ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 16/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

نبأ طيب من فلسطين

علي الصراف

تقف المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية على أبواب الفشل. وهذا نبأٌ طيبٌ لو جاء فعلاً.

على عكس الإعتقاد السائد، فليس المطلوب من هذه المفاوضات أن تُسفر عن قيام دولةٍ فلسطينية، وانما عن قيام دولةٍ إسرائيلية للمرة الأولى منذ اندلاع النزاع قبل نحو 60 عاما.

نعم، لقد أعلن "إسرائيليون" عن قيام دولةٍ لهم عام 1948، إلا أن هذه الدولة ظلت، الى يوم الناس هذا، دولةً وهميةً. وما يُفترض أنه وجودٌ "واقعي" لم يغلب الوهم أبدا. وهذا "الوجود" نفسه ما يزال موضع شكوك وتساؤلات داخل مشروعه نفسه.

والمشكلةُ "الوجوديةُ" التي تواجه "إسرائيل" لا تكمن في أنها كيانٌ ليس له حدود، بل في أنها كيانٌ لا يعرف صانعوه، أنفسهم، ما هي حدوده. ولا تكمن في أنها "مشروعٌ" خاضعٌ (أيديولوجياً) للجدل، بل في أنها "مشروعٌ" محكومٌ (سكانياً) بالفشل. كما لا تكمن في أنها كيانٌ بلا تاريخ، وبلا هوية، وبلا ثقافة، بل في أنها كيانٌ بلا معنى أيضا.

اليهود الذين هربوا من الإضطهاد في أوروبا ليبحثوا لأنفسهم عن مأوى، ليس لديهم ما يبرر الخوف اليوم. بل إن لديهم نفوذا يجعلهم قوةً يمكنها أن تقلب حكوماتٍ وتشن حروباً وترسم استراتيجياتٍ سياسية واقتصادية تؤثر على العالم كله. ومن الناحية الإجتماعية فإن الثقافة الغربية العامة، دع عنك القوانين، صارت توفّر لليهود غطاءً سميكاً من الحماية الأخلاقية.

فلماذا يترك المرءُ نيويورك أو باريس ليأتي الى غزة؟

قلة ذوق، أو قلة عقل. هذا هو "المعنى" الوحيد الباقي. ودع عنك الشكوك التاريخية الجديرة بالإعتبار حول صحة المكان، بسبب عدم التطابق الجغرافي بين التوراة وبين فلسطين، فاسرائيل دولة بلا مستقبل أيضا.

إنها ثكنةٌ عسكرية. والثكناتُ العسكريةُ يمكن أن تجلس 200 سنة، وأن تنشيء لنفسها علاقةً من نوع ما مع المحيط، وأن تنظر الى نفسها على أنها أسطورة، إلا أنها تظل ثكنة.

لقد نشأت إسرائيل على أسسٍ ثقافيةٍ وسياسيةٍ وإنسانيةٍ خاطئة. نشأت كمشروع ثكنة. والنزاع الذي نشأ بين الثكنة وبين محيطها لم يكن نزاعاً على الأرض، بل نزاعاً على الحق في الوجود.

الثكنةُ ظلت تنكرُ على الفلسطينيين حقهم في الوجود، مثلما ظل الفلسطينيون يفعلون الشيء نفسه.

وتحاول الثكنةُ كلَّ ما في وسعها لتقيم دلائل على الأرض تثبت من خلالها حقها في الوجود، ولكنها تعرف أن "الآخر" موجود، وأن وجوده، حتى وإن بقي معزولاً ومُحاصراً، يشكّلُ تحدياً للثكنة، ويثيرُ شكّاً حول روايتها التاريخية، ويقدمُ دليلاً على سخافة معناها. فاليهود ليسوا بحاجةٍ الى أرضٍ يتنازعون عليها مع فقراءٍ مضطهدين. وحقهم في الوجود محفوظٌ في أربع أركان الأرض، وهم ليسوا بحاجة الى إرتكاب جرائم وإنتهاكات من أجل أن يبرروا "حقهم في الوجود" في هذا المكان بالذات.

وتقيم إسرائيل مستوطنات. ويبدو أن هذه هي العقدة التي تدفع الى فشل المفاوضات.

ولكن أنظر الى المسألة، على حقيقتها، وستجد أنها جزءٌ من سخافة المعنى.

تقول الحقائقُ أن الهجرة اليهودية الى إسرائيل تتراجع. ومعظم الإسرائيليين يحتفظون بجنسياتهم الأصلية (كتعبير عن عدم الثقة بالمشروع برمته)، والتزايد السكاني في "إسرائيل" لا يوفر مبرراً إقتصاديا لبناء المزيد من المستوطنات. فلماذا إذن تجندُ الثكنةُ نفسها لتراكم كتلا من المنازل الفارغة؟

المشروع الإسرائيلي هو، برمته، مشروع مستوطنة. وبالتالي فان وقف بناء المستوطنات سوف يهدد "المعنى" (السخيف) الذي انطلق منه. ولسوف يثير المزيد من الشكوك، داخل الثكنة، حول ما إذا كان "الحقُّ في الوجود"، على هذه الأرض بالذات، "حقاً" فعلا.

الفلسطينيون، حتى ولو وضعتهم في علب سردين كما هو حاصل الآن، فانهم يظلون ينظرون الى الأرض على أنها أرضهم، ليس بدلائل التاريخ والثقافة وصكوك الملكية التي يتم انتزاعها قسرا، بل بدلائل "الوجود"؛ بدلائل القيمة المجردة لوجودهم كشعب. وهذا ما يُعطي لحكاية "إختلال التوازن الديمغرافي" معنى "القنبلة". والقنبلةُ تكبر. وهي إذا انفجرت في ظل إستمرار الصراع، فانها تستطيع أن تكنس الزيف كله. وتضع الثكنة أمام معناها الحقيقي كمشروعٍ أُقيم على أسسٍ خاطئة.

تمارس الثكنةُ حيال الفلسطينيين معناها كأداة للقمع وارتكاب الجرائم. ولكنها تزعم انها "دولة ديمقراطية" أيضا. وما أن تنقلب القنبلة الديمغرافية لتشكل قوةً متفجرة، فان زعم "الديمقراطية" سيواجه الإمتحان الأخير. والثكنةُ ستعود لتعرف انها لم تكن ديمقراطية أبدا، وانها استخدمت التعبير كغطاء لتبرير الانتهاك والجريمة.

ولكن لو قُيّض للمفاوضات أن تستمر وتنجح، فانها لن تنتهي بالإعلان عن نشوء دولةٍ فلسطينيةٍ (في علبة سردين)، بل بالإعلان عن نشوء دولةٍ يهوديةٍ للمرة الأولى. وسيبدأ تاريخٌ جديدٌ يحاول أصحاب الثكنة من خلاله أن يُضفوا عليها معنىً لم تكتسبه أبدا من قبل.

إستمرار الصراع يعني شيئاً واحداً: إسرائيل ليست حقيقة نهائية، وتظل مشروعا قابلا للجدل.

فهل اقتربت المفاوضاتُ من الفشل؟ ذلك نبأٌ طيبٌ، لو جاء فعلا.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ