ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 09/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

قطعوا الشجرة لكنهم لم يكشفوا عن الغابة

بقلم: د. إدريس جندا ري

أقدمت القوات الإسرائيلية المرابطة على الحدود اللبنانية-الإسرائيلية؛ أقدمت على تجاوز الحدود المرسومة من طرف قوات اليونفيل؛ و ذلك بادعاء قطع شجرة توجد على الحدود؛ لكن المقصود في الحقيقة هو قطع الغابة التي تخفيها هذه الشجرة .

إن الغريب في الأمر حقا هو رد الفعل الإسرائيلي؛ الذي عمل هذه المرة على تجريب وسائل جديدة؛ عبر دعوته لتدخل المجتمع الدولي؛ لحمايته من الخروقات الأمنية اللبنانية !!! و الأكثر غرابة هو رد الفعل الأمريكي؛ الذي استبق التحقيقات و استند –كعادته- للرواية الإسرائيلية؛ منددا بالخرق اللبناني للحدود !!!

لقد كشف هذا الحدث –بحصيلته المأساوية من الجانبين- على مجموعة من الحقائق؛ التي ترتبط في العمق بما  تعرفه المنطقة من تحرك في اتجاه الحرب؛ و الجيش الإسرائيلي عبر إقدامه على هذا الخرق الحدودي كان يقوم بعملية جس نبض للبنانيين جيشا و مقاومة؛ وذلك لمعرفة مدى رد الفعل على أية مواجهة قادمة. لكن ما يبدو جليا هو أنه تلقى رسالة صريحة؛ على الجهوزية التامة لمواجهة أي خرق إسرائيلي محتمل .

لكن أقوى رد تلقاه قادة الكيان الصهيوني؛ هو أن المعادلة الجديدة في لبنان الآن؛ تقوم على أساس نوع جديد من المقاومة؛  يختلف جوهريا عن النوع السابق؛ إن معالم التحالف القائم بين الجيش و المقاومة تبدو جلية للعيان في الرد الأخير للجيش اللبناني على الخروقات الإسرائيلية؛ و هذا ما لم تكن تنتظره إسرائيل؛ لأن الهدف كان هو عزل المقاومة عن محيطها الشعبي؛ و الأكثر أهمية فك ارتباطها مع الجيش اللبناني .

لقد صرح قادة الاحتلال؛ بأن المقاومة استطاعت اختراق الجيش اللبناني؛ و هذا درس قديم تلقاه الكيان الصهيوني متأخرا؛ و ذلك لأن المعادلة الأمنية الجديدة في لبنان؛ هي جزء من التحولات التي تعرفها منطقة الشرق  الأوسط ككل؛ حيث فرض الخيار المقاوم نفسه؛ كآلية جديدة و أكثر فعالية؛ في ردع الجبروت الصهيوني؛ و يبدو أن الرئاسة الجديدة في لبنان؛ استوعبت هذا الدرس بشكل جيد؛ و هي الآن تقدم على استثمار النجاح الذي حققته المقاومة في مواجهة العدوان الإسرائيلي؛ استثمار هذا النجاح بشكل ذكي في إرساء معالم معادلة أمنية جديدة في لبنان .

من هذا المنظور –إذن- يمكن أن نستوعب جيدا رد الفعل الأمريكي-الصهيوني على الحدث الأخير؛ لأنه كان اختبارا لما يجري في لبنان؛ باعتباره نقطة ارتكاز لما يجري في منطقة الشرق الأوسط  ككل؛ و نتيجة الاختبار كانت مخيبة بشكل كبير لما يتم التخطيط له في الكواليس.

لقد كان التخطيط لإمكانية عزل المقاومة في لبنان؛ و من ثم محاولة عزل المقاومة عن محيطها الشعبي و السياسي في المنطقة ككل؛ للاستفراد بها و تصفيتها في الأخير؛ لتعوضها بحكومات فاشلة خانعة؛ مستعدة لبيع الشجر و الحجر و البشر للإبقاء على عروشها.

و هناك الكثير من المؤشرات التي تحيل عل هذه الخطة؛ يمكن أن نرصد البعض منها :

-  في لبنان تمت مؤخرا إثارة ملف اغتيال الشهيد رفيق الحريري؛ و تم تسريب بعض الأنباء حول تورط حزب الله في عملية الاغتيال. و هذا الحدث يخفي أكثر مما يعلن؛ فهو يسعى إلى تعويض الفشل العسكري الأمريكي-الإسرائيلي الأخير في مواجهة حزب الله؛ و تعويضه ب (انتصار) سياسي على المقاومة؛ من خلال توريطها في صراع سياسي داخلي؛ تكون نتيجته الحتمية إنهاء حكومة الوحدة الوطنية؛ التي يشكل فيها حزب الله مكونا فاعلا؛ و من ثم إعادة مشهد الصراع الطائفي إلى الواجهة من جديد . و الرهان –طبعا- هو عزل المقاومة عن محيطها الوطني أولا؛ استعدادا لعزلها عن محيطها الإقليمي؛ و ذلك استعدادا لأية مواجهة قادمة . لكن رد الفعل اللبناني الأخير على الخروقات الأمنية الإسرائيلية؛ أجهض هذه الخطة في اللحظات الأخيرة؛ و أعاد الدفء إلى العلاقات البينية بين الفرقاء السياسيين اللبنانيين؛ و في نفس الآن قلب الطاولة على المخططين الأمريكيين-الإسرائيليين؛ و رمى الكرة في ملعبهم من جديد؛ من خلال الاتهام المباشر؛ الذي وجهه أمين عام حزب الله ( حسن نصر الله) للكيان الصهيوني؛ عن مسؤوليته المباشرة في اغتيال الشهيد رفيق الحريري. لكن الرد الأكثر إيلاما الذي تلقاه الإسرائيليون –خصوصا- هو القناعة المشتركة بين الجيش و المقاومة في لبنان؛ لمواجهة العدو المشترك للبنانيين جميعا؛ الأمر الذي يؤكد الاستنتاج الإسرائيلي المتأخر؛ حول اختراق المقاومة للجيش؛ و نحن نضيف اختراق الجيش للمقاومة. و هو (اختراق متبادل) محمود؛ يمكنه أن يصوغ معادلة أمنية جديدة في لبنان و في المنطقة ككل؛ استعدادا لأية مواجهة عسكرية قادمة مع الكيان الصهيوني؛ و هذا ما سيرسخ أكثر الاستقرار الأمني اللبناني؛ داخليا و خارجيا .

-  في فلسطين يبدو أن الخطة السابقة تعيد نفسها بجميع التفاصيل؛ و ذلك واضح من خلال الأهداف المرسومة مسبقا؛ و التي تركز على عزل خيار المقاومة؛ و تعويضه بخيارات هشة؛ تكرس الوضع القائم باعتباره الحل الأوحد؛ عبر إجراءات ترقيعية؛ أمنيا و اقتصاديا . و في هذا الصدد يسعى الاحتلال  الصهيوني؛ في شراكة مع حكومة تصريف الأعمال الفياضية؛ يسعى إلى صياغة نموذج موهوم من الاستقرار الأمني و الاقتصادي؛ و ترويجه في قطاع غزة؛ باعتباره الخيار الأفضل لحل القضية الفلسطينية !!! و هذا ما يؤكده مسار المفاوضات المفروض على الفلسطينيين؛ من طرف الولايات المتحدة؛ التي يسعى رئيسها للتكفير عن كل ما صدر عنه تجاه أصدقائه الصهاينة! و لذلك فهو يقدم نفسه متصهينا؛ بدرجة تفوق كل سابقيه من الساسة الديمقراطيين و الجمهوريين على السواء . إنه يهدد الفلسطينيين هذه المرة و على الملأ بعواقب وخيمة؛ إن لم يدخلوا إلى قاعة المفاوضات المظلمة؛ و ينزعوا ملابسهم حتى ! ليحصل سيادته على رضى اللوبي الصهيوني. لكن ما يبدو واضحا منذ البداية؛ هو أن هذا المسار الفاشل المفروض على الشعب الفلسطيني؛ لا يمتلك أية مشروعية شعبية؛ يمكنها أن تحميه؛ على المدى القريب بله البعيد؛ و هذا ما يفسح المجال أمام تيارات المقاومة لإفشاله في أية لحظة؛ و بالتالي يبدو أن فرصة الخيار المقاوم للعودة إلى الساحة الفلسطينية بقوة باتت متاحة؛ خصوصا و أن هذا الخيار يمتلك رصيدا مشرفا؛ نهله من ساحة المعارك؛ و هو يطوره في ظل العجز المتراكم للسلطة الفلسطينية؛ في قيادة مسار المفاوضات مع الكيان الصهيوني؛ الذي أصبح يتحكم أكثر في خيوط اللعبة . 

من لبنان إلى فلسطين؛ يبدو أن التخطيط الأمريكي-الصهيوني  لتعويض الفشل العسكري ب (انتصار) سياسي على المقاومة؛ يبدو أن هذا التخطيط أعلن عن فشله الذريع؛ قبل أن يبدأ حتى؛ و هذا إن دل على شيء فهو يؤكد درجة التخبط؛ التي أصبح يعيش عليها الأمريكيون و الإسرائيليون؛ في مواجهتهم للخيارات الجديدة التي أصبحت تعيش عليها منطقة الشرق الأوسط . فقد فقدوا اتجاه البوصلة؛ و هم الآن هائمون في صحارى بلا حدود .

لقد نجح الصهاينة إذن في قطع الشجرة؛ لكنهم –بالتأكيد- لم ينجحوا في تجاوزها لقطع الغابة؛ التي تبدو هذه المرة محصنة بأدغال؛ أدى إليها تكاثف الأشجار؛ و بالتالي إعاقة  الرؤية الصهيونية أكثر؛ و إعاقة التقدم نحو الأمام .

ـــــــــ

** كاتب و باحث أكاديمي مغربي

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ