ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 04/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

التوتر الروسي-الإيراني والثغرات في جدار العلاقات

د. علاء مطر

يعد التوتر القائم  بين موسكو وطهران الأشد منذ بدء التعاون بين البلدين عقب انتهاء حرب الثماني سنوات، وشروع إيران بإعادة إعمار ما دمرته الحرب، حيث اعتمدت الأخيرة على موسكو بشكل كبير في ذلك، فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي في عام 1991 نمت العلاقات التجارية بين البلدين لتصل إلى ثلاثة مليارات دولار العام الماضي. وأبرمت روسيا اتفاقات لبناء أول محطة طاقة نووية في إيران، وتعتبر روسيا أكبر مصدر للسلاح الإيراني، كما صنعت إيران عدداً من أسلحتها استناداً إلى نماذج روسية. وما يعزز أواصر التعاون بين البلدين، تلاقي المصالح بين طهران وموسكو في العديد من مناطق النفوذ، بالإضافة لوجود تقارب في وجهات النظر السياسية بينهما تجاه العديد من القضايا الإقليمية والدولية.

فالرفض الإيراني للوجود الأجنبي في الخليج وخاصة الوجود الأمريكي لما يمثله من تهديد للأمن الإيراني، يدفع الأخيرة للتقارب مع روسيا كأداة ضغط تعزز نفوذها في مواجهة الولايات المتحدة على وجه التحديد. كما أن روسيا ليس لها وجود حقيقي في منطقة الخليج وتقاربها مع إيران يجعلها موجودة بالقرب من المياه الدافئة في الخليج بما يمكنها من لعب دور غير مباشر في المنطقة من خلال إيران.

واستمراراً لتلاقي المصالح بين البلدين، جاء التقارب في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز في مواجهة النفوذ الأمريكي هناك سيما بعد أحداث 11 سبتمبر، حيث سعت إيران  لتطوير علاقات ثنائية مع موسكو في مختلف المجالات، ووضعت التعاون الثنائي حول بحر قزوين في مقدمة أولوياتها. فقد كانت إيران وروسيا توصلتا في العهد الروسي الجديد إلى اتفاق مشترك في شأن التنقيب عن النفط في السواحل الجنوبية لبحر قزوين "أي على السواحل الإيرانية"، وهو اتفاق يعد الأول من نوعه في تاريخ إيران الحديثة بعد ما ظلت محرومة من مثل هذا الامتياز على مدى عقود القرن العشرين. وكانت قد أسست إيران وروسيا في بدايات عام 1992 مع بقية الدول المطلة على بحر قزوين "كازخستان، أذربيجان، تركمنستان" منظمة للتعاون فيما بينها مقرها طهران. كما أدركت إيران أن سعيها للحصول على حصة هامة في تطوير احتياطات النفط والغاز في آسيا الوسطى والقوقاز يتطلب حواراً مع روسيا لبحث الطرق التي ستسلكها خطوط الأنابيب مستقبلاُ خاصة في ضوء إدراك إيران المتزايد أن دول الإقليم لن تنفصل اقتصادياً عن روسيا في المستقبل القريب.

وبالرجوع إلى التوتر الحالي بين البلدين، فإن الروس ألمحوا للإيرانيين، وأكثر من مرة، بأنهم قد لا يتمكنون من تعطيل مشروع قرار جديد من مجلس الأمن الدولي، ما لم يحدث شيء من التحوّل في الموقف الإيراني. ومع تصاعد الحديث عن عقوبات مشددة على إيران، لم يحدث مرة أن صرحت موسكو بأنها ضد العقوبات، وذلك بالتحديد ما هو قائم وسارٍ منذ تولي الرئيس ديمتري ميدفيديف مهام الرئاسة في الكرملين. وكانت قد صدرت سابقاً تصريحات حادة ومباشرة من الرئيس الإيراني أحمدي نجاد مست روسيا باتهامات بشكل مباشر، لكن لم تتأثر في حينه العلاقات بين موسكو وطهران على هذا النحو، بل على العكس بدا في بعض الأحيان الحديث عن صفقة أسلحة كبيرة روسية لإيران، تتضمن منظومات دفاع صاروخية قوية وحديثة. 

تعود مرحلة التوتر الشديد في العلاقات إلى الموافقة الروسية على مشروع فرض عقوبات جديدة على طهران في مايو الماضي، الأمر الذي دفع أحمدي نجاد في 26/5/2010 بتوجيه انتقاد شديد اللهجة لنظيره الروسي ديمتري ميدفيدف بسبب ما وصفه الرئيس الإيراني بأنه إذعان للضغوط الأمريكية. وقد جاء رد الكرملين سريعاً بتوبيخ نجاد ومطالبته له بالتخلي عن "الديماغوجية السياسية". كما وصف وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في 27/5/2010 انتقادات أحمدي نجاد بأنها "انفعالية". وقال لافروف إن إيران تقاعست مراراً على مدى سنوات عن الاستجابة لمحاولات موسكو حل النزاع بشأن برنامج طهران النووي الذي يشتبه الغرب في أنه يهدف لصنع أسلحة نووية وهو ما تنفيه طهران.

وما عزز التوتر هو تصويت روسيا في 9 يونيو مع بقية الدول الكبرى في مجلس الأمن الدولي على سلسلة رابعة من العقوبات المالية والعسكرية بحق طهران لرفضها تعليق نشاطاتها النووية الحساسة لا سيما تخصيب اليورانيوم.

 

وفي السياق ذاته، وعن آخر مسلسل التراشق الإعلامي بين البلدين، شن الرئيس الإيراني نجاد هجوماً شديداً على الرئيس الروسي ميدفيديف واصفاً له بأنه أصبح «الناطق باسم أعداء إيران». فقد قال أحمدي نجاد في كلمة ألقاها الجمعة قبل الماضية في طهران، إن ميدفيديف «قال خلال اجتماع مع سفرائه، إن إيران في طريقها إلى صنع القنبلة الذرية، ونحن نشعر بالأسف لكون ميدفيديف أصبح الناطق باسم مشروع أعداء إيران». وأضاف أحمدي نجاد أن «روسيا بلد عظيم، وصديق ونريد تعزيز هذه العلاقة الودية لكن يجب أن تعلموا أن ملاحظات ميدفيديف تخدم الدعاية التي ستقوم بها الولايات المتحدة».

 جاءت هذه التصريحات في ظل الأجواء المشحونة بين البلدين، خاصة بعدما صرح الرئيس الروسي في 12 يوليو بأن إيران «قريبة من الحصول على القدرات التي يمكن مبدئياً أن تستخدم في صنع سلاح نووي». وكانت هذه المرة الأولى التي تبدي روسيا فيها مخاوفها بهذا الوضوح بشأن تطور البرنامج النووي الإيراني.

إن القلق المتنامي لدى موسكو من السرية التي تحيط بها إيران برنامجها النووي على حد زعم الأولى، هو الذي دفع بها للتصريح علانية عن تخوفها من امتلاك طهران للسلاح النووي. فرغم ما تشكله طهران من أهمية كبرى لموسكو على أكثر من صعيد، إلا أنها تفضل التعاون مع إيران غير النووية، فرغم تلاقي المصالح إلا أن هناك العديد من الثغرات في جدار العلاقات، وامتلاك إيران للسلاح النووي هو ورقة ضاغطة ومؤثرة لها تزيد من قدرته على المناورة وتحقيق المكاسب. فإيران تظل دولة إسلامية ولها طموحها في المنطقة ولها نفوذ متنامي، في بعض الأحيان لا ينسجم مع النفوذ الروسي، سيما أن السلوك الإيراني لا يمكن التنبؤ به بسهولة. 

فرغم التعاون بين البلدين في منطقة آسيا الوسطى والقوقاز، إلا أن هناك خلاف بين البلدين أهمها تقاسم بحر قزوين، حيث اعتمدت روسيا في اتفاقيات ترسيم الحدود البحرية، التي أبرمتها، في السنوات الأخيرة، مع جاراتها القزوينيات الثلاث (كازاخستان وتركمانستان وأذربيجان)، على مبدأ خط الوسط، فيما يتعلق باستثمار ثروات قاع البحر.ومبدأ "السيادة المشتركة" بالنسبة إلى سطحه. وقد انتقدت إيران هذه الاتفاقيات، مطالبة بتقسيم خماسي لبحر قزوين، أي منح مناطق متساوية لدوله الخمس.

في الاتجاه ذاته، فإن وجود دعاة للانفصال في عدد من الأقاليم الروسية سيما الإسلامية منها مثل الشيشان، يشكل إمكانية لتدخل إيراني في تلك المناطق من باب نصرة المستضعفين، وذلك في حال امتلاك طهران لسلاح نووي يدعم قدراتها في مواجهة موسكو في حال توترت العلاقات لأي سبب ما. في حين أن إيران رفضت في معظم الأوقات التعليق على الحركات الانفصالية في روسيا بدعوى أنها قضايا داخلية.

علاوة على ذلك فإن لروسيا مصلحة كبيرة في منع تركيا من التحوّل إلى وسيط في مواجهة إيران بدلاً عنها، مثل اهتمامها بمنع نشوء تعاون تركي- إيراني في مجال نقل الطاقة والذي يهدد المركز الاحتكاري لروسيا كموردة للغاز إلى أوروبا. وهذا ما يفسر عدم الرضا الروسي عن التوقيع على اتفاق 17 مايو الماضي لتبادل اليورانيوم بين إيران وتركيا والبرازيل.

 

يضاف إلى ذلك أن موسكو لن تعادي الولايات المتحدة من أجل طهران، أو تغامر بعلاقاتها مع الدول الأوربية، فحجم التجارة بين روسيا وإيران لا يمثل شيئاً بالمقارنة مع حجم التجارة السنوية مع الاتحاد الأوروبي أكبر شريك تجاري لروسيا الذي يبلغ 236 مليار دولار.

من هنا يفهم الموقف الروسي المتخوف من امتلاك إيران للسلاح النووي، فالأولى تفضل إقامة علاقات تعاونية مع إيران غير النووية لتظل موسكو الطرف المهيمن في العلاقة بدون منازع، كما أن هناك عدد من الثغرات في جدار العلاقات، وما تحمله من إمكانية إثارة للنزاع بينهما في أي وقت. عليه فإن امتلاك طهران للسلاح النووي يعزز من قدرتها على المناورة وتحقيق المكاسب، بما لا تراه موسكو في صالحها.

لكن ما يمكن الإشارة إليه أنه بالرغم  من أن موسكو غير معنية بامتلاك طهران للسلاح النووي، إلا أنه في حال تم  لطهران ذلك، فإن مسار العلاقات الإيرانية-الروسية سيمضي في تجاه التعاون، لأن الأولى ستظل ورقة رابحة في السياسة الخارجية الروسية في مواجهة نفوذ الدول الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة والدول الأوروبية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ