-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 28/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التكوين الفقهي للداعية

بقلم: وصفي عاشور أبو زيد*

تقديم الحديث عن التكوين الفقهي للداعية على التكوين الدعوي هو الأقرب إلى المنطق السليم، والمناسب للواقع المشَاهد، وإن كان التكوين الدعوي من الأهمية بمكان؛ إذ إن الداعية دائمًا ما يُسأل من جماهير المسلمين عمَّا أهمهم من أمر دينهم ودنياهم، فالداعية أو الخطيب أو الإمام هو ملجأ عموم الناس في المسائل الفقهية وأمور الدين، وربما أمور الدنيا في بعض الأحيان.

 

والداعية أمام هذه الأسئلة ليس أمامه إلا ثلاثة خيارات:

الأول: أن يصمت أو يعتذر عن الإجابة لعدم علمه، وهذا يفقد الناس الثقة فيه، ويعدمه التأثير فيهم، لكنه الصواب بين يدي الله حتى لا يُفتي بغير علم.

 

الثاني: أن يُفتي بغير علم حتى لا يفقد ثقة الناس، فلا يكاد يُسأل سؤالاً، ويقول لا أعلم، أو الله أعلم، بل يجيب عن كل ماُ يُسأل عنه ويتحدث بكل ما علم، وهذه هي الطامة الكبرى، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من هذا المسلك، حين روى البخاري في صحيحه بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من العباد، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالمًا، اتخذ الناس رؤوسًا جهَّالا، فسُئلوا، فأفتَوْا بغير علم، فضلُّوا وأضلُّوا" (صحيح البخاري: كتاب العلم، باب: كيف يُقبض العلم).

 

وقال ابن عطاء الله في حكمه المعروفة: "من رأيته مجيبًا عن كل ما سُئل، ومعبرًا عن كل ما شَهِد، وذاكرًا كل ما علم فيُستدل بذلك على وجود جهله".

 

ولأن الحديث عن الشيء مع عدم العلم به يُوقع صاحبه في متناقضات، ربما أدَّت إلى التكذيب به والإنكار عليه، فقد عاب القرآن على أقوام سلكوا هذا المسلك حين قال: ﴿بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ﴾ (يونس: من الآية ٣٩).

 

وكم حذَّر علماؤنا من مغبَّة الإفتاء بغير علم، فضلاً عن تاريخ الصحابة والتابعين والسلف الصالح المليء ببيان خطر الإفتاء والتهرُّب من الفتوى وإحالتها بعضهم على بعض (راجع في هذا بتوسع بدايات كتاب إعلام الموقعين لابن القيم).

 

الخيار الثالث- وهو الصواب: أن يجيبهم على تساؤلاتهم بعلم وبيِّنة، وحكمة وبصيرة، وهذا هو الخيار الذي لا يسع الداعية سواه، ومن هنا وجب عليه أن ينظر في أمره، ويخطط ليُكوِّن نفسه تكوينًا فقهيًّا راسخًا يمكِّنه من الوفاء بحاجات الناس، فضلاً عن رفع الجهل عن نفسه، وهو مستوى يطالب به كل المسلمين، ومن هنا فإن هناك أسئلةً ينبغي طرحها في المطلب التالي.

 

المطلب الأول: أسئلة أمام الداعية المتفقِّه

 

 وصفي عاشور أبو زيد

وهنا يثار عدد من الأسئلة أمام الداعية الذي يريد أن يكوِّن نفسه تكوينًا فقهيًّا، هل يبدأ من الكتب الميسَّرة السهلة المعاصرة؟ أم يبدأ بأمهات الكتب القديمة التي تحتوي على شروح وحواشٍ؟ وهل يتفقَّه على مذهب واحد أم يقرأ في كل المذاهب؟ أم يترك المذهبية ويقرأ في الفقه المعاصر الذي تميَّز بالتخلص من المذهبية، واتسم بالتحرر والعصرية؟ وهل إذا كان متعلمًا للفقه على مذهب واحد وجب عليه أن يُفتي بمقتضاه حتى لو اختلف مع الأشخاص والعصور والبيئات التي ساد فيها فقه آخر؟ وهل يُنكر ما عليه الناس؛ مما يعدُّ مخالفًا لمذهبه في مذاهب أخرى حتى لو كانت المسألة خلافية فيها أكثر من رأي؟ وهل يتعلم على يد شيخ يأخذ عنه الفقه؟ أم بوسعه أن يحصِّل العلم الشرعي وحده؟ لا سيما في عصرنا الذي تيسرت فيه أسباب العلم من أسطوانات مدمجة ومواقع إنترنت، مع وجود الكتب والمؤلفات التي تعرض العلوم مقرَّبة ميسَّرة؟!.

 

كل هذه أسئلة نحاول أن نجيب عنها في السطور التالية؛ كي يكون التكوين الفقهي للداعية على علم وحكمة وفهم وبصيرة، يرفع به الجهل عن نفسه أولاً، ويوفِّي به حاجات جمهور المسلمين.

 

أهمية الشيخ:

وجود الشيخ المُعلِّم يعتبر أمرًا مهمًّا في طريق طلب العلم الشرعي، حتى مع تيسير العلوم وتوافر وسائلها، وإذا كان المعلم ضرورةً لا غنى عنها في تلقي العلوم الدنيوية من طب وهندسة وغيرها من علوم، فإن وجوده في تلقِّي العلم الشرعي له أهمية خاصة.

 

وتكمن أهمية تلقِّي العلوم الشرعية على شيخ في مجموعة أمور، لعلَّ من أهمها ما يلي:

أولاً: إن الشيخ يوفِّر على المتعلِّم كثيرًا من الجهد في فهم مسائل هذه العلوم؛ لأن هذا الشيخ له معاناته السابقة في فهم هذا العلم، وسؤال العلماء عمَّا يعنُّ له حتى استوعب هذه المسائل، وفهم تلك العلوم، وهو ما يوفِّر الجهد في الاستيعاب، والطاقة في التحصيل.

 

ثانيًا: إن الشيخ يوفِّر على المتعلِّم طول الوقت في طريق التحصيل؛ لأنه يضع قدمه على الطريق الصحيح ابتداءً، والمتعلِّم بلا شيخ ربما بدأ طريقه بانحراف يسير، ثم مع مرور الزمن يتسع هذا الانحراف شيئًا فشيئًا، إلى أن ينتهي نهاية بعيدة كل البعد عن العلم السليم وطريقه الصحيح، فضلاً عن أن يبدأ بانحراف واسع، فينتهي إلى الضلال، وقد قال فقهاؤنا: "يُغتفر في النهايات ما لا يغتفر في البدايات"، فالخطأ في أساس البناء لا يُغتفر بحال من الأحوال إلا بهدم هذا البناء، أمَّا الخطأ في الأدوار العليا ربما وجدنا وسيلةً أو أخرى لاستدراك ما حدث من خطأ أو انحراف.

 

ثالثًا: إن الشيخ يبيِّن للمتعلِّم مصطلحات هذه العلوم، وهذه العلوم لها خصوصيتها في مصطلحاتها، ودلالات هذه المصطلحات، وفي الفقه على وجه أخص لا سيما في الفقه المذهبي الذي له رموزه ومصطلحاته التي تعبِّر عن مضامين ومسميات خاصة، لا يعرفها إلا أهل التخصص ومشايخ العلوم الشرعية، وبدون توضيح هذه الرموز والوقوف على معاني تلك المصطلحات يشعر المتعلِّم أنه لا يفهم شيئًا (ألَّف الدكتور علي جمعة كتابه "المدخل"، وأحصى فيه هذه المصطلحات والرموز بعد أن قضى في جمعها عشر سنوات، وهو جهد طيب ومبارك انتفع به طلاب العلم عامةً، وطلابه على وجه الخصوص).

 

كيف يُختار الشيخ؟

ولا ينبغي للمتعلم أن يختار أي شيخ من الشيوخ، بل لا بد أن تتوافر فيه صفات هي ما ينبغي أن يتمتع بها من يكون اختياره موفَّقًا، ومن أهم هذه المواصفات:

 

أولاً: أن يكون على خلق طيب وصلة قوية بالله، وهذا من أهم الأمور؛ لأن العالم الموصول بالله سيُراعي في المتعلِّم هذا الجانب ويسقيه مع العلم الخلق والتقوى: ﴿وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)﴾ (آل عمران).

 

ثانيًا: أن يكون عالمًا متمكنًا، فالعالم المتمكن هو الذي يعرف خبايا العلم، وأين معاقله وفرائده، وأين مكامن القوة فيه ومواضع الصعوبات، فلكل علم رجاله، ولا ينبئك مثل خبير.

 

ثالثًا: أن يكون عاملاً بعلمه، فعلم بلا عمل لا قيمة له، وعمل بلا علم يؤدِّي إلى بدعة وضلالة، فلا يبلغ العالم أن يكون ربانيًّا إلا إذا جمع بين العلم والعمل والتعليم.

 

رابعًا: أن يكون عالمًا مهمومًا بقضايا الأمة، وليس مجرد داعية أو شيخ يجلس لتعليم الناس- وهذا مهم- أو يُلقي الخطب والدروس، لكن يكون عالمًا مجاهدًا يجأر بالحق، ويصدع بالصدق، ويحيي قضايا أمته الكبرى، ولا يخشى في الله لومة لائم.

 

المطلب الثاني: خطوات هامة تتصل بالداعية ومنهجية التعلُّم:

ولكي يكون منطلق الداعية المتفقِّه منطلقًا ثابتًا راسخًا، سليمًا صحيحًا، ينبغي عليه أن يسلك سبيل مجموعة من الخطوات التي تصحِّح له مساره، وتجعله موفقًَا مسددًا، وهذه الخطوات منها ما يتصل بالداعية المتعلم بشكل عام، سواء كان تكوِّنه فقهيًّا أم غير ذلك، ومنها ما يتصل بطريقة التعلُّم ومنهجيته.

 

الفرع الأول: ما يتصل بالداعية:

ولعل من أهم ما يتعلق بالداعية نفسه ما يلي:

أولاً: إخلاص النيَّة، فإن النيَّة هي روح العمل، وبغيرها يصبح العمل جثةً هامدةً لا روح فيه ولا أثر لها، وقديمًا قال ابن عطاء الله: "الأعمال صور قائمة، وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها". ومكانة النيَّة والإخلاص في الأعمال أمر مفروغ منه، لا يستدعي مزيد بيان واستشهاد من القرآن أو السنة، وحسبنا أنها مناط القبول عند الله تعالى، وإنما لكل امرئ ما نوى، وكما قال البحتري: "نفس تضيء وهمة تتوقد"، فعبَّر عن النية الصالحة بالضياء، وعن الهمة العالية بالتوقُّد.

 

ثانيًا: استشعار أهمية الرسالة التي أقامه الله فيها، واستأمنه عليها، وهي رسالة الأنبياء والمرسلين، وميراث الأنبياء، فإنهم لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا وإنما ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر، وهو مقام جليل يعبر عنه ابن عطاء الله حين قال: "إذا أردت أن تعرف عند الله مقامك، فانظر فيما أقامك".

 

ثالثًا: إرادة التعلم، حيث إن كثيرًا ممن يريدون أن يتعلموا يبدءون في سلك سبيل التعلم ثم بعد فترة يسيرة من الزمن يتراجعون ويتساقطون، ومن هنا تبدو أهمية قوة الإرادة وصلابة العزيمة وعلو الهمة، وقد قال أبو الطيب في هذا المعنى:

 

الرأي قبل شجاعة الشجعان     هو أول وهي المحل الثاني

فإذا هما اجتمعا لنفس حرة     بلغت من العلياء كل مكان

رابعًا: استفراغ الوسع وبذل الجهد، فإن من رام شيئًا جاهد من أجله وبذل فيه النفس والنفيس، ومن أحسن عملاً فلن يضيع الله أجره، ومن طلب شيئًا وبذل أسبابه وفقه الله وزاده توفيقًا.

 

خامسًا: وضوح الرؤية واستصحاب الهدف: وهذه من الأمور المهمة التي يجب أن يدركها المتكوِّن، فتكون حاضرة عنده لا تغيب، حتى لا يضل الطريق، أو يميل به السبيل، فيطول عليه المقصود، ويبعد عنه هدفه المروم، وهذا يوجب عليه أن تكون رؤيته واضحة، مستصحبًا لهدفه في كل وقت.

 

سادسا: قياس مدى ما حققه من إنتاج، فالمتعلم لو لم تكن له خطة بناء على وضوح الرؤية وتحديد الهدف، فلن يكون سيره منتجًا على المستوى المطلوب، ومن هنا كان من الأوقع له تحقيقًا للهدف وتحسينًا في التعلم، وتجويدًا في السير: أن يضع لنفسه خطة إنجاز ثم يتابع نفسه فيها من خلال قياس ما حققه على ما كان مطلوبًا.

 

سابعًا: المداومة والاستمرار- وهي مترتبة على ما قبلها ونتيجة طبيعية لها- فحين يصدق العزم وتعلو الهمة لا شك يكون الاستمرار والدوام، مهما كانت العقبات، ووقفت أمامه الأغيار والمعطلات، وخير الأعمال عند الله أدومها وإن قل.

 

الفرع الثاني: طريق التعلم ومنهجيته:

أما فيما يتصل بطريق التعلم ومنهجيته في محاولة لإجابة بعض الأسئلة المهمة السابقة، فلعل من أهمها ما يلي:

 

أولاً: أن يتعرف على شيخ أو أكثر في كل علم ليكون مرجعه وموئله الذي يرجع إليه ويستفسر منه ويتعلم عليه ويستشيره فيما يعن له من مسائل العلم، وبتعرفه على الشيخ سيوفر عليه الكثير من الجهد والوقت والمعاناة، وينتفع بما ذكرناه قبل قليل في أهمية الشيخ.

 

ثانيًا: أن يبدأ في الفقه بالكتب الميسرة السهلة القريبة المأخذ، التي لا تتقيد بمذهب، مثل كتاب فقه السنة للشيخ سيد سابق، والفقه الواضح للدكتور محمد بكر إسماعيل، ويستوعبها استيعابًا جيدًا، ثم بعد ذلك يسعه أن يتدرج مع الكتب في مستوياتها المختلفة.

 

ثالثًا: يسعه بعد ذلك أن يقرأ كتابًا موسعًا مثل: "الشرح الممتع" للعلامة ابن عثيمين، و"نيل الأوطار" للشوكاني، أو "بداية المجتهد ونهاية المقتصد" لابن رشد، ثم بعد ذلك يطالع موسوعة مثل "المغني" لابن قدامة، أو "المجموع" للنووي، يرجع في ذلك كله إلى شيخه ويتابع معه ما يعرض له من صعوبات وإشكالات.

 

رابعًا: إذا أراد أن يتمذهب ويتبحر في أحد المذاهب الفقهية فلا بأس، بل ربما يكون مطلوبًا لطلب العلم الشرعي وبخاصة في الفقه، مع مراعاة أن هذه المذاهب غير متعبد بها إنما هو يتمذهب فقط كطريقة إجرائية للتعلم بلا تعصب أو إنكار على المخالف فيما يجوز فيه الخلاف، ثم إذا نزل في بيئة تتعبد على مذهبٍ غير مذهبه وجب عليه أن يتعرف على هذه البيئة ويتفقه في هذا المذهب لئلا يصطدم بالناس فيسيء من حيث أراد الإحسان وتصاب الدعوة على يديه بهزائم شديدة.

 

خامسًا: من الحكمة ألا يُدخل نفسه في عويص المسائل وكبير القضايا التي تجتمع لها المجامع ويُحشد لها كبار العلماء، فليحرص طالب العلم على البدء بصغار العلم قبل كباره، ولا يحاول أن يأخذ العلم جُملة، فإن من رامه جملة ذهب منه جملة، وقد قال الإمام البخاري رحمه الله: "الرباني هو الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره" (صحيح البخاري: كتاب العلم- باب: العلم قبل القول والعمل).

 

سادسًا: الإلمام بعلم أصول الفقه، وهو علم على درجة كبيرة من الأهمية إذ لا يصح العلم الحقيقي بالفقه إلا به؛ لأنه إذا كان علم مصطلح الحديث يُسلِّم لنا الدليل، فإن علم أصول الفقه يسلم لنا الدلالة.

 

ويليق للمبتدئ أن يتصفح كتابًا مبسطًا مثل كتاب: "الأصول من علم الأصول"، للشيخ محمد الصالح بن عثيمين، أو كتاب: "تيسير علم أصول الفقه" لعبد الله الجديع، أو كتاب: "علم أصول الفقه" للشيخ عبد الوهاب خلاف، ثم يقرأ بعد ذلك- إن شاء- الكتب المعاصرة التي تم تأليفها في القرن العشرين على يد كبار الفقهاء والمجتهدين في هذا الزمان، ومنها: "أصول التشريع الإسلامي" للشيخ علي حسب الله، و"أصول الفقه" للشيخ محمد أبو زهرة، و"أصول الفقه" للشيخ محمد الخضري، و"الوجيز في أصول الفقه" للدكتور عبد الكريم زيدان، وإن أراد التوسع فليقرأ كتاب: "إرشاد الفحول إلى تحقيق الحق من علم الأصول"، للعلامة الشوكاني.

 

سابعًا: الاطلاع على القواعد والضوابط الفقهية، وهو علم مهم في اتصاله بعلم الفقه؛ لأنه بغير القواعد أو الضوابط لا يستطيع الإنسان أن يضبط الفروع، فمعرفة القواعد والإلمام بالضوابط يربي عقلية علمية وينشئ ملكة فقهية؛ لأن القاعدة قضية كلية تضم تحتها فروعًا كثيرةً، ويناسب المبتدئ في هذا العلم أن يقرأ كتاب: القواعد الكلية والضوابط الفقهية للدكتور محمد عثمان شبير، أو كتاب: القواعد الفقهية للدكتور علي أحمد الندوي، أو كتاب: القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه للدكتور محمد بكر إسماعيل، ثم إن شاء التوسع فكتاب: الأشباه والنظائر للسيوطي، ولابن نجيم أيضًا بنفس العنوان.

 

ثامنًا: الإلمام الواسع بعلم مقاصد الشريعة؛ لأن لذلك أثره الكبير والعميق في نجاح الدعوة إلى الله تعالى، فمن مراعاة المقاصد والتمكن فيها ينجح الداعية في قراءة الواقع، ومراعاة الأعراف، ووزن المصالح والمفاسد.. إلخ، وكل ذلك من ضروريات الدعوة.

 

وفي عصرنا برزت صحوة أكاديمية في دراسة المقاصد؛ فهناك العشرات من الرسائل الجامعية والدراسات والأبحاث في المقاصد، بل أصبح يعقد لها مؤتمرات خاصة بها، فضلاً عن مقررات خاصة تدرس في المقاصد وتقرر على الطلاب.

 

ومن أهم المراجع التي يمكن أن يقرأها الداعية في هذا: "نحو تفعيل مقاصد الشريعة" للدكتور جمال عطية، و"مقاصد الشريعة الإسلامية" لمحمد الطاهر بن عاشور، و"الموافقات في أصول الشريعة" للإمام الشاطبي، بالإضافة للدراسات غير المحصورة للعلماء والباحثين المعاصرين.

 

تاسعًا: ويطيب بعد ذلك للداعية في تكوينه الفقهي أن يلم إلمامًا معقولاً بأنواع جديدة من الفقه نوه بها ودعا إليها كثير من علماء العصر مثل: فقه الأولويات، وفقه الموازنات، وفقه السنن، وفقه الواقع، وفقه النسب ومراتب الأعمال، إضافة إلى فقه النصوص الذي يعالجه علم الفقه، وغيرها من أنواع مما له جذور في تاريخنا الفقهي، وازداد تأصيله والتنويه به في عصرنا الحاضر.

 

ولا يخفى ما لهذه الأنواع من الفقه من أهمية في فهم الداعية وأثرها في معايشته لقضايا أمته، ونجاحه في دعوته في مجتمع من المجتمعات.

 

أعتقد أنه لو قام بهذه الوسائل وسلك هذه الطريق على هذا النحو سيكون تكوينه واعدًا، ومبشرًا بداعية متمكن يراعي مقتضيات العصر في ضوء محكمات الشرع، معتبرًا اختلاف الأعراف والبيئات والأشخاص، مراعيًا للمقاصد والأوليات، مدركًا متطلبات كل عصر وزمان بما لا يتنافى مع أصول الإسلام وأهدافه العامة، وهو ما ينبغي أن يتربى عليه الدعاة.

-----------

* باحث شرعي بالمركز العالمي للوسطية- الكويت.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ