ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 18/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

"مملكة الجبل" في شوارع غزة

د. فايز أبو شمالة

   لمملكة الجبل مذاق النعناع البريّ، وأنفاس الريحان، ومن حلقات المسلسل فاحت رائحة الشوق، حين يذوب الشرق شهامة في المكان، رائحة لمّا تمازجت مع مثيلتها التي تنبعث من مزارع الحشيش التي يشرف على زراعتها الخواجة، ويشارك في زراعتها، وتصنيعها، وتهريبها أفراد النجع، وكانت السبب في اغتناء بطل المسلسل "مناع" الذي يرفض لاحقاً أن يظل أسيراً للأجنبي القادم من وراء البحار، أو من وراء الحدود، ليؤسس مملكه الجبل التي ستنشر السموم والخلاف والفساد والدمار والهلاك في ربوع مصر.

    "مملكة الجبل" مسلسل انساب إلى عقل المشاهد العربي بفنية المزج بين صلابة الجبل وعادات القبيلة العربية، وبين بساطة الفلاح المصري؛ وعناد ابن الصعيد، وبين الحياة على الفطرة وتعقيدات العصر، لينجح المؤلف وكاتب السيناريو "سلامة حمودة" في المزج بين الخاص في شخصية بطل المسلسل "مناع" وبين العام الذي حط على رأس الشعب المصري مصائب تقصدها المتآمرون من خارج مصر، بعد أن مكنوا أنفسهم برجال لهم من داخلها، وأوجدوا لهم طبقة اقتصادية سيطرت على كل مناحي حياه الشعب المصري.

   تتبعت كغيري من سكان قطاع غزة حلقات المسلسل طوال شهر رمضان، لقد استهواني الترابط المنطقي للحدث، ومصداقية المشهد الذي يحترم عقل المشاهد، ويتركه يندمج مع شخصيات المسلسل المتنامية مثل: حسان، وهمام، ونسمة، وذياب، ونورهان، وناجي، وعمر، والخواجة، في أدوار عززت القناعة لدى المشاهد العربي بأن الذي يجري في مصر من تدمير هو بفعل فاعل، وبشكل متعمد، وأن هنالك جهات دولية، ومنظمات عالمية تتآمر على مصر، وتقوم بتشريحها، وتدرس أنجع الطرق والوسائل التي يجب إتباعها لتدمير هذا الشعب العربي، ومما لا شك فيه أن هذه الجهات مرتبطة بدول لها مصلحة إستراتيجية في إخراج مصر من معادله الصراع العربي الإسرائيلي، وهي مستعدة لإنفاق مليارات الدولارات من أجل تحييد الشعب المصري، وإبطال مفعوله القومي والإسلامي، وهي واثقة أنها ستجني من وراء ذلك سيطرة إسرائيلية على الشرق.

   مسلسل "مملكة الجبل أكد للمشاهد العربي: أن العدو الخارجي يظل ضعيفاً ما لم يجد له نصيراً في الداخل، وهو عاجز عن اختراق قشره المجتمع العربي إلا إذا حفرها بأظافر أولادها، والعدو الخارجي يوظف المال ليكون لصوته صدى داخل المجتمع، هذا الصدى هو الذي يستل السكين ليطعن انتقاماً لغضب الخواجة، وهو الذي يصفق لرضا الخواجة؛ ذي الأذرع الطويلة التي تمتد في كل المجالس، والمقرات، ومؤسسات السلطة، فصار يمسك بعصب البلاد من خلال مجموعه الأوغاد الذين تربوا، وكبروا تحت إبط الخواجة، فصارت لهم الكلمة العليا، وصاروا يتنفسون الهواء من رئتيه، وصاروا يتنافسون فيما بينهم على إرضائه،وصار نقطة التقائهم جميعاً، فهو الذي يستر عوراتهم، وينظم زراعتهم للحشيش، وهو الذي يقيم لهم المصانع المدمرة للتربة، وهو الذي يعرف هدفه النهائي؛ ومقصده!.

   مسلسل "مملكة الجبل" سلط الضوء على أولئك الذين اغتنوا فجأة، وداسوا على الملايين من الناس بملايين الدولارات، وأمسوا عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية، والسياسية في مصر، وباتوا زهرة الحشيش التي تهيأت لها الظروف كي تنمو على حساب زهرة الخشخاش، والليمون، والقطن، والياسمين، لتقع مصر في قبضة المؤامرة.

   قد يخطر في بال البعض أن الكاتب بالغ في تصوير تأثير المنظمات الدولية على مصر، وأنه متأثر بنظرية المؤامرة. وهنا أقول: إن واقع مصر ليؤكد ما رمى إليه الكاتب سلامة حمودة؛ ولاسيما أن استهداف مصر يأتي لمكانتها، وتاريخها، ودورها القيادي، وعمقها الحضاري، ومن يدمر مصر فقد دمر الشرق كلّه، ومن يسيطر على مصر فقد امتلك جهات الدنيا الأربع. لذا فإنني أقدر موضوعية الكاتب في هذا الإطار، وإن كنت لا اتفق معه في إبقاء الشرطة معافاة، وفي منأى عن التلوث الذي أصاب معظم الوزارات في مصر كما ظهر في المسلسل، فالجهات الأجنبية التي استطاعت أن تخترق كل المؤسسات السيادية في مصر لا يعجزها شيء، وليس بمنأى عنها سوى الإنسان المصري البسيط الذي يعبئ في وجدانه محبة مصر، ولن تستطيع كل إغراءات الأجنبي أن تهزم وفائه لبلده، وقد رمز الكاتب إلى ذلك بشخصية الضابط المصري الذي تشكك من البداية بأموال بطل المسلسل "مناع" ولم يطمئن له، وكأن الكاتب يقول لنا: إن معظم الذين اغتنوا فجأة تدور حولهم الشبهات؟

   تميز مسلسل "مملكة الجبل" بالتكامل، فالنجاح لا يعني إثارة بلا مضمون، ولا يعني وقائع بلا حبكة، ولا يعني انتقاء الكلمة ومواءمتها للموقف فقط، العمل الفني تكامل دون سنام، ودون وسط، ودون مقدمة وأطراف، العمل الفني جسم متفاعل مع الحدث، له روح تتنفس الدراما من الواقع الذي يؤكد أن من يرتبط بالأجنبي سيرتفع، ولكنه سيرتطم، وليس هنالك منطقة وسطى بين الخير والشر تمكن المرتبط من الفكاك، وهذا ما جعل بطل المسلسل "مناع" عاجزاً عن التوبة، وغير قادر على رفض زراعة الحشيش، لقد صار متورطاً! وهذا ما ترك المشاهد في حيرة من أمره، أيتعاطف مع مناع أم يكرهه؟ ولاسيما أن شخصية "مناع" صارت التعبير الصادق عن الإنسان الذي ينقح عليه ضميره، وقد تجلت مواقفه النبيلة التي احترمها المشاهد. ولكن من جهة أخرى؛ فإن المشاهد يمقت "مناع" لأنه بدء حياته مخالفاً للقانون، ولأنه ما زال عاجزاً عن التخلص من زراعة الحشيش! هذا التذبذب لم يحسم إلا في نهاية المسلسل، بعد أن تأكد المشاهد أن "مناع" يكره الخواجة ويحقد عليه، بل صارت لفظة الخواجة بين شفتيه مرادفاً "للقتل، والتدمير، والسم، والهلاك، والفساد، والرشوة، والسقوط الأخلاقي، ولكل رذيلة، وسوء" ليكتمل المشهد مع اقتحامه مخبأ الخواجة، وإطلاقه النار عليه أكثر من مرة لأكثر من سبب، ليشفي بذلك غليل المشاهد العربي، الذي قفز من مكانه، وضغط بإصبعه مع "مناع" على الزناد، لصيب رأس الخواجة بالموت، وهو يقول له: هذه الرصاصة كي لا تعود للحياة ثانية!. ولكن الخواجة سيعود، لأنه عاد قبل ذلك بقرون، بعدما أطلق النار على رأسه خالد بن الوليد في معركة اليرموك! وعاد ثانية بعد أن أطلق النار على رأسه صلاح الدين، وكرر العودة رغم إطلاق النار على رأسه من سيف الدين قطز، وعاد الخواجة بألوان جديدة رغم إطلاق النار على رأسه في حرب أكتوبر 1973، وسيعود إن استطاع للعودة سبيلا!.

   لقد استنطق الكاتب بطل المسلسل "مناع"، وهو يلخص تجربته في كلمات نثرها كالدموع على خد المشاهد، وهو يخاطب المسئولين مستغرباً: قلت لكم إن الأجانب قد جاءوا إلى مصر لسرقتنا. فقلتم: إنهم جاءوا مستثمرين. قلت لكم جاءوا لخراب مصر. قلتم: جاءوا بالخير والتعمير. قلت لكم جاءوا لمذلتنا داخل بلدنا. قلتم: جاءوا لنا بالحضارة والتطوير. قلت لكم: لن يأتي من وراء الإغراب إلا الخراب. قلتم: جاءوا بالدولارات، وشهد الرضاب!.

   أفرط مسلسل "مملكة الجبل" في عرض صور القتلى في آخر حلقاته، أفرط رغم المقصد في إظهار النتائج البشعة لتجارة بشعة، لتأتي نهاية مسلسل "مملكه الجبل" على غير المألوف في الأفلام والمسلسلات المصرية.

   لقد ظل بطل المسلسل "مناع" على قيد الحياة، وفي تقديري أنها إشارة إلى مواصلة المشوار في الجزء الثاني من مسلسل نجح بجدارة تحت اسم "مملكة الجبل"، يحاكي هموم مصر، التي تبتسم بحزن مع كلمات الأغنية، التي صارت بالتكرار رذاذ مطرٍ يبلل مفاصل المسلسل، وصارت عزفاً حنوناً في أذن المشاهد، وهي تقول:

   أحلى ما في الفرحة بتنسي الكبير سنّه، وأحلى ما في الحزن كل الحكمة تيجي منّه! وطالعين الجبل زي اللي نازلينه، واللي مفارق يهش الغربة كيف عنّه؟!.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ