ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 30/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مراجعات فكرية

(12)

الأمم والجماعات: بين الشباب و الشيخوخة

د نبيل الكوفحي

Nabil_alkofahi@hotmail.com

يتألم الدعاة خاصة والمسلمون عامة لحال الأمة في كل أرجاء الأرض، ويرثون حالها في السيادة والعدالة والتنمية وكل مجالات الحياة، وتكثر الكتابات والمؤلفات والندوات والمؤتمرات في البحث والتحليل في أسباب التردي الحضاري لدورها، ويزداد تألم الدعاة حينما يجدون أن الحركات الإسلامية الإصلاحية – على مختلف مناهجها- لم تتحقق غاياتها، بل ربما بعضها في تراجع، بالرغم من حجم التضحيات التي قدمت، وارتفاع في مستويات الإخلاص والتضحية  للغاية لدى الكثير من أتباعها.

إن معالجة هذا الحال تحتاج إلى إعادة نظر وإدراك سنن الله في الكون، حيث يقول سبحانه وتعالى ( وان تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم) ( محمد) ، فالأمم والجماعات تمر في مراحل حياتية كما يمر الفرد العادي من دورة حياتية، إذا لم تدرك أسباب الشيخوخة والفناء حتى تتجنبها، فإنها لا محالة آتية عليها.

يقول الإمام البنا في رسالة دعوتنا : أن مثل الأمم في قوتها و ضعفها و شبابها و شيخوختها و صحتها و سقمها مثل الأفراد سواء بسواء , فالفرد بينما تراه قويا معافى صحيحا سليما , فإذا بك تراه قد انتابته العلل و أحاطت به السقام ... قل مثل هذا في الأمم تماما , تعترضها حوادث الزمن بما يهدد كيانها و يصدع بنيانها و يسري في مظاهر قوتها سريان الداء, ولا يزال يلح عليها و يتشبث بها حتى ينال منها فتبدو هزيلة ضعيفة يطمع فيها الطامعون و ينال منها الغاصبون فلا تقوى على رد غاصب و لا تمنع من مطامح طامح, وعلاجها إنما يكون بأمور ثلاثة: معرفة موطن الداء, والصبر على آلام العلاج, و النطاسي الذي يتولى ذلك حتى يحقق الله على يديه الغاية و يتمم الشفاء و الظفر.

علمنا التاريخ أن الترف سبب في هلاك الأمم مؤمنها وكافرها، يقول تعالى ( وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا) ( الإسراء) ، وقرأنا كيف انتهت الدول الإسلامية بعد الخلافة الراشدة، فكان من الأسباب التنازع والتناحر مصداقاً لقوله تعالى ( ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم) ( الأنفال) .

ولكن ما حال جماعاتنا الإسلامية اليوم ؟ هل ينطبق عليها ما انطبق على الآخرين ؟ هل يمكن أن تصاب بالشيخوخة ؟

إن سنن الله التي تحكم حركة التاريخ لا تتغير، فعلى الدعاة تشخيص الأسباب التي قال الله عنها ( قل هو من عند أنفسكم)، وهذا يستلزم جهد علمي متخصص شفاف يبحث عن الحقيقة، يقوم به دعاة مخلصون يمتلكون أدوات المنهج العلمي في البحث يقومون ( كما يقول الراشد، في صناعة الحياة) برصد المؤشرات الخلقية والإيمانية الدالة على تماثل الموازين الحاكمة والمسيرة للحياة البشرية والمخلوقات والكون، وفهم ضرورة تناسق الخطة والتوجهات الدعوية معها,... إن هذا الفكر المتقدم الاجتهادي لا يقدمه سواد الدعاة وجمهورهم، وإن كان كل واحد منهم يعلم جانباً من ذلك أو جوانب ربما، كما أن القيادة لا تقدم هذا الفكر، وذلك لأن القيادة منشغلة بالإداريات وترهقها هموم منوعة.

من خصائص مرحلة الشباب الجسدية والنفسية: النمو والتجدد والبحث عن الجديد، والمبادرة والعزم وعدم اليأس، وجموح الأمل وارتفاع الطموح وعلو الهمة، وتقديم العام من المصلحة على الخاص، والاستعداد للتعلم والانفتاح على الآخر والتعاون معه، وأي خلل في أحداها يؤدي لانخفاض الروح الشبابية، وتسارع للوصول لمرحلة الشيخوخة.

في استقراء عام يلاحظ أن هناك تقادم في الأدوات والوسائل، وجمود في صياغة الأهداف والتعبير عنها بشكل جديد، ولا زال هناك تقديس لاجتهادات بشرية صلحت لازمان خلت، ربما لا تصلح لأزماننا هذه، ولا زال هناك تقييد لمناهج العمل بافتراضات ربما لم تعد قائمة، ولا زال منهج الإنابة عن الأمة في العمل والإصلاح  مسيطراً على كثير من أشكال التفكير، حتى إن طرق الخطاب والاتصال لم تطور بحيث تناسب أجيال الشباب الجديدة، التي أثرت في تفكيرها وأشكال اهتمامها المناهج الرسمية في التعليم المدرسي والجامعي، حتى أن التسارع في التغير في حياة الناس بالنسبة للوقت لم يراعى باهتمام.

التقييم الأولي لنجاح بعض " الدعاة الجدد " في فرض حضور مؤثر على عقول وسلوكيات الشباب، يستلزم إدراك أهمية التغيير في وسائل التعبير والاتصال للخروج من حال الضعف والتأثير والمراوحة في نفس المكان التي يصر عليها البعض، متناسياً ( أن الحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو أحق الناس بها)

إن عملية التقييم الذاتي المطلوبة ينبغي أن تعيد التفكير والإجابة على الأسئلة المحورية التالية:  ما هي مهمتنا؟ من نستهدف؟  وما هي خطتنا؟ ما هي نتائجنا؟ ولماذا أخفقنا ؟ وكيف نستفيد من السنن الإلهية في مسارنا الإصلاحي ؟ وكيف نجعل الدعوة والإصلاح منهج أغلبية الناس ؟ وغيرها كثير !

إن أخطر ما تصاب به الجماعات أن تتحول عن أهدافها الإستراتيجية التي أنشئت من اجلها، إلى هدف "  المحافظة على البقاء"، ليس كهدف مرحلي تفرضه طبيعة الصراع بين الحق والباطل، بل كصيرورة حياتية مستمرة تتقدم على الأهداف العليا واقعاً وممارسة. إن تحليل السلوك الجمعي لمجمل المسار العام الداخلي والخارجي يشير لتلك النتيجة بشكل واضح، وحتى لا يكون هذا الكلام عاماً دون الدخول في الأسباب والتفاصيل، فيلاحظ أن أحد المحددات الرئيسة لعمليات التفكير هي سيطرة هذه السياسة في التفكير على مدارس واتجاهات متنوعة في كثير من البلدان، وبالتالي فنحن أحوج ما نكون للتخلص من هذه " المدرسة التفكيرية" والتي اقرب ما ترتبط بمراحل متأخرة في حياة الإنسان العادي، حيث تتراجع القدرة على المبادرة والتغيير إلى منهج الحفاظ على الحياة بالحد الأدنى الذي يبقيها مستمرة، كغريزة حياتية لا أكثر.

إن الشباب هم الأكثر تأهيلاً للقيام بهذا الدور، بضخ الحيوية التي يمتلكونها في جسم الجماعات، بحكم الرغبة في الحياة الفوارة لديهم ، والقدرة على التعلم والمنسوب المرتفع للتضحية، والبحث عن آفاق أرحب لطاقاتهم، وهم محاسبون عن عمرهم مرتين كما جاء في الحديث الشريف ( لا تزولا قدما عبد يوم القيامة، حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه ، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن علمه ماذا عمل به).

فهذه دعوة للدعاة الشباب، أن يحرصوا على دعوتهم، فهي بيتهم الذي لا يستمر بإيوائه لهم إلا بصيانته وتجديده وإطالة عمره، وجعله جذاباً زاهياً يصدق فيهم وصف الإمام البنا (أيها الشباب: إنما تنجح الفكرة إذا قوي الإيمان بها، وتوفر الإخلاص في سبيلها، وازدادت الحماسة لها، ووجد الاستعداد الذي يحمل على التضحية والعمل لتحقيقها. وتكاد تكون هذه الأركان الأربعة: الإيمان، والإخلاص، والحماسة، والعمل من خصائص الشباب.... ومن هنا كان الشباب قديما و حديثأ في كل أمة عماد نهضتها، وفي كل نهضة سر قوتها، وفي كل  فكرة حامل رايتها (إنهم فتية آمنوا بربهم وزدناهم هدى ) (الكهف).

ومن هنا كثرت واجباتكم، ومن هنا عظمت تبعاتكم، ومن هنا تضاعفت حقوق أمتكم عليكم، ومن هنا ثقلت الأمانة في أعناقكم، ومن هنا وجب عليكم أن تفكروا طويلا، وأن تعملوا كثيرا، ورب سائل يسألكم : كم في الإمكان أبدع مما كان ؟ وكم ترك الأول للآخر ؟ ، وكأني بجمع الأمة يسمعكم تجيبون :  الكثير ... الكثير، كيف لا وانتم تنتظرون وعد الله لكم ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ, وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ) (القصص).

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ