ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 11/11/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

دروس من الواقع الأوروبي (1)

ليسوا سواء .. ولسنا صِفرا

بقلم د. صلاح الدين النكدلي

http://www.iid-alraid.com

أعرف أخاً كريماً يبذل جهداً نوعياً في التواصل مع مؤسسات المجتمع الألماني وشخصياته ، ويرى أن هذا السلوك تعبير صادق عن (المواطنة) وممارسة واعية للقيم الأخلاقية الإسلامية في المجال الاجتماعي ، ويؤكد أن نتيجة هذا التواصل تظهر في بناء جسور التعارف والتآلف ، والتعاون على الخير العام ، وفي إزالة الشبهات المغرضة أو الجاهلة التي تثار ضد الإسلام والمسلمين ، وبخاصة ضد المؤسسات الإسلامية .

أخبرني هذا الأخ الفاضل أنه كان يلتقي في المناسبات الرسمية بمسؤول كبير في شرطة المدينة حيث يسكن ، وذات يوم قال له مسؤول الشرطة : نحن نفكر بتنظيم لقاءات مع مسؤولي المسجد عندكم ، بقصد تبادل المعلومات ونقل الخبرات بخصوص (جنوح الشباب) . لقد اكتشفنا أن لديكم تجربة ناجحة في توجيه الشباب وحمايتهم من الجريمة والمخدرات ، وتوجيههم ليكونوا أعضاء صالحين في المجتمع .

فأجابه الأخ مستغرباً : هذا طلب عجيب! ألستم أنتم الذين تتهمون المسجد بالتشدد والتطرف ؟!

فقال المسؤول : عفواً . لسنا نحن الذين نكتب عنكم ما تقول ، وإنما جهة أخرى (سماها) . أما نحن في قسم الشرطة فنرى أن المسجد قد أحرز نجاحاً كبيراً في مجال حماية الشباب من الانحراف ، وفي تزويدهم بقيم أخلاقية راقية تجعل منهم مواطنين جيدين .

سأله الأخ : وكيف توصلتم إلى هذه النتيجة ؟

فأجاب المسؤول : عندما كنا نحقق مع عدد من الشبان الذين اقترفوا مخالفات قانونية ، كنا نسألهم عن نشأتهم ، وعن أصدقائهم وعلاقاتهم ، فاكتشفنا من أجوبتهم الآتي :

1-كان هؤلاء الشبان يترددون في طفولتهم وأوائل شبابهم إلى المسجد ، ويحملون في قلوبهم صورة إيجابية عن الخدمات التي كانت تقدم إليهم ، ولديهم ذكريات جميلة عن أصدقائهم الذين كانوا يلقونهم في المسجد لتعلم العربية والتربية الدينية .

2-وحين سألناهم عن أصدقائهم الذين كانوا معهم في المسجد ؟ كان جوابهم : إن فلاناً طبيب ، والآخر محامٍ ، والآخر تاجر .. إنهم أصحاب خلق قويم ، ويحيون حياة إيجابية منتجة .

3-ولاحظنا الأثر الإيجابي للمسجد حتى عند هؤلاء الجانحين ؛ فالذين ترددوا في طفولتهم إلى المسجد يتمتعون بأخلاق تميزهم عن الآخرين ، مثل : (الحياء ، والاعتراف بالخطأ ، والندم على ما ضيعوا من فرص وسنوات من عمرهم ، والاستعداد لاستئناف حياة إيجابية من جديد ..) فهذه قيم أخلاقية تمثل أساساً قوياً للإصلاح .

*    *    *

لقد أوحت إليَّ هذه القصة بعدد من المعاني الكريمة أسردها على النحو الآتي :

أولاً : إنّ المجتمع الأوروبي ليس كتلة واحدة متجانسة ؛ ففيهم أصحاب مباديء وأخلاق اجتماعية راقية ، وهؤلاء تلمس عندهم الاعتدال والإنصاف في نظرتهم إلى الإسلام والمسلمين . وفيهم من ساء ظنه متأثراً بمعلومات خاطئة أو مغرضة ، أو مسحوراً بما يبثه الإعلام الجاهل أو المتعصب ضد الإسلام .

وينبغي أن يفرق المسلمون بين هذين الصنفين من الناس ، عملاً بتوجيه الآية الكريمة : ((وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ...)) [آل عمران : 75] . فهذه الآية تطالب المسلمين بأن تكون علاقاتهم طبيعية مع أصحاب المباديء والقيم الخيِّرة ، وهذا يسهم في تجلية الحقائق ، ويحاصر مكر المفترين والجاهلين .

أما الذين لا يلتزمون بمباديء الحق والعدل ، فالصبر عليهم ضروري ، ومجادلتهم بالتي هي أحسن تخفف من عدوانيتهم ، والتجاوز عن أخطائهم مصحوباً بالإحسان إليهم من أخلاق الأنبياء ، وما أروع توجيه القرآن في هذا الصدد : ((وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)) [فصلت : 34-35] .

ثانياً : إنّ المؤسسات الإسلامية تقدم -في حدود ما تملك من إمكانات وطاقات- خدماتٍ ثقافيةً وتربوية إيجابية ، وتترك في محيطها آثاراً طيبة لا ينكرها إلا مكابر ، وهي بذلك تترجم -ولو جزئياً- قول الله عزَّ وجلَّ : ((وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)) [آل عمران : 104] وقوله سبحانه وتعالى : ((وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )) [الأنبياء : 107] .

إنّ الإنسان الصالح في نفسه ، والساعي في إصلاح غيره ، يترك بصمات طيبة في مجتمعه ، وهذا يعني أنه لا يوجد إنسان -مهما كان محدود المعرفة والإمكانات- إلا ويستطيع أن يقدم للناس شيئاً حسناً ، فلا يصح أن نستخف بالجهود القليلة التي نملكها ونقدمها بنية الإصلاح ، فالله تعالى يبارك في القليل ، وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلّم يؤكد عليه كثيراً ، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : « لا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئاً ، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْق » رواه مسلم وغيره .

ثالثاً : إنّ أبناء المسلمين الناشئين في أوروبا قد تتأثر طائفة منهم بأفكار وعادات غير مقبولة من الناحية الشرعية ، وإنّ التبكير في العناية بهم وتوجيههم إلى الخير يعصم كثيرين من الوقوع في الجريمة ومن الضياع في عالم المخدرات .. وإنّ غرس قيم الإسلام الحنيف في النفوس يزود الناشئة بمعانٍ إيجابية تنفعهم ، حتى وإن انحرفوا عن الطريق المستقيم سنوات ، فهذه الأخلاق الكريمة التي غطتها الشهوات في مرحلة المراهقة والطيش ، ستنهض من تحت الغبار وتورق وتثمر من جديد .. بإذن الله عزَّ وجلّ .

وهذا الدرس البليغ مؤداه : ينبغي ألا نيأس من صلاح الأبناء الذين سقطوا في المعاصي ، بعد أن قدمنا لهم جهداً في نشأتهم الأولى ، فهذا الجهد الطيب لن يذهب سدى ؛ فثوابه ثابتٌ عند الله تعالى ، وسيعود بالأبناء إلى الاستقامة مهما ابتعدوا بسلوكهم عن الهداية الحقة .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ