ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 14/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

يا سيد "أوباما": 

إن لم تكن هذه حرباً علي الإسلام، فماذا تكون؟

أ.د. ناصر أحمد سنه*

هذه السطور ليست تأجيجاً لنيران "الكراهية" للإنسان الغربي، فالغرب (ليسوا سواء). الغرب ليس كتلة واحدة/ موقفاً واحداَ/ عداءً شاملاً، بل إن منهم من يناصر قضايانا، ويدافع عن حقوقنا أكثر من أناس من بني جلدتنا. ولا هي دعوة للقطيعة مع حضارته، تلك التي أسهمنا في بنائها، ولنا عليهم"ديَن مستحق" أعترف بعضهم به مؤخراً. لكنها تأتي ـ كغيرها من السطور الكثيرة في هذا الشأن ـ محاولة "للمكاشفة"، وتشخيص "الداء"، ومن ثم البحث عن " الدواء". فكاتب هذه السطور، شأن بقيه أفراد أمته العربية الإسلامية، يريدون التعارف والاعتراف والتعايش، وفق ما أرداه لنا خالقنا، سبحانه، علي أرضه التي تسعنا جميعا دون ظلم، أو قهر أو بغي أو طغيان أو عدوان أو احتلال، أو إقصاء، أو قتل أو أنتهاب، بل التعايش بـفضيلة"التقوي": "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ" (الحجرات:13). 

"إن الولايات المتحدة ليست في حرب مع الإسلام، ولم تكن يوما كذلك، ولكنها في حرب ضد المتطرفين الذين يجب أن لا نسمح لهم بتشويه صورة الإسلام". عبارة أطلقها الرئيس الأمريكي "أوباما" في جاكرتا باندونيسياـ ومن قبل في جامعة القاهرة، وأظن أن الذين ابتهجوا لعهد جديد، وصفقوا كثيرا له يشعرون بالندم علي إرهاق أيديهم، فضلا عن تجشمهم عناء الحضور والاستماع له. فهو لا ولن يختلف عن سلفه الجمهوري، إنها سياسات مؤسسات ثابتة قارة، لا هوي ساسة يتغيرون.

في السياسة، التي كانت "فن الممكن"، وباتت (فن الخداع، وعدم احترام عقول الناس)، ولسنا بمخدوعين ولا مغيبي العقول، قولهم (لا) تعني: (نعم)، وقولهم (نعم) تعني:(ربما/احتمال). هم يقولون "لا حرب مع الإسلام"، والحرب قائمة علي عدة جبهات، يراها كل ذي عين إلا من كان به رمد أو هوي أو مطمع لديهم. ومع ذلك سيردك بعد قليل أدلتها وشواهدها الحديثة والقديمة في آن معا.

وتراهم يحاولون "تعمية وتورية، وكذباً وزوراً"، نفي مقولة "صموئيل هنتنتجون" بأن: (لا صراع بين الحضارات)، وهم لا يتوانون عن إشعاله وتزكيته والإعلان عن حسمه لصالحهم. يقولون: (نعم للحوار بين الثقافات)، وهم "لا يعترفون أصلا بوجودك فضلا عن ثقافتك وخصوصيتك، فيستعلون ويهيمنون عليك". لذا تأتي الخطب والخطابات العدائية العنصرية غير العلمية وغير ذات المصداقية من "بابا الفاتيكان" في محاضراته؟. ولذا يأتي تدنيس مقدساتنا وأهمها القرآن الكريم، وتأتي الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الأكرم صلي الله عليه وسلم وتكريم لفاعلها، تحت دعاوي "حرية التعبير". أين تلك الحرية المزعومة من المحاكمات لمن يقترب من الصهيونية و"الهلوكوست" والأساطير المؤسسة للدولة الصهيونية.

وعلي جانب آخر، والشيء بالشيء يُذكر هنا وهناك: (لا مساس بالفقراء، ومحدودي الدخل)، بينما هم يسحقونهم جوعاً وفقراً، ويقتلونهم ذلاً ومرضاً،. ومع الفارق هناك في فرنسا تظاهرات لرفع سن التقاعد، لزيادة موارد الدولة، وفي بريطانيا تظاهرات طلابية لرفع الدعم عن .التعليم، وزيادة الرسوم الدراسية ثلاثة أضعاف

ويعلنون: (سنحرص في السنوات الخمس القادمة علي العناية بالفقراء والبسطاء)، وأين كنتم طوال ثلاثة عقود في السلطة والسلطان. ويؤكدون (نحترم القانون)، ولا ينفذون أحكامه النافذة، و(نتطلع إلى انتخابات حرة نزيهة)، ومن ذا الذي يمنعكم ـ وانتم المتحكمين فينا ـ من تنفيذ تطلعاتكم؟!

وهناك حيث قال "اوباما" قولته تلك، تم سلخ "أقلية مسيحية" كانت تعيش كجزء أصيل من الشعب الاندونيسي، في "تيمور الشرقية" ككيان منفصل عن اندونيسيا" وتم إعطاء زعيمها المنشق جائزة نوبل. أليس أهل "كشمير" المسلمين لهم "حق تقرير المصير" كشعب "تيمور الشرقية" ليحلوا مشكلتهم مع الاحتلال الهندي منذ ما يزيد عن خمسة عقود؟. وفي تلك الفترة أيضا لماذا كان الحرص باديا لسلخ "بنجلاديش" ككيان منفصل عن باكستان لصالح هيمنة الهند وسطوتها ونفوذها؟.

ولمصلحة من الإخلال بالتوازن الإستراتيجي بين الجارتين النوويتين باكستان والهند؟. فتري الرئيس الأمريكي "أوباما" في زيارته للهند يضغط بشدة: (لم تقم باكستان بواجباتها المطلوبة لمحاربة الإرهاب)، ويضرم النيران في الحروب الأهلية الدائرة بين أبناء الشعب الواحد في باكستان، ومع جاراتها أفغانستان. بينما الهند في سباق من التنمية والنمو والريادة والكفاية.

ثم احتلال لأفغانستان منذ ما يقارب عقد من الزمان، بعد عقود من احتلال الروس لها، أهو التناوب عليها لأهميتها الإستراتيجية وليس بدعوي قتال أفراد القاعدة (أين كانت القاعدة أيام احتلال السوفييت لها؟)، وبدعوي الثار لبرجي التجارة، (مازالت الشكوك تتوالي كل يوم عن المدبر والفاعل والمستفيد الرئيس من أحداث سبتمبر). من أجل ثلاثة آلاف قتيل، تم قتل الملايين، وتشريد وتهجير وتعذيب أمثالهم، وتدمير وتخريب دول ومجتمعات.

لا تجد علي أرض الغرب جيوشا مسلمة غازية، فلماذا تغزوننا؟، من أجل محاربة أفراد وهل تجيش جيوش العالم وحلف الناتو من أجل قتال أفراد. ومع ذلك أنتم تجرون أذيال الهزيمة أمامهم وما استقالة "ماكريستال من قيادة القوات في أفغانستان منا ببعيد. لقد مضي ما يقرب من عقد من الزمان علي احتلال أمريكي/أطلسي/ عالمي/ عولمي لأفغانستان وما حولها من باكستان وقواعد عسكرية وإمدادات هنا وهناك في قرغيزيا  وغيرها من البلدان المجاورة الخ، فأين أكاليل النصر، وأهازيج الفرحة، ونشوة الفوز، وتوزيع الغنائم، وإعداد الولائم من التخبط والاستكبار والاستقالات والانتقادات، والكُفلة المادية والمعنوية والبشرية؟. إن الأكفان والنعوش والأحذية العسكرية تتري وتتوالي محمولة عائدة ـ بشرف وفخر إلي بلدانهاـ يبكي ذووها، بينما لا يبالي أهل الحرب والاحتلال، والاستغلال والاٌستنزاف بهؤلاء وأولئك.

إن ما لا يريد أن يدركه هؤلاء المحتلون وأذنابهم من سابق تجربة احتلال "الدب السوفيتي" أن شعوب وسط وجنوب آسيا المسلمة لا ولن يرضي بالضيم والذل والاستكانة والاستعباد شان غيره من الشعوب الحرة الأبية. لقد  صدعوا رؤوسنا إبان الاحتلال السوفيتي بأن: "الأمريكيين وغيرهم، هم من ساعد الأفغان علي التحرر وهزيمة السوفييت، وأن ذلك أسفر عن وجود القاعة والطالبان". يبقي السؤال: من الذي يساعد هؤلاء ألان في مقاومة استمرت لنحو عشر سنوات وستستمر ولو لعشرات أخري حتى هزيمة وخروج المحتل، وعندئذ ماذا ستسفر عن مواقف وترتيبات ونتائج مستحقة؟؟.

ما أظهرته استقالة "ماكريستال"، وخلفياتها البادية للعيان (وما خفي كان أعظم): إنهم متنابذون ومتلاومون ومفرقون ومضطربون ومذعورون وخائبون وعاجزون ومنهزمون ويجرون أذيال الخيبة عائدين "بخفي حنين" كما جرها السوفييت من قبل. فأرض أفغانستان وباكستان وما حولهما لأهلها، والحرية لشعوبها لينعموا بها كما ينعم سائر الشعوب.

ثم هناك "سياسة الكيل بعدة مكاييل"، فتجد غض الطرف عما يحدث من قبل الصين من قمع وقهر لـ "تركستان الشرقية"، وبخاصة لقومية الإيغور المسلمة، وفي الشيشان من قبل الروس، ومن قبل الحكومات الدكتاتورية في جمهوريات أسيا الوسطي في طاجيكستان وأوزبكستان وغيرهما، لكن تري الدفاع المستميت عن جورجيا. ولماذا تكريس النزاع دون إنهائه حول "ناجورنو كراباغ" بين أذربيجان وارمينا؟.

 

المسلسل الغربي الإمبريالي لـ"تجزئة المجزأ، وتفتيت المفتت"

 نراه، يُكرس له من ما يزيد عن ربع قرن في جنوب السودان وحان وقته في يناير 2011، وسيتكرر ذات السيناريو  التفتيتي في غرب السودان (دارفور)، وشرقه ليكون السودان أربع كيانات. وربما يأتي الدور علي مصر، نوبة، ومسيحيين، ومسلمين. وفي الصومال انفصل كيان "أرض الصومال" ودمر الصومال كدولة من إسقاط نظام "سياد بري"العام (1991م). وها نري "اليمن السعيد" وما به من "حرب أهلية" ومحاولات انفصال جنوبه أيضاً.

لماذا تستمر أسبانيا لقرون في احتلال مدن مغربية هي "سبته" و"مليلة"؟، ولماذا تمتلئ الصحراء الإفريقية الكبري بالقواعد العسكري المتعددة الجنسية (أمريكية وفرنسية الخ)؟.

لماذا تعتدون علي سيادة الدول الإسلامية؟ وتتدخلون في شئونها صغيرها وكبيرها؟. فكما يفعل "جون كيري" في السودان، لماذا لا نري فريقا من السياسيين المسلمين يجوب ولايات الجنوب الأمريكي ليكرس انفصالها التام عن ولايات الشمال، وإجراء استفتاءات بها لقيام دول عليها؟. ولماذا لا نتدخل من أجل قيام دولة للباسكيين شمال اسبانيا وجنوب فرنسا. ولماذا لا نتدخل كي تنقسم بلجيكا (حيث بروكسل، وما أدراك ما بروكسل) حسب اللغة (هولندية وفرنسية) إلي دولتين منفصلتين.

عقب انهيار "الإتحاد السوفيتي" السابق.. انفصلت في هدوء مولدوفيا ولاتفيا واستونيا، كذلك تشيكيا عن سلوفاكيا (ضمن تشيكوسلوفاكيا). كذلك استقلت سلوفينا ومقدونيا، وكرواتيا والجبل الأسود وصربيا إلا الجمهورية السادسة في نطاق الإتحاد اليوغوسلافي وهي "البوسنة والهرسك" فكان ما كان من مذابح ومجازر للمسلمين البوشناق، وأسفر استقلالها بعد كل هذا الثمن الباهظ عن "اتحاد بوسنوي كرواتي". فلماذا دفع المسلمون من دمائهم الذكية كل هذا الثمن؟. كي لا تكون دولة مسلمة داخل أوربا، هكذا قالوها كثيرا سفاحي صربيا.

لماذا تمنعون تركيا من دخول "النادي الأوربي المسيحي" في حين تعطون العضوية لشطر الجزيرة القبرصية اليوناني. هذا الشطر الذي يرفض توحيد شطري الجزيرة القبرصي التركي واليوناني. وثالثة الأثافي محاصرة تركيا وعقابها علي أسطول الحرية وتقدي شهداء من مواطنيها من أجل فك الحصار الظالم عن غزة. لذا فلا إجراء لمفاوضات حول الموضوع النووي الإيراني في اسطنبول بل في النمسا أو في سويسرا (حسب ما أعلن من أخبار يوم الجمعة 12 /11/2010).

لماذا تصدرون إلينا نزاعاتكم الداخلية عبر اصطناع عدو تلو آخر؟. ألكي تحافظون على تماسك نسيجكم الاجتماعي الفسيفسائي الهش، وتجلبون مزيداً من التنازلات ضمن الهيمنة والعولمة. (فالعدو الأخضر بعد العدو الأحمر), و(الإرهاب العربي/ الإسلامي العالمي بعد الحرب الباردة).. ولبدء (حربكم الساخنة علي العالم الإسلامي) سبقتموها بمقولات مثل: (صدام الحضارات) و(نهاية التاريخ) و(نهاية الأيديولوجيا), إلخ.

لماذا تساندون لمناخ الاستبداد وصوره، مادامت مصالحكم/ بل مطامعكم يتم المحافظة عليها، وكأن الحرية والديمقراطية والمساواة وحقوق الإنسان وقفٌ فقط عليكم دون أن ينعم بها غيركم؟.

لماذا تغطي قواعدكم العسكرية أغلب بلداننا الإسلامية حتي تحول بعض البلدان إلي قواعد عسكرية فقط؟. ولماذا تحتل الأساطيل الحربية الغربية بحارنا، وتخوض ممراتنا المائية عنوة، وتجوب محيطاتنا دونما استئذان؟، بل تراها متوجسة تقتل أفرادا، وتعيث فسادا ولا حسيب ولا رقيب.

أما علي صعيد الجوانب الحضارية والثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية الخ، وبعيدا عما يسمونه "التفكير التآمري"..(فالتآمر في التاريخ موجود غير منكور، بيد أن ليس كل التاريخ تآمر). وما الوثائق السرية التي تم نشرها علي موقع ويكلوكس منا ببعيد. حدث ولا حرج.. عن العداء والتزييف والاستنزاف والنهب والتشويه والتغييب، ومساندة القهر والاستبداد والمستبدين، وتكريس الفقر والجهل والمرض والتبعية والذلة والمهانة،"قصف" العقول، واحتلالها، والتلاعب بها و"تخديرها"، و"عبادتها" وتقديسها، وغسل الأدمغة، وتغريبها الخ.

لماذا الحرب مشتعلة مستمرة علي شعائر ومظاهر وخصوصيات وحريات المسلمين في الغرب ومحولات عنيفة.. كرها وطوعا وقانونا لذوبانهم وتذويبهم في المجتمعات التي غالبها قامت علي تعدد الثقافات والإثنيات والعرقيات لكن كل هذا يقف عند المسلمين فليس لهم ما لغيرهم من اليهود والهندوس والسيخ، وتتغول عليهم العلمانية الشاملة الخ.

أحرام علي بلابله الدوح = حلال للطير من كل جنس.

تتشدقون بحقوق الإنسان (الغربي فقط)، فلماذا إشاعة الإذلال والإهانة عبر الإبقاء وعدم المحاسبة الفعالة لما حدث ويحدث في سجون جوانتمو وأبو غريب وباجرام، وسجون الإحتلال الصهيوني حيث 11 الف أسير وأسيرة فلسطينية.

لماذا تكون شعوبنا وزراعاتنا حقول تجارب لصناعاتهم الرأسمالية؟. لماذا أرضنا مقابر لنفاياتهم السامة والنووية؟. إنك لا تجد  لا شركة إسلامية عابرة للجنسية. بالأمس القريب قامت الدنيا ولم تقعد في أمريكا لصفقة لشركة دبي للموانئ البحرية" للإشراف علي عدد من الموانئ الأمريكية، فأين "العولمة الاقتصادية" وحرية تنقل رأس المال؟. بينما شركاتهم العابرة للقارات تنهب ثرواتنا وموادنا الخام بأبخس الأسعار وتعيدها سلعا ترفيهه بأغلى الأثمان. مع حرماننا من أسس وأسرار التقنية والتصنيع والمعرفة العلمية.

انتم تبقون الدول العربية والإسلامية ضمن منظومة (العالم الثالث.. المتخلف/النامي) تتناوبها الأمراض والعلل التي في أغلبها انتم سببها: فقرا.. وتكريسا له، وديونا وتراكم فوائد تستحيل على السداد. وعبر مؤسساتكم البحثية المختصة، وتمويلكم لتقاريرها التي ترصد معدلات التنمية تشيعون مناخًا "بحتمية" العجز والتخلف على هذه الدول. أنتم تفرضون الهيمنة والارتهان والإلحاق الثقافي والاقتصادي عبر تلك الشركات المتعددة الجنسية، وصندوق النقد الدولي واتفاقيات تجارية عالمية تُبقي على أسواقنا مفتوحة ـ فقط ـ للأقوى, وفق نظرية الخمس أو 20/80 (فالغرب خمس العالم يتحكم في 80% من الثروة في العالم، وباقي العالم لديه فقط 20% من الثروات).

 

عود علي بدء

 إنك إذا تأملت خارطة العالم الإسلامي تجد "حصارا تاماً" من أطرافه، كما تجد خناجر إحتلالية في قلبه وخاصرته. هذا الحصار، وتلك الخناجر هي صور جديدة متجددة، ليست وليدة اليوم والليلة بل   تنم عن جذور عميقة من العداء والكراهية للإسلام منذ ظهوره، كما أكد ذلك الجنرال "جلوب باشا" (1897-1986م):"إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط ،أي مشكلة الغرب مع الشرق افسلامي، إنما يعود إلي القرن السابع للميلاد!!، أي منذ ظهور الإسلام) (انظر أ.د. محمد عمارة:الإسلام والغرب.. افتراءات لها تاريخ، مركز الإعلام العربي2006م، ص:17).

فقد بذلت محولات عدة لاحتوائه داخل الجزيرة العربية وضمن لإطار العرب في المدينة ومكة فقط. :"وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" (البقرة:109). فتوالت سلاسل محاربته، والهجوم عليه، والكيد له والافتراء عليه إلي يومنا هذا.

فالإغريق والرومان والبيزنطيون احتلوا الشرق، وقهروه حضاريا ودينيا وثقافيا ولغوياـ  لعشرة قرون من الإسكندر الأكبر (356-324 ق.م.) في القرن الرابع فبل الميلاد ، وحتى "هرقل" (610-641م) في القرن السابع للميلاد. ولما حررت الفتوحات الإسلامية بلدان الشرق، ونفوس وعقول شعوبه عادت الحروب الصليبية التي دامت قرنين من الزمان (1096-1291م)، وفيها تحالف الغرب (الرافع أعلام وشعارات النصرانية) مع التتر الوثنيين ضد الإسلام والمسلمين. ولما حررت دول الفروسية الإسلامية الشرق من نير الصليبين وأزالت قلاعهم، ومحت مستوطناتهم، عاد الغرب الاستعماري، منذ إسقاط غرناطة (1492م) بغزواته الحديثة ليلتف حول العالم الإسلامي، وليضرب، بغزوة بونابرت (1798م) القلب الإسلامي، ثم تم توزيع "تركة الرجل العثماني المريض" متحالفا من اليهود والصهاينة كما تحالف أول مرة مع التتر ضد الإسلام، منتهياً بزرع الكيان الصهيوني في فلسطين (1917 وعد بلفور ثم حرب 1948) قلب من العالم الإسلامي (أ.د. محمد عمارة:الإسلام والغرب،مرجع سابق، ص:11، وما بعدها).

لم يكن الغزو الصهيوني لفلسطين مجرد مرحلة من مراحل الاستعمار الغربي المتعدد المراحل والأوجه بل كان أبشع أنواع الاستعمار علي الإطلاق، كونه احتلالا عسكرياً استيطانياً إحلالياً.. قائم علي القضاء علي (الآخر) الفلسطيني بشرياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وحضارياً وثقافياً.

لماذا تقضون على سبل وحدتنا وعوامل توحدنا مستقبلا، بزرعكم رأس حربة لكم, ويد طولى، وترسانة متقدمة لأسلحتكم. وباصطناعكم الحدود والسدود، وإبقائكم لمواضع توتر وتنازع بين كيانات تتناحر لا أن تتكامل؟

ولمدة ثمانية أعوام (1980-1988م) تم إيقاد الحرب بين العراق وإيران (لوأد الثورة الإسلامية الوليدة في إيران)، ثم اإحتواء المزدوج لكليهما فيما بعد. وضُرب الصهاينة للمفاعل النووي العراقي 1981م، واحتلت بيروت 1982م،، وأثاروا عاصفة الصحراء 1991م، والتدخل العسكري للإجهاز علي الخيار الديمقراطي للشعب الجزائري 1992. ثم سبع عجاف مرت علي احتلال الخاصرة الإسلامية في العراق، وقبلها ما يزيد عن خمس عقود عجاف مرت علي احتلال القلب في فلسطين، قضية القضايا، ومفتاح نهوض العالم العربي الإسلامي.

في كل هذا وذاك فتش عن إضعاف هذا العالم الإسلامي وإنهاكه ونهب موارده الطبيعية. وعلي الرغم من الضعف والوهن الحضاري والغثائية التي يعانيها عالمنا العربي والإسلامي: (لماذا تحاربوننا وتعادوننا، وتحتلوننا). هل لمعرفتكم بما نحن غافلون عنه من إمكانات ثقافية واجتماعية واقتصادية للنهوض؟, والذي إذا ما حدث فستتراجعون انتم بعد نجاح وسيادة، وربما يصل أمركم إلى التفتت والتشرذم، الأمر الذي تسعون لتكريسه فينا خشية أن يصيبكم!

يا سيد "اوباما": إن لم تكن كل هذه الدلائل والوقائع والشواهد حرباً علي الإسلام ، فبالله عليك ماذا تكون؟. ليس ثمة عمل لإصلاح العلاقات الأمريكية/ الغربية المشحونة مع العالم الإسلامي سوي:

- الخروج من أرضنا لنقرر مصيرنا، فليس الصراع مع أفراد يبرر احتلال الدول. قوموا بنقل صراعاتكم وحروبكم إلي أراضيكم.

- الكف عن دعم وحماية وإبقاء النظم الاستبدادية السلطوية البوليسية، التي تقهر شعوبها، وتكبت حرياتها وتعيق نموها ونهوضها.

- الكف عن دعم الكيان الصهيوني، وإن كان "طفلكم المدلل"، فقوموا بإنشاء "وطن يهودي خالص" له علي أراضي ولاياتكم الأمريكية/ الغربية.

- الكف عن نهب ثرواتنا ومقدراتنا.

- الاعتراف بالتعددية الثقافية والخصوصيات الحضارية لشعوب العالم، ومنها شعوب العالم الإسلامي.

يبقي السؤال الكبير والأهم:إذا كانت هذه شواهد الحرب فهل نبقي كالحملان الوديعة، مقيدين مخدرين بأقوالهم وإعلامهم و"تسليتهم المُخدرة"؟. كذلك ممنوع علينا الصراخ عند قتلنا، كي "لا تزعجونا وتزعجوا شعوبنا، فلن نجعلهم يتعاطفون معكم، أو أن يذرفوا دمعة حزناً عليكم. كفاكم فخرا وشرفا أننا نقتلكم ونستبيحكم ونشردكم ونهدم بيوتكم وعشوائياتكم، ونقبل نفطكم وثرواتكم، ونخفف ـ بقتلكم ـ من "إحترار الأرض، وازدياد سكانها"جراء وجودكم، ووجود زيتونكم وكرومكم.. وإسلامكم".

أما علي صعيد الحرب علي الإسلام كدين خاتم للرسالات السماوية السابقة، فهيهات هيهات أن ينالوا منه شيئا فهو عصي عليهم، وهم (كناطح صخرة ليوهنها، فأضر قرنه الوعل). فعلي الرغم كل تلك الحروب التي شنت عليه منذ ظهوره، يكسب الإسلام كل يوم أناسا جددا، وقناعات به جديدة، وأرضاً جديدة. تبقي المشكلة فينا نحن المسلمون، فـ"كما الهزائم تتراكم، الانتصارات، وإتباع سننها ونهجها كذلك تتراكم": "إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ" (غافر:51)، ويقول تعالي:"... وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم"ِ (آل عمران:126).

ـــــ

*كاتب واكاديمي.

nasenna62@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ