-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 19/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


مؤتمر حزب السعادة .. الولاء أم التغيير !؟

محمود عثمان

لا تزال أصداء وانعكاسات المؤتمر العام لحزب السعادة مستمرة رغم مرور عشرة أيام على انعقاده .. هذا الحزب يعتبر الحلقة الخامسة في سلسلة الأحزاب التي أسسها نجم الدين أربكان بعد كل من حزب النظام ,السلامة , الرفاه , الفضيلة , وآخرها السعادة .. خلال مسيرة استمرت أربعين عاما من النضال والكفاح السياسي تحولت إلى مدرسة فكرية سياسية تخرج منها قادة كبار شغلوا مناصب حساسة ولعبوا أدوارا هامة في تاريخ تركيا المعاصر .. لكن المدرسة الأربكانية أو المللي جوروش بدأت تعيش في سنواتها الأخيرة حالة من الانكماش والانغلاق على الذات , إذ لم تعد جاذبية شخصية أربكان الكاريزمية كافية لكسب المؤيدين أو الحفاظ على الكوادر العاملة الشابة منها على وجه الخصوص .. هذه المدرسة التي تعتبر الولاء لشخص أربكان وعائلته قبل الولاء لأفكاره مادة قبول أولى انحسر مدها السياسي كما انحصر أفقها في عالم الماضي والذكريات .. أما الكوادر الشابة التي نضجت سياسيا فقد جربت العمل والإصلاح من الداخل لكن قوة وتماسك وتراص الحرس القديم حول أربكان حال دون نفوذ تلك العناصر التي تتطلع للتغيير إلى مواقع القيادة .. بل لاقت صدا عنيفا ودفاعا مستميتا أدى إلى انفصال عبد الله جول ورفاقه بعيد مؤتمر حزب الفضيلة قبل عشرة أعوام مما مهد الطريق لتأسيس حزب العدالة والتنمية . ليحكم الحرس القديم سيطرته على حزب السعادة الذي حل مكان حزب الفضيلة بعد إغلاق الأخير على حساب انحسار كبير في نسبة التأييد الشعبي لتتدنى نسبة أصواته دون الواحد بالمائة ..

مع تردي الحالة الصحية لنجم الدين أربكان بعد وفاة زوجته , تردت أحوال حزب السعادة أيضا . وقد برز ذلك جليا من خلال النتائج المتواضعة التي حصل عليها الحزب في الانتخابات الأخيرة مما أدى إلى ازدياد الضغوط  وتعالي الأصوات المطالبة بالتغيير , فقبلت القيادة ترشيح البروفسور الشاب نعمان قورتولموش الذي تم انتخابه رئيسا للحزب لكن تحت إشراف ورقابة الحرس القديم .. هذا التغيير برغم محدوديته كان كافيا لارتفاع أصوات الحزب بما يقارب الخمسة بالمائة أي ضاعف أصواته خمسة مرات رغم قوة تيار العدالة والتنمية الجارف .

في هذه الأجواء الايجابية إلى حد كبير انعقد المؤتمر الدوري العام للحزب بمرشح واحد لرئاسته هو البروفسور نعمان قورتولموش .. لكن الواقعة وقعت والطامة حلت عندما أصر قورتولموش على اختيار فريق عمله بنفسه رافضا لائحة جاهزة أريد فرضها عليه سميت باللائحة الخضراء تضم اسم فاتح أربكان نجل نجم الدين أربكان كان الحرس القديم قد أعدها , لكن قورتولموش قدم لائحة أخرى سماها اللائحة البيضاء تضمنت دماء جديدة لكن لم تضم اسم فاتح أربكان استطاعت كسب ثقة أعضاء الحزب .. هنا قامت القيامة ولم تقعد , وبدأ التهديد والوعيد فظهر فاتح أربكان في الصحافة والإعلام مهددا متوعدا مطالبا قورتولموش بالتنحي عن قيادة الحزب فورا متهما له بخيانة العهد والتنكر للجميل , أما شوكت قازان وزير العدالة الأسبق فقد توعده بعقوبات كبيرة إن هو أصر على تنكره لعائلة أربكان . و بدأت الجهود لجمع تواقيع الأعضاء لتنظيم مؤتمر استثنائي للحزب تعاد فيه الانتخابات من جديد .

المستغرب في الأمر موقف نجم الدين أربكان ! فبدل أن يلوم ابنه الشاب على أسلوبه القاسي الفج ويدعو الجميع للهدوء والصبر والحكمة أعلن عن بداية حملة لعقد مؤتمر استثنائي للإطاحة بقيادة الحزب الجديدة بدعوى أنها عاجزة عن النهوض بمتطلبات المرحلة القادمة .!

نعمان قورتولموش الذي صرح بأنه وفيٌ لقائده أربكان وملتزم بنظرية ومبادىء المللي جوروش يبدو الآن أمام خيارات صعبة وعلى مفترق طرق وعرة فهو : إما أن يسعى للحيلولة دون عقد المؤتمر الاستثنائي وهذا لا يبدو ممكنا بعد أن دخل نجم الدين أربكان بنفسه على الخط , وحتى لو نجح في ذلك فستبقى قيادته للحزب ضعيفة هزيلة .. وإما أن يتنحى ويرقب الأمور عن بعد , وإما أن يشكل تيارا سياسيا جديدا , أو ينضم إلى حزب سياسي آخر.. الاحتمال الأبعد هو استمراره وإصراره على قيادة الحزب بعد أن حصل ما حصل .. والأضعف انضمامه لحزب آخر في هذه الظروف .. يبقى خيار انزوائه قائما لتخسر الساحة السياسية الإسلامية التركية قائدا شابا بقي وفيا لمبادئه , ونجح في مضاعفة أصوات حزبه خمس مرات .. أما مصير حزب السعادة فلا خوف عليه لأنه سيعود إلى سابق عهده "KÜÇÜK OLSUN BENİM OLSUN" المهم أن " يكون ملكي حتى لو بقي صغيرا"  .

في عالم الرياضة هناك مصطلح الاعتزال في القمة .. يعني أن يعتزل الرياضي وهو في أوج نجاحه قبل أن يبدأ مستواه وشعبيته بالتراجع والانحدار فيبقى محبوبا لدى جماهيره .. وفي المجتمعات الراقية كذلك يعتزل القائد عند أول بادرة تراجع في شعبيته .. أما في مجتمعاتنا الشرقية وحركاتنا الإسلامية تحديدا فتقترن الجماعة باسم قائدها , وبمرور الزمن يصبح هناك نوع من المزج والتداخل بين الجماعة والقائد فلا يستطيع أحد تصور تلك الجماعة بدون ذلك القائد الرمز .. مما يؤدي إلى إصابة الحركة بالعقم القيادي فلا تستطيع إنجاب قادة جدد إلا نسخا عن القائد الرمز وعلى طريقته قلبا وقالبا فتنظر القيادة في المرآة فلا ترى سوى نفسها , وتصاب هي بدورها بعقم في الأفكار والأدوار لأن المدخلات نفسها فمن الطبيعي أن تكون مخرجاتها أي نتائجها نفسها .. فتمر السنون والأعوام والكل راض بما قسم الله له !.. ويصبح ليس في الإمكان أحسن مما كان !.. أما الكوادر والحركات الشابة التي تبرز هنا وتظهر هناك كردة فعل لا نتيجة فكر وعقل فإما أن تقبل التسيير ( بالريموت كونترول ) .. أو تتهم في ولائها والتزامها فتضطر للانشقاق أو الانعزال والتلاشي بعد الفراق .. هذه الحالة البائسة ليست عرضية بل أضحت مرضا عضالا عاما ما زال يفتك في جسم الحركة الإسلامية ويحول دون وصولها جماهير الشعب العريضة .. اللهم إلا ما كان من استثناء حركة حماس التي استطاعت على الدوام تقديم كوادر شابة ودماء جديدة أثبتت جدارتها في قيادة الأحداث وإدارة الأزمات .

إن أشد ما تعاني منه الحركة الإسلامية لدى تعاطيها العمل السياسي العام هو بعد الهوة بين الأقوال والأفعال .. ففي التربية الحركية نلحظ كلمة الشورى الملزمة والايثار وحق الانتخاب وأمانة الاختيار المفردات الأكثر شيوعا واستعمالا .. بينما ترى على أرض الواقع العجب العجاب .. ترى رجالا كبارا ودعاة مجاهدين يؤجرون عقولهم – نترفع عن قول ضمائرهم – لحساب آخرين بداع من عصبية قوم أو بلد أو مدينة أو قرابة نسب أو غير ذلك !.. حتى غدت نتائج الانتخابات شبه معروفة سلفا لأن زلم فلان أو شلة علان بلغ تعدادها كذا وكذا !.. أما البرامج و المشاريع والرؤى والخطط فذاك ضرب من الترف الفكري النظري ليس إلا !..

 

مرة أخرى تتحفنا الساحة التركية بمزيد من التجربة على أرض الواقع .. لتؤكد لنا ضرورة فصل الدعوة عن السياسة .. فإذا كان مقام الشيخ أو المرشد أو الداعية هيبته واحترامه وقدره مصونا في العمل الدعوي مهما بلغ به السن وتغيرت به الحال , فإن ذلك غير مضمون لدى مزاولته السياسة لأنها بحاجة مستمرة إلى دماء جديدة وتغيير للواجهة بما يناسب أذواق الجهور .. الأمر الذي فطن له مؤسسوا حزب العدالة والتنمية فوضعوا مادة تمنع ترشح قائد الحزب لأكثر من دورات ثلاث .. ربما رحمة بالشعوب التي سئمت قادة حكموها عقودا .  

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ