ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 11/10/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

لا.. يا زوجتي العزيزة: أنت لا تملكيني

أ.د. ناصر أحمد سنه*

قبِلت دعوتهما، مستمعاً لا حكماً، في نزاعهما فكان ما يلي:

- قالت الزوجة في غضب: لم أعد احتمل ما تفعل.

- وماذا فعلت؟.

- تتحدث  عبر "الشات" من كثيرات.

- رد في هدوء ـ محاولاً تمالك نفسه، في حين أشعر أنه ينتفض من فوق أريكته ـ إنهم قراء وقارئات يعلقون علي ما أكتب.

- لا.. ليس هذا تعليقاً، هذه تسلية، دردشة، قضاء لوقت الفراغ في هذا الموضوع أو ذاك، بعيدا عن التعليق عما كـُتب ويُكتب؟.

ثم أردفت في حزم: أنا لا أرضي بهذا مُطلقاً.

نظر إليّ وإليها، وتابع، مع مزيد من محاولات  "ضبط النفس".

- الكاتب لا شيء من دون قراء، يعلقون، ينتقدون، يمدحون، يقدحون، يضيفون، يحذفون، ينتجون الخ.

- نظرت إلي قائله: إن هذا ما يزعمه ليبرر به ما يفعل.

بدوره نظر إلي محاولا أن يستنطقني

- لا أبرر ما أفعل لكن هذا هو الواقع الحقيقي، لمن يمارس الكتابة.. حرفة وهواية. إنه يكتب ليس لنفسه، بل لغيره، ولو كان يكتب لنفسه لظل ما يكتب خواطر ذاتية، حبيسة الأدراج. أما وإنها قد نُشرت فهي من حق الآخرين.. الذين هم هدف وغاية في آن معاً.

- ازدادت غضباً وقالت: هذه السفسطة لا تعنيني بحال الآن. إن الذي يعنيني أكثر "زلزلة" هذا البيت، وعدم استقراره، وتقلب الأمزجة والمشاعر بسبب هذه التسلية.

-نعم.. لو أراد هؤلاء الذين تصفينهم (بالمتسلين)، هذه التسلية لكان لهم ما أرادوا عبر وسائل أخرس متاحة. لكن أن يتبادل قارئ....

قاطعت قائلة: أو قارئة، هذا ما يقلقني أكثر. ألا تعلم كم يفوق عدد النساء عدد الرجال؟. ألا تعلم كم هي مرتفعة  نسبة العنوسة فضلا عن العدد الهائل للمطلقات والأرامل؟.

واصل حديثه: نعم أعلم، لكن ما علاقة هذا بذاك؟. ما صلة هواجسك بتبادل الأفكار حول موضوع ما كتب أو سيكتب.. هذا شيء حميد، لا ضير فيه، بخاصة أنه لم يعد هناك الكثيرين يهتمون أصلاً بالقراءة ومعاناتها. لا أدري ما الذي أصابك في الآونة الأخيرة، رجاء: لا تدعي تجارب الآخرين السلبية تنغص علي حياتنا الأسرية، لكل ظروفه وأحواله الخاصة . إن كان يحدث ما يحدث من حالات انفصال بين أزواج فليس السبب الأوحد له هذه" الدردشة"/ لعلا القشة التي قصمت ظهر البعير. لعل في هذه الحالات تكون هذه الدردشة، وتجاوزاتها، بديلاً عابراً، سهلاً ومغرياً، ومتوهماً للهروب من حل مشكلات، والشعور بثقل تبعات، والموت في سجن لا ينعم فيه أحد "بعيش"، ولا استقرار، ولا راحة فكر، ولا وجدان.

حزينة تكاد دموعها تطفر من عينها.

- أنت لا تجلس معي مثلما تجلس أمام شاشة الحاسوب. لا تحاول إقناعي بأن الحديث يبقي محصورا في هذا الشأن الأدبي فقط. إنني لم اعد أطيق هذا الجهاز، اكرهه، أتمني خرابه لا خراب بيتي، ليته ما كان. أنت"ملكي وحدي"، أريدك أن تتفرغ لي.

- غاضبا ، ناهضا من فوق أريكته، مشيرا إليها بإصبعه: لا ـ يا زوجتي الغاليةـ أنا لست ( ملكك)، لست متاعاً أو غرضاً من أغراض هذا البيت. لقد جانبك الصواب بكلمتك هذا، وهنا لب القصيد.

- أن كل إنسان، وبخاصة من يتصدي "لمحنة" الكتابة، أنه ليس ملك نفسه. إنه "كيان وكينونة"، وشتان بين غرض عبدِ ذليلِ، وكيانِ حرِ عزيزِ. ثم قام مسرعا إلي أرفف مكتبته، وفي لمحة خاطفة قال لها: ألم تقرئي هذا الكتاب: "نتملك أو نكون To have or to be/ الإنسان بين المظهر والجوهر لأريك فروم".

- رمقته بغضب: لعل قرأته.

- أردف قائلاً: أنك بإدعائك تملك أياي تقتليني، أو تسجينني في "قفص ذهبي"، إن حريتي هي أثمن ما لدي، وما أعيش له وبه. والكتابة سمة من سمات التحرر، والقراءة كذلك. تريدن أن تكوني " كالدب التي تقتل ولدها بغية أن تذب الهوام عنه".

دعيني أصارحك: إنها السيطرة والاستحواذ والأنانية الطاغية والشعور بالتهديد من جراء الفقد.

- ردت بنبرة ساخرة: ما هذا كل هذه الأمور موجودة لدي؟، حتى تخصصي الدقيق "علم النفس" تدس انفك فيه.

بل أفسر لك دوافع هذه التصرفات المتزايدة الوتيرة في الفترة الأخيرة.

- إن تواصل البعض لبعض الوقت علي هامش الانشغال بأمر الكتابة والبحث والدرس لا يعني بحال أنهم سيشاركونك وجداني.. لا ـ يا عزيزتي ـ ليس الأمر بهذه البساطة أو بهذا التهويل الذي تظنين. تهويل دفعك للتجسس علي.

- لا.. لم أتجسس عليك بل لدي أحساس عميق، وحواس لا تمام كما تحدثت مع إحداهن. كذلك أجد شارات غرف الدردشة تضيء وتطفئ، وتخفيها عني.

- ماذا أخفي عنك؟.. لست نجما سينمائيا، ولا مطربا غنائيا، ولا لاعبا كروياً، ولا تاجراً رأسماليا، ولا داهية سياسياً.. فيسارعن إلي التحدث معي.

ردت قائلة: البعض لا يغريهن هذه الأصناف التي ذكرتها، بل يغريهن مواصفات كمواصفاتك. سلني أجبك؟، فانا أدري بشأن المرأة، وما يعتمل بداخلها، منك.

حاول أن يلطف من الأجواء العاصفة لهذا الحوار فقال:

- نعم .. أنت ادري بالمرأة مني، ولكني أدري بنفسي منك. ولعل ادري بمن يعقب ويعلق ويتواصل مع. فمن يتعامل مع الكلمات وما تظهر وما تُخفي.. يكتشف من أول وهلة طبيعة من يقولها.

- زوجتي الغالية: لو كنت مقصرا في التفرغ للحديث معك، ومرت فترة من فتور،  فلك الحق، والحق معك. وأشكرك أن لفت انتباهي لذلك ولكن ليس بهذا التهويل وترك أساس الموضوع. لا تخشي شيئاً، ولا تدعي هواجسك وأوهامك، وغيرتك الطاغية، تقض مضجع هذا البيت المستقر، فتحيله إلي ساحة حرب مستعرة، مع إن تهدأ يوما حتي تشتعل أياماً..فلسوف تجنين علي هذا المنزل بدافع واهم من" الحفاظ عليه"، بل "الغيرة المدمرة" لنا، ولأبنائنا، وله. هل تظنين يوما أن أترك العش الذي بنيته ـ معك ـ عوداً عوداً، ولبنة لبنة، إلي "مغامرة" هنا، أو "نزهة" هناك. واهمة أنت.

- يا أم الأولاد: إن ما تشتكي منه هو من قبيل" عموم البلوى". وسائل ومعطيات حديثة لها ما لها وعليها ما عليها. لكنني معك أنها يجب أن تنضبط في استعمالاتها السليمة الإيجابية، فلا تحيد عنها لتخرب بيتاً، أو لتضل شاباً، أو لتدمر فتاة، أو لتصنع مجرماً، أو مدمناً.

هدأت قليلاً، ثم تابعت القول: أنت كل ما لدي، أخشي أن أخسرك فاخسر كل شيء.

- يا عزيزتي: لم كل هذا الشعور السلبي المقيت. إذا وافاني اجلي الآن.. فهل ستنتهي حيات وحياة ألأبناء .. كل بل لعلكم ستكونون أسعد حالاً، من هذه المناكفات والمنغصات التي يكتوون بنارها كل حين. ولعلكم أيضا ستكونون أوفر غني، وستنهال عليكم الأرزاق من كل حدب وصوب.

غاب فترة ثم عاد.

- هذه هدية متواضعة ، أرجو أن تقبليها مني.

-  منذ متى وأنت لا تتذكرني حتى بشيء بسيط؟.

- معذرة لعله ضيق ذات الوقت، وذات اليد، لكن لا تعتادي الأمر، فكلما دب نزاع أو خلاف، توقعت هدية.

- بل سأعتاده، فهذا قدري معك، وربما قدرك معي.

أخيرا جاء دوري في الحديث فقلت بنبرة حازمة حاسمة تنهي هذا الخلاف: أين قدح القهوة اللذيذة التي اعتدت احتسائها عندكم؟. لم أعهدكما بخيلين، وبخاصة وأنا أري الهدايا تتلألأ الآن أمام ناظري.

ـــــــــــ

*كاتب وأكاديمي

nasenna62@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ