ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 05/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

المحكمة الدولية

بين الاستخدام الإسرائيلي والمراجعة اللبنانية

معن بشور

في مثل هذه الأيام قبل عامين، وفيما كان السودان يفتتح مرحلة جديدة في حياته عبر الإعلان عن دستور جديد لدولته، وعن الاستعداد لبدء انتخابات رئاسية ونيابية شاملة، خرج ناطق باسم الخارجية الأمريكية يعلن عن قرب إصدار المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية اوكامبو مذكرة اعتقال بحق الرئيس السوداني المشير عمر حسن البشير، علماً إن الولايات المتحدة ليست طرفاً في ميثاق روما الذي أنشأ تلك المحكمة ، بل إنها عارضته بشدة في مجلس الأمن الدولي وفرضت على أكثر من 90 دولة اتفاقيات ثنائية تحّرم بموجبها ملاحقة أي عسكري أمريكي متهم بارتكاب جرائم حرب وقد باتت هذه الجرائم، ومعها الجرائم ضد الإنسانية سمة من سمات الممارسات الأمريكية في أكثر من ساحة لا سيما في العراق وأفغانستان والمعتقلات الأمريكية، العلنية منها والسرية.

   وفي هذا العام، وفيما لبنان يستعد للاحتفال بالذكرى الرابعة لانتصار مقاومته وشعبه وجيشه على العدوان الصهيوني، خرج رئيس هيئة أركان جيش العدو كابي اشكنازي ليعلن عن مضمون قرار ظني سيصدره المدعي العام في المحكمة الدولية الخاصة بلبنان ، وليعلن في الوقت ذاته عن التداعيات المرتقبة لمثل هذا القرار على الأوضاع في لبنان، وربما في المنطقة، خاصة وان أصابع الاتهام موجهة ضد عناصر من حزب الله، كما جاء في تصريحات اشكنازي (وهو المتهم أصلاً بارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، في حرب غزة في نهاية عام 2008  حسب تقرير غولدستون، ثم ضد قافلة أسطول الحرية في اليوم الأخير من شهر أيار 2010).

   وتساءل كثيرون عن "مصدر" معلومات الإدارة الأمريكية والحكومة الصهيونية المسبقة عن قرارات تصدر عن جهات قضائية دولية يفترض ان تكون تحقيقاتها سرية وشفّافة، حسب ما تتطلبه المعايير القانونية والقضائية المعروفة في مثل هذه المحاكمات، وتساءل سياسيون كثر عن "مبرر" هذه  الإعلانات الصادرة عن واشنطن وتل أبيب ومواقيتها وهو ما لا يمكن تنزيهه عن أغراض سياسية تتعلق بتشجيع نوازع الفوضى والتقسيم في السودان، وإيجاد مناخات الفتنة والاحتراب الأهلي في لبنان.

   ولن ندخل في هذه العجالة في فقه القضاء الدولي، وفي قانونية مثل هذه المحاكم والمحاكمات، خصوصاً إن خبراء ومختصين في القانون الدولي والقانون الجنائي كالمستشار القانوني المصري د. علي الغتيت، والبروفسور في جامعة جورج تاون د. داوود خير الله، والخبير بالشؤون الجنائية د. عمر نشابة، وغيرهم، قد قاموا بواجبهم على أفضل وجه في هذا المجال، لكن من حقنا كمواطنين وكمتابعين أن نشكك في نزاهة مثل هذه المحاكمات والتحقيقات التي تتقّلب في اتهاماتها حسب رياح المزاج السياسي لدول ذات سجل حافل في انتهاك العدالة الدولية.

   وما يعزّز هذه الشكوك طبعاً، هو عدم تحرك المجتمع الدولي بمؤسساته القضائية والسياسية لمواجهة هذا الاقتحام السياسي غير المبرر في قضايا تمس استقلالية القضاء الدولي، كما لمحاسبة "المقتحمين" أنفسهم بعد التحقيق معهم في مصادر معلوماتهم وكيفية تسربها اليوم.

   وما يزيد من حدة هذه الشكوك أيضاً إن مؤسسات المجتمع الدولي لا سيما القضائية منها، بقيت صامتة، حتى لا نقول متواطئة ، عن جرائم بالغة الخطورة كما هو الحال مع تقرير غولدستون الشهير "المجهول المصير" رغم صدوره منذ أكثر من عشرة أشهر،  كما مع الوثائق الاستخبارية السرية التي نشرها موقع "ويكي ليكس" الأمريكي حول جرائم حرب ارتكبها عسكريون أمريكيون في أفغانستان، ناهيك عن عدم التحرك إزاء إقرار الإدارة الأمريكية المتأخر  عن استخدام قواتها "للفوسفور الأبيض" ضد أهالي الفلوجة في العراق في نهاية 2004، وهو السلاح الذي تظهر تداعيات استخدامه كل يوم في تشويه أجساد الأطفال العراقيين الذين ولدوا بعد تلك المعارك.

   لا بل يرتفع عالياً منسوب التشكيك باحتمالات  بتسييس القضاء الدولي حين نتذكر إن قراراً صدر عن محكمة العدل الدولية في لاهاي بهدم جدار الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين وما زال ينتظر التنفيذ رغم مرور أكثر من خمس سنوات على صدوره.

   ان هذه المعايير المزدوجة والانتهاكات المتمادية لأصول المحاكمات القضائية، تسمح لنا أن نفترض إن ما يسمى "بالعدالة الدولية" لم يعد سوى وسيلة جديدة لتكريس الهيمنة الاستعمارية على العالم، والإرهاب الصهيوني في هذه المنطقة.

   فبعد ان شهدت نهاية الحرب العالمية الاولى مرحلة من التشريع الدولي للاحتلال العسكري الأجنبي باسم صكوك "الانتداب والحماية" التي كرست اتفاقيات لتقاسم العالم بين إمبراطوريات كبرى خرجت منتصرة من تلك الحرب، وبعد أن شهدت نهاية الحرب العالمية الثانية اتفاقية "بريتون وودز" الشهيرة التي أطلقت جملة صناديق وبنوك دولية تبين لاحقاً إن هدفها هو "شرعنة" الهيمنة المالية والاقتصادية للدول الاستعمارية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، على العالم بأسره عبر "وصفات" الإفقار المسماة "إعادة الهيكلة الاقتصادية" وسياسات ووضع "شروط لمنح القروض والمساعدات" للدول النامية، وبعد أن شهد العالم، في أوائل التسعينات من القرن الماضي، ومع نهاية نظام القطبين في العلاقات الدولية، انطلاق حملات الغزو العقائدي والثقافي والإعلامي في كل أرجاء المعمورة لتكريس تبعية ثقافية من دول الأطراف لدول المركز، وتحت عناوين مختلفة، هدفها إذكاء الصراعات بين القوميات والاثنيات والطوائف والمذاهب باسم "الليبرالية الجديدة" "والعولمة"، يبدو إننا قد دخلنا مرحلة جديدة مع القرن الجديد (الذي أراده المحافظون الجدد قرناً أمريكيا خالصاً حسب التقرير الاستراتيجي الخطير الذي أعدوه مع نهايات القرن الماضي)، وهي مرحلة استخدام "العدالة الدولية" بمحاكمها لتحقيق إغراض سياسية مباشرة لصالح القوى المهيمنة على المنطقة والعالم، فرأينا أسرى الحرب في العراق  - وهم أسرى باعتراف قوات الاحتلال أنفسهم – يتحولون إلى معتقلين سياسيين يحكمون بالإعدام في محاكمات صورية انتقدتها كل الأوساط الحقوقية في العالم، ورأينا السودان الخارج بتؤدة وثبات من واقع الفقر والتخلف والفوضى يواجه "حرباً قضائية" دولية، تماماً كما نرى لبنان الذي بدأ يستعيد عافيته ويستكمل وحدته الوطنية هدفاً لمحاولات صهيونية وأمريكية مكثفة لجعل ساحته مكشوفة لأعاصير "العدالة الدولية".

   وإذا عادت بنا الذاكرة إلى الأيام، بل الساعات، التي تلت الجريمة المرّوعة التي أودت بالرئيس الشهيد رفيق الحريري في 14/2/2005 ورفاقه، وتذكرنا  كيف ارتفع، في ظل شعارات السيادة والاستقلال، مطلب التحقيق الدولي والاستعانة غير الناجحة بخبراء من مكتب التحقيق الفدرالي الأمريكي، وكيف أقرت على عجل، وعلى نحو مخالف للأصول الدستورية، قوانين إنشاء المحكمة الدولية الخاصة بذريعة عدم الثقة بالقضاء اللبناني واستقلاليته، ألا يحق لنا أن نسأل اليوم عن استقلالية القضاء الدولي ونزاهته بعد أن بتنا نسمع عن قراراته مسبقاً في واشنطن وتل أبيب، وبعد أن رأينا  من تقارير لجان التحقيق الدولي غرائب وعجائب أدت إلى توجيه أصابع الاتهام  إلى هذه الجهة أو تلك بكل ما أدى إليه ذلك الاتهام من تداعيات خطيرة على لبنان والمنطقة، كما إلى سجن أبرياء، ليتبين بعد سنوات طويلة عدم ثبوت أدلة تدينهم، مع الامتناع عن محاسبة المسؤولين عن سجنهم الظالم أياً كان هؤلاء المسؤولون.

   ان هذه الحقائق الساطعة، وغيرها من حقائق تتكشف كل يوم، لا سيّما مع انكشاف حجم الاختراق المخابراتي الصهيوني للبنان ، تتطلب منا جميعاً، خصوصاً ممن انزلقوا أو انساقوا إلى حملة التضليل والتشويه الضخمة التي شهدناها على مدى سنوات ، إجراء مراجعة شجاعة وجريئة للمسار السياسي والقضائي والإعلامي الذي عشناه في السنوات الماضية ، وهو مسار كاد أن يقود البلد بأسره إلى غياهب الانقسام والفوضى والدمار ، بل واتخاذ قرارات تتناسب مع هذه المراجعة دون أي مكابرة أو تعنت أو تمادٍ في الظلم بما يحفظ وحدة البلاد واستقرارها من جهة ، وبما يعطل الاستخدام الصهيوني المكشوف لقضية تهم كل لبناني وكل عربي من جهة ثانية.

   ولعل في شبكة الأمان  العربية التي شّكلتها زيارات القادة العرب إلى لبنان هذه الأيام ما يوفر المناخ الملائم لمثل هذه المراجعة ولتلك القرارات، وهي شبكة تؤكد من جديد إن العروبة هي ضمانة لبنان واللبنانيين، وان التدويل كان دائماً مصدر فتنة واحتراب وخراب للبنان وللمنطقة بأسرها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ