ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 14/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مراجعات فكرية (6)

فقه الأولويات: بين النظرية والتطبيق

الدكتور نبيل الكوفحي

في مراجعة سريعة لانجازات الحركات الإسلامية نجدها لا زالت دون مستوى الطموح، ودون حجم التضحيات، ودون المرسوم من الخطط، ذلك إن محدودية الموارد: البشرية والمالية (المادية) والزمنية، تجعل العمل – أي عمل - ليس سهلاً، خاصة إذا كان المحيط سلبياً، إذ أن التحدي الأكبر هو: كيف يمكن تعظيم النتائج الكمية والنوعية في ظل محدودية الموارد ؟

إن الحل الأمثل لذلك هو في استثمار تلك الموارد المحدودة ضمن موازنات حصيفة ومجالات خصبة وأدوات فاعلة، ولعل ابرز تلك الموازنات هو: منهج فقه الأولويات، هذا الموضوع يتم الإجماع حوله نظرياً ويُختلف حول الأخذ به عملياً، إذ أن ميدان القول غير ميدان العمل ، كما يقول الإمام البنا رحمه الله.

خير من كتب بهذا الموضوع  هو العلامة الشيخ الدكتور القرضاوي  في كتابه القيم ( في فقه الأولويات) الذي صدر في العقد التاسع من القرن الماضي، وجاء في مقدمته: فهذه الدراسة التي أقدمها اليوم تتحدث عن موضوع اعتبره غاية في الأهمية، لأنه يعالج اختلال النسب واضطراب الموازين، في تقدير الأمور والأفكار والأعمال، وتقديم بعضها على بعض، وأيها يجب ان يقدم وأيها ينبغي أن يؤخر.

ويستطرد فيقول:... وينسحب هذا على "المتدينين" ، اذ يشتغلون بمرجوح العمل، ويدعون راجحه، وينهمكون في المفضول، ويغفلون الفاضل، وقد يكون العمل الواحد فاضلأ في وقت مفضولا في وقت آخر، راجحاً في حال، مرجوحاً في آخر، ولكنهم - لقلة علمهم وفقههم- لا يفرقون بين الوقتين، ولا يميزون بين الحاليين.

إن السؤال الذي يطرح نفسه: كيف نوفق بين شمولية هذا الدين الذي قامت عليه هذه الدعوة، وبين ما نبدأ به من الأعمال ؟

والأمر كما أسلفنا ليس في الاتفاق على مفهومه وأهميته، بل في كيفية تطبيقه وإتقانه، حيث إن الكثير من الإعمال والجهود لا طائل مباشر منها نتيجة غياب هذا المنهج عنها، ولا شك ان التحدي يكمن في جوانب رئيسة منه: في الموائمة بين مسار حركة ذات فكر ومنهج إصلاحي شمولي ، وبين القدرة على ترتيب الأهداف والبرامج ضمن قواعد هذا الفقه والمتركزة حول: الأهمية والاستطاعة والتدرج ودائرة الأثر وعموم المصلحة والأطول نفعاً والمتعدي نفعه والمفسدة المتوقعة وغيرها من الأصول الشرعية والعقلية.

لا بد في هذا السياق من التذكير بالحقيقة القائلة: إن توسيع دائرة الاهتمام، تقلل التركيز وبالتالي تقلل النواتج النافعة من أي عمل، وهذا مخالفة لمبدأ شرعي جاء به حديث شريف (ان الله يحب اذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه)، وهذا يستلزم صياغة الخطط وفق منهجية واقعية وعلى أسس عملية توازن بين المطلوب والمستطاع.

إن رغبتنا في رؤية الثمار سريعاً تؤدي إلى التساهل في عمليات الإعداد والبناء، وهذه الثمار تكون قليلة الدوام غير ناضجة، لذلك لزم التأني والصبر والعمل طويل المدى، وبذل الجهد في التفكير للخروج بمقاربات عملية في هذا السياق، حيث أن درجة التفكير بحل المشاكل تتناسب طردياً كماً ونوعاً مع درجة التعقيد والتأثير، ويلخص هذه الحقيقة البرت انشتاين بقوله : المشكلات الهامة التي نواجهها، لا يمكن ان تحل بنفس مستوى التفكير الذي كان سبباً في وجودها.

 يحب أن نتقبل الحقيقة القائلة بأننا لا نستطيع أن نفعل كل شيء، ويجب علينا أن نتعلم ان نركز طاقتنا على الأشياء التي نستطيع تغييرها، وألا نقلق بشأن الأشياء التي لا نستطيع تغييرها، فربما لم يحن وقتها بعد, فلم تكن الأولوية لرسول الله –ص- في المدينة بفتح جبهة عسكرية مع اليهود – وهم قتلة الأنبياء- فقام بتحييدهم حتى يركز على التخلص من خطر قريش، وكان لذلك أثر كبير في تحقيق النصر والتمكين للدولة الإسلامية الوليدة.

إن احد أوجه التعامل مع هذا المنهج هو: التخصص وتوزيع الواجبات والأنشطة على الأفراد، وإيجاد أقسام أو إدارات أو مؤسسات، وكلما حرصت تلك المؤسسات على القيام بدورها بشكل مركز، كلما كان ذلك أكثر نفعاً للجماعة ولمشروع الأمة بالنهوض الحضاري، أما تشعب عملها واهتمامها فسيؤدي إلى ضعف نتاجها، بل ربما يؤدي الى فشلها وفنائها.

وهذا ما طوره الراشد في كتابه (صناعة الحياة)، الذي يقول فيه: و(نظرية صناعة الحياة) دعوة لمراجعة الرصيد، والجري مع الفهم الجديد الذي بدأنا نفهم به العلاقات الحيوية وعوامل التأثير فيها وكيفية تقلبها فى مجاريها ومساربها، وهى استثمار لحقائق علمية تعلمناها من بعد جهل، واستعمال لمفاد أسرار اكتشفناها عبر انفتاح اجتماعي عالمي طرأ على سلوكنا من بعد عزلة حجبتنا، ....ولذلك، فالمظنون أن هذه النظرية البسيطة ستؤدى إلى تجديد فى التخطيط الدعوى، وإلى إعادة توزيع الواجبات وتقاسم الأدوار، وإلى أساليب مستحدثة، وتفنن وابتكار، فى محاولة لاختصار بقية الوقت، وتقليل الجهد، مع الدخول إلى ساحات التأثير من المداخل الطبيعية الفطرية البريئة من التكلف والتمحل... (انتهى الاقتباس).

ومن المهم إدراك حقيقة الهدف وطبيعة المعركة مع الفاسدين، إذ يتم استدراج الحركة الإسلامية إلى معارك جانبية مفتعلة هدفها إشغال الحركة عن أهدافها الرئيسة  وخطتها، والمستقرئ لتاريخ الحركات الإسلامية يجد أمثلة كثيرة ذهبت فيها جهود وتضحيات وانجازات نتيجة الانجرار وراء معارك ليست رئيسة، والاصطفاف على خطوط مواجهة خاسرة سلفاً، ولعل أحد الأمثلة على ذلك هو حشر " بعض الأنظمة" بعض الحركات في خانة دفاعها عن " الإرهاب" في ظل أجواء عالمية سياسية وإعلامية وعسكرية مشحونة بالهجوم والمبررات الجاهزة للبطش!، بل ربما تفسر الاعتقالات المستمرة للدعاة والشباب في بعض البلدان بالإشغال المتعمد للجماعة عن أهدافها، ألم يكن التوجيه الرباني واضحاً جلياً في العهد المكي في منع قتال المشركين، قال تعالى في سورة النساء (ألم ترى إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم ...)

من الوسائل المعينة على ذلك هي ترتيب الاهتمام بعلاقة العاجل بالمهم من الأمور، والتي تدور حول أربعة أمور: غير عاجل وغير مهم، عاجل وغير مهم، ومهم وعاجل، وغير عاجل ومهم. ولئن سار العلماء والإداريون لفترة ليست وجيزة بالاهتمام بالنط الثالث: عاجل ومهم، الى أن تطور الأمر إلى ما يسميه ستيفن كوفي في كتابه: الأمور الأهم... أولاً!  بالجيل الرابع في منهج إدارة الوقت، اذ يوجه إلى الموازنة بين الكفاءة - وهي استغلال الزمن – والفاعلية – أي البوصلة الداخلية- والتي تركز على انجاز الأشياء الصحيحة والمفروض القيام بها، أو كما يسميها الموازنة بين الساعة (الكفاءة) والبوصلة (الفاعلية). ولتحقيق ذلك يكون بتحديد المهام ومن ثم تحويلها لادوار ، وتحويل الأدوار إلى أهداف قصيرة، والأخيرة إلى جدول أنشطة محدد زمنياً

واجد من المناسب الاقتباس من كتاب القرضاوي بعض هذه الموازنات: ... والموازنة بين المصالح بعضها وبعض: فتقدم المصلحة المتيقنة على المصلحة المظنونة أو الموهومة، والمصلحة الكبيرة على المصلحة الصغيرة، ومصلحة الجماعة على مصلحة الفرد، ومصلحة الكثرة على مصلحة القلة، والمصلحة الدائمة على العارضة والمنقطعة، والمستقبلية القوية على الآنية الضعيفة، والجوهرية الاساسية على الشكلية والهامشية، وفي صلح الحديبة خير مثال.

وتتم الموازنة أيضا بين المفاسد بعضها ببعض: فالمفسدة التي تعطل ضرورياً غير التي تعطل حاجياً غير التي تعطل كمالياً، والضرر لا يزال بضرر اكبر منه او مثله

وتتم الموازنة بين المصالح والمفاسد ايضا: فلا تعتبر المنفعة القليلة في الأمر على المفسدة الكبيرة، فدرء المفاسد أولى جلب المنافع، ... وان المفسدة الصغيرة تغتفر لاجل المصلحة الكبيرة، وان المفسدة الانية تغتفر لاجل المصلحة المستقبلة الدائمة.

ومن هذه الأولويات : أولوية العمل الدائم على المنقطع، وقد جاء في الحديث الصحيح (أحب الأعمال إلى الله أدومها وان قل)، ذلك أن الإعمال ليست متساوية في الأهمية والأجر... ومنها: أولوية العمل الأطول نفعاً والأبقى أثرا، لذلك كان فضل الصدقة الجارية (الوقف الدائم) .

يقول العز بن عبد السلام في كتابه " قواعد الاحكام في مصالح الانام : وكذلك الاطباء يدفعون اعظم المرضين بالتزام بقاء ادناهما، ويجلبون أعلى السلامتين والصحتين ولا يبالون بفوات أدناهما، ويتوقفون عند الحير في التساوي والتفاوت، فان الطب كالشرع وضع لجلب مصالح السلامة والعافية، ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام,.... (انتهى الاقتباس).

يقول تعالى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت:69)

Nabil_alkofahi@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ