-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 22/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


انتصار البدو على بيزنطة

بقلم زهير كمال

في عصر النكوص والتراجع  الذي نعيشه الآن ، هناك بعض المثقفين يرفضون تاريخنا ويسخرون به بل وصل الأمر باحدهم   الى طلبه ان نعتذر عما فعله اجدادنا البدو (حسب وصفه) عن غزوهم للبلاد الاخرى قبل الف واربعمائة عام! ورأي الكاتب ان سكان البلاد كانوا يعيشون في سمن وعسل وجاء البدو العراة الحفاة ليقضوا على الرخاء والازدهار .

مقالات كهذه هي جزء من تزوير التاريخ الذي يقرع رؤوسنا به الاعلام المضاد لكي نفقد الثقة بالنفس، مستغلاً انشغال بعض الناس وعدم قراءتها للتاريخ.

وسياسة الكذب المتواصل سياسة اعلامية تأتي بنتائج ، اذ ليس المطلوب اقناع أغلبية الناس الذين يعرفون بل المطلوب خمسة في المائة من القراء يمكن اقناعهم باستعمال كلمات كبيرة مثل التنوير والتقدم ، وهو مطلب الجميع،  ويطلق على هذه السياسة عبارة دس السم في العسل. وعلى كل حال لندع التاريخ وما جرى فعلاً هو الفيصل .

ولتقريب الامور على بعض القراء يمكن تشبيه انتصارات البدو على بيزنطة وفارس قبل اربعة عشر قرناً بانتصار النيجر على فرنسا او بنما على الولايات المتحدة ،( مع احترام الجميع) ، وبالطبع سيسخر الكثيرون من امكانية تحقيق انتصارات كهذه نظراً للفارق الرهيب والخيالي في موازين القوى ، اذن فلابد ان هناك اموراً اخرى  كانت السبب في الانتصارات المدوية

التي غيرت مجرى التاريخ الانساني وعملت على نقله درجات الى الامام.

ولندع التاريخ يتحدث:

 جرت في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب معارك فاصلة هي التي مكنت الاسلام من الانتشار والتوسع وكانت سمات هذه المعارك الاستراتيجية واحدة تقريباً من حيث اسباب النصر خاصة ان اعداد المقاتلين كانت تميل لصالح الامبراطوريات سواء كانت فارس او بيزنطة بشكل غير منطقي، ففي المعارك الكبرى مثل القادسية واليرموك ونهاوند، كانت النسبة جندي مسلم واحد يقابله اربعة جنود على الاقل وهي معارك سلاح ابيض اي وجهاً لوجه.

وكمثل على كل المعارك هذا تحليل مختصر لمعركة اليرموك وسبب الانتصار فيها.

بدأت المعركة في الأسبوع الثالث من آب سنة 636 م في حوض نهر اليرموك وهو رافد من روافد نهر الاردن .

ولأول مرة في التاريخ يستطيع اهل الجزيرة بما فيهم اهل اليمن تجميع هذا العدد الضخم من الجنود يتراوح بين رقم إبن إسحق، شيخ المؤرخين العرب، وهو  اقل رقم: 24000 جندي للمسلمين مقابل مائة الف للجيش البيزنطي  وآخرين يذكرون  40000 جندي للمسلمين مقابل 200000 جندي للروم. والمرجح ان ارقام ابن اسحق هي اكثر قرباً للمنطق فقد كان هناك اكثر من جبهة مفتوحة ولم يتعد مجموع عدد الجنود المسلمين في عهد عمر اكثر من خمسين الف جندي كانت اسمائهم مسجلة في ديوان الجند.   

ومع هذا فان ادارة وتقديم دعم لوجستي لجيش بهذا الحجم يعتبر انجازاً عظيماً.

(ما أكثر الروم وأقل المسلمين) هذا انطباع جندي مسلم ،  ربما كان يحضر معركة لأول مرة

(ما أكثر المسلمين وأقل الروم) هذا ما أجابه خالد بن الوليد عندما سمعه وأستمر مفسراً هذا المنطق المخالف لموضوع الأعداد على الأرض : إنما تكثر الجنود بالنصر وتقل بالخذلان، لا بعدد الرجال.

إذن خالد كان يتنبأ مسبقاً بنتيجة المعركة ويعرف أن الروح المعنوية هي التي تحدد نتيجتها.

 كان قائد الجبهة الشمالية الغربية ابو عبيدة عامر بن الجراح وأطلق عليه الرسول(ص) اسم امين ألأمة، وهو رجل صادق وشجاع وخاض معارك عديدة وانتصر فيها، ولكن أبو عبيدة تنازل عن إدارة المعركة لخالد بن الوليد القائد المحنك .

وكان هذا أول سبب من أسباب الانتصار في هذه المعركة المصيرية ، فأن يعرف أبو عبيدة حجم قدراته وأن يدرك أن هناك من هو أقدر منه على قيادة المعركة لهو منتهى الايثار، ما همّ ابو عبيدة هو المحصلة النهائية للمعركة وليس المجد الشخصي،  وفي التاريخ مقابل أبو عبيدة تجد كثير من القادة الأغبياء الذين لم يشعروا بثقل المسؤولية فخسروا المعارك وكلف ذلك حياة جنود كثيرين اعتمدوا على قرارات القائد وصوابيتها.

كان من بين القادة المشهورين في قيادة الجيش  الاسلامي :

1. شرحبيل بن حسنة وشارك ابو عبيدة في قيادة خط الوسط.

2. يزيد بن ابي سفيان لقيادة الجناح الأيسر للجيش.

3. عمروا بن العاص لقيادة الجناح الأيمن للجيش .

اما جيش الإمبراطورية البيزنطية فكان بقيادة ماهان  Mahan ملك أرمينيه ويقود أيضاً جيشاً كاملاً من الأرمن . وفي قيادة الجيش عدد من القادة المشهورين

1.قناطير   Qanateer وهو أمير روسي يقود جيش من الروس والسلاف.

2. ديرجان Dairjan.

3. جريجوري Gregory.

ويقودان الوحدات الأوروبية في الجيش.

4.جبله بن الأيهم  Jabla ملك الغساسنة العرب ويقود الوحدة العربية في الجيش ومعظمها من الخيّالة والهجّانة.

كان الجيش الإسلامي قد توغّل بعيداً في سوريا واحتل مدناً عديدة وفرض على سكانها الجزية وعندما انسحب ابو عبيدة من كافة المدن التي احتلها حتى لا يقع في فخ ماهان ورجع إلى اليرموك قريباً من خطوط الامداد، أعاد الجزية التي أخذها إلى السكان فلطالما هو غير قادر على حمايتهم فإنه لا حق له بأموالهم وكان هذا ثاني سبب للإنتصار.  

عندما دخل هؤلاء البرابره واللصوص والجوعى والطامعين في خيرات غيرهم كما تقول الدعاية الإمبراطورية حافظوا على كل شيء كما هو، وصل الأمر أنهم لم يقطعوا حتى شجرة واحدة.

وعندما خرجوا أعادوا أموال الجزية التي جمعوها الى السكان لأنهم لم يستطيعوا المحافظة على التعاقد الذي من أجله تُجمع الجزية.

وهكذا تم نسف الدعاية الإمبراطورية كلها، وما أسرع ما تصل الكلمة إلى الجنود.

جبلة بن الايهم قائد الوحدات العربية في الجيش البيزنطي كان أسلم سابقاً ايام الرسول (ص) هو وقبيلته من الغساسنة.

ذهب مع عمر للحج قبل سنوات من المعركة (لا تعرف المدة على وجه التحديد وربما كانت قبل المعركة) وبينما كان يطوف حول الكعبة  وطأ أعرابي إزاره ،  فحلّه، استشاط الملك غضباً، ولطم الأعرابي على أنفه لطمة قوية، فهشّمه وأسال دمه، شكاه إلى عمر بن الخطاب، فسأل جبلة: 

ما دعاك لأن تلطمه؟

قال : إنه وطأ إزاري فحلّه يا أمير المؤمنين

قال عمر: أما وقد أقررت فإما أن ترضيه، وإلاّ فعل الإعرابي مثلما فعلت به

قال: أيعقل هذا وأنا ملك وهو سوقة يا أمير المؤمنين؟

قال: لقد سوى الإسلام بينك وبينه، فما تفضله بشيء إلاّ بحسن العمل

قال: يا أمير المؤمنين ، والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعزّ مني في الجاهلية.

قال عمر: إنه لكذلك!

قال: أخّرني إلى غد حتى أفكر في الأمر

قال: ذلك لك.

لم يفكر جبله بل عاد أدراجه في الليل هو وقبيلته الى الشام أي إلى وضعه السابق في الدولة البيزنطية.

كالعاده لام بعض العقلاء عمر لفقدانهم ملكاً أسلم هو وقبيلته ولكن عمر لا يعرف في الحق لومة لائم واثبتت الأيام أن عمر الذي لا يهادن في الحق قد اتخذ الموقف الصحيح كعادته، عمر لا يساوم على المبدأ فالمساواة بين الناس هي عزّهم الحقيقي، ولكن كيف لجبلة أن يغوص في  أعماق المسألة وأن يفهمها وهو الذي فقد إمتيازاته.

وتذكر رواية اخرى ان هذه الحادثة قد جرت في دمشق وأن جبلة هو الذي وطأ إزار الإعرابي

وأن الأخير طلب القصاص على أساس المعاملة بالمثل وأن ابو عبيدة عامر بن الجراح طلب من جبلة الموافقة ففرّ الى هرقل. الرواية الأولى أصح وفيها شعر حيث يقول في أحد الأبيات

فيا ليت أمي لم تلدني وليتني               رجعت الى القول الذي قاله عمر

 ولكن كلتا الروايتين لهما عنوان واحد: المساواة

الغساسنة كان معظمهم من القوة الضاربة في جيش بيزنطة، فرقة الفرسان وفرقة الهجّانه، ولكن لماذا يقاتلون؟

وبأي درجة حماسة وهم يسمعون أن الطرف المقابل يحترم إنسانيتهم ويساوي بين أصغر فرد بينهم وبين الملك ...

وكان هذا ثالث أسباب الإنتصار !

لم تبدأ المعركة جيداً بالنسبة للإمبراطورية، أحد قادة الجيش، واسمه جورج تقدم الى الأمام بين الجيشين ونادى خالد بن الوليد فظن خالد أنه يريد المبارزة فتقدم إليه ليجد أنه يريد سؤاله لماذا يسمونك سيف الله؟

شرح له خالد ذلك وشرح له الإسلام وقبل جورج الإسلام وذهب مع خالد وحارب في اليوم الأول ضد من كان يقودهم وقتل في نفس اليوم.

وهذا سبب رابع من أسباب الانتصار فبأي نظرة يرى الجنود الذين كان يقودهم جورج قائدهم الذين عاشوا وقاتلوا معه معارك سابقة يقاتل بشراسة ضدهم الأن.

هل كان اسلام جورج عن خوف من الجيش الاسلامي الصغير ام لأن ما سمعه عن القيم الاسلامية وما لمسه من ممارسات تعتبر في منتهى الرقي هو الذي اثار فضوله لمعرفة هذا الدين الجديد الذي يعامل الفرد مهما كان صغيراً او ضئيلاً  كانسان وليس مجرد رقم لا اهمية له.

معسكر النساء المسلمات كان موجوداً خلف الجيش، ولابد أن شدة ضغط المعركة تضطر بعض الجنود إلى الفرار متوجهين إلى الخلف فيواجهون النساء وكلاماً قاسياً مثل:

يا هارباً عن نسوةٍ تقيات                           فعن قليل ما ترى سبيّات               

ولا حصيات ولا رضيات

فترتفع روحهم المعنوية ثانية أو بالأحرى يغلي الدم في عروقهم، ويرجعون إلى أرض المعركة غير مبالين بالموت فهم يفضلونه على أن يسببوا للنساء هذا الوضع المهين  نتيجة هربهم.

وهذا سبب خامس من أسباب الانتصار.

هناك خطأ يقع فيه كثير من الساسة والعسكريين وهو الاستهانة بالخصم، وهذا ما وقع فيه قادة الإمبراطوريتين، فبالإضافة إلى الغرور الناتج عن التفوق في العدد والعدة فإن نظرتهم الى خصمهم كانت نظرة دونية،  فهم غير مصدقين ان هؤلاء البدو الرحل الذين يغزون بعضهم البعض ويقتلون بناتهم بسبب الفقر، الحفاة العراة ضعاف الأجسام يمكن ان يتجرأوا على الحضارة والرقي والتقدم ولن يصدق أحد منهم أنه خلال ربع قرن فقط يمكن أن يتحول هذا الكم المهمل من الرعاع إلى قوة يحسب حسابها.

لا بد أنه الجفاف والقحط هو الذي دفعهم إلى الشمال، وإرضاؤهم بقليل من المال سيحل المشكلة. كل المفاوضات قبل المعارك الفاصلة تتجه هذا المنحى، الطرف الإمبراطوري يقول ما يهواه ويفصح عن تمنياته  بدون تحليل للواقع الجديد. 

 هذه أجزاء من أحاديث رستم فاروخزاد قائد القادسية بطل أمبراطورية الساسان وهو تعبير صادق عما يدور في رأس القائد ماهان بطل أمبراطورية بيزنطة وغيرهم من القادة.

  كلام رستم اكثر بلاغة،  ولكن عقلية ونظرة الأمبراطوريتين واحدة.

قال رستم : إنكم جيراننا وكنا نحسن إليكم ونكف الأذى عنكم فارجعوا إلى بلادكم ولا نمنع تجارتكم من الدخول إلى بلادنا.

قال رستم في مناسبة ثانية: إنما مثلكم في دخول أرضنا كمثل الذباب رأى العسل فقال من يوصلني إليه وله درهمان فلما سقط عليه غرق فيه فجعل يطلب الخلاص فلا يجده وجعل يقول من يخلصني منه وله أربعة دراهم.

قال رستم في مناسبة ثالثة: مثلكم مثل ثعلب ضعيف دخل جحراً في كرم فلما رأه صاحب الكرم ضعيفاً رحمه فتركه، فلما سَمنْ أفسد شيئاً كثيراً وحاول الخروج فلم يستطع، فضربه صاحب الكرم حتى قتله، وهكذا ستخرجون من بلادنا .

قال رستم لمبعوث الجيش الإسلامي: قد أمرت لك بكسوة ولأميركم بألف دينار وكسوة ومركوب لكل منكم وتنصرفون عنا.

 وهكذا القديم دائما،ً يحب أن يحافظ على مواقعه بأرخص الأثمان ولا يفهم ما هذا الجديد ويستهزىء ويستهين به.

وهذا هو السبب السادس من اسباب الانتصار.

أما السبب السابع فهو عكرمه بن ابي جهل فبعد أن شاهد الضغط الذي يتعرض له المركز طلب من فرقته المكونة من أربعمائة رجل أن يؤدوا قسم الاستشهاد والموت معه، فلبوا نداءه وهجموا وأحدثوا التميز المطلوب وفي نهاية اليوم مات جميعهم أو جرحوا جراحاً بالغة أدت الى موتهم فيما بعد.

وهذا التبرع الطوعي من المقاتلين يختلف عن تطوع فرقة جريجوري التي تتكون من خمسة عشر ألف مقاتل في جيش الإمبراطورية قيدوا أنفسهم بالسلاسل وتلوا قسم الموت.

هذه السلاسل التي يرتبط بها كل عشرة أشخاص كانت البرهان على شجاعة ورغبة الذين قيدوا أنفسهم في أن يموتوا ولا يتزحزحوا من أماكنهم لمنع خيّالة العدو من اقتحام مراكزهم.

ولكن هل كانت تلاوة القسم كافية؟  وهل يحتاج المرء إلى ربط نفسه بسلاسل ليثبت رغبته في الموت في المعركة؟

كان الجندي المسلم يقاتل من أجل مباديء وأهداف وكان الجندي البيزنطي أو الساساني يدافع عن الإمبراطور وهذا هو الفرق بين النصر والهزيمة، ولا يعني هذا التقليل من شأن الأمور الأخرى كالأسلحة والخطط الحربية ولكن على المقاتل أن يكون مؤمناً كامل الإيمان بما يفعله ففي النهاية فإن حياته نفسها على المحك ويجب أن يعرف لماذا سيفقدها أو لماذا سيبذل جهده للحفاظ عليها.

بعد انتهاء معركة اليرموك ورجوع الجيش الإسلامي إلى المدن التي أخلاها سابقاً استقبلهم السكان بالترحيب فالناس تقدّر قيمة الحرية ويعرفون من يأتمنوا عليها.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ