ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 24/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

اللغة العربية الفصحى كأداة للإعلام العالمي

بوفلجة غيات

لقد مرّت اللغة العربية بعدة مراحل، وواجهت مجموعة من العقبات والتحديات. من أهم المراحل التي مرت بها وأخطرها، كانت مع نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن العشرين، أثناء الإحتلال الأوروبي لغالبية الدول العربية. وقد سعى الإحتلال البريطاني والفرنسي خاصة إلى مسح اللغة العربية من الوجود، باعتماد فلسفة الغزو الثقافي والحضاري. حيث دخلت لغات دخيلة إلى الوطن العربي وتوسّع استعمالها، ومن أهم هذه اللغات نجد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية.

وقد كانت اللغة العربية موضوع هجمات شرسة، ومن أهمها المطالبة بترسيم لغات المستعمر كلغات رسمية، ومحاولة بث اللهاجات الجهوية ومحاولة إنشاء لغة عامية وطنية في كلّ دولة، والإدعاء في بعض الدول وخاصة في المغرب العربي أن اللغة العربية لغة دخيلة وهي قادمة من المشرق العربي، أما اللغة الوطنية فهي العامية المختلطة التي نجد نسبة كبيرة من مصطلحاتها عبارة عن كلمات أجنبية دخيلة. وقد ادعى كثير من أبواق الدعاية أن لغة المدرسة ليست لغة الأم لكون الأفراد في الشارع يتحدثون اللهجات المحلية.

كما اتهمت اللغة العربية أنها لغة متخلفة ولا تتناسب مع التطور العلمي والتكنولوجي. وقد ظهرت دعوات بتبني لغات المستعمرين، بدعوى أنها غنيمة حرب، وادعاؤهم بأن سبب تخلف العرب يعود إلى تمسكهم باللغة العربية، التي لم تعد تناسب العصر.

وقد ساهم المستشرقون في ضرب اللغة العربية، وساهم بعض المثقفين العرب، من أمثال سلامة موسى وغيرهم من الأدباء، في تشجيع استعمال العامية في مجالات الفكر والأدب وضرب اللغة العربية الفصحى، لغة القرآن الكريم.

كما عملت بعض الأجهزة الإعلامية في الوطن العربي، في منتصف القرن العشرين، على تشجيع اللهجات المحلية بدعوى تبسيط اللغة المستعملة والنزول إلى مستوى عموم المواطنين، واستعمال الكلمات والمصطلحات المتداولة والتي يفهمونها، وهم يدّعون أن اللغة الفصحى غير مفهومة عند المواطن العامي. وقد أدّى الإعلام المصري، الذي كان أقوى إعلام عربي خلال النصف الثاني من القرن العشرين، إلى طغيان اللهجة المصرية المحلية على الإعلام العربي، إلى درجة أصبحت اللهجة المصرية تنافس اللغة العربية الفصحى، بل أن البعض كان يعتقد أن اللغة العربية الفصحى هي اللهجة المصرية. وبهذا هيمنت اللهجة المصرية على اللهجات الأخرى في مختلف مناطق العالم العربي، وخاصة في المغرب والخليج العربيين.

وما ساعد على هذا الإتجاه، ازدهار السينما المصرية في تلك الفترة من الزمن، إذ أنها هيمنت على الساحة السنمائية والإعلامية، فزاد توسّع اللهجة المصرية من خلال الأفلام والمسلسلات والإعلام المسموع والمرئي. إلا أن دخول السينيما السورية وازدهارها، واعتمادها على اللغة العربية الفصحى، أدى إلى الحدّ من هيمنة اللهجة المصرية، على الفضاءات الثقافية والإعلامية في الوطن العربي. كما أن دخول الأفلام والمسلسلات المدبلجة من المكسيك ومن تركيا في المدة الأخيرة، ساهم في دعم اللغة العربية الفصحى على حساب اللهجات القُطرية في الأعمال السنمائية والإعلامية.

ويبقى أهم دفع لاستعمال اللغة العربية الفصحى، ظهور قنوات جديدة في عصر الفضائيات، حيث أنها ازدهرت وتنوعت، واشتد التنافس بينها في استقطاب المشاهدين. وهي عوامل أدت إلى تراجع أثر القنوات المصرية لصالح قنوات جديدة بإمكانيات هائلة عملت على الإستفادة من التكنولوجيا والإخراج العصريين، فنجحت نجاحا باهرا، وتمكنت من الإستحواذ على أكبر عدد من المشاهدين العرب، وقد اعتمدت اللغة العربية الفصحى كسياسة وفلسفة التزمت بها.

من القنوات الرائدة في هذا المجال، نجد "قناة الجزيرة" بدولة قطر. وقد برزت كقناة عربية قلبا وقالبا، حيث استقطبت مجموعة من الإعلاميين الكبار، من مختلف مناطق الوطن العربي، من قطر ولبنان وسوريا وفلسطين واليمن ومصر والأردن وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، وغيرها من الدول العربية. ولأول مرة لم تعد اللهجة المصرية هي المهيمنة والمسيطرة في الإعلام العربي، بل أن قناة الجزيرة أعادت للغة العربية الفصحى مكانتها، فبرزت فصاحة وبلاغة وجمال اللغة العربية، كلغة إعلامية وفنية وثقافية وحضارية. ولم تعجز اللغة العربية، عن التعبير عن مختلف القضايا التي تغطيها القناة، وأن البعض من تلك البرامج يتطرق إلى قضايا عصرية بلغة عربية سليمة. وهكذا أصبح من الصعب التفريق بين مقدمي البرامج بين جزائري وسوري وتونسي ويمني وفلسطيني...، بل الكل يتحدث لغة عربية سليمة، وبقيت اللهجات القُطرية والمحلية في أدنى مستوى لها.

وقد أدت المنافسة إلى ظهور قنوات فضائية أخرى، عملت على الإقتداء بقناة الجزيرة، فركزت بدورها على اللغة العربية الفصحى في تقديم برامجها، وهو انتصار للغة العربية الفصحى ومساهمة في إعادة اكتشافها والرفع من أهميتها وإبراز مميزاتها الحضارية.

إلى جانب ذلك، ظهرت قنوات فضائية أجنبية استعملت اللغة العربية الفصحى، وأبدعت في برامجها وطرق تقديمها، كقناة ا لبي بي سي البريطانية الناطقة باللغة العربية، وقناة الحرّة التابعة للولايات المتحدة الأمريكية، وقناة فرنسا 24 التابعة لفرنسا، وقناة العالم التابعة لإيران، إلى جانب القنوات التابعة لروسيا وتركيا، وغيرها من القنوات التي تبث برامجها باللغة العربية الفصحى. وقد التجأت هذه القنوات إلى اللغة العربية بعدما كانت تسعى إلى تحطيمها، بسبب اقتناعها بأهمية الرأي العام العربي، والسعي إلى مواجهة قنوات فضائية أثبتت نفسها على الساحة العربية، وعرفت نجاحا كبيرا، وعلى رأسها قناة الجزيرة.

وهكذا، فبعدما ساهمت بعض الدول الغربية بل حتى بعض الأنظمة العربية، في محاربة العربية الفصحى، أصبحت تلتجئ إليها لبث جميع برامجها من نشرات إخبارية، وحوارات اجتماعية وتحليلات سياسية وتحقيقات إعلامية، لأنها السبيل الوحيد لاستقطاب أكبر عدد من المشاهدين، الوطن العربي وخارجه.

وهو ما يبرز أهمية اللغة العربية الفصحى وقدرتها على الصمود والمواجهة والبقاء والتكيف مع المستجدات. إن استعمال اللغة العربية في وسائل الإعلام، يساهم في خدمتها وإثرائها باستعمال مفاهيم علمية وتكنولوجية معاصرة، وإبداع مصطلحات ومفاهيم جديدة، مما يبرز قدرة هذه اللغة على مسايرة التحولات والتطورات والإكتشافات.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ