-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 01/07/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


لم أفلح في كل ذلك ... إلا قليلاً

الدكتور عبد القادر حسين ياسين*

قال لي الصديق الجزائري ، بعد أن فرغنا من جولتنا في الأحياء القديمة في هذه المدينة الفرنسية العريقة :

" إن من يراك في كاتدرائية القديس بولس يظن أنك مسيحي متعصب ...

ومن يراك في الكنيس اليهودي يخيلُ إليه أنك يهودي متشدد ،

ومن يراك خارجاً من  مسجد طارق بن زياد  سيعتقد أنك قد "تدروشت"...

وأعترف بأنني فوجئت بما قاله هذا الصديق الجزائري الذي أمضى عمره كله في مرسيليا دون أن يضع قدمه في كنيس أو كنيسة...(وأشك في أنه وضعها في مسجد..!) وحاولت أن أوضح له بأنني لم "أتدروش"... وأنني أبعد الناس عن التعصب والتزمت...

لقد  كنت ولا زلت طالب علم...

"وما أوتيتُ من العلم إلا قليلا..!"...

أريد أن أفهم...

وما أكثر ما أردت...

وما أقل ما فهمت...

ولا زلت أطلب...

أعانني الله على جهلي...

وأراحني الله بالقليل من الكثير جداً الذي لا أعرفه ، 

ولا أعرف كيف أعرف...

وإذا عرفت لا أعرف كيف أفهم ...

وإذا فهمت لا أعرف كيف اقتنع...

وإذا اقتنعت لا أعرف كيف أسعد بذلك...!!

وفي بحثي الدائم والدؤوب عن المعرفة ، لم تغب عن بالي يوما عبارة سقراط الخالدة : "أعرف نفسك ...!"...

وكنت أدرك جيدا أن معرفة الإنسان نفسه  أمرٌ في غاية الصعوبة...

إذ  لا بد أن أنظر في مرآتي لأرى وجهي...

ولا بد من مرآة أخرى لكي أرى قفاي...

ولا بد من مرايا كثيرة جداً لأعرف ما هذا الذي هو أنا... جسدياً ونفسياً وعقلياً واجتماعياً...

ثم ما هذا الذي هو أنا إذا كنت راضياً...

وما هذا الذي هو أنا لو كنت ساخطاً...

ثم ما هذه المرايا الأخرى...

مرايا الصديق والعدو والمحب والحاقد والناجح والفاشل.. .

فليس من هذه المرايا مرآة واحدة صافية نقية...

ولا أزعم أنني ، في كل وقت ، كنت من الأصفياء...الأنقياء... الأتقياء.....

فإذا كانت كل هذه المرايا وكنت أتقلب بينها فما هي الصورة النهائية؟

وهل هذه الصورة هي أنا وأنت وهم ونحن ؟!

عندما ذهب رفاعة رافع الطهطاوي ، أحد رموز التنوير في النهضة المصرية الحديثة، إلى باريس في عام  1826 أدهشه جداً أنه رأى مرايا كثيرة كبيرة في المقاهي... وكان يظن أن المقاهي ضخمة... "كأنها ميادين" ،  ففيها أناس كثيرون. ولكن عندما اقترب اكتشف أن المرايا "تعكس الحركة في الشارع..."

وفي لحظة عبقرية وضع الطهطاوي  يده إلى قرب المرآة ثم ألصقها... ولاحظ أن لون بشرته تماماً كاللون الذي رآه في المرآة... فهي "ليست كالمرايا في مصر..." التي تجعل الصورة شاحبة لأن المرايا في مصر "مقعرَّة أو محدبة ، وانعكاس الأشياء فيها ليس دقيقا...!"

في تلك اللحظة أدرك رفاعة الطهطاوي أنها المرايا... "إذا كانت صافية كانت الوجوه والأيدي كذلك... وإذا كانت مقعرة أو محدبة كان الانبعاج والالتواء" والبعد عن الحقيقة...

وهذا يفقد معرفتنا بأنفسنا لأننا نراها في مرايا من كل لون ونوع وحجم...

وكان إصراري ولا يزال أن أجلو المرايا لعلي أفهم أكثر وأوضح...

ويقيني أنني لم أفلح في كل ذلك إلا قليلاً...

__________

*كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في السويد .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ