ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 02/08/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة

 

غطاءٌ عربي غير محمود

د. مصطفى يوسف اللداوي*

لم يكن الفلسطينيون ينتظرون من القادة العرب أن يمنحوا السلطة الفلسطينية غطاءاً سياسياً عربياً للمضي في مفاوضاتٍ مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، بعد أن باركت مفاوضاتٍ غير مباشرة مدة أربعة أشهر بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، كان من نتيجتها أن أمعنت الحكومة الإسرائيلية في استهداف المسجد الأقصى، وانتهاك حرمته، وطرد مواطني المدينة المقدسة، وتجريدهم من هويتهم المقدسية، والاستيلاء على بيوتهم، والتضييق على سكانها، وإبعاد نوابها، والسماح للمجموعات اليهودية المتطرفة باقتحام باحات الحرم القدسي، كما استغلت الفرصة التي منحتها إياها جامعة الدول العربية، في زيادة النشاط الاستيطاني في مدينة القدس، وفي مختلف مدن الضفة الغربية، وخلالها شددت حصارها على قطاع غزة، وهاجمت قوافل الحرية، وقتلت المتضامنين الدوليين، وضربت بالرأي العام الدولي عرض الحائط، ولم تصغِ السمع إلى الأصوات الصادرة عن الإدارة الأمريكية، بل تعمدت إحراجها، ودفعها إلى التراجع عن توصياتها وقراراتها.

غريب هو موقف مجلس جامعة الدول العربية، إذ لا تفسير لقرارها، ولا منطق يغلف موقفها، إذ في الوقت الذي كان ينبغي عليها فيه معاقبة إسرائيل، وسحب الثقة المؤقتة التي منحتها إياها، وفضح سياستها، وتعرية حقيقة موقفها العدائي، الذي يتربص بكل فرص السلام ليقتلها، والذي يتآمر على كل الجهود الدولية ليفشلها، والذي يتعمد دوماً أن يقابل المبادرات العربية تجاهها، بمزيدٍ من الدم والقتل، وبمزيدٍ من السياسات الاستيطانية، والممارسات الجائرة بحق الشعب الفلسطيني، تقوم بمكافأة الحكومة الإسرائيلية، ومنحها المزيد من الثقة، وتبارك المفاوضات المباشرة بينها وبين السلطة الفلسطينية، في الوقت الذي تعرب فيه الإدارة الأمريكية عن عدم ثقتها في نوايا الحكومة الإسرائيلية، وتشكك في جديتها في تعاملها مع السلطة الفلسطينية، ويزيد في إشكالية فهم الغموض الذي صاحب قرار جامعة الدول العربية، أن إسرائيل تعاني من العزلة الدولية، ومن تفكك علاقاتها الدولية، وتعاني أكثر من تشوه صورتها أمام الرأي العام الدولي نتيجة مهاجمتها لأسطول الحرية، ومنعها قوافل المساعدات الدولية من الوصول إلى غزة، وهي في حاجةٍ ماسة إلى جلاء صورتها، واستعادة علاقاتها، وتجاوز أزماتها الدولية، وليس أفضل لها من أن تقوم الدول العربية بمنحها ثقة، وفرصة أخرى من الوقت، وكأنها تقول للرأي العام الدولي أن الصورة التي رسمتها الأحداث الأخيرة لإسرائيل لم تكن هي الصورة الحقيقية لها، وأن على المجتمع الدولي أن يتريث وألا يستعجل في الحكم على الحكومة الإسرائيلية، وأن يمنحها فرصة جديدة لبيان سياستها، وتعديل مواقفها، وإظهار حقيقة نواياها.

الفلسطينيون كانوا يأملون من مجلس الجامعة العربية أن تدين الحصار الإسرائيلي على قطاع غزة، عملاً لا قولاً، وأن تسير القوافل العربية لنجدة سكان قطاع غزة، فهم ونحن نترقب جميعاً حلول شهر رمضان المعظم، الذي فيه تتعاظم صور وصل الأرحام، وتبدو جلية أبهى مظاهر الإخاء والترابط، فنحن لا نريد أن نجرب إسرائيل أكثر مما جربناها، فقد خبرناها جيداً، ونعرف منطقها وكيف تفكر، ونستطيع أن نرى آثارها في كل مكانٍ، تدميراً وتخريباً وإفساداً، كما نرى جرائمها كل يومٍ قتلاً واعتقالاً وطرداً وهدماً ومصادرة، وقد اكتوينا بظلمها سنيناً، وعانينا من جرائمها دهراً، ولهذا فنحن لسنا بحاجة إلى اختبارها من جديد، ولا أن نمنحها فرصةً أخرى لتعبر عن سياستها، أو تبدي رغباتها، وعلى مجلس الجامعة العربية أن يتذكر رد شارون على مبادرة السلام العربية عام 2002، كيف أنه قد اجتاح مخيم جنين، ودمره على سكانه، بعد أن قتل أبناءه، كما كان رده أليماً بحصار الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في مقر المقاطعة في رام الله.

خطاٌ كبير آخر ترتكبه الجامعة العربية، عندما تغطي المفاوضات المباشرة بين السلطة الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، إنها بهذا القرار تساعد إسرائيل أكثر مما تساعد الفلسطينيين، وتمد طود النجاة لبنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، أكثر مما تخدم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، فنتنياهو يتطلع إلى تحسين صورته، وإلى إعادة تسويق نفسه وسياسة حكومته في المجتمع الدولي، ونحن نتطلع إلى استعادة حقوقنا، والحفاظ على أرضنا، ونتطلع إلى رفع الحصار عن شعبنا، وإلى إطلاق سراح سجنائنا ومعتقلينا، ألم يكن من الأجدر بمجلس الجامعة العربية أن يعدد جرائم الحكومة الإسرائيلية خلال الأربعة أشهر الماضية، والتي شهدت مفاوضاتٍ غير مباشرة معها، ألم يكن بمقدورها أن تسترشد بسجل الأحداث والوقائع الإسرائيلية قبل أن تعطي الضوء الأخضر لرئيس السلطة الفلسطينية ليمضي قدماً في مفاوضاتٍ مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية.

قرار مجلس الجامعة العربية هو ترياق الحياة لبنيامين نتنياهو وحكومته المشلولة سياسياً، إنه الدهان الذي سيعيد صبغ وجهها الأسود، وهو القرار الذي ستحمله الحكومة الإسرائيلية لتجابه به قادة الدول الأوروبية التي عابت عليها سياستها تجاه الفلسطينيين، ولكنه السم الزعاف للسلطة الفلسطينية ورئيسها، إنه قرار سيودي بالسلطة الفلسطينية نحو هاويةٍ أكبر، وسيدفعها نحو تقديم مزيدٍ من التنازلات أكثر، وسيقودُ إلى تمزقٍ أكبر في الشارع الفلسطيني، وسيقود إلى تعميق الخلاف والانقسام الفلسطيني، وسيباعد من فرص اللقاء والمصالحة.

أيها القادة العرب، الفلسطينيون ليسوا بحاجةٍ إلى قرارٍ يزين صورة إسرائيل، ويعيد إليها من جديد البريق الذي فقدته، ويجعل من نتنياهو بطلاً أمام شعبه، ويروج لسياسته أنها ناجحة ومثمرة، وإنما نحن بحاجةٍ إلى استغلال الفرص التي يمنحنا الله عز وجلّ إياها بين الحين والآخر، فإسرائيل ترتكب حماقاتٍ كبرى، وتفقد صداقاتٍ تاريخية، وتقع في أزماتٍ مصيرية، وتواجه عقباتٍ وتحدياتٍ مهولة، وتمر بظروفٍ قاسية تهدد مشروعها، ومستقبل وجودها، في الوقت الذي بدأت فيه الأصوات الدولية، الرسمية والشعبية في مواجهة إسرائيل، وفي تحدي سياساتها، وبدأت في كشف حقيقتها، وتعرية صورتها، وذلك في ظل صمودٍ فلسطينيٍ أسطوري، وثباتٍ على الحق والمواقف بغير لين، وإصرارٍ على استعادة الحقوق بغير ضعف، فالفلسطينيون إن كانوا يرفعون الصوت، ويجأرون إلى الله بالدعاء، إنما فقط طلباً للنصرة، ومساندةً للحق، واستعادةً للتضامن العربي، والإخاء المنشود.

___________

*كاتبٌ وباحث فلسطيني - دمشق

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

 

السابقأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ