ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 14/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

رمضان شهر الحسم والتغيير

متى نعبد الله في رمضان.. وسائر شهور العام؟..

نبيل شبيب

رمضان شهر القرآن والصيام، والعبادة والقيام، والجود والإحسان، والتوبة والغفران، والصبر والجهاد، والإيثار والعطاء.. ورمضان الذي نستقبله هذا العام شهر يفرض علينا حسم أمورنا في مختلف هذه الميادين، وحسم أمورنا في واقع حياتنا على كل صعيد.

رمضان هو الشهر الذي تُصفّد فيه شياطين الجنّ، فجميع ما نشهده فيه ممّا يتناقض مع مكانة رمضان في الإسلام وفي حياة المسلمين في هذه الحياة الدنيا وعلى درب الحياة الباقية في الدار الآخرة، إنّما هو من صنع شياطين الإنس.. وتكاد أفاعيلهم تتجاوز "النيابة" عن أقرانهم من الجنّ إلى "إبداع" ما لا يُرضي أحداً قدر ما يرضي إبليس ورهطه.. وهم في الأصفاد!..

ما تنشط به شاشات الفساد والإفساد من صنعهم، وما تجود به غلظة السجّان على الأبرياء من صنعهم، وما يبتكره الاستبداد لمزيد من الاستبداد من صنعهم، وما تمضي به طغمة التسليم في فلسطين والتبعية في العراق والخيانات في أفغانستان من صنعهم، وما ينتشر من عنف غير مشروع يستهدف الأبرياء، أو عنف غير مشروع داخل البيوت والأسر، أو عنف غير مشروع على مستوى الدول من صنعهم، وما يجري تحت عنوان حصار للشعوب أو حرمان ثروات الشعوب أو استهتار بقضايا الشعوب من صنعهم.. وجميع ذلك أخطر على المسلمين وعلى جنس الإنسان، وأشدّ بطلانا بحق رمضان، وأسوأ عاقبة في الميزان، من وسوسة الشياطين بالإفطار في رمضان دون عذر مشروع، أو بأن يقصّر عابدٌ في عبادة من العبادات التي يُضاعف أجرها في رمضان من غير حساب.

جميع ما يصنع شياطين الجنّ والإنس في رمضان وخارج نطاق أيام هذا الشهر الكريم الفضيل المبارك، معروف.. يردّده كثيرا مَن يعتبرون أنفسهم "ضحايا" وسوسة الشياطين من الجنّ والإنس.. إنّما هل حسم من يشكو من الشياطين ووسوتهم أمره هو مع نفسه في رمضان؟..

أوليس ما يواجهه عنه كلّ عبدٍ من عباد الله يوم القيامة، يوم يأتي ربّه فرداً كما خلقه أوّل مرة، هو سؤاله عن عمله هو.. عن عمره.. عن شبابه.. عن صحته.. عن ماله.. وليس في هذا ولا في كثير من الأحاديث النبوية التي تشير إليه وإلى ما يماثله، سؤالٌ عمّا فعل فلان وفلان، من "الآخرين".. من شياطين الجنّ والإنس؟..

رمضان شهر القرآن عندما يكون القرآن ربيع قلوبنا.. سلوكا يوميا مع التلاوة، وتجسيداً حيّاً من الحفظ، وتطبيقاً كاملا مع "الختمة"!..

رمضان شهر الصيام حقا عندما نصوم عن سائر المحرّمات.. عن الفساد والرشوة، وعن متابعة ما نشكو منه من مسلسلات الإفساد والفاحشة، وعن الاستجابة للمغريات ببضاعة نزعم أنّنا نتنادى لمقاطعتها، و"تطبيع" ندعو إلى مناهضته، وسكوت على الباطل وعن الحقّ ونحن نتباكى من فجور الباطل وعلى تضييع الحق!..

رمضان شهر العبادة حقا عندما نكون عباد الرحمن.. عباد الجبّار القويّ العزيز ذي الطول حقا.. عندما نفهم ونستوعب ونطبّق ما يعنيه قول رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن "عبادة الرهبان" بأنّهم أحلّوا لهم الحرام وحرّموا الحلال فأطاعوهم "فتلك عبادتهم إيّاهم"!..

رمضان شهر القيام حقا.. عندما نقوم بين يدي الله في النهار والليل في كل يوم من أيام العام مثلما نقوم بين يديه داعين مستغفرين في ليالي رمضان.. عندما نقوم بأداء الواجب بقدر ما نقوم للمطالبة بالحقوق وزيادة، ونقوم بالعمل على نيل المستضعفين حقوقهم ولا نقوم بتمكين الأقوياء من اغتصابها!..

رمضان شهر الجود حقا.. عندما يكون الجود طبعاً أصيلاً في واقع حياتنا.. عندما تكون المسارعة إلى الخير هي شغلنا الشاغل من دون المسارعة إلى مكسب دنيوي، لا يعبأ الساعي إليه بضرر يصيبه أو يصيب سواه، ويكون جوده بوقته وفكره في طريق الحق ونصرته كجوده -إن كان جوادا- ببعض ماله!..

رمضان شهر الإحسان حقا.. عندما تكون عبادة أحدنا لله كأنّه يراه.. عندما يحسن إن أحسن وهو يشعر بقصوره فيزيد، ويكفّ عن إساءة إن أساء وهو يشعر بعين الله ترقبه في السرّ والعلن، إن كان منفردا بنفسه أو كان بين الناس، داخل بيته وفي وطنه، على مستوى أمّته وعلى مستوى رسالته للبشرية في عالمه وعصره..

رمضان شهر التوبة حقا.. عندما نتوب.. عندما لا تكون التوبة مادة حديث بل أفعال، ولا مادة دعوة بل قدوة، ولا مادة خطبة بل تغيير.. عندما نفهم التوبة أن نتوب عن المعاصي فيما نمارس على الصعيد السياسي لا العبادات التقليدية فقط.. وفيما يكون من افتراء ونميمة وكذب وغيبة وبهتان وإفك وتضليل وتزييف فيما نكتب وننشر فكرا وإعلاما وأدبا وفنا، وليس في العلاقات ما بين فرد وفرد فقط!..

رمضان شهر الغفران حقا.. عندما نستغفر ربّ العباد حقا.. فلا نزعم أنّ أحوالنا ما زالت كما هي بؤسا وهوانا، وذلاّ وتسليما، وتخلّفا ونكبات.. رغم أنّنا نستغفر، بل ندرك أنّنا لا نستغفر حقّا، استغفارا يحرّك منا الجوانح والجوارح في مكافحة البؤس والهوان والذلّ والتسليم والتخلّف والنكبات!..

رمضان شهر الإيثار حقا.. عندما يعود الإيثار جزءا من فطرة الله التي فطر الناس عليها.. عندما يكون الإيثار واقعا في حياتنا مع أنوار طيفه المضيئة في أمانينا.. وتصرّفا في معاشنا مع ذكره الطيّب على ألسنتنا.. وجزءا عضويّا من معاملاتنا مع تنافسنا على صياغة الدعوة إليه في خطبنا ولقاءاتنا!..

رمضان شهر العطاء حقا.. عندما يكون العطاء مطلبنا.. عندما نسعى للعطاء ممّا أنعم الله به علينا لا ننتظر من يعطي من أنعم الله عليه.. نلوم أنفسنا على تردّدها عن عطاء القليل إن كان ما نملك من طاقات قليلا.. أكثر ممّا نلوم سوانا على تردّده عن عطاء الكثير إن حسبناه يملك الكثير من دوننا!..

رمضان شهر الصبر حقا.. عندما نحوّل الصبر إلى طاقة تتفجّر بالعمل كما ينبغي أن يصنع رمضان بالصابرين.. عندما ندرك أنّ الصبر على التخلّف منقصة، وعلى الاستبداد ذلّ، وعلى الاستغلال ضعف، وعلى الإجرام جريمة، وعلى نشر الفاحشة والانحلال والإباحية عدوانٌ على إنسانية الإنسان.. وأن الصبر على ظلم المعتقلين الأبرياء، وقهر الرجال والنساء، وعلى تسليم البلاد والمقدسات، وعلى استعباد الشعوب ونشر الفقر والبؤس فيها عارٌ وشنار على كلّ من يزعم الصبر لنفسه تغطيةً على قنوطه ويأسه وذلّه!..

رمضان شهر الجهاد حقا.. عندما يكون جهادنا حقا لا زعما، وعملا لا قولا، وحركة لا سكونا، وتغييرا لا خلودا إلى الأرض.. والأرض كلّ الأرض، والإنسان جنس الإنسان، والمقدّسات بكل مقياس وبمختلف الأعراف، تنادي للجهاد.. ولا تكاد تجد استجابة إلاّ من ثلّة قليلة نشارك في حصارها بالسكوت على حصارها، ونزعم أن الجهاد كما أراده الإسلام جهادا بالقلم واللسان والمال والنفس، ثمّ لا نجاهد بقلم.. ولا لسان.. ولا مال.. ناهيك عن الجهاد بالنفس وبذل الروح في ساحات الجهاد الحقّ!..

إن أردنا أن يكون رمضان كما ينبغي أن يكون، أن يكون شهر التغيير، فليكن حقا وصدقا شهر الحسم في أنفسنا، مع شياطين الأنفس من الإنس، وهي حولنا في رمضان وقبل رمضان وبعد رمضان، ولا يمكن أن نغيّر شيئا من واقعنا ما لم نغيّر ما بأنفسنا، ولا أن نكون جادّين صادقين في صيام وقيام وتلاوة وذكر ودعاء واستغفار، ما لم نكن جادّين صادقين في تغيير أنفسنا في كل ميدان من الميادين التي نسأل الله تعالى فيها أن ينصر الحق على الباطل، والعدل على الظلم، والخير على الشرّ، والإنسان على الشيطان.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ