ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 04/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

متغيرات شرق-أوسطية في خدمة خيار الحرب

بقلم: د. إدريس جندا ري **

   تؤكد مؤشرات عديدة تعرفها منطقة الشرق الأوسط؛ على قرب ساعة الصفر؛ لانطلاق أزيز الطائرات و الصواريخ؛ التي ستسعى هذه المرة؛ ليس إلى فرض أجندة أمريكية-صهيونية جديدة؛ و لكنها ستكتفي بعرقلة ما يجري من تحولات جذرية في المنطقة؛ تتحكم فيها قوى جديدة؛ كانت خلال الأمس القريب خارج إطار التنافس .

   لا يهضم صناع القرار الأمريكي-الصهيوني الواقع الجديد الذي تعيش على إيقاعه المنطقة؛ فإيران توسع رقعة نفوذها في كل يوم ؛ من العراق إلى لبنان إلى فلسطين ... و حلفاؤها الإقليميون و الدوليون يتضاعفون كل يوم؛ في الشرق الأوسط و أمريكا اللاتينية و الصين. أما النفوذ التركي الذي كان إلى وقت قريب لا يتجاوز الجوار القريب؛ فإنه الآن يفرض نفسه بقوة؛ إقليميا و دوليا؛ و تركيا تضع يدها على ملفات كبيرة و حساسة في المنطقة.

    لكن ما يقلق الأمريكيين و الصهاينة أكثر هو ذلك التقارب بين الإيرانيين و الأتراك؛ و  الذي بدأ يعلن عن نفسه بشكل تدريجي؛ كانت آخر حلقة منه تلك المرتبطة بدخول الأتراك على الخط بخصوص الملف النووي الإيراني؛ في شراكة مع البرازيل الدولة الصاعدة في أمريكا اللاتينية .

   و قد كانت هذه الخطوة بمثابة النقطة التي أفاضت الكأس؛ لأن الأمريكيين و الصهاينة بدأو يشعرون بانفراط حلقات العقد من بين أيديهم؛ عبر دخول فاعلين جدد على الخط؛ و هم فاعلون يختلفون جوهريا عن الفاعل العربي؛ الذي يعاني من نقص داخلي؛ يرتبط بانهيار الشرعية السياسية للأنظمة الحاكمة؛ إن الفاعلين الجدد من العيار الثقيل هذه المرة؛ بما يجسدونه من شرعية سياسية داخلية؛ قائمة على الديمقراطية و المؤسسات؛ و بما يجسدونه كذلك من نفوذ خارجي متصاعد؛ مكنهم من الفعل السياسي الناضج بخصوص عدة ملفات دولية حساسة .

   لقد وضع الحضور الأمريكي-الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط على المحك؛ و أكثر من أي وقت مضى؛ بشكل يهدد هذا الحضور على المدى القريب بله المتوسط و البعيد؛ و خصوصا في ظل النكسات الأمريكية-الصهيونية في العراق و لبنان و فلسطين و أفغانستان ...  و كذلك في ظل انهيار الشرعية الذي أصبحت تعاني منه إسرائيل دوليا.

   كلها متغيرات جديدة تؤشر على تحولات إستراتيجية عميقة في منطقة الشرق الأوسط؛ و هذه التحولات –طبعا- لا تخدم المصالح الأمريكية الصهيونية؛ بل تهددها في العمق؛ خصوصا مع بروز أقطاب دولية جديدة من آسيا و أمريكا اللاتينية؛ تنافس على حجز موطئ قدم لها؛ في منطقة غنية بالثروات النفطية .

إن مجموع هذه التحولات التي تعيش عليها منطقة الشرق الأوسط؛ تضع  صناع القرار الأمريكي-الصهيوني أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما؛ و كل خيار أكثر مرارة من الآخر:

-  الخيار الأول هو أن يتعامل هؤلاء مع المتغيرات الدولية الجديدة بحس استراتيجي؛ يقوم على أساس الشراكات متعددة الأقطاب؛ و على أساس المصالح المشتركة . و هذا يفرض على الأمريكيين و الإسرائيليين التنازل عن جميع الأساطير المؤسسة للتفوق الأمريكي-الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط . لكن ما يبدو هو أن أسطورة التفوق الموهوم على دول  فاشلة في حروب دونكشوتية  قديمة؛ لن تسمح لهؤلاء بالاعتراف بالواقع الجديد؛ و ذلك زعما منهم بقدراتهم الخارقة على الردع؛  التي يمكنها أن تعرقل جميع الأجندة السياسية الجديدة في المنطقة .

-  الخيار الثاني هو أن يستمر الأمريكيون و الإسرائيليون في نسج الأوهام؛ حول قدراتهم الخارقة في السيطرة على المنطقة و تقسيمها و توجيهها حسب بوصلتهم الخاصة. و مؤشرات استمرارية هذا النهج جلية للعيان؛ فرغم الانهيار الأمريكي في العراق؛ و رغم الانهيار الإسرائيلي في لبنان و قطاع غزة... رغم جميع هذه الانهيارات المتتالية؛ يبدو أن اليمين الصهيوني المتطرف؛ في الولايات المتحدة و إسرائيل؛ يسير في الاتجاه المعاكس؛ و يسعى إلى الاستمرار في لعب دور الفاعل الأوحد في المنطقة؛ العارف باستراتيجياتها و خرائطها؛ و هو وحده يجب أن يحتكر جميع الأدوار. و تجسيدا لرؤية اليمين الصهيوني المتطرف؛ لا تبدو في الأفق تباشير الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط؛ بل على العكس من ذلك؛ يبدو أن درجة التوتر وصلت إلى النقطة القصوى؛ ما يهدد بإشعال المنطقة في أية لحظة.

هذا -على الأقل- ما تؤكده الأحداث الجارية على جميع الواجهات؛ من العراق إلى لبنان إلى إيران إلى تركيا إلى سوريا إلى فلسطين ... و هي أحداث تؤكد أن درجة الغليان تجاوزت كل الحدود .

   بخصوص الملف العراقي يبدو أنه يعيش توترا غير مسبوق؛ منذ الاحتلال الأمريكي؛ و هذا ما يعكسه المخاض العسير الذي تعيشه الحكومة العراقية؛ التي لا يبدو أنها سترى النور قريبا. و تبدو اللمسة السحرية الإيرانية بادية بجلاء؛ فهي تريد تأجيل الانسحاب الأمريكي إلى أبعد مدى؛ مع إيقاعه في التخبط؛ و هذا ما يمكنه أن يؤجل في الوقت ذاته اي ضربة مرتقبة لإيران . لكن القادة الأمريكيين في الميدان؛ يسارعون الخطو لتحقيق انسحاب و لو جزئي من العراق؛ استعدادا لتعويضه بالميدان الإيراني؛ في المدى القريب على ما يبدو .

   أما بخصوص الملف الفلسطيني؛ فما يبدو هو أن الأوراق قد تبعثرت؛ لدرجة لا يمكن معها إعادة ترتيبها. و هذا التبعثر طبعا لا يخدم أجندة الاحتلال الصهيوني الذي يسعى إلى الاستفراد بالفلسطينيين . و هذا ما يدفع الإسرائيليين إلى محاولة فك الارتباط بين الفلسطينيين و إيران؛ و في الوقت ذاته فك الارتباط بين الفلسطينيين و الأتراك. و ذلك ما يؤكده السعي الأمريكي-الإسرائيلي الحثيث؛ لإعادة قاطرة المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين (حكومة عباس) و الإسرائيليين إلى سكتها؛ بعيدا عن أي تأثير إيراني أو تركي أو سوري حتى. و قد قام الرئيس الأمريكي –باراك أوباما- بمجهودات استثنائية لتحقيق هذا الرهان؛ إلى درجة تهديد الفلسطينيين بوقف الدعم السياسي و المالي؛ إذا لم يستجيبوا للمفاوضات المباشرة مع الحكومة اليمينية المتطرفة .  لكن هذا الضغط الأمريكي الكبير على الفلسطينيين؛ لا يتجاوز حدود الضفة الغربية مع عباس و فياض؛ في مقابل رفض شعبي؛ تجسده حركات المقاومة ( حماس – الجهاد الإسلامي...). و هذا ما يحكم على هذه المفاوضات الشكلية بالفشل قبل الشروع فيها.

   و بخصوص لبنان و حزب الله على وجه التحديد؛ يبدو أن الولايات المتحدة و بشراكة مع اليمين الصهيوني؛ تسعى إلى تحقيق أهداف سياسية؛ تعوضها عن الفشل العسكري الذريع؛ خلال الهجوم الصهيوني –المدعوم أمريكيا- الفاشل على لبنان. و لعل ما يروج بخصوص المحكمة الدولية الخاصة بملف اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق (رفيق الحريري)؛ يؤكد التوجه الأمريكي-الصهيوني الجديد؛ الذي يسعى إلى استغلال هذا الملف في تصفية الحساب مع قادة حزب الله. لكن الرد الأخير لقادة الحزب يؤشر على المخاضات العسيرة التي تنتظر لبنان و المنطقة ككل؛ خصوصا و أن الحزب يمتلك رصيدا سياسيا و عسكريا مشرفا؛ يمكنه من إجهاض أية محاولة لاستغلال القانون و المؤسسات الدولية لتصفية الحساب. لذلك يبدو أن الرهان على تعويض الفشل العسكري الإسرائيلي؛ بنجاح سياسي؛ لن يكون هذه المرة سهل المنال؛ و ذلك لان اللبنانيين تلقوا دروسا كبيرة خلال الهجوم الإسرائيلي الأخير على لبنان؛ و تعلموا أن إسرائيل لا تستهدف حزب الله و الجنوب اللبناني فقط؛ و لكنها تستهدف النموذج السياسي و العسكري اللبناني؛ الذي يعتبر تحديا غير مسبوق في المنطقة. و لهذا فإن جميع الفرقاء السياسيين اللبنانيين مستعدون للدفاع عن قضية الوطن؛ سياسيا و عسكريا؛ و الدفاع السياسي يتطلب منهم أن يكونوا في مستوى التحديات القادمة؛ بألا يفتحوا المجال للصراعات السياسية الداخلية؛ التي تعتبر الرهان الأساسي الذي تراهن عليه إسرائيل لكسر شوكة المقاومة؛ و هذا بالطبع ما سيمكنهم من ربح رهان أية مواجهة عسكرية مع الكيان الصهيوني الغاشم.  

إن مجموع هذه الملفات؛ من العراق إلى فلسطين إلى لبنان؛ تعد المدخل الرئيسي لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط ؛ و ذلك من منظورين مختلفين:

-  المنظور الأول أمريكي-إسرائيلي؛ يسعى إلى التحكم في صياغة إستراتيجية المنطقة؛ من منطلق تصور الشرق الأوسط الكبير؛ الذي ينطلق من مقدمات واضحة؛ أساسها إعادة تشكيل خرائط المنطقة حسب المصالح الأمريكية-الصهيونية؛ و إعادة التشكيل  هذه تستدعي التحكم في البوصلة و توجيهها على المقاس. أي مواجهة كل ما من شأنه أن يشوش على اتجاه البوصلة؛ سواء تعلق الأمر بالدول (المارقة) ( إيران؛ سوريا؛ و تركيا في الطريق ) ؛ أو تعلق الأمر بحركات المقاومة؛ التي هي كذلك حركات مارقة من المنظور الأمريكي-الصهيوني .

-  المنظور الثاني إيراني- تركي (في الطريق) في تحالف مع بعض الدول الصاعدة في المنطقة العربية؛ و بالأساس في تحالف مع حركات المقاومة سواء في لبنان أو في فلسطين. و هذا المنظور –على ما يبدو- يعتبر وليد التحديات التي فرضها الاحتلال الأمريكي-الإسرائيلي لمنطقة الشرق الأوسط؛ و ذلك بما يجسده من قيم التحرر و المقاومة؛ كخيار استراتيجي في مواجهة التحديات المتصاعدة؛ و التي تسعى إلى تأسيس مرحلة استعمارية جديدة. و منذ احتلال العراق؛ مرورا بالمواجهة العسكرية في لبنان و قطاع غزة؛ و أخيرا الهجوم الإسرائيلي على أسطول سفن الحرية؛ يبدو أن هذا المنظور المقاوم يفرض نفسه بقوة؛ و ذلك لما يمتلكه من أوراق رابحة؛ تشكلت عبر المقاومة والإيمان بقيم التحرر؛ كخيار وحيد لمواجهة التحديات المتصاعدة . و لعل الرصيد المشرف الذي أصبح يتراكم كل يوم؛ يؤكد أن هذا المنظور أصبح الخيار الوحيد أمام شعوب المنطقة؛ للمحافظة على استقلالها؛ الذي تهدده الأجندة الأمريكي-الصهيونية بقوة .

إن مجموع هذه المتغيرات الشرق-أوسطية؛ تؤكد أن مستقبل المنطقة سيكون على صفيح ملتهب؛ و ذلك نظرا للتكافؤ الذي بدأ يعلن عن نفسه يوما بعد يوم؛ بين الفاعلين في المنطقة؛ فإيران في تحالفها الصاعد مع تركيا و حركات المقاومة؛ لن تفسح المجال أمام الأجندة الأمريكية-الصهيونية؛ لكن اليمين المتطرف في الولايات المتحدة و إسرائيل عير مستعد للاعتراف بمجموع هذه التحولات؛ و لذلك فهو يرجح خيار الحرب على  خيار الدبلوماسية.

و هذه الخيارات المتناقضة؛ تؤشر بالملموس على  ما ينتظر المنطقة من صراعات جديدة؛ لن تكون هذه المرة من جنس الصراعات القديمة؛ التي كانت تنهيها إسرائيل في ساعات أو أيام معدودة؛ إنها حروب استنزاف بعيدة المدى؛ تقودها حركات مقاومة؛ مدعومة سياسيا و عسكريا من دول لها وزنها الثقيل على الساحة الدولية.

ــــــــــ

** كاتب و باحث أكاديمي مغربي 

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ