ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 22/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

من ذكرياتي مع الأخ القائد الشهيد أمين يكن

ـ رحمه الله تعالى ـ

(3 ـ 4)

بقلم : محمد فاروق البطل

أسمح لنفسي من باب التأريخ أن أذكر بعض المواقف التي تشهد للأخ أمين برجاحة العقل، وسداد التفكير، وبُعْد النظر، والحكمة في إدارة الأمور، مع جرأة نادرة، وشجاعة فائقة.

الموقف الأول: تشكيل الإدارات في مختلف مدن سورية:

كان من الحكمة بمكان أن يفكر الأخ أبو عابد بإعادة تشكيل الإدارات تجديداً لها، وإدخالاً لعنصر الشباب، ذلك أنه في المرحلة السرية التي اضطرت الجماعة للجوء إليها، لم يكن مناسباً أن يكون على رأس الإدارات الإخوة المشهورون، والمُعلَنون، لكونهم مكشوفين، تسهل مراقبتهم ومحاصرتهم واختراقهم.

وكان الذي فعله الأخ أبو عابد تنفيذاً لهذه المهمة أنه كان يلتقي وجوه أعضاء المركز والناشطين فيهم، يلتقي كل واحد منهم على انفراد، يسأله عمَّن يرشحه من إخوانه لقيادة العمل في هذه المرحلة السرية، ثم يسأله عن عمل الأخ المرشح، وعن صفاته ومؤهلاته.ويلتقي شخصاً بعد آخر على هذا النحو... وفي النهاية يختار للإدارة ـ بعد موافقة المكتب التنفيذي ـ مَن توفرت فيه الكفاءات القيادية من خلال شهادات الأكثرية مِمَّن التقاهم أو سألهم، طبعاً لجأ الأخ أبو عابد لهذه الطريقة ضرورة، حيث لم يكن من الممكن إجراء الانتخابات في تلك المرحلة السريَّة الخطيرة.

وأشهد أن هذه الطريقة الحكيمة حافظت على وحدة المركز وأمْنِه، ووفَّرت قيادات شابة وجديدة، وذات كفاءة عالية وغير مكشوفة.

وعلى مستوى مركز حلب أشهد أنني ورغم أنني كنت مِمَّن استُشير، وكنتُ عضواً في الإدارة السابقة، وعضواً في مجلس الشورى ـ كما قدمت ـ مضت سنوات وأنا لا أعرف مَن هو المسؤول؟ أو من هي الإدارة المختارة والقائمة بالعمل؟. لكنني كنت أشعر أن العمل منتظِم، والنشاط منضبِط، وأدعو لإخواني بالتوفيق في ظهر الغيب، كنت أتعامل معهم من خلال البريد المنضبِط وارداً وصادراً.

لكن هذا الذي فعله الأخ أبو عابد مجتهِداً في تحقيق الصالح العام، وحفظ أمن الجماعة، وتجديد فعالياتها!!! بعض المراكز فهمَتْه على وجهه الصحيح، وتعاملت معه بواقعية، ومراكز أخرى لم تستوعب هذه الطريقة، وشغبوا عليها، وظنوا أنها تمثل انقلاباً عليهم، وإبعاداً لهم عن ساحة العمل...

وهكذا حدث الخلاف في المكتب التنفيذي، وقد كان أعضاؤه شباباً أقراناً، ولا كبير فيهم، رغم أن الأخ أبا عابد كان يقود المكتب بصفته نائب المراقب العام، لكنه يبقى شاباً في وسط قيادات شابة، والمراقب العام بعيد عنهم، مغترب في ألمانيا، فلم يمكن ضبْط الأمر، أو الحد من الخلاف.

الموقف الثاني: رفض العمل المسلح:

حين اشتد ظلم البعث، وتمادى الطغيان، واستحكمت الطائفية البغيضة، وانتشر الفساد واستعلن الكفر، وتعاظمت التحديات، وتفنَّن الفجرة في شتم الذات الإلهية عبر الصحافة والإعلام، وجلْد أبشار الدعاة... اندفع الأخ الشهيد مروان حديد ـ رحمه الله تعالى ـ في إعلان الجهاد، واستنفار الشباب للتدريب والاستعداد، كان للجماعة موقف راشد، وكانت لها خطة ذات مراحل، ورأى الأخ أبو عابد بعين ثاقبة، ونظرة بعيدة الآثار السلبية للاندفاع العاطفي، وخطورة دَفْع الشباب إلى أتون المعركة على غير أهلية، ولا استعداد، ولا إمكانيات، وعلى غير تكافؤ!! كيف يمكن لهؤلاء الشباب العُزَّل القليل أن يواجهوا جيشاً كبيراً، وأجهزة مخابرات متعددة، وميليشيات مسلحة تنتشر في كل مكان؟!، وإنها لمَقَتَلة مخيفة لهؤلاء المتحمِّسين، حاولنا مناقشة الأخ أبو خالد مروان في الأمر فأصرَّ!! ففصلْنا من الجماعة كل مَن مشى في ذلك الطريق، فما أجدى الأمر!! لأن الأخ مروان ـ كما يقول ـ استأذن الأخ المراقب العام الأستاذ عصام فأذن له، وأوفد مَن يتدرب إلى خارج البلد، واستقَوى علينا بهذا القرار، وأشاعه بين الشباب، وعارض الأخ أبو عابد أمين يكن، وحدث الخلاف بين المراقب العام ونائبه، وانعكس الأمر سَلْباً على الصف، تحت مُسمَّى الخلاف بين إخوان حلب وإخوان دمشق، وهذه بداية الانشقاق الأول المؤسف. وثمة أسباب أخرى لا مجال للتفصيل فيها في هذا المقال القصير.

في رأيي إن هذا الموقف يشهد للأخ أبي عابد برجاحة العقل، وبعد النظر، وعمق التفكير، وشدة الغَيْرة على مستقبل الجماعة وسلامتها، والخوف على أبنائها مِن أن يُستدرَجوا لمعركة غير متكافئة،ولعمل ليس من منهج الجماعة، ولا مِن خطتها، ولا مِن فكرها، ولم يسبق في تاريخها أن فعلت مثله إلا جهاداً في أرض فلسطين في مواجهة الغزاة من اليهود والمستعمرين.

الموقف الثالث: مشروع التكافل السكني

كنا في إدارة مركز حلب قد استجبنا لرغبة بعض إخواننا الفقراء الذين لا يملكون شراء بيت، ويعجزون عن دفع الإيجار، وتحقيقاً للتكافل بين الإخوة وَضَعْنا مشروعاً يساهم فيه الأخ الفقير بدفع مبلغ بسيط قدره/25/ ل س شهرياً بأمل أن نعينه على امتلاك بيت بالتقسيط ولو بعد حين، واشترينا بعض الأراضي النائية ذات القيمة البسيطة، وحرَّكنا هِمَم الأغنياء لدفع التبرعات، وتقديم القروض... وتناهى إلى سمع الأخ أبي عابد هذا المشروع  ـ ولم يكن يومئذ مسؤولاً ـ فعاتبني وقال: أفي هذه الظروف تقيمون هذا المشروع؟! إنها لمجازفة ! وكان معه الحق، والفرق بيننا وبينه أنه كان يفكر بعقل ونظر بعيد، وكنا نحن مدفوعين بعاطفتنا الأخوية الإنسانية لمساعدة الإخوة الفقراء، وما كان يخطر في بالنا أن الأوضاع ستتطور ذلك التطور الخطير الذي دفعنا خارج بلدنا، وخارج بيوتنا، وبعيداً عن أهلنا ووطننا، وحسبنا الله ونعم الوكيل، ونستغفره سبحانه عما اجتهدناه خطأ.

الموقف الرابع: مفاداة الجماعة بنفسه:

كان الأخ أبو عابد مستودع أسرار الجماعة ومعلوماتها، وتشكيلاتها، وكان يعلم أن القبض عليه من قبل أجهزة الأمن التي كانت ترصد حركاته، وتراقب كل داخل عليه، وتتابعه في كل خطوة... ولو فوجئ باعتقال أو تفتيش لتكشفت أسرار ومعلومات وأسماء... لذلك كان دائم الحذر واليقظة والاحتياط. لكن الأمر الذي لم يكن يتوقعه أن يأتيه الخطر من حيث لا يدري ؛ فقد كان أحد الإخوة المعتقلين في مدينة إدلب اعترف تحت التعذيب عليه، وأفضى بالمعلومات عنه. لذلك دوهم بيته وبشكل مفاجئ. وبسرعة خاطفة قفز من شرفة بيته إلى الحديقة السفلى، وهكذا كان يقفز من حديقة إلى أخرى في البنايات المجاورة، وفي الليل البهيم والظلام الدامس، يتسلق الأسوار بسياجاتها الحديدية، ويشاء الله سبحانه أن يقع على سياج حديدي ذي أسنان أو سهام، فاخترقت لحمه ونزف دمه فهتف لأحد إخوانه الأطباء الجراحين، وسرعان ما نقله إلى مستشفى خاص ليعالَج بشكل سري، بعيداً عن أعين المخابرات، وبعد أن كتب الله له الشفاء غادر حلب إلى بيروت في رحلة محفوفة بالخطر، ولكن الله سلمه كما سلَّم الجماعة، إذ لو كان في بيته أوراق أو أسماء أو معلومات لتوسعت المخابرات في الاعتقالات، لكنه ـ رحمه الله تعالى ـ قد سبق له أن أعد لها مكاناً فأخفاها. ثم إنه لو أمكن لهم اعتقاله، كان يمكن أن يعترف لهم تحت التعذيب الوحشي بمعلومات أو أسماء تُعرِّض أمن الجماعة وقيادتها وشبابها لخطر مرعب ومحنة قاسية.

لكنه ـ رحمه الله تعالى ـ بالشجاعة الفائقة التي منحه الله إياها، وبالفروسية النشطة التي اكتسبها، وبالخوف على الجماعة التي يحمل مسؤوليتها آنئذ، افتدى الجماعة بنفسه.

وكان من الممكن لاسمح الله أن يتمزَّق جسمه أو تتكسَّر أضلاعه، أو ينزف دمه مع هذا الهروب الخطير، عبر الأسلاك الشائكة والأشجار، ولكن الله سلَّمه وسلَّم الجماعة، وصان أمنها وأمن شبابها... ولعل الله سبحانه قد ادَّخر له بقية من العمر ليخدم الجماعة من جديد، وينهض بالمسؤولية من جديد، وكان ذلك بالفعل حين تحقق شيء من الانفراج والإفراج عن المئات من الإخوان المعتقلين.

ثم كانت محنته الأخرى في ديار الغربة في لبنان حيث لا عمل، ولا مورد، ولا أسرة، ولا ولد، ولا مَن يهتم بأمره، تاركاً وراءه أمه الحنون، وزوجته المصون، وأولاده الصغار، ومزرعته التي هي ملك أمه وهي مصدر عيشه وعيش أسرته... وحكى لي ـ رحمه الله تعالى ـ بعد عودته من الغربة كيف أثقلته الديون وعانى آلام الغربة والعزلة والقلق، لكن بقيت الجماعة في قلبه وعقله واهتمامه، ابتعد عن التنظيم العام وحَمْل المسؤولية ضرورة، وقد كان ذلك شرط السلطة للموافقة على عودته إلى بلده وأهله وعمله...

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ