-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 22/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المؤسسة الإسرائيلية وصناعة العنف والموت

أبو العلاء عبد الرحمن عبد الله*

ما أكثر ما كتب الباحثون في علم السلوك والنفس والتربية والأخلاق ورجال القانون والإعلام عن ظاهرة العنف التي أخذت بالتفشي والانتشار المهول في مجتمعنا كالنار في الهشيم وراحوا يبحثون عن الأسباب ويتناولونها بالتحليل والدراسة لعلهم يصلون إلى أصل العلة وبالتالي وضع التدابير اللازمة للقضاء على هذه الظاهرة المدمرة وأردت هنا في هذه العجالة تسليط الضوء على الظاهرة من باب أخر وأشير بأصابع الاتهام إلى المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة واتهمها بتغذية هذه الظاهرة وتنميتها نهجا وممارسة .

ما من يوم يمر إلا ونسمع عن حادثة قتل أو مشاجرة حتى بات الأمر في عداد المألوف والعادة رغم أن هذه الأعمال ليست من شيم شعبنا ولا من ثقافته أو دينه وإنما هي دخيلة علية و هي انعكاسات لما يعاني هذا الشعب المرابط من سياسات تمييز وكبت وقمع يمارس ضده وعلية فان ممارسات المؤسسة الإسرائيلية هي التي تنتج العنف وتولد التوتر من خلال نهجها وممارساتها الاحتلالية العدوانية القمعية وسلوك الجيش والشرطة والكنيست من خلال قوانينها العنصرية والهيئة القضائية التي تكيل بمكيالين في أحكامها ومساواة المجرم بالضحية وما أحداث انتفاضة الأقصى عام 2000 وقتل 13 فلسطينيا بالجريمة التي تنسى ولن يغفر شعبنا للقضاء الإسرائيلي أحكامه ولا للمجرم ناتن زاده مرتكب مجزرة شفا عمرو ولا تاريخ هذه المؤسسة الحافل بسفك دماءنا حتى بات كالنهر في الجريان

الأمر الذي يولد في النفوس ويرسخ في الأذهان قناعات ضرورة استعمال العنف لصد الأذى ورفع الظلم .

 

صناعة الموت

لقد نهجت المؤسسة الإسرائيلية احتراف هذه الصناعة في علاقاتها مع الفلسطينيين حيث مارست العصابات اليهودية قتل الفلسطينيين الأبرياء والمدنيين الآمنين العزل وتفجير الأماكن العامة كالأسواق والفنادق والأماكن العامة منذ عام 1907وحتى عام 1948 كجماعات إرهابية مثل البلماخ وشترن وجوش ايمونيم و منظمة هشومر والها كنا والوكالة الصهيونية التي أورثت المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة هذا التراث عند قيام دولة إسرائيل على مأساة نكبة الشعب الفلسطيني عام 1948 ولا تزال الجرائم والمجازر والتطهير العرقي والتهجير ألقسري والترهيب والحصار إضافة لاستعمالها خطة الأرض المحروقة في حروبها مع العرب والفلسطينيين وإلحاق اكبر قدر من الدمار والخراب والقتل والتشريد والتجويع والحصار إذ أن هذا هو النهج الرسمي للمؤسسة الإسرائيلية على الصعيد العام والسياسة الخارجية أما على الصعيد الداخلي والسياسات الموجهة لأبناء شعبنا فان النهج نفسه وان اتخذ أشكالا مجملة بالكثير من المساحيق لتغطية العنصرية والتمييز والتهجير المبرمج إضافة لمخططات التهويد والتوسع على حساب الأرض الفلسطينية , لان هذا النظام يريد التخلص من الفلسطينيين الباقين على تراب أرضهم بكل الأشكال والأساليب واضرب مثلا لذلك :إن المتتبع للأحكام الصادرة من المحاكم الإسرائيلية بحق قاتل قتل إنسانا , يرى أحكاما تتراوح مدتها بضع سنين أو تزيد بقليل إذا ما كان القاتل عربيا قتل أخاه العربي وهذه أحكام مخففة فيها من الترهل والتراخي ما يغري كل صاحب نفس مريضة قتل اخية الإنسان و من شانها تشجيع الجريمة وانتشارها بين الناس وهو ما تريده المؤسسة من انشغال أبناء الشعب الواحد ببعضهم وإشعال نار الفتنة والتفرقة العنصرية بينهم .

 أما إذا كان القاتل عربيا والمقتول يهوديا فانه فعل إرهابي يقضى عليه بالسجن المؤبد وقد تعطى القضية طابعا امنيا ليعاني القاتل الأمرين في السجون الإسرائيلية .

ولو أن هذه المؤسسة قصدت الحفاظ على النظام والخير والسعادة للناس لكان العقاب من جنس العمل أو اتخذت تدابيرا شديدة وأحكاما قاسية تضرب بيد من حديد على الأيدي ألاثمة المجرمة ونمنعها من أن تسلب أي إنسان حياته وان لم يكن غير ذالك فان الجهاز القضائي والتشريعي شركاء في صناعة الموت .

وفي نفس السياق اضرب مثلا آخر : كانت السلطة الإسرائيلية تلاحق كل من لدية قطعة سلاح أو شبهة لعلاقة بالسلاح لان السلاح حينها كان يوجه ضد الدولة إما اليوم فان السلاح منتشر ومتداول بين الناس بشكل واضح وإطلاق النار ليل نهار سرا وعلانية وفي المحافل العامة والخاصة أمرا لا يستدعي قلق المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة لان هذا السلاح مستعمل بين أبناء الشعب الواحد وترتكب بة جرائم القتل والسطو والسرقة والنهب والأخذ العنوة وتنشط فرق الزعران والفتوة بغرض مسخ هذا الشعب وسحقه وإغراقه بالفساد والجهل وكما قال بن غوريون الكبير سيموت والصغير سينسى .

والأمثلة أكثر من أن تحصى أو تعد في صناعة المؤسسة الإسرائيلية للموت والعنف معا ولكنى اذكر هنا مشهدا ثالثا على سبيل المثال لا الحصر : هدم المؤسسة الإسرائيلية البيوت الفلسطينية خصوصا في القدس ويافا واللد والرملة وسائر مدننا وقرانا العربية التي يراد لها التهويد ولأهلها الترحيل .

هدم الاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية ما بين عام 1987-2008 ما مجموعه 3419 منزلا ومبنى مشردا ألاف العائلات بلا مسكن أو مأوى ومنذ العام 1967 هدم ما يزيد عن 24000 بيتا وفي القدس تنتهج البلدية سياسة التضييق والخناق على الفلسطينيين إذ أن 13% فقط من أراضي القدس الشرقية مسموح للفلسطينيين البناء عليها و30% من ألأراضي مصادرة للتوسع الاستيطاني و 22% مصنفة على أنها أراضي خضراء و30% أراضي غير مخططة رغم أن التوسع السكاني يحب أن يكون على اقل تقدير 1000 وحدة سكنية سنويا في حين لا تسمح إسرائيل للفلسطينيين بناء أكثر من 100 وحدة سكنية كل سنة على أحسن تقدير , هذا بالإضافة لأعمال المستوطنين واعتداءاتهم اليومية ومحاولات التزييف والسطو على أملاك الفلسطينيين تحت سمع وبصر وحماية المؤسسة الإسرائيلية .

وفي يافا واللد والرملة وحيفا وعكا تتكرر المأساة بنفس السيناريو لان السلطات الإسرائيلية تسعي لتطبيق نظرية يهودية الدولة ومحو تاريخ سكانها الفلسطينيين وسلبهم أملاكهم ومقابرهم وأوقافهم وقلعهم من الجذور ورميهم إلى البحر أو الصحراء ففي هذه المدن المختلطة لا يسمح للفلسطينيين بإصدار تراخيص البناء أساسا مما يجبر الكثير من العائلات على السكنى في بيوت قديمة آيلة للسقوط أو بيوت الزينكو والاسبست في معلم للرباط لا ينقطع ولا يزول وإصرار تفنى دونه الحياة ولا يهون .

وضمن هذا النهج المبرمج تكثر حالات القتل والفساد والمخدرات والسموم والمشاكل الاقتصادية والاجتماعية نتيجة ممارسات حكومية مقصوده وسياسات مرسومه كعقاب جماعي و حرب شعواء على المرابطين في أراضيهم بهدف محو تاريخهم وتغيير معالم البلاد وتهجير سكانها الأصليين.

ولا أنكر أن على المجتمع مسؤولية عظيمة في نبذ العنف ومظاهرة من خلال التنشئة السليمة للجيل الواعد إضافة للسلوكيات الاجتماعية التي يسلكها الكبار إذ أن الأمر يتطلب نبذ المجرمين وتجار المخدرات والسلاح و الزعران ومقاطعتهم حتى يكون رادعا لهم عن مثل أفعالهم فتسود في المجتمع القيم الإنسانية والأخلاقية وتصبح الآداب والعلوم والثقافة موازين مفاضلة بين الناس ولان التحديات جمة والمنزلقات كثيرة والأخطار تحيط بنا من كل جانب , علينا أن نفوت الفرصة على كل المتربصين بنا الدوائر فانه واجب ديني وطني وغاية أسمى .

____________

*كاتب إعلامي-الناصرة

=============================

الاتجاهات العامة للفلسطينيين كما يرسمها استطلاع "فافو"

عريب الرنتاوي

يبعث الاستطلاع الأخير الذي أجراه مركز "فافو" النرويجي في الضفة الغربية وقطاع غزة برسائل محمّلة بالدلالات لكل الأطراف ذات الصلة بالمشهد الفلسطيني في بعديه الداخلي (الانقسام)، والخارجي (الصراع الفلسطيني الإسرائيلي)، قيمة هذا الاستطلاع الذي أُجري قبل وقوع العدوان على أسطول الحرية، أنه يصدر عن جهة "ليست ذات غرض"، وقد سبق لاستطلاعاتها السابقة أن حظيت باهتمام سياسي وأكاديمي متميز، فماذا تقول نتائج الاستطلاع وأرقامه:

 

أولا، في البعد الداخلي (الانقسام):

 

• تقول نتائج الاستطلاع لفتح أنها ما زالت موثوقة اكثر من حماس كقيادة للشعب الفلسطيني، لكن النتائج تقول للفصيلين الرئيسين أن ثلث الشعب (30 بالمائة) لم يعد ينظر لأي منهما كقيادة موثوقة له.

 

• لو جرت الانتخابات التشريعية اليوم، فإن كفة فتح سترجح على كفة حماس، وستحظى الأولى بغالبية الأصوات، لكن الرسالة التي تتكشف عنها أرقام الاستطلاع حول هذه النقطة بالذات، تقول أن نصف الفلسطينيين ما زالوا يجلسون في "المنطقة الرمادية" بين فتح وحماس، وأن هذه الكتلة الضخمة من الشعب، كفيلة بترجيح كفة هذا الفريق أو ذاك، فلا ينبغي لفتح أن تسعد بقراءة هذه النتائج ولا ينبغي لحماس أن تركن على "يقظة الكتلة المترددة وقرارها في ربع الساعة الأخير"، فهذه قوة مقررة لنتائج أي عملية انتخابية، وهي قوة مجهولة تماماً.

 

• تبعث نتائج الاستطلاع برسالة إلى خصوم حكومة فيّاض ومنتقديها والمحذرين من مخاطر اندماج مشروعها بمشروع السلام الاقتصادي، ومن ضمنهم كاتب هذه السطور، مفادها بأن هذه الحكومة باتت تحظى بثقة أكبر من السابق، وتفوقت على حكومة هنيّة من حيث "شعبيتها"، وهذا أمر يستوجب الدراسة والتأمل.

 

• تفيد النتائج أيضاً أن أجهزة أمن الضفة (أجهزة دايتون) تحظى بتأييد وثقة أعلى من أجهزة أمن حماس (التنفيذية)، وهنا أيضاً يمكننا أن نعثر على رسائل هامة من نوع حاجة الناس اليومية للأمن والأمان من جهة، وحاجة أجهزة حماس لمراعاة قواعد الديمقراطية والتعددية وحقوق الانسان في أثناء ممارستها لمهامها.

 

• غالبية الفلسطينيين الساحقة (89 بالمائة) تريد انتخابات تشريعية وتستعجلها، شريطة أن تتم في الضفة والقطاع على حد سواء، وأن تشترك فيها حماس بحرية (84 المائة)، وهنا يبعث المواطن الفلسطينين برسالتين واحدة لحماس وأخرى لفتح، رسالته لحماس تقول أن تأجيل الانتخابات إلى أمد مفتوح ليست سياسة ولا خياراً شعبياً، ورسالته لفتح تشدد على أن إجراء انتخابات في الضفة فقط أو من دون مشاركة حرة وعادلة لحماس، ليست خياراً شعبياً كذلك.

 

ثانيا، في البعد الخارجي (الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي):

 

• أظهرت نتائج الاستطلاع أن غالبية الفلسطينيية (70 بالمائة) تؤيد اعتماد أشكال مدنية وشعبية (غير عنفيه) من المقاومة ضد الاحتلال والحصار والعدوان والاستيطان، وفي ظني أن هذه النسبة ارتفعت بعد جريمة الاعتداء على أسطول الحرية وما أثارته من موجة غضب وتضامن دولي كان لها أثراً حاسماً في زعزعة الحصار وبدء تفكيكه. وهنا أيضاً يبعث الفلسطينييون برسائل لا لحماس وحدها بل ولفتح أيضا، رسالة الشعب لحماس تقول أن المقاومة ليس لها أشكال وأدوات "صنمية"، وأنها هذه الأشكال تخضع لحسابات الربح والخسارة، وليس لمعيار إيديولوجي ثابت ومقدس، وفي هذا السياق قال 61 بالمائة من الفلسطينيين بأنهم يؤيدون وقف إطلاق الصوارخ من قطاع غزة على إسرائيل....أما الرسالة التي يوجهها الشعب إلى فتح فتقول أن المقاومة المدنية والشعبية ليست "مقاومة مختبرية" تقتصر على قرية أو "قاطع عمليات" أو "شريط حدودي" ضيق، وإنها تستمد خصائصها من اسمها: مقاومة شعبية، أي أن الشعب، كل الشعب، وفي مختلف أماكن تواجده يتعين عليه الانخراط في المقاومة، وعلى القيادة أن تفعل هذا الخيار وتعممه.

 

• الرسالة الثانية التي وجهها الرأي العام لفتح وحماس تتعلق بالمفاوضات السياسية وفحواها أن ثلاثة أرباع الفلسطينيين (73 بالمائة) تؤيد الاستمرار في هذه المفاوضات ولكن بشرط وقف الاستيطان مسبقاً، وبهدف ترجمة شعار "دولتين لشعبين" الذي لا يزال يحظى بتأييد غالبية الشعب برغم انتعاش الخيارت والبدائل الأخرى (الدولة ثنائية القومية على سبيل المثال).

=========================

قرار فرنسي سياسي بامتياز

بقلم نقولا ناصر*

إن القرار الذي اتخذته الحكومة الفرنسية بوقف بث قناة الأقصى الفلسطينية هو قرار سياسي بامتياز في دوافعه وأهدافه ولا يمكن الدفاع عنه بأي إدعاء ينفي ذلك إلا بقدر الادعاء بأن أي قرار قد يصدر بإغلاق أي مركز من المراكز الثقافية الفرنسية لن يكون قرارا سياسيا.

 

فالقرار ليس معزولا عن السياسة الخارجية الفرنسية تجاه الصراع العربي بعامة والفلسطيني بخاصة مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بل هو جزء لا يتجزأ من التزام هذه السياسة بشروط اللجنة الرباعية الدولية التي ترتكز أساسا على استسلام الشعب الفلسطيني لشروط "السلام الإسرائيلي" التي تتبناها الرباعية قبل أن تعمل فرنسا وشركاؤها في الرباعية من أجل إنهاء الاحتلال والحصار المفروض على الشعب الفلسطيني بموجب هذه الشروط.

 

لذلك فإن الإدعاءات التي ساقتها الحكومة الفرنسية كمسوغات لقرارها بوقف بث فضائية الأقصى هي ادعاءات تنطوي على تضليل إعلامي فاضح ونفاق سياسي وازدواجية معايير تصب جميعها في حملة "شيطنة" النضال الوطني الفلسطيني من أجل الحرية وتقرير المصير والاستقلال.

 

وهذه حملة مستمرة سابقة على ولادة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" التي تتخذ هذه الحملة منها عنوانا لها في الوقت الحاضر بينما كان عنوانها قبل ولادة حماس منظمة التحرير الفلسطينية نفسها بيمينها ويسارها، إذ كانت مصنفة أوروبيا وأميركيا كمنظمة "إرهابية" و"تخربية" و"شيوعية" حتى رضخت لما يطلب من حماس الرضوخ له حاليا.

 

والمفارقة أن "تهمة التحريض على الكراهية والعنف" لا تقتصر على حماس، بل ما زال شركاء منظمة التحرير في "عملية السلام" يستخدمونها سيفا مسلطا لابتزاز المزيد من تنازلات المنظمة، حد أن يوجه الرئيس الأميركي باراك أوباما هذه التهمة لرئيس المنظمة محمود عباس عندما طالبه علنا بإحراز مزيد من التقدم "حول قضايا التحريض" الفلسطيني أثناء قمة الرجلين الأخيرة في البيت الأبيض، وهو ما يكرر الاتحاد الأوروبي ووزراء خارجيته المطالبة به أيضا في كل بياناتهم الرسمية حول الصراع العربي ـ الفلسطيني مع دولة الاحتلال.

 

وأول المسوغات للقرار الفرنسي أنه صدر بناء على طلب من المفوضية الأوروبية وهذا صحيح واستمرت المفوضية في حث باريس عليه منذ انطلاق فضائية الأقصى في التاسع من كانون الثاني / يناير عام 2006 وهو الشهر نفسه الذي فازت فيه حماس بثقة شعبها في انتخابات كان الاتحاد الأوروبي ذاته من أهم الشهود على نزاهتها قبل أن يرضخ لتبعيته للولايات المتحدة التي قادت الانقلاب على نتائجها.

 

وثانيها أن القرار الفرنسي صدر تنفيذا للقوانين الأوروبية والفرنسية التي تحظر "التحريض على الكراهية او العنف لأسباب دينية أو قومية" لأن فضائية الأقصى، ثالثا، "تنتهك" هذه القوانين.

 

وحتى الآن لم يصدر لا عن الحكومة الفرنسية ولا عن المفوضية الأوروبية ولا عن أي جهة أخرى ما يثبت أن فضائية الأقصى قد حرضت على الكراهية أو العنف ضد اليهودية واتباعها كديانة، أو ضد اليهود بسبب أي قومية يدعونها لأنفسهم.

 

وليس سرا أن الفضائية هي وسيلة إعلام تقودها حركة حماس التي لا تخفي بل تفخر بكونها إسلامية تدين بالديانة "التعددية" الوحيدة في العالم التي تعترف ب"أهل الكتاب" وبكل من شهد أن لا إله إلا الله وحده وتحض على مجادلتهم "بالحسنى"، لكنها تفخر كذلك بأنها ملتزمة بمقاومة الاحتلال أيا كانت قوميته أو ديانته ولا تخفي ذلك.

 

ولحماس والمقاومة الفلسطينية بعامة في ذلك سند في التاريخ يؤكد بان أيا من شعوب العالم لم يستقبل أي محتل أجنبي بالورود والرياحين، ويشمل ذلك الشعب الفرنسي ومقاومته "الكارهة والعنيفة" للاحتلال النازي، وحماس في ذلك منسجمة أيضا مع ثقافة وطنية فلسطينية وعربية وإسلامية ميزت دائما وفي وقت مبكر جدا بين اليهودية وبين الصهيونية منذ بداية التصدي للغزوة الصهيونية لفلسطين المدعومة من الاستعمار الأوروبي القديم والامبريالية الأميركية المعاصرة.

 

عندما يقول يهوديان بارزان في تقارير أممية وبيانات رسمية مثل القاضي ريشارد غولدستون والمقرر الخاص لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة ريشارد فولك إن دولة الاحتلال الإسرائيلي متهمة بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ضد الفلسطينيين تحت الاحتلال والحصار، فتتهمهما هذه الدولة ب"كره اليهود" و"كره الذات" وتسعير "العداء للسامية"، وعندما يستمع الجمهور سواء في دولة الاحتلال أم في أوروبا لوسائل إعلام مرئية ومسموعة تبث طوال أربع وعشرين ساعة يوميا دون أن يسمع شيئا عن التفاصيل اليومية لهذه الجرائم،

 

فإن أي مراقب محايد لا يسعه إلا الاستهجان الغاضب على قرارات مثل القرار الفرنسي تصر على حجب الحقيقة بمنع وسائل إعلام بديلة مثل فضائيتا الأقصى أو المنار اللبنانية (التي حظرت فرنسا بثها عام 2004) من إيصال ولو جزء من الحقيقة إلى هذا الجمهور، لأنه لا يمكن تفسير منع كهذا بغير كونه جزءا إعلاميا مكملا للحصار العسكري والاقتصادي المفروض "رباعيا" وإسرائيليا على الشعب الفلسطيني، لا بل إنه حصار على الجمهور الأوروبي نفسه لمنع وصول الحقائق إليه، ناهيك عن تناقضه مع مبادئ مواثيق الشرف التي يعتمدها الإعلاميون الغربيون في صحافتهم التي تدعم التبادل الحر المفتوح للحقائق والآراء من أجل "رواية قصة التنوع وحجم التجربة الإنسانية بشجاعة حتى عندما لا يكون فعل ذلك عملا يحظى بالشعبية" (جمعية الصحفيين المحترفين الأميركية) وهي المبادئ التي تدعي باريس وواشنطن أنهما حصنان للدفاع عنها.

 

وعندما ترد الإعلامية الفرنسية المخضرمة الملقبة ب"الملكة كريستين" أوكرنت ـ ـ رفيقة برنارد كوشنير وزير الخارجية الفرنسي طوال 28 سنة أنجبا خلالها ابنا عمره الآن 24 سنة دون أن يتزوجا ـ ـ على سؤال في مقابلة لها مع إذاعة جيش الاحتلال أثناء زيارة لتل أبيب مؤخرا قائلة: "إنكم أنتم أنفسكم من يعزز العداء للسامية"، فإن المراقب لا يسعه إلا التساؤل عن دورها في قرار بلادها ضد فضائية الأقصى كونها مديرة البث الخارجي للجنة البث المرئي والمسموع الفرنسية التي أناطت بها الحكومة الفرنسية تنفيذ القرار.

 

ولا يسع المراقب كذلك إلا التساؤل عن دور "رفيقها" كوشنير فيه وهو "الاشتراكي" الذي انضم فجأة إلى غلاة اليمين في الحزب الديغولي الذي يقوده الرئيس الحالي نيكولا ساركوزي، وأن يتساءل كذلك عن أي دور قامت به منظمة "أطباء بلا حدود" ـ ـ التي يعود إليه الفضل في تاسيسها ـ ـ في قطاع غزة وعما آلت إليه النظرية التي تنسب إليه في "التدخل الإنساني" لتسويغ التدخل الدولي في الدول الأخرى بينما ما زال يطبقها بطريقة انتقائية تستثني دولة الاحتلال الإسرائيلي منها لكنها لا تمنعه من استضافة المتمردين على وحدة أراضي السودان الإقليمية ممن تتهم محكمة الجنيات الدولية بعضهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في دارفور، أو كمثال آخر لم تمنعه من استمرار بلاده في استضافة منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة بالرغم من أنها مصنفة كمنظمة "إرهابية" في الولايات المتحدة.

 

وفي هذا السياق يتساءل المراقب كذلك عن دور تقارير الفرنسي مجدي شقورة مدير الدائرة القنصلية لقطاع غزة في القنصلية العامة الفرنسية بالقدس المحتلة في صدور هذا القرار خصوصا بعد أن منحه الرئيس ساركوزي يوم الأربعاء الماضي وسام الاستحقاق الوطني الفرنسي على خدماته المتميزة ليكون أول فرنسي من أصل فلسطيني يحصل على هذا الوسام بعد أن كرر رئيسه التصريح بأن حماس وليس الاحتلال هي التي تتحمل المسؤولية عن "معاناة الفلسطينيين في غزة" كما قال في الخامس من الشهر الأول من العام المنصرم في ذروة العدوان الإسرائيلي على القطاع المحاصر.

 

إن التضليل الإعلامي والنفاق السياسي التي سلط القرار الفرنسي ضد "الأقصى" الأضواء عليها قد سلطت بدورها الأضواء أيضا على السياسة الخارجية الفرنسية في المنطقة التي كانت تتوارى خلف التركيز العربي الإعلامي على كشف ازدواجية معايير الولايات المتحدة باعتبارها الحليف الاستراتيجي الأقوى انحيازا لدولة الاحتلال الإسرائيلي، لتذكر الرأي العام العربي في فلسطين بخاصة أن التاريخ الحديث سوف يسجل على رئاسة ساركوزي أنها مثلت بداية الانحياز الفرنسي لدولة الاحتلال لأول مرة منذ العدوان الإسرائيلي على الدول العربية المجاورة عام 1967، في انقلاب على السياسة التي بدأها الزعيم الفرنسي الراحل شارل ديغول بعد ذلك العدوان بعد أن رأى ببعد نظره التاريخي الذي قاده إلى إنهاء الاحتلال الفرنسي الاستيطاني للجزائر أن الاحتلال الإسرائيلي الجديد آنذاك لن يكون أقل بل أكثر إثارة للحروب وعدم الاستقرار وانعدام الأمن وتعطيل التنمية في منطقة حساسة جدا للسلم والأمن الدوليين كالوطن العربي ومحيطه الشرق أوسطي، مما بدأ يذكر العرب بالدور الفرنسي الحاسم في ترسيخ دولة الاحتلال، وتسليحها بالسلاح النووي، وبأن الطائرات التي حسمت عدوان عام 1967 لصالحها كانت طائرات حربية فرنسية.

 

فهذا الانحياز هو الجديد الوحيد الذي جاء به ساركوزي الذي يصف نفسه بأنه "صديق لإسرائيل" ووصف إنشاء دولة الاحتلال بأنه "معجزة أدخلت الديموقراطية والتنوع إلى الشرق الأوسط" وتعهد بأن "لا تساوم فرنسا أبدا على أمن إسرائيل" وبأن يرفض استقبال أي زعيم عالمي لا يعترف بحقها في الوجود، وهو ما زال يحاول فرض هذا الوجود كعضو أصيل في مشروعه المتعثر للاتحاد المتوسطي، وكان أول رئيس فرنسي على الإطلاق يخاطب المؤتمر السنوي لرؤساء المنظمات اليهودية في بلاده ويشجعهم على الجنسية الفرنسية ـ الإسرائيلية "المزدوجة" في تشجيع مباشر لهم على الهجرة إلى دولة الاحتلال بالرغم من أن عدد الناطقين بالفرنسية فيها يكاد يقارب عدد اليهود في فرنسا (حوالي 600 ألفا)، بينما يتعهد ساركوزي أيضا بمعارضة "إعادة توطين" اللاجئين الفلسطينيين في هذه الدولة.

 

إذ لا جديد في دعم ساركوزي المعلن لإقامة دولة فلسطينية، ولا في حث وزير خارجيته لقادة دولة الاحتلال على "تقاسم" القدس مع الفلسطينيين. وفي هذا الإطار العام لسياسة فرنسا في عهد ساركوزي يتحول استقبال قصر الاليزية لرئيس منظمة التحرير عباس يوم الأحد الماضي للمرة الثانية منذ عام 2007 إلى مجرد علاقات عامة للتغطية على الانحياز الفرنسي، ومثلها زيارة ساركوزي لرام الله أواسط عام 2008 على هامش مشاركته لدولة الاحتلال في احتفالاتها السنوية بقيامها، ويحول الزيارات الخمس التي قام بها وزير خارجيته كوشنير لرام الله (مرتان عام 2007 وثلاث مرات في العام التالي) إلى وسيلة ضغط لاستئناف "عملية سلام" تعلن رام الله افتقادها لشروط الحد الأدنى للاستئناف، وتتحول استضافة باريس لمؤتمر المانحين الدوليين "للدولة الفلسطينية" أواخر عام 2007 إلى مساهمة فرنسية في تمويل إطالة أمد الوضع الراهن الذي يسيطر عليه الاحتلال وفي تمويل الانقسام الفلسطيني في ضوء الانحياز الفرنسي لأحد طرفيه كما تأكد بقرار وقف بث فضائية الأقصى.

 

ويشهد التاريخ الوطني الفلسطيني قبل منظمة التحرير وفي عهدها ثم في مرحلة حماس أن صانع القرار الوطني كان حريصا دائما على محاولة الفصل بين دولة الاحتلال الإسرائيلي وبين داعميها الغربيين وعلى عدم استعدائهم وتحييدهم ولو لفظيا كحد أدنى لإدراكه بأن عداوة الحركة الصهيونية بأخطبوطها العالمي ودولتها كافية لوحدها لاستنزاف موارده.

 

غير أن القرار الفرنسي الأخير هو أحدث مثال على أن هؤلاء الغربيين مصرين على الاستمرار في استعداء العرب وفي مقدمتهم الفلسطينيون بالمبادرة إلى خوض معارك دولة الاحتلال بالوكالة عنها، في صراع ما زال يثتبت بكل الطرق منذ بداية المشروع الصهيوني في فلسطين أن الغربيين لا يمكن أن يكونوا محايدين فيه بين كيان سياسي من صنع أيديهم وبين ضحاياه من عرب فلسطين ممن أقيم هذا الكيان على أنقاض وطنهم وشتات شعبهم.

 

لقد كان تدشين ساحة باريسية باسم الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش قبيل منتصف الشهر الجاري حدثا رمزيا فرنسيا يلخص الانحياز الغربي، لكنه يوجز أيضا هذا النهج السياسي للقيادات الفلسطينية المستسلمة لهذا الانحياز كأمر واقع لا يمكن تغييره. فقد ساهم في حفل تدشين ساحة الشاعر درويش إلى جانب برنار دولانويه، عمدة العاصمة الفرنسية، الرئيس الفلسطيني الزائر عباس، وكان حريا به ألا يفعل احتجاجا على رفض مضيفه الباريسي إطلاق اسم الزعيم الراحل ياسر عرفات على شارع أو حديقة باريسية أسوة بإطلاق اسم أبو التطهير العرقي للشعب الفلسطيني ديفيد بن غوريون على حديقة مطلة على نهر السين، ورفض مضيفه حتى وضع اسم عرفات إلى جانب اسم شريكه الإسرائيلي في اتفاق أوسلو وفي جائزة نوبل للسلام اسحق رابين، الذي قاد العدوان الإسرائيلي عام 1967 الذي قاد إلى الاحتلال المستمر حتى الآن، على مدخل واحدة من أجمل الحدائق الباريسية.

 

وفي هذه العجالة، لا يمكن عدم التوقف عند صمت منظمة التحرير ورئاستها وحكومتها في رام الله على قرار وقف بث فضائية الأقصى، فإذا كان حسن النية يفترض تفسيرهذا الصمت بمقتضيات العلاقات الثنائية "الحسنة" فإنه مع ذلك صمت يشجع باريس على انحيازها في الصراع، غير أن القرار الذي اتخذه النائب العام لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني أحمد مغني أوائل عام 2006 بإغلاق الفضائية بحجة عدم الترخيص، والاعتقال المتكرر لمراسليها في الضفة الغربية، هي مؤشرات توفر مسوغات للقرار الفرنسي، وقبله الأميركي، ضد الفضائية، وهي مؤشرات تجعل من الصعب جدا تفسير هذا الصمت بحسن نية.

* كاتب عربي من فلسطين

nicolanasser@yahoo.com

===========================

حقوق الفلسطينيين وظلم ذوي القربى

بشارة مرهج

قبل الاستقلال وبعده اعتبر اللبنانيون إن إيمانهم بالديمقراطية هو الأساس في إرساء الميثاق الوطني الذي يجمع بينهم، وبناء الدولة الحديثة التي ترعى شؤونهم. وجوهر الديمقراطية، الذي لا تستقيم بدونه، هو الالتزام بحقوق الإنسان التي فهم اللبنانيون أهميتها وضرورتها، جماعات وأفرادا، فأصبحوا من رعاتها ودعاتها يفاخرون بدورهم الطليعي في ترسيخ مفاهيمها وبلورة نصوصها في الوثائق الدولية وفي طليعتها شرعة حقوق الإنسان التي ساهم لبنان في صياغتها عبر شخصية متميزة اختلفنا معها في السياسة وتطبيقاتها، واتفقنا معها في النظرة إلى الشرعة أو العهود الدولية التي انبثقت منها.

   هذه المقدمة لا بد منها كي يتذكر بعض اللبنانيين إن بلدهم له ارث إنساني مجيد لا يجوز القطع معه أو التعامل معه بازدواجية، وان لبلدهم ميثاق وطني راعى كل المخاوف وتجاوب مع كل التطلعات، ولا يجوز ركنه جانبا كلما اضطر اللبنانيون اتخاذ قرارات حاسمة تخصهم أو تخص أشقاءهم الفلسطينيين أو السوريين.

   فكما أكد الميثاق الوطني التزام لبنان بأمن سوريا ورفضه في كل الحالات أن يكون مقراً للعداء نحوها أو ممراً للعدوان عليها فقد كرس "الطائف" توجه هذا الميثاق مثبتاً عروبة لبنان مؤكداً ضرورة تجسيدها في كل الميادين حيث لا فصل بين العروبة والديمقراطية وحقوق الإنسان التي يجب أن تظلل مفاهيمها علاقتنا بأبناء الشعب الفلسطيني الذين هجرّهم الإرهاب الصهيوني وتخلت عنهم الأنظمة العاجزة وطعنهم المجتمع الدولي في صميم وجودهم.

هؤلاء الفلسطينيون يعيشون في لبنان أوضاعا مأساوية منذ عام النكبة. أنهم يعانون من مختلف أشكال التمييز والكبت والحرمان بسبب إصرار السلطات وبعض القوى السياسية على التعامل معهم كمشكلة أمنية تحتاج إلى الضبط والربط والإكراه، وأحيانا الحصار، بدلا من التعامل معهم كأخوة أشقاء نالهم ظلم البعيد والقريب وهم أهل ثقافة وعلم وعطاء يعرف القاصي والداني دورهم الرائد في التعليم والزراعة والثقافة والفنون والإعمال التجارية والمصرفية.

   إن الفلسطيني في لبنان مظلوم وهو متروك لحالة الانتظار التي لا يعرف احد متى ينتهي اجلها بينما يسعى كثيرون، إما لعجز عن الاستيعاب أو نقص في الشعور، لتأييد هذه الحالة في الوقت الذي يتحدث فيه كثيرون عن المشروع الصهيوني الذي يواصل جهوده – رغم هزائمه الملموسة أمام المقاومة- لإخضاع فلسطين وقهر أهلها وتهويد قدسها ومحاصرة مدنها وبناء المستعمرات على أراضيها رافضاً الإقرار بحقوق الملكية والعودة والحياة، فضلا عن المياه والدولة والاستقلال.

   وإذا كان لبنان صادقاً مع نفسه ملتزماً بالديمقراطية وشرعة حقوق الإنسان فلا يجوز أن يستمر التعامل مع الشعب الفلسطيني على هذا النحو الجارح المفتقر لأبسط القيم الإنسانية.

   إن المخيمات لا يجوز أن تتحول إلى تجمعات تشرد وانسحاق أو إلى معسكرات يأس وأحقاد. فأهلها أهل كرام ويستحقون أن يتمتعوا بالحقوق المدنية والانسانية وينعموا بالعيش الكريم في ظل السيادة اللبنانية وفي ظل الأخوة القومية والإيمانية التي تجمعنا سويا وتجعلنا ابنا قضية واحدة في هذه المنطقة هي قضية الحرية والعدالة والاستقلال.

   لقد عشنا نحن اللبنانيين تجارب القهر والتهجير واللجوء عند الغير، ورأينا بالملموس ماذا يعني كل ذلك من مرارات وذكريات ومعاناة، لذلك نحن الأولى والأقدر على فهم قضية الفلسطينيين وحياة المخيمات البائسة وضرورة إزالة كل المظالم إذا أردنا أن نعيش إنسانيتنا ونمارس ديمقراطيتنا. فالفلسطيني شأنه شأن أي عربي آخر، وشأنه شأن أي أجنبي، من حقه أن يتملك شقة صغيرة ومن حقه أن يعيش بحرية واطمئنان وان يكدح كاللبنانيين لتأمين لقمة العيش بدل توسل مكرمات الاونروا التي ترتفع مصاريفها الإدارية وتتراجع تقديماتها الغذائية والصحية.

   إن ما جرى في مجلس النواب بالأمس نكسة كبيرة وخطيرة يجب معالجتها بالطريقة والسرعة اللتين أصر عليهما رئيس مجلس النواب الاستاذ نبيه بري كي نشعر مجدداً إن الديمقراطية في أيد أمينة والعروبة بأمان والحقوق الإنسانية في حرز حريز فنطمئن في زمن القهر والخذلان على مصير البلاد وأهلها لا بل نطمئن إلى انتصار المبادئ والقيم الخالدة التي بها يحيا لبنان ويزدهر ويتألق.

==============================

هي لن تغيب

مصطفى محمد ابو السعود

كاتب من فلسطين

قررت أن تكون فكانت وبشكل مختلف وأن تتميز فتميزت وبأسلوب رائع وأن يشار لها بالبنان فحصلت على ارفع أوسمة الشرف ورغم صغر سنينها إلا أنها سكنت في عمق القلوب وببراعة أوقعت الكثيرين في حبها واصطفوا بكامل إرادتهم في قائمة المعجبين بها لأنهم يتشوقوا لمن يدافع عن حق الإنسان في الاستماع لصوت بلبل يشدو بلحن جميل و يعبر عن الفكر النابض بالحيوية والناطق بالحقيقة والساعي للحرية فكانت المرشد للباحثين عن الصواب في صحراء المعرفة ، بالفعل هي المسئولة عن إحداث نقلة في الوعي العام وإدخال الإحباط إلى المتحف وأغلقت متاجر اليأس وأنعشت الهمة واستنهضتها وبثت روح القدرة على مقارعة أكاذيب الزمن الحديث ، في وقت تكاثرت فيه الحناجر المأجورة الهادفة لزرع الأكاذيب في عقل تربى على تصديق الكذب وتكذيب الصدق ونشر الأفكار المستوردة والمصممة لإدخال الكلمات غرفة التجميل لفصلها عن معانيها وإلباسها ثوباً غير ثوبها وتترك الناس في بحر الرذائل يغرقون.

ونعود للتي اختارت اسماً مشرفاً يعشقه ملايين البشر فاختارت الاسم لتساهم معنا في القتال فقاتلت وأبدعت ولازالت تتربع على عرش المبادئ والأصالة في قصر البقاء المجدي صامدة ومتحدية رغم الأشواك الفائقة الدقة التي زرعت بين ثنايا الوطن لتحاربها ، ولأن الهدف سامي والغاية نبيلة فقد اختارت رفقائها لتعبر معهم وبهم إلى المرافئ الجميلة وتعلم الآخرين فن الغوص في بحر الحقيقة ، لكن غربان الليالي لم يرق لهم نمو أجنحة البلابل فتحالفوا ضدها وتحلفوا واقسموا بالشيطان الرجيم ليحرضوا كل الوحوش ليأكلوا من لحمها فأمطروها بالسهام لكنها رغم الدمار بقيت واقفة.

وتأبى الحضارة الغربية إلا أن تتم مكرها بالأمم الأخرى والنظر إليها بعين واحدة حيث يطل علينا مبتكري الأزمات ويعلنوا أنها تنشر الكراهية وتحرض على الفتنة وأن الحل الأسلم للتخلص من شرها هو إغلاق عينيها حتى لا ترى،،، إنها فضائية الأقصى.

========================

لأجلك يا بني .. فلتعذرني

الدكتور ياسر تيسير العيتي

إلى ابني عبد السلام الذي دخلت السجن وهو في الثانية من عمره..

أي بني، ما زلت أذكر تلك اللحظة التي رأيتني فيها عندما جاءوا بك لزيارتي في السجن لأول مرة بعد شهرين من اعتقالي. في تلك اللحظة تكورت شفتاك الرقيقتان محاولاً التلفظ بكلماتٍ لم تستطع البوح بها لأنك لم تتعلم النطق بعد، أما يدك الصغيرة فقد امتدت بلهفة نحوي وعندما اصطدمتْ بالشبك المعدني الذي يفصل بيننا أدخلتَ أصابعك النحيلة في ثقوب ذلك الشبك محاولاً تلمس وجهي ولما باءت محاولاتك بالفشل أشحت وجهك عني وقد ارتسمت عليه ملامح الغضب والحيرة. كنت غاضباً لأنني لم أحملك وأعانقك وأقبلك كعادتي في كل مرة تمد فيها يدك إلي، وكنت حائراً لأنك لم تفهم سبب قسوتي وجفائي في تلك اللحظة.

 

ثم مرت الشهور يا بني وتعلمتَ خلالها النطق والحديث ومع ذلك كان الصمت يخيم عليك في المرات القليلة التي جئت فيها لزيارتي في السجن.

 

كنت تجلس صامتاً وعلى وجهك ملامح الغضب والحيرة ذاتها، ولعل صمتك البليغ كان طريقتك الوحيدة في التعبير عن احتجاجك على هذا الوضع الغريب حيث لا تستطيع رؤية أبيك إلا لبضع دقائق كل عدة أسابيع وفي هذه الفترة القصيرة كان ذلك الشبك اللعين يفصلك عنه فلا تستطيع إليه وصولاً.

أي بنيٍ، ستعذرني غداً وستفخر بي عندما تدرك أنني سُجنت لأنني أردتك أن تكبر في وطن تعلو فيه قيم الحرية والمساواة واحترام كرامة الإنسان..

أردتك أن تكبر في وطن لا يكون فيه لأحد حق الوصاية على أحد، بل يتساوى فيه الجميع في حق المشاركة في بنائه وصنع مستقبله..

أردتك أن تكبر في وطن يُعامل شعبه على أنه مجموعة من البشر المستحقين للحياة الحرة الكريمة ولممارسة حقوقهم السياسية كبقية شعوب الأرض..

أردتك أن تكبر في وطن تتحقق فيه المحاسبة الحقيقية للحكام عبر صناديق الاقتراع في عملية سياسية تعددية تداولية لا توصل إلى السلطة ولا تُبقي فيها إلا الأحزابَ التي تثبت أنها الأنظف والأكفأ..

هذا الوطن يا بني هو رؤية ستتحقق لأنها تنسجم مع إرادة الله الذي خلق الإنسان ليتمتع بحقوقه وكرامته (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) الإسراء:70

هذا الوطن يا بني هو رؤية ستتحقق لأنها تنسجم مع مسار التاريخ الذي يُبقي ما ينفع الناس ويُذهب ما سوى ذلك (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) الرعد:17

لأجلك يا بني، لكي تكبر في وطن يليق بإنسانيتك وبكرامتك التي حباك الله إياها.. كان السجن وكان البعاد الأليم فلتعذرني ولتردد معي ومن بعدي هذه الأبيات

بلادي ولو جُرتِ يوماً عليَّ .......... وطوَّقتِ بالقيد مني يديَّا

وألجمتِ بالقهر آهات صدري ...... ستبقين شعراً على شفتيَّ

أحبُّ ترابك في كـل شبرٍ .........دماءُ أبيٍّ ودمعُ أبيَّـــهْ

وأهوى النسائم فوق الروابي ......... تصلّي بفجرٍ صلاة نديهْ

بلادي ولست أخاف بلادي ........ ولو كان حتفيَ بين يديهـا

أيخشى الصغيرُ من الأمِّ يوماً ..... إذا ضمَّت الصدرَ منه إليها

بلادي سأمسح عنك الدموع .... ولو نلت منك الأذى والنصالا

أمشِّط منك الجدائل حبــاً .... ولو حول عنقي صارت حبالا

أنا ليس لي عندكَ اليومَ ذنبٌ .... سوى قلبِ حرٍّ قليلِ الهجوعِ

أقاومُ عنك سهامَ الأعادي ....... وسهمُ الأقارب يُدمي ضلوعي

سأكتب فيك قصائد حبي ......... ولو كان جرحُ الفؤاد عميقا

يظلُّ الوفاءُ نديِّاً بقلبـي ...... ولو أنَّ جورَك أظمـا العروقا

=============================

سراج الليل يؤذن باقتراب بزوغ الفجر الصادق

الشيخ خالد مهنا – رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية

رئيس الحركة الإسلامية في أم الفحم والضواحي

لا تبكِ غزة ، ودعي البكاءَ لنا ،

واحفظي دموعك ، لعلها تغسل جراحك

أو لعلها تسقي العطاش من أطفالنا ،

في يوم يشح فيه الماء في مستشفياتنا

لا تبكِ غزةَ يا نوراً بظلمتنا

نحن الظلامُ وأنتِ الشّمعُ واللّهبُ

لا تبكِ غزة يا جُرحاً بأمَّتنا

منكِ الدِّماءُ ومنّا الدمعُ ينسكبُ

لا تبكِ غزة أنت الدَّمُ ينهمرُ

نحنُ الكلامُ ومنّا السُّخطُ والغضبُ

لا تبكِ غزةَ يا قمحاً بجُعبتنا

فيكِ الجياعُ وفينا الخيرُ يُنتَهبُ

لا تبكِ غزةَ من شرخٍ يُفرِّقنا

أنتِ الشهيدةُ نحنُ الموسُ يَختضِبُ

لا تبكِ غزةَ يا ذنباً يُؤرِّقنا

أنتِ الضحيةُ نحن الذنبَ نرتكبُ

لا تبكِ غزةَ من حِلْفٍ يُعاهدنا

منه البراءةُ إنْ حاقت بنا النُّوَبُ

لا تبكِ غزةَ من ذئبٍ يُهاجمنا

فهُمُ القطيعُ وأنت الكبشُ قد هربوا

فهُمُ المشاهدُ للتشجيعِ قد طربوا

أنتِ الفريقُ وأنتِ اللاعبُ النَّجِبُ

أنت الدفاعُ وأنتِ الحارسُ الفَطِنُ

لا تركعين لغير الله إن غلبوا

لا تبكِ غزةَ يا حُلْماً يُراوِدُنا

نحنُ الّليالي وأنتِ الصُّبحُ والشهُبُ

لا تبكِ غزةَ يا عِشقاً يُلازمنا

أنتِ الحبيبُ ونحن الهَجرُ يَنتحبُ

لا تبكِ غزةَ يا ذنباً يُؤرِّقنا

نحن الخطيئةُ نحنُ الذنبُ والسببُ

لا تبكِ غزةَ يا نجماً بليلتنا

أنتِ العلوُّ وأنتِ التِّبرُ والذهبُ

لا تبكِ غزةَ يا رمزاً لعزتنا

أنت العصِيُّ فلا شكٌّ ولا عجبُ

يقيناً سيطول بنا المقام ونحن نحصي ونضرب الأمثال لما أصابنا من دمار وحرائق.. وخسف ونسف في غزة والعراق ، فقد أفلحت نيران هولاكو المعاصر على اختلاف ألوانه أن تشعل النار في قيمنا الحضارية وأفلحت في تدمير قلوبنا وعقولنا.

أفلحوا في تدنيس قيمة العفة والشرف وقيم أخلاقية كثيرة في ربوع مشرقنا الذي كان فيما مضى متوهجاً..

أفلحوا في تدمير قيمة الجهاد في نفوس المسلمين بعدما ظهر زعماء الجهاد في أفغانستان وغيرها على النحو الذي ظهروا عليه ، فطأطأنا رؤوسنا خجلاً ولكن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات على اختلاف ألقابهم كانوا كذلك أول المحترقين ، ولا تزال دويلات وإمبراطوريات منهم تنتظر عذاباً أشد من الحريق...

وافلحوا كذلك في اذكاء نار الفتنة بين الاشقاء في دويلاتنا الممزقة

وقديماً ذكر أن الذين أوقدوا النيران في الأخاديد ليلقوا فيها الأطفال والنساء والشيوخ أصابهم عذاب الحريق... أحرقوا بنفس النار التي أضرموها..

"إن بطش ربك لشديد"..

فلقد صحت الرواية أن الاتحاد السوفيتي أوقد النار في أفغانستان، وأحرق النسل والحرث ولكن صحت الرواية كذلك أنها احترقت بها في النهاية حريقاً أتى عليها تماما وأزال هذا الكيان من الوجود ، وليس بخافٍ علينا أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت في تلك الفترة قريبة من الأحداث ترى ما يحل بالشعب المنكوب ، وانبسطت أساريرها لانهيار الإتحاد السوفيتي وانتهاء حقبة الحرب الباردة ، ولكن كل المؤشرات تشير على وجه الجزم والحسم أنها لم تتعظ ولم تعتبر لما حدث لأقرانها، وظنت نفسها أنها المستفردة بالساحة وجوزت لنفسها أن توقد النار في أكثر من موقع، بل أكاد أجزم أنّ كل النار المشتعلة في كل بقاع الأرض وقفت وراءها... أوقدتها في فلسطين ، وأججتها من جديد في أفغانستان ، وأحرقت الأخضر واليابس في العراق ، وهي تستعد اليوم لتوقدها في أماكن أخرى لتصيب الأمم في مقتل، وتحسب أنها بمنأى عن العذاب..

وجاء صمود غزة والعراق وأفغانستان ولبنان واليمن تحت الضربات الموجعة ليؤكد لكل من إصابة الوهن ، وغبشت لديه الرؤية أن موعدنا الصبح.. أليس الصبح بقريب ؟؟ ألم يخبرنا ربنا عزّ وجل قصص أقوام سابقين :

" فكلاً أخذنا بذنبه، فمنهم من أرسلنا عليه حاصباً، ومنهم من أخذته الصيحة، ومنهم من خسفنا به الأرض، ومنهم من أغرقنا.."

إذا كان ذلك كذلك، فسنة الله ماضيه " وجعلنا لمهلكهم موعداً"

أن الإنسان إذا بلغ أشده وإستوى أخذ خطه البياني بعد ذلك في الانحدار، وكذلك الأمم (ثم جعلنا من بعد قوة ضعفاً وشيبة).

****

غزتي وغزتكم...

بغدادي وبغداديكم..

كابولي وكابولكم...

تضع أيديها على وجهها وتخفي دمعها كي لا تضطر أن تدفع على الدمعة الزائدة ضريبة جديدة..

تخاف أن تقول"آه" كيلاً يعرف القناصة مصدر الصوت فيصيبوه، في مقتل.

مقاهيها طوت مظلاتها وهاجرت طيور البحر...حملت أولادها على أكتافها ورحلت..

عشرات آلاف السكاكين التي تلتمع تحت الشمس تطعنها كل ساعة وألوف جاءوا من خلف البحار والجبال ليرقصوا رقصة(التام – تام) "والأبالاما" حول أجسادنا المحترقة.

كل ما يدور في عالمنا العربي والإسلامي من تشويه وتمثيل يدعو الأمة لتنتسب إلى نادي المحاربين والمدافعين عن الشرف والعزة والكرامة.. وأرجو أن لا يفهم من كلامي أنني أدعو إلى التمثيل بالشعوب والأمم التي أحرقت ديارنا وأهلكت حرثنا وبقرت بطون الحوامل ، واغتصبت ونشرت الفساد ولكنني أدعوها للبس خوذة (الجمال الحربي)، ولبس هذه الخوذة يعطي الحرب الدفاعية صفة الحسن، ويعطي السلام صفة القبح والدمامة . ، تلك الحرب التي لا مجال فيها للدبلوماسية واللين واللطف والمسايرة والعواطف حتى لا تخطف الدبلوماسية الفرح من أيدينا، وتصادر مزاميرنا لأنني على يقين أن تلك الإمبراطوريات التي أشعلت الحرائق في بيوتنا أوشك أجلها وحتفها على الانقضاء،ويقيناً حين تلبس الأمة خوذتها وبدلتها الكاكية سيدنو أجلها وحتفها أكثر فأكثر

إن الأمة التي ذاقت من العذاب أشكالاً وألواناً تنتظر منذ زمن طويل أن تذوق وتتعرف على شكل الفرح فإن أعلنت أمتنا أنها لم تعد تنتمي إلى فصيلة الأحمال الوديعة والحمائم الزاجلة والمطوقة فلتأخذ مجالها ووقتها الذي يكفي لأبنائها لتسجيل انفعالاتهم، وتشكيل كلماتهم- ولا تدعوا الدبلوماسية المرنة أن تسرق منا هذه اللحظات المدهشة، التي قد تحول المليارد ونصف إلى بحار من الكبرياء والعنفوان لا ضفاف لها .

أنّ من يستشرف المستقبل حسب البشارات يحس أنّ الزمن القادم سيمنح غزة وبغداد وكابول وكشمير جمالاً جديداً، لم تعرفه منذ أيام صلاح الدين.. هذا الجمال هو أجمل وردة ستنبت في حديقة وطننا العربي والإسلامي منذ مئات الأعوام.

قد يقول متفلسف إنك تدعو إلى جمال متوحش وشرس ولكن من قال وقد ذبحنا من الوريد إلى الوريد - أن الحمامة أجمل من الفهد الإستوائي، وأن الحمل الوديع أجمل من الأسد؟

أن بعض دول العالم التي ازدرت أمتنا بعد هزائمنا المتتالية أصحت اليوم مأخوذة بجمالنا المقاوم، بعد أن كان الجمال البغدادي واللبناني والأفغاني والفلسطيني متهماً ومطروداً من كل مسابقات الجمال .

أنّ أي مواطن عربي يتأمل المستقبل، بات يتحدث اليوم عن قرب إنجلاء الغمة وبات يتحدث عن الدبلوماسية والمرونة وشفتاه مقلوبتان، كأنه يجبر على إبتلاع برشامة كريهة الطعم، لا يريد إبتلاعها ولا يستسيغ شم ريحها، وهو يتأمل بالمستقبل القريب كما يتأمل العاشق الولهان قرب الوصل..

وهو يدرك بعفوية أن الباطل ساعة والظلم هنيهة، وأن الزمن القادم هو زمنه، فيا ليت الشعب العربي الذي يرى بأم عينيه كيف الباطل بدأ يتفرقع يسمح له أن يلبس البدلة الكاكية، لأن هذا اللون يتناسب مع لون بشرته ولون طموحه.

ليته يبقى يحمل الرفش في يده على أهبة الإستعداد لحفر القبور لغيره بعد أن ملّ وطقّ من دفن موتاه، وليته يحفظ من الآن بطاقة(المحارب الجميل) في جيبه، لأن صورته الملصقة على بطاقة المحارب الجميل هي أجمل وأبهى صورة التقطت له حتى الآن..

لقد أناخ الليل ظله فوق ربوعنا ، وألقى الظُلم فوق رؤوسنا حَمله وهذا الليل البهيم ناء بكلكليه وطال مقامه وطغى محله لكنني أراها اللحظات الحاسمة التي تسبق الميلاد ولسوف يولد النور في ربوعنا، ويصدق قول الشاعر كما صدق على أمم من قيل:

أتى على الكل أمر لا مرّد له حتى قضوا فكأن القوم ما كانوا

وصار من كان من مُلك ومن ملك كما حكاً عن خيال الطيف وسنان

عن أبي الدر داء رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

"إبغوني ضعفاءكم، فأنما ترزقون وتنتصرون بضعفائكم"

سيأتي زمان يتقدم هؤلاء المستضعصون القافلة. ولا أظن أنهم حين يروا الشعوب التي إستذلتهم يفتشون عن اللقمة في أكوام القمامة سيقفوا متشفين لما آلت إليه أوضاعهم بل أعتقد جازماً أن هؤلاء المستضعفين الذين لبسوا لامة الإنقاذ سيكونون أكثر براً ورحمة ورأفة بمن ساموهم سوء العذاب مِن قادتهم الذين حفروا بأنفسهم أخاديد صلفهم .

قال الله تعالى جل في علاه :

"وتَرى الشّمسَ إذا طَلعت تزاورُ عن كَهفِهم ذاتَ اليمينِ وإذا غَرَبت تقرِضُهم ذاتَ الشّمال وهُم في فجوةٍ مٍنهُ"  الكهف

"وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ (75) فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآَفِلِينَ (76) فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ (77) فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ (78)

وقد يسال سائل:

لم قال عن الشمس في الآية الأولى: طلعت، وفي الآية الثانية بازغة؟

ما الفرق بين الطلوع والبزوغ؟

وهل يجوز أن يقول في الأولى: (إذا بزغت )؟

وما اختلاف المعنى إن قال بزغت؟ وما فائدة طلعت بالذات؟..

فما من شك ان (الطلوع والبزوغ) لفظان متباينان لا ترادف بينهما ، وجاء كل لفظ منهما في موضعه ليعبّر عن معنى لا يعبّر عنه اللفظ الآخر . وإليك بيان ذلك :

يقول ابن فارس في البزوغ : الباء والزاء والغين أصل واحد ، وهو طلوع الشيء وظهوره . يُقال : بزغت الشمس وبزغ ناب البعير اذا طلع .

ويقول في الطلوع : الطاء واللام والعين أصل واحد صحيح ، يدل على ظهور وبروز .

فالاصلان عنده يدلان على شيء واحد هو الظهور ، وذلك يدلّ على ترادف البزوغ والطلوع عنده .

ويفسّر الراغب قول الله تعالى : " فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا " بقوله : أي طالعاً منتشر الضوء ، وبزغ الناب تشبيهاً به . وبذلك يكون التشبيه عنده دالاً على الطلوع أيضاً . أما الخليل فيقول : وتقول بزغت الشمس بزوغاً اذا بدا منها الطلوع . ونشتمّ من عبارته (بدا منها طلوع) انه يريد ان يقول : البزوغ اول الطلوع ، والى هذا الرأي ذهب أبو هلال العسكري صراحة في التفريق بين اللفظين ، فقال : البزوغ أول الطلوع ، ولهذا قال تعالى : " فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً " ، أي لما رآها في أول أحوال طلوعها تفكّر فيها فوقع له انها ليست بإله . ولهذا سُمّي الشرط تبزيغاً لأنه شقّ خفيّ ، كأنه أول الشقّ ، يُقال بزغ قوائم الدابة إذا شرطها ليبرز الدم .

 

وإلي هذا الرأي ذهب ايضاً ابو حيان في تفسير البزوغ في قوله تعالى : " فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَآ أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ " ، مبيّناً سبب اختيار لفظ البزوغ هنا بأن ابراهيم عليه السلام كان يرتقب الأنوار ، والارتقاب يكون لأول الأمور وتباشيرها .

ولهذا فإن الطلوع لا يكون إلا من علوّ ، فلا نظنّ إن إبراهيم عليه السلام كان يرتقب ظهور الشمس فجأة في كبد السماء ، وإنما كان يصوّب ناظريه الى الأفق حيث تظهر الشمس ، والأفق لا علوّ فيه . ولذلك كان التعبير بالبزوغ .

ثم اذا ما ارتفعت الشمس قليلاً سُمّي ذلك طلوعاً ، لأنها تشرف على الأرض من علوّ ، وذلك بدء من وقت الضحى . والدليل على ذلك تعدّي الفعل (طلع) بحرف الاستعلاء (على) وما فيه من علوّ واشراف .

ويؤيّد معنى الارتفاع عن الافق في الطلوع قوله تعالى : " وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا " . يرى ابن عطية ان المراد بذلك : قول سبحان الله وبحمده من بعد صلاة الصبح الى ركعتي الضحى . وهذا ملمح لغوي دقيق في تأويل الآية ، ففي ربط طلوع الشمس بالضحى دليل على ارتفاع الشمس عن الأفق . ومغادرتها أول حالها من البزوغ .

ومستقريء الطلوع والاطلاع في القرآن الكريم يجد اطّراد تعدّيه بحرف الاستعلاء (على) سواء كان مذكوراً ، كقوله تعالى : " وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ " ، أم مقدّراً كقوله تعالى : " أَاطَّلَعَ الْغَيْبَ " . ويُستثنى من هذا الاطّراد موضعان لحكمة بالغة ، وهما : قوله تعالى على لسان فرعون : " فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى " ، وقوله تعالى ايضاً : " لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى " .

يقول أبو حيان : وأطّلع في معنى أطْلع يُقال طلع إلى الجبل واطّلع بمعنى واحد اي صعد ، فافتعل فيه بمعنى الفعل المجرّد . ولا يخفى على احد ان في هذا التأويل انحراف عن صيغة اللفظ ودلالته .

والذي نميل إليه ان اللفظ على بابه في الصيغة (افتعل) والدلالة على (العلوّ) . ذلك ان فرعون على في الأرض على خلق الله تعالى ، ثم طمعت نفسه الأمارة في العلوّ فوق اله موسى ، فأبى الله - جلّ في علاه - إلا أن يركسه في الدنوّ والخذلان . أراد العلوّ فلم يستطعه قولاً ولا فعلاً ، وارتدّت اليه همّة نفسه تلجلجاً وتلعثماً ، فلم تستقم له العبارة ، وأنطق الله لسانه بدنوّ مكانه ومكانته ، فكان اطّلاعه من الادنى إلى الأعلى ، فخرق المقام قواعد المقال ، وتعدّى الفعل بحرف يناسب فرعون دنوّاً واستفالاً ، ولله المثل الأعلى ، وتبقى كلمة الله هي العليا .

وفيما عدا هذين الموضعين يبقى الفعل متعدّياً بـ(على) ، دالاً على العلوّ والإشراف . والتدبّر في آيات القرآن الكريم يهدي الى هذا المعنى ، فمثلاً آية سورة الكهف : " وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَت تَّزَاوَرُ عَن كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ " ، آثرت لفظ (طلعت) على (بزغت) لان البزوغ اول الطلوع ، ولان الطلوع من فوق والبزوغ من افق . ولو ان الشمس كانت تتزاور عن كهفهم من بزوغها ، لفسد هواء الكهف وأصابهم الأذى بذلك .

ولهذا يكون المعنى أن ضوء الشمس يدخل الكهف من بزوغها إلى طلوعها ، فيصيبهم خيرها ونفعها بما فيه صلاح أجسامهم قبل ان تشتدّ فتمسّهم بحرّها . وبهذا نرى دقّة اختيار اللفظ القرآني في دلالته على المعنى المراد ، ولو عبّرت الآية بالبزوغ بدلاً من الطلوع لاضطرب المعنى واختلّت الدقّة ، ولكنه الإعجاز القرآني أن الظلام لا زال يخيم والسلاسل تجثم وقصف الرعود يجلجل ونار الأسى تتضرم،وفي كل ركن أنات معذب ينوح ...او نازف يتألم في كل.. دموع صغيرة تبكي أباها..او ساخط يشتم

*****

إن الفجر الطريد الذي لا يزال يتلوى وما يواكبه من تحركات وانتفاضات يدل بشكل قاطع أنه ما زال يرمقنا وطلوعه مرهون بالأمواج العرمرمة التي تأتي ثائرة الأنواء لتعلن:

هذي جموعك يا شآم قد إنبرت

تعلي النداء لقبة الجوزاء

ومواكب الأحرار هزّ هديرها

قلب المحيط..وذروة العلياء

في كل شِعَب صلصلت أسيافها

فارتجت الأكمات للأصداء

فيا مواكب الأحرار..إني تائق لطلوع الفجر بعد أن بزع لتضاء سماؤنا..

 

فـالجرح ينزف والقيود بمعصمي    والـموت ينسج لي خيـوط ردائي

والقدس ثكلى جلجلت في مسمعي     الله أكـبـر.. أيـن هـم أبنـائي

ألـفٌ مـن الأبرار يا قدسي غدوا    فـي وحشة الأخدود.. في البيداء

الله أكـبـر مـن مـآقـي تدمر     دوَّتْ كـما البركان.. في الأشلاء

دقَّتْ صروح الظالمين وما انبرت     نـيـرانـهـا غضبى بكل سماء

في مصر.. في الأفغان رجع ندائها    أعـظـم بـه في موطن الإسراء

ومـآذن الـشـهـباء هبت للندا     وشـوامـخ الأحـرار في الفيحاء

* * * * * *

يـا ثـورة الإسـلام هيا حطمي     لـيـل الـطـغاة بفجرك الوضاء

جـرحـي سعيرٌ.. والقيود خناجرٌ    هـذي إلـيـك.. وذمتي ووفائي

فـتـفجري.. وتسعري.. وتأججي    تـحـت الطغاة.. وأوقدي بدمائي

والـشـعب يزحف والمآذن شعلة    والأرض ترجف.. والفضاء النائي

* * * * * *

والـكـل يـهتف في غمار لهيبها   فـي مصر في بغداد.. في صنعاءِ

أنـا مسلم في القدس دوَّتْ ثورتي    انـا مـسـلـم فلتصدعي بندائي

الله أكـبـر يـالـهـا مـن ثورة    سـتـدكّ ليل الظلم.. والإغضاء

ويـطـلُّ فـجرٌ كم له من عاشق    فـي مصر في بغداد.. في صنعاءِ

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ