ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 04/09/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

مراجعات فكرية (3)

فقه الاستيعاب

د نبيل الكوفحي

الاختلاف بين بني البشر أمر طبيعي، لا يمكن الانتهاء منه، وقد عبر رب العزة عن ذلك بقوله ( ولو شاء ربك لهدى الناس جميعاً، ولكن لا يزالون مختلفين )، وجاء الإسلام ينظم هذا الاختلاف ويضع له الضوابط والآداب، وقد يكون الاختلاف لأسباب كثيرة منها اختلاف الأفهام والتفاوت في القدرات واختلاف البيئات وغيرها،  ونحن لا ننظر للخلاف على أنه أمر مطلوب، بقدر ما هو واقع لا محالة نتيجة احتكاك الناس وتفاعلهم مع بعضهم بعضا، وهذا حاصل في الجماعات البشرية كلها بغض النظر عن دينها وفكرها.

ولطبيعة البشر الناقصة عن الكمال، كان الخطأ ملازماً لهم (كل بني آدم خطاء، وخير الخطائين التوابون)، لذلك جعل الله سبحانه وتعالى باب التوبة مفتوحاً، وخاطبنا جميعاً بقوله في سورة النور ( وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون)، لكن وضعت للتوبة شروطاً حتى تقبل منها: الندم على المعصية، والعزم ألا يعود إليها، والمبادرة بالخيرات، وإذا كانت بحق آدمي فيضاف إرجاع الحقوق إلى أصحابها أو المسامحة.

في غياب فهم تلك الحقائق الثلاث، تبرز ظواهر سلبية تتمثل بابتعاد الفرد ذاتياً عن الجماعة أو بإبعاده رغماً عنه، وقد يترتب على ذلك مفاسد كثيرة وفقدان لعناصر متميزة ومفيدة، من هنا جاءت أهمية فقه الاستيعاب في عمل الجماعات، والذي يعتبر احد أركان المحافظة على وحدة الجماعات واستمرارها. ولما كان الاستيعاب مطلوباً شرعاً لغير المسلمين في الدولة الإسلامية وذلك ببقائهم على دينهم دون إجبارهم بالدخول بالإسلام أو الخروج من الدولة، ومثال ذلك وثيقة المدينة بين المسلمين واليهود، كان لأبناء الدعوة أولى.

إن الاستيعاب مطلوب للإفراد، فالاستيعاب عملية حركية تُنتج إطاراً للحفاظ على نتاج التفاعلات الايجابية وجهود الأفراد داخل الجماعة، وحفظاً للطاقة المتولدة لئلا تتسرب خارجياً، والاستيعاب علاقة متبادلة أفقيا ورأسياً، لذا كانت الطاعة للقيادة في المنشط والمكره وكان الحلم والرفق بالرعية والشورى، وتمثل الشورى احد أهم التطبيقات العملية للاستيعاب (وشاورهم في الأمر، فإذا عزمت فتوكل على الله).

ويتسع الاستيعاب ويضيق تبعاً لحالة الفرد التنظيمية ومستواه ودرجة الخطورة التي تكمن في الحدث أو الخطأ، وتبعاً للظروف التي تمر بها الجماعة،  فكلما كان العضو فرداً عادياً وليس قيادياً كان الاستيعاب بحقه أسهل، وكلما شكل الحدث فتنة للآخرين كان الاستيعاب لصاحبه ابعد وأصعب، حيث إن استيعابهم – حسب القراءات التاريخية- يؤدي إلى اتساع الشرخ وازدياد الخطورة وتهديد تماسك الجماعة. وفي فيزياء المواد فانه كلما كانت المادة ثابتة كان جهد الاستيعاب لها أسهل، فترى الماد الصلبة يمكن احتوائها (استيعابها) بإناء مسطح لا حواف له، وفي الحالة السائلة احتجنا لإناء له حواف، أما في الحالة الغازية فلا بد أن يكون مغلقاً قادراً على المحافظة على ضغط الغاز ، ويلاحظ في حالة التفاعلات التي تستلزم عمليات خلط وتحريك وتسخين لا بد من زيادة  القدرة على الاستيعاب لها.

وفي سيرة الرسول –ص- شواهد كثيرة على ما أسلفنا من وجهة نظر، ففي الحديث أن امرأة من جهينة أتت رسول الله وهي حبلى من الزنا (.... ثم أمر بها فرجمت ثم صلى عليها، فقال عمر: تصلي عليها يا رسول الله وقد زنت ؟ قال: لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم، وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله عز وجل؟) ، وتبدوا قصة الثلاثة الذين خلفوا عن غزوة تبوك واضحة في الاستيعاب بعد أن صدقوا الله ورسوله، يقول الله تبارك وتعالى في سورة التوبة (وعلى الثلاثة الذين خلفوا، حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم، وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه، ثم تاب عليهم ليتوبوا، إن الله هو التواب الرحيم). وفي المقابل نجده يزجر أسامه بن زيد - رضي- حينما شفع في المرأة في حد السرقة فقال –ص- غاضباً :أتشفع في حد من حدود الله، والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها.

لكن هناك خلط غير مبرر بين الاستيعاب والتهاون، والتجاوز عن أخطاء كبيرة مهددة لمصلحة الجماعة،  إذ أن بعض الأشخاص لا يتكيفون مع حقيقة العمل الجماعي، أو ربما لا يؤمنون بمنهجية هذه الدعوة في التدرج والإصلاح،  أومن الصعب عليهم التنازل عن آرائهم لصالح قرارات الجماعة الشرعية الصحيحة، بل ربما من الصعب تأطيرهم ضمن قوالب العمل الجماعي، وربما كان من الخير لهم وللجماعة والأمة أن يقوموا بواجب الدعوة إلى الله وما يلائم طبيعتهم,  يقول الإمام البنا في رسالة المؤتمر الخامس تحت عنوان مصارحة: أيها الإخوان المسلمون وبخاصة المتحمسون المتعجلون منكم: اسمعوها مني كلمةً عاليةً داويةً من فوق هذا المنبر في مؤتمركم هذا الجامع: إن طريقكم هذا مرسومة خطواته موضوعة حدوده، ولست مخالفاً هذه الحدود التي اقتنعت كل الاقتناع بأنها أسلم طريق للوصول، أجل قد تكون طريقاً طويلةً ولكن ليس هناك غيرها ...، فمن أراد منكم أن يستعجل ثمرةً قبل نضجها أو يقتطف زهرةً قبل أوانها فلست معه في ذلك بحال، وخير له أن ينصرف عن هذه الدعوة إلي غيرها من الدعوات، ومن صبر معي حتى تنمو البذرة وتنبت الشجرة .... ولن يفوتنا وإياه أجر المحسنين: إما النصر والسيادة، وإما الشهادة والسعادة.

وبعض اؤلئك يتطلع للرئاسة وهم لا يصلحون لجندية الجماعة، ومن الخطأ الاستمرار في العمل على استيعابهم ، يقول الراشد: ويفكر مشفق على وحدة الصف وعدم خسارة الجماعة للنفر الذين عشقوا الرياسة بأن يمنحهم ما يبغون، و يسترضيهم، جمعاً للجهود، وحرصاً على كل الطاقات أن تظل في خدمة القضية، ... إن مثل هذا الاقتراح هو مذهب في سياسة الجماعات خطأ، واجتهاد في التربية غريب، فإن إتاحة الفرصة لغير ذوي الأهلية والكفاية مهلكة لهم، والاستشراف للمسؤولية علامة خلل في التركيب النفسي للداعية، وإنما تنبثق العناصر الريادية من خلال السير انبثاقاً تلقائيا.ً والله تعالى أعلم.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ