ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 17/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مراجعات فكرية (11)

استعادة الثقافة العملية

د نبيل الكوفحي

Nabil_alkofahi@hotmail.com

هناك انحسار في الثقافة العملية عند كثير من ابناء الحركة الاسلامية مع نسيانهم لما قامت عليه اصل فكرة هذة الدعوة، اذ هي نموذج تنظيمي عملي لاحياء الامة واستعادة دورها الحضاري. فالناظر في انتشار الحركة الاسلامية الكمي والنوعي وحضورها السياسي، لا يجد نمواً متوازناً في جوانب اخرى، ومنها حجم ونوع الافكار والمبادرات العملية المؤسسية التي تقدمها أو يقدمها افرادها للمجتمع، تلك الجوانب التي تعكس حقيقة الدعوة الى الله على انها لاصلاح واسعاد البشرية في الدنيا قبل الاخرة.

الحاجة العملية  لهذه الثقافة أنها تؤكد ان الاسلام صالح لكل زمان ومكان، وتتمثل في ابراز مزاياه بشكل عملي لحل مشاكل الواقع، اننا نعيش في عالم يقوم على الصراع والكفاح والتنافس على امتلاك اسباب القوة، والخطابة والوعظ لن يفلحا في تغيير مساره واقامة التوازن المطلوب، ان سلوك هذا المنحى يفضي لامتلاك اسباب القوة، استجابة لقوله تعالى (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبوب فيه عدو الله وعدوكم، وآخرون لا تعلمونهم الله يعلمهم).

كانت بدايات الجماعة في مصر تزخر بمشاهد كثيرة ومتميزة في هذا الجانب، ويذكر الامام البنا في رسائله ومذكراته الكثير: فانتشرت فكرة الإخوان المسلمين وأقامت في كل بلد بمشروع نافع أو مؤسسة مفيدة فقد أسست المساجد والنوادي ومعاهد التعليم ودور الصناعة والجمعيات ولجان الصدقات ولجان تطوعت للإشراف علي المرافق العامة في القرى والجريدة والمطبعة .. حتى يقول: وقد قلنا حتى مللنا القول وتكلمنا حتى سئمنا الكلام ولم يبق إلا أن نعمل.

قامت الجماعة في الاردن بانشاء العديد من المشاريع العملية التي تعود بالخير على الوطن والمواطنين، وكان ذلك ادراكاً منها للواجب الشرعي ودورها الوطني وترجمة لثقافتها العملية، حيث بادرت وقادت مشاريع كثيرة وتفاعل معها رجالات الاردن وشعبه، واحياناً حكوماته فانجزت الكثير الكثير، واذكر منها على سبيل المثال لا الحصر، انشاء جمعية المركز الاسلامي الخيرية في الستينيات من القرن المنصرم والتي شملت اعمال التعليم والرعاية الصحية وكفالة الايتام ومساعدة الفقراء، والتي استفاد منها الملايين من ابناء الاردن على مدار عدة عقود، ومنها جمعية العفاف الخيرية والتي اهتمت بالاسرة والزواج فساعدت الوف الشباب على الزواج وقدمت دراسات قيمة للمجتمع، ومن ابرزمبادراتها العملية: دورها وعلمائها وابنائها في انشاء وديمومة جمعية المحافظة على القرآن الكريم والتي امتدت في كل ارجاء الوطن ولها قرابة الف فرع ومركز، والتي تسجل كانجاز رائع لكل الاردنيين في المدن والريف والبادية، ومنها جهود بعض قياداتها كالدكتور عبدالحميد القضاة في وقاية الشباب من الامراض المنقولة جنسياً والتثقيف في هذا الاطار من وجهة نظر علمية شرعية، وغيرها من المؤسسات الناجحة، بالاضافة للمبادرات الاعلامية التي أثرت الحياة الاردنية بنوع جديد من الاعلام والفن الاسلامي.

وعلى الصعيد العالمي قام كثير من الدعاة ببرامج عملية كالداعية عمرو خالد في برنامجه " صناع الحياة" الذي استقطب شرائح جديدة للعمل التنموي الوطني والعمل الاسلامي العام، ولعل ابرز نجاح سياسي في الثقافة العملية هي تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا وكيف استطاع ترجمة سلوكه العملي المميز في البلديات في التسعينيات الى نجاح سياسي واقتصادي وحضاري في القرن الجديد.

إن الحسرة والتألم وتصعيد الزفرات على واقع الحال- دون الاقدام على العمل- ليست الا وسيلة سلبية، ربما تـنقلب إلى أمر بالغ الخطورة إذا لم يعقبها عمل إيجابي مثمر، إذ قد تـكون وسيلة لامتصاص النقمة على الأوضاع الفاسدة، ومن ثم الركون إليها. ان ترك المجال العملي للفاسدين يؤدي الى نتائج خطيرة، والحال اوجزه الفاروق- رضي- بجملة واحدة جامعة حين سئل: أتوشك القرى أن تخرب وهي عامرة؟ قال: إذا علا فجارها على أبرارها.

ان العمل ليس هيناً لكنه طريق لا بد من السير عليه، تحقيقاً لقوله تعالى في سورة البقرة-143:  )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا)، اننا ندرك ان العقبات كثيرة وان قوى الباطل وأعداء الدين والفاسين لن يجعلوا القطار يمشي على سكته، لكننا لا نياس وقد علمنا رب العزة بقوله في سورة يوسف ( حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كذبوا، جاءهم نصرنا) وقولَه تعالى على لسان يعقوب عليه السلام ( ولا تيْأَسوا مِن رَوْحِ الله إنّه لا ييْأَسُ مِن رَوْح الله إلا القومُ الكافرون ) يوسف 87 .

وحذار ايها الداعية من الغفلة عن هذا الامر فانشغالك بحضور بعض الانشطة التربوية والتنظيمية لا يعني انك تقوم بواجب الدعوة الى الله، ولا تحقق المعنى المقصود: ان تكون في جماعة المسلمين، واصدق ما قاله الأستاذ مصطفى مشهور في هذا الباب: تمييزه بين اثنين، فقال: هناك داعية عامل، وهناك عامل نفسه داعية !! ، فإنما اللذة لذة البذل والعطاء والفداء.

بقدر ما ننجح في تحويل افكارنا وبرامجنا الى افعل ملموسة على شكل مؤسسات حية تقوم بذاتها وتتخص في عملها، يشاركنا الاخرون في ادارتها ودعمها وادامتها، بقدر ما ننجح في ايصال الدعوة للعالمين، وبقدر ما تقوم تلك المؤسسات على قواعد علمية ومنهجية ادارية سليمة وحاكمية رشيدة وشفافية نقية بقدر ما تؤدي رسالتها، وتستمر وتطيش عنها سهام اعدائها. ولا بد من تطوير معايير راقية ودقيقة للسيطرة على تلك الاعمال والمؤسسات، بحيث لا تبقى خاضعة لاجتهادات الافراد، ولا تبقى الاخطاء تتكرر، ولا بد أيضاً من الاستفادة من التجارب الانسانية المختلفة في الشرق والغرب، فالحكمة ضالة المؤمن، أنى وجدها فهو احق الناس بها.

والاصل في هذه الأعمال الفكرة، وما اكثر الحاجات التي تؤدي لاختراعات، ثم تكون الارادة وبعدها التخطيط والتنظيم والمبادرة والصبر والاستمرار، وقليل دائم خير من كثير منقطع، ويمكن عمل مسوحات لواقع الحاجات وما يوجد من افكار ومشاريع لتلبيتها، ولماذا فشلت بعض المبادرات والمؤسسات، فمعرفة أسباب الفشل ضرورية حتى لا نكرر اخطاءنا.

من الامور الواجب الانتباه لها في نمو تلك المؤسسات العملية هو التاني والصبر على انضاج المراحل وتثبيت الاركان وشيوع السمعة الطيبة، فمن المواقف التي لها مغزى ما رواه المؤرخون عن عمر بن عبد العزيز، ان ابنه عبدالملك – وكان شاباً تقياً متحمساً- قال له يوماً: يا أبت مالك لا تنفذ الامور؟ فوالله ما أبالي لو ان القدور غلت بي وبك في الحق!! اي يريد ان يقضي على المظالم والمفاسد دفعة واحدة، دون تريث وأناة، وليكن بعد ذلك ما يكون!. ولكن الاب قال لابنه : لا تعجل يا بني، فان الله ذم الخمر في القرآن مرتين وحرمها في الثالثة، واني اخاف أن أحمل الحق على الناس جملة، فيدعوه جملة، ويكون من ذا فتنة! وهذا هو الفقه الصحيح.

اننا بحاجة لقراءة متأنية في كتاب الله، وفي سورة الرسول –ص- لاستكشاف هذا الجانب بشكل اكثر وضوحاً، واعادة اسقاط تلك الثقافة على حياتنا، بشكل عملي ميسر، فكم من اوقات تهدر وكم من اموال تنفق في غير أولوياتها، وكم من تضحيات تبذل قبل أوانها، وكم وكم وكم..! السنا نقرأ قوله سبحانه في سورة آل عمران- 79(ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون)

هذه دعوة لكل العاملين في الحقل الاسلامي، والشباب منهم خاصة الى بلورة مشاريع عملية، وتطوير برامج فردية أو جماعية لخدمة الوطن والامة، سواء كانت على الصعيد التربوي او الدعوي او الاقتصادي او الاجتماعي او السياسي. كلنا اسرى في حياتنا العملية والعلمية لبرامج الحاسوب التي اخترعا بيل جيتس عبر مايكروسوفت، فهل ننتطر مبادرات من الشباب والعلماء تدخل الفكر الاسلامي والسلوك الاسلامي لكل بيت مسلم - كان شديد أو ضعيف الالتزام بدينه- وتعينه على عبادة ربه والعمل لدينه، وتضع قدماه على الصراط المستقيم في كل شؤون حياته؟ قال تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) الا هل من مجيب!.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ