر عن وجود "هيئة دينية" في السلطة أو عدم وجودها.

وإنّ من يُطلق هذه الدعوة في البلدان الإسلامية مع الزعم بأنّه لا يستهدف منظومة القيم فيها، أو أنّه لا يريد سوى ترسيخ الحريات والحقوق "المدنية"، أو لا يريد سوى الحيلولة دون قيام سلطة "ثيوقراطية" على هيئات دينية.. إنّما يتحرّك وفق ما تفرضه الظروف حاليا، تماما كما صنع العلمانيون الأوائل في المجتمعات الغربية، مع التمهيد لتغيير تلك الظروف، والوصول في نهاية المطاف إلى المرحلة الراهنة في الدول العلمانية الحديثة.. التي يمضي في مسيرتها على صعيد تقويض القيم فيها، حذو النعل بالنعل، ولن يتوقّف قبل أن يدخل "جحر الضبّ" الذي دخلوا فيه.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ