-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 07/06/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


كما الهزائم تتراكم.. الانتصارات كذلك

أ.د. ناصر أحمد سنه/ مصر

قبيل أيام من حلول الخامس من يونيو ، وما يحمل من أجواء وظلال قاتمة مريرة، وذكريات مؤلمة محفورة في الذاكرة الجمعية العربية..نجد يوم الاثنين 31 من مايو ، وما شهد من أحداث ومنعطفات هامة علي صعيد هذا التدافع التاريخي بين أمتنا العربية الإسلامية وأعدائها.. المعتدين عليها والمتربصين بها علي مدار التاريخ.

 

إن أمتنا أمة رسالة خاتمة.. هذا قدرها. لكن منذ أن تحول الحكم فيها إلي ملك عضود، ووراثة مستبدة، ضعفت، ودبت فيها الأسقام والعلل، وتنكبت الطريق، فلم تنهض برسالتها ، ولم تضطلع بريادتها علي الوجه الأكمل. لذا وجدها الأعداء فرصة سانحة سائغة للانقضاض عليها، وتحجيم وإعاقة مسيرتها ورسالتها، ومسخ إنسانها، وتشويه عالم أفكارها وقيمها، ونصب "محاكم التفتيش" لها، ونهب مقوماتها وثرواتها، وقضم أراضيها، وتمزيقها بوضع العراقيل والحدود والسدود، واستخرابها بتوزيع التركات والثروات... ومحاولات عديدة لم تتوقف، تتوالي للإجهاز عليها و"لإعلان موتها ونهايتها.. ومن هنا حاء مؤخرا الحديث عن النهايات.. منها نهاية التاريخ ".. وانتصار أعدائها (انتصار النموذج الغربي الرأسمالي الإمبريالي المادي العنصري).

تتار ومغول.. وحروب وحملات صليبية تتري وتتوالي لقرنين من الزمان، وسنابك الخيول تغوص في دمائنا في فلسطين والقدس، (بغية استعادتها إلي معسكرهم). سقطت مملكة غرناطة 1492م، آخر قلاع الحضارة العربي الإسلامية التي أنارت الغرب، "وسطعت شمس أنوارها علي أوربا، حيث كانت العربية لغة العلم"، وتعرض من بقي من المسلمين للتنصير القسري؛ بمقتضى مرسوم ملكي مؤرّخ في 14 فبراير،1502 م)، ومن ثم ل"محاكم التفتيش".. وصمة في جبينهم، يحولون التبرؤ منها، لكن دون اعتذار رسمي للموريسكيين. ثم تابعت موجات من الإستخراب الإمبريالي .. البرتغالي، الإسباني، الهولندي، الإيطالي، البلجيكي، الفرنسي، الإنجليزي، ثم الأمريكي الصهيوني.. تم احتلال الأرض من اندونيسيا والفيليبين شرقا، حيث انساحت الحضارة العربية الإسلامية عن طريق التجارة والمعاملات والتواصل البشري والتصاهر، إلي المغرب غرباً، ومن دول وسط أسيا، وحدود النمسا والبلقان شمالاً، إلي السودان وما بعدها، وعدن جنوباً.

وصدر وعد بلفور (1917) بإنشاء ( وطن قومي لليهود في فلسطين)، هذا (الذي من لا يملك أعطي فلسطين لمن لا يستحق)، فهي بزعمهم:(ارض بلا شعب، لشعب بلا أرض) .. أسقطت الخلافة العثمانية (1924م)، وتم توزيع "تركة الرجل المريض، بل الُمجهز عليه"، ثم نكبة فلسطين واغتصابها، وإعلان قيام الكيان الصهيوني العنصري الاستيطاني ألإحلالي فوق أرضها المباركة الشريفة الطاهرة. ثم العدوان الثلاثي علي مصر 1956م، وهزيمة الخامس من يونيو 1967م، وضياع القدس والضفة والجولان وسيناء. كما لم تتوقف المجازر والمذابح الصهيوأمريكية يوما ما.. من "دير ياسين، ومسجد دهمش اللد، ويافا، وكفر قاسم، والسموع، والدوايمه، والطنطوره، وغزة، وجنين، ونابلس، والخليل الخ"، إلي مجازر"بحر البقر، و سيناء، وصبرا وشاتيلا، وقانا الأولي والثانية الخ". ومن العصابات الصهيونية "الهجاناه، وشتيرن وغيرهما" إلي جدار"الفصل العنصري". ومن أغلبية سكانية عربية فلسطينية إلي "أقلية عربية" داخل الخط الأخضر، و(عرب ال48)، وشتات في الداخل (الضفة والقطاع)، وفي الخارج علي حد سواء. ومن دولة كانت"من النهر إلي البحر" إلي "كانتونات" مقطوعة الأوصال بمئات الحواجز/ المعابر، ونقاط التفتيش، و"حكم ذاتي" علي 20% من الأراضي، ومفاوضات ومؤتمرات وقرارات الخ.

ولم يكن الغزو الصهيوني لفلسطين مجرد مرحلة من مراحل الاستعمار الغربي المتعدد المراحل والأوجه بل كان أبشع أنواع الاستعمار علي الإطلاق، كونه احتلالا عسكرياً استيطانياً إحلالياً.. قائم علي القضاء علي (الآخر) الفلسطيني بشرياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً وحضارياً وثقافياً.

ولمدة ثمانية أعوام (1980-1988م) تم إيقاد الحرب بين العراق وإيران (لوأد الثورة الإسلامية الوليدة في إيران)، وضُرب الصهاينة للمفاعل النووي العراقي 1981م، واحتلت بيروت 1982م،، وأثاروا عاصفة الصحراء 1991م، وعملوا علي انهيار الصومال 1991م، والتدخل العسكري للإجهاز علي الخيار الديمقراطي للشعب الجزائري 1992، وحروب الصرب في البلقان، والروس في الشيشان، واحتلال أفغانستان والعراق (2003) عقب أحداث سبتمبر 2001م.

أما علي صعيد الجوانب الحضارية والثقافية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية الخ، وبعيدا عما يسمونه "التفكير التآمري"..فالتآمر في التاريخ موجود غير منكور، بيد انه ليس كل التاريخ تآمر) فحدث ولا حرج.. عن العداء والتزييف والاستنزاف والنهب والتشويه والتغييب، ومساندة القهر والاستبداد والمستبدين، وتكريس الفقر والجهل والمرض والتبعية والذلة والمهانة،"قصف" العقول، واحتلالها، والتلاعب بها و"تخديرها"، و"عبادتها" وتقديسها، وغسل الأدمغة، وتغريبها الخ.

كما الهزائم تتراكم .. الانتصارات كذلك. فعلي مدار أيام وسنين وأحداث وتفاعلات هذه الأمة وإن كان سكان القصور، والمتحكمين في الأمر، قد نالوا كثيراً من (الضوء التاريخي) إذا ما قورنوا بهذه الحركات الموارة الفوارة الهادرة المجاهدة الثائرة المناضلة.. الصالحة المُصلحة، وهي باقية إلي يوم الدين لم يخمد هدير الأصوات .. فرادي وجماعات، وتوجهات العلماء والمصلحين.. رجالا ونساء، وتقارع الظلم والظالمين، وتناوئ المستبد والمستبدين، وتُصلح ما فسد وأفسد، وتقوم ما اعوج، وتعالج ما أعتل، وترفع صنوف القهر عن المقهورين، وتخرج العباد من (عبادة العباد إلي عبادة رب الأرباب، ومن ضيق الدنيا إلي سعتها، ومن جور الأديان إلي عدل السماء)، وتنير للناس جادتهم ، وتذكرهم برسالتهم.. رسالة العدل والحب والوسطية والهداية والتعاون والتعارف، يقول الله تعالى:"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم"(الحجرات:13). أيها المتحدون في أصل بشرى واحد ..المختلفون أجناسا وألوانا ولغاتاً، المتفرقون شعوبا وقبائل.. لا تتفرقوا ولا تتخاصموا ولا تذهبوا بددا، إن الغاية من جعلكم هكذا ليست التنازع والتناحر، بل التعارف والتآلف، فالتنوع يدعو إلى التعاون والتكامل وفق معيار أساس: التقوى والعمل الصالح، وهما أعمال كسبية (وليست وراثية / عنصرية) يتسابق فيهما الناس جميعا .. مرضاة لربهم، والتصالح على العرف الحسن والمعرفة الرشيدة .. خدمة لمجتمعاتهم وإنسانيتهم (راجع تفسير الآية ابن كثير، دار إحياء الكتب العربية، د.ت.، ج/4، ص 217- 218،"في ظلال القرآن" الجزء السادس، ط 16 ، دار الشروق 1410ه 1990م، ص: 3348).

فبعد سبات ومع بدايات القرن الفائت دبن صحوة بل صحوات في جسد هذه الأمة، تستطلع طريق استعادة رسالتها وريادتها ونهضتها وعزتها. وتعيد وصل ما أنقطع من مسيرة حارتها.. وعيا بالذات ، وبالتراث وبالموروث، واستفادة، غير مُخلة، بالمستجد المعاصر.

فمن بين الكواكبي، والطهطاوي، والأفغاني، ومحمد عبده، ورشيد رضا، وحسن البنا، وسيد قطب، والمودودي، وبديع الزمان سعيد النورسي، وعبد الله كولن، وعبد الحميد بن باديس، والبشير الإبراهيمي، ومالك بن نبي، محمد أسد، ورجاء جارودي، ومراد هوفمان، وعبد الرزاق السنهوري باشا، وعبد الحليم محمود، والشعراوي، جاد الحق علي جاد الحق، محمد الغزالي، والقرضاوي، وعبد الله بن بيه، ومحمد سعيد رمضان البوطي، وسعيد حوي، وفتحي يكن، وعماد الدين خليل، ومحمد عمارة، وطارق البشري، وسليم العوا وغيرهم.. قافلة تتري وتتوالي .. تتشرف بخدمة هذا الدين الخاتم، دين الإسلام، وحضارته، فتحرر العقول لاستقباله، وتنشر أنواره، وتدعو لهداياته، وتدافع عن تشريعاته، وتُرشد لآدابه، وتحمل علومه: "يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين".

ثم جاءت حركات التحرر والاستقلال من ربقة الإمبريالية العالمية في خمسينيات وستينيات القرن المنصرم، ثم الانتصار في حرب العاشر من رمضان، أكتوبر 1973م، وقيام الثورة الإسلامية في إيران(1979م)..كأكبر حدث سياسي في القرن العشرين، لم يكونوا يحتسبونه بحال من الأحوال، وبخاصة في إيران التي كانت شرطي الخليج/ ورديف الكيان الصهيوني". حدث الثورة زلزل كيانهم، وأذهلهم إلي الآن..وما قصة العقوبات علي مفاعهلا النووي السلمي إلا حلقة صغيرة في طريق ما يزيد عن ثلاثين عاما من الاحتواء والضغط لتدخل حظيرتهم ، وتنصاع لأوامرهم، و"تسبح بحمدهم"، لتلقي بكل رضي وشكر فتاتهم، ويسكتوا عن احتلال "الشاه لجزر الخليج".

أنهار الإتحاد السوفيتي وسقط 1990م، وكذلك الإتحاد اليوغوسلافي وولدت إثر ذلك دول عاد لعمق أصولها وحضارتها وثقافتها الأصيلة، ولحظيرة أمتها الإسلامية . كجمهوريات اسيا الوسطي.. كازاخستان وتركمانستان واذربيجان وقيرغستان وافغانستان، والبوسنة والهرسك وكوسوفا، فضلا عن الشيشان وانجوشيا وداغستان وابخازيا الخ.

تم قهر وهزيمة وإخراج العدو الصهيوني من لبنان وجنوبه العام 2000م، ثم الانتصار الباهر والمشرف للمقاومة الإسلامية في لبنان صيف العام 2006م، والانسحاب الأحادي الجاني من غزة، ثم "انتصار الخيار الديمقراطي (تلكم الديمقراطية تلكم التي صدعوا آذننا بها، وهم اكبر المنقلبين عليها، إذا لم تأتهم بمن يرضيهم). لقد أكد الشعب الفلسطيني انحيازه الكامل لجانب المقاومة وانتخاب حركة المقاومة الإسلامية حماس.. فكان العدوان الغاشم ، والحصار الظالم علي غزة الصامدة المجاهدة .. التي أفشلت وكل مخططاتهم وعدوانهم ومجازرهم لثلاثة أسابيع (نهاية 2008، ومطلع يناير 2009)، وفي ذلك النصر كل النصر، والانتصار كل الانتصار.

وأستمر الصمود والصبر والعزيمة والإرادة الفولاذية، وعدم النكوص عن الخيارات، رغم القتل والتقتيل، والإرهاب، والتجويع والحصار والدمار و جرائم الحرب والإبادة الجماعية، فكانت "الحرية، وأسطولها، وبشائرها من كسب تأييد كل الشعوب العالم، وفي مقدمتهم الشعب التركي الأبي الشقيق.. وحكومته وقيادته .. .. من فيتنام التي أرجأت زيارة رئيس الكيان الصهيوني لها، إلي جنوب أفريقا التي استدعت سفيرها لدي الكيان، إلي نبكارجوا ومن قبل فنزويلا، إلي كل التظاهرات والاحتجاجات العالمية لهذه الدماء الذكية التي سفكتها آلة ويد الإجرام والإرهاب الصهيونية.. نصرا من الانتصارات الباهرة، فقط لمجرد "دخول الباب عليهم":"قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (المائدة:23). فما الظن بما هو أكثر من ذلك لو أتيحت المواجهات الحقة، والإعداد الجيد، دون منع أو صد أو تغييب أو تجهيل.

لذا ليس من المبالغة القول:أن يوم الاثنين 31 من مايو، وما شهد من "قرصنة ومجزرة صهيونية جديدة ومتجددة" علي قافلة أسطول الحرية، وأثار تلك الدماء الذكية، والأرواح الطاهرة، التي سالت وارتقت دفاعاً عن قضيتنا العادلة، قد محت غيوم ذكري حلول الخامس من يونيو من كل عام، حيث كانت هزيمة 1967 وما خلفت من آثار مازلنا ندفع حسابها حتى اليوم.

 

في الهزائم والانتصارات .. "أعرف عدوك"

في الهزائم والانتصارات علي حد سواء.. ينبغي ألا يغيب بحال من الأحوال تحديد "العدو".. مفهوماً وموصفات وآليات وسمات وأدوار واستراتيجيات الخ. وعدو امتنا علي مدار تاريخها واحد في جوهره وإن تعددت صوره، وتغير جلدهن عملة واحدة وإن تعددت أوجهها.

المستقرئ للتاريخ البشري ، يجد أنه لم تخل أمة من الأمم من عدو ذي وجهين" داخلي من بني الجلدة"، ولعله الأخطر أثراً، والأصعب درء لعدوانه، المنفذ دوماً لأمر سيده. والآخر "عدو خارجي".. ظاهر واضح بين لكل ذي عينين، إلا من كان به رمد. نهجهما وإغراضهما ومطامعهما واحدة: يقول تعالي:" وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ، إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ، وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ" (البقرة: 165-167).

لقد بات واضحا جلياً تذيل فريقان، ومعسكران.. فريق ينهض بمسؤولياته علي كافة جبهات التدافع السياسية والحضارية النهضوية المناوئة للهيمنة والاستكبار والتبعية، وفريق الهوان والذل والتبعية والعمالة والخيانة وبيع مقدرات ومستقبل ومصير هذه الأمة بحفنة من المطامع الشخصية العاجلة.

إجمال القول: الأيام دول، والحرب سجال، والتدافع بين الناس قائم ما بقيت الشمس تشرق وتغيب."...وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ" (البقرة:251). فلينظر كل فرد في هذه الأمة، ومن والاها من أحرار الأمم الأخرى، إلي أي منهما يتنمي. فليكن في الفريق الأول.. فينصر ويناصر وينتصر:".. وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ" (الحج:40)، ويقول جل شأنه:"ِإلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ" (الشعراء:227).

ــــــــــــ

*كاتب وأكاديمي من مصر

nasenna62@hotmail.com

======================

السياسة التركية :ايديولوجيا صدامية أم براغماتية مستحدثة

د/إبراهيم أبراش

Ibrahem_ibrach@hotmail.com

تستحق السياسة التركية لحكومة أردوغان سواء الداخلية أو الخارجية أن توصف بالظاهرة السياسية Political phenomenon ،ولكونها ظاهرة فهي تحتاج لمزيد من البحث والدراسة لعقل أسباب وملابسات ظهورها وعلاقتها بالسياق السياسي المتغير للنظام الدولي وللشرق الأوسط .صحيح أن كثيرين كتبوا عن السياسة التركية الجديدة ولكن يبدوا أن دوافع وحسابات الإعجاب والعاطفة طغت على الدراسة المعمقة لهذه الظاهرة وخصوصا من المثقفين والمفكرين العرب نظرا للجوار ووجود مشترك ثقافي بين العرب والأتراك ولان السياسة التركية (الظاهرة) برزت من خلال القضية الفلسطينية قضية العرب الأولى كما يقول العرب،أو بصيغة أخرى تمت دراسة الظاهرة التركية بثقافة ومرجعيات العقل السياسي العربي الإسلامي وليس بمنطلقات العقل السياسي العلمي الموضوعي ،السياسة التركية الراهنة بمقاييس العقل الأول تصنف كسياسة ايديولوجية صدامية ولكنها بمقاييس العقل الثاني فهي سياسة براغماتية مستحدثة ،حيث تسعى تركيا بنهجها الإسلامي المعتدل تعزيز وجودها ولعب دور إقليمي دون أن تخسر علاقاتها مع أي طرف .

كأية ظاهرة سياسية أو طبيعية فإن استقراء الظاهرة مهم بنفس أهمية القياس والمقارنة،وعليه يجب عدم مقاربة السياسة التركية فقط من خلال مقارنتها بسياسة الأنظمة العربية أو غيرها بل يجب أيضا استقراءها كظاهرة تحكمها خصوصية الحالة التركية . عند استقراء السياسة التركية يجب الاخذ بعين الاعتبار المنعطف الثقافي الاستراتيجي الذي تمر به تركيا داخليا ،أيضا ربطها بثلاث دوائر تنتمي لهم تركيا 1) الدائرة الأطلسية حيث تركيا عضو في حلف الأطلسي 2)الدائرة الشرق أوسطية ،فكونها دولة شرق أوسطية يفرض عليها استحقاقات لا مهرب منها 3) الدائرة الإسلامية حيث الأيديولوجية الدينية باتت عنوانا رئيسا في نهج الحكومة التركية .من الواضح أن الحكومة التركية بقيادة اردوغان استطاعت حفظ التوازن بين هذه الدوائر:حفظ التوازن ما بين عضوية الحلف الأطلسي و الانتماء للشرق الأوسط ،حفظ التوازن ما بين العلمانية والإسلام ،حفظ التوازن ما بين العلاقة مع إسرائيل وتأييد الفلسطينيين،حفظ التوازن في علاقتها مع دول جوار متعارضة السياسات ومضطربة الأوضاع الداخلية،حفظ التوازن بين ما تخسره من علاقاتها مع إسرائيل وما تربحه من علاقاتها الصاعدة مع العرب.

أيضا لا يمكن فهم السياسة التركية في المنطقة إلا من خلال الجمع ما بين مدخل الاستراتيجية السياسية التاريخية ومدخل الاقتصاد السياسي مع أن هذا الأخير متضمن نسبيا بالمخل الأول .كان الشرق الأوسط وما زال ساحة مواجهة وصراع بين الدول سواء المنتمية له أو الخارجية للسيطرة عليه أو توجيه الأمور فيه لخدمة مصالح هذا الطرف أو ذاك ،نظرا لموقعه الاستراتيجي ولخيراته وتركيبته الثقافية التي تستحضر وتستنهض المشاعر الدينية لكل الديانات.واليوم تتجاذب منطقة الشرق الأوسط عدة مشاريع :

- المشروع الصهيوني الذي يتطلع لتأسيس دولة يهودية على كامل التراب الفلسطيني بما في ذلك الضفة والقدس.

- المشروع الفارسي الشيعي الإيراني المتصادم مع أكثر من جهة داخل المنطقة وخارجها.

- المشروع التركي الناهض

- المشروع العربي الغائب

- مشروع الشرق الأوسط الكبير المتعثر

 - المشروع الوطني الفلسطيني الخاضع لتجاذبات هذه المشاريع والمُهدَد بالتلاشي .

ومن هنا نلاحظ ان تركيا تتحرك ممثلة لمشروع يريد ان يلعب دورا إقليميا مميزا، وهذا المشروع يتقاطع مع بعض المشاريع المشار إليها ،ويتعارض مع بعضها .الملاحظ أن المشروع التركي هو الأكثر حضورا اليوم .فمن أين لتركيا ،العضو في حلف الأطلسي وحليف واشنطن، هذه القوة لتدخل في مواجهة (محسوبة) مع إسرائيل حليفة واشنطن والغرب؟ ولماذا لم يثر هذا السلوك التركي أي ردود غاضبة من واشنطن أو من حلف الأطلسي؟ وما سقف التصعيد التركي ضد إسرائيل؟وما هي أهداف السياسة التركية في المنطقة وبالنسبة للقضية الفلسطينية؟ ولماذا هذا التأييد والتعاطف الشعبي العربي الكبير مع تركيا وأردوغان ؟ ولماذا هذا التأييد لغزة وحركة حماس وتجاهل ما يجري في الضفة والقدس؟

1- طموح مشروع مدخله قضية عادلة

في ظل شرق أوسط غير مستقر ويمر بحالة من السيولة أو الفوضى ليس فقط السياسية بل على مستوى التكوينات السياسية والثقافة والإثنية والطائفية لمجتمعاته الخ ،من حق تركيا أن يكون لها موقع قدم ومكانة متميزة ،فتاريخها يشفع لها كما أن استقرار اقتصادها ونظامها السياسي يساعدها على ذلك ،وإذا كانت دولة دخيلة مثل إسرائيل تتطلع للهيمنة على الشرق الأوسط ولتشكل قطبا قائدا فيه ،وإذا كانت إيران الأقل عددا من حيث السكان والأضعف من حيث الاقتصاد وقوة الدولة والمجتمع ،تتطلع للهيمنة على المنطقة أو لبناء مشروعها الفارسي الشيعي ولو على حساب شعوب المنطقة،فلماذا لا تتطلع تركيا لتعزيز مشروعها القومي التركي و ليكون لها دور قيادي في المنطقة ؟،و ما يضفي مزيدا من الشرعية على هذا الطموح أن مدخله قضية عادلة وهي رفع الحصار عن غزة.إذن من حق تركيا أن تستعيد حضورها ومكانها في المنطقة بعد تسعة عقود من الخروج الإجباري أولا ثم الطوعي ثانيا من بيئتها ومجالها الثقافي الشرق أوسطي،وهي عودة حتمتها متغيرات مست البيئة السياسية والثقافية والاقتصادية الداخلية لتركيا ،والبيئة الإقليمية والدولية المحيطة، سواء بفعل العولمة أو بفعل سرعة تداعي الأحداث في العراق وإيران وأفغانستان وتداعيات الإسلام السياسي دوليا خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر.

 

قبل ثلاث سنوات فقط كانت إيران ورئيسها أحمدي نجاد محل مراهنة قطاع كبير من الجماهير الإسلامية والعربية وخصوصا جماعات الإسلام السياسي بما فيها حركة حماس الفلسطينية ،أما اليوم فقد فأصبحت تركيا ورئيسها أردوغان قبلتهم ،عندما عقدت قمة نصرة غزة العام الماضي في قطر تم استدعاء أحمدي نجاد كضيف في القمة العربية ،أما في مؤتمر وزراء خارجية الدول العربية الأخير فقد تم استدعاء وزير الخارجية التركي !. يعود التحول في موقف الشارع العربي من إيران لتركيا ،أنه ليس لتركيا تتطلعات هيمنية في المنطقة العربية فلا مشاكل حدودية ولا تطلعات حتى الآن لاستعادة الامجاد الامبراطورية لان تركيا بتركيبتها الحالية - الديمقراطية العلمانية والإسلامية -غير مؤهلة لتكون دولة استعمارية مجددا،هذا ما يميزها عن إيران التي تسعى لبناء مشروع فارسي شيعي متصادم مذهبيا مع غالبية الشعب العربي وله تطلعات توسعية على حساب جيرانه ،وإذا كان مدخل تركيا لتأسيس مشروعها القومي نصرة القضية الفلسطينية فغن مدخل إيران تدمير دولة عربية وتهديد جيرانه العرب حيث ما زالت إيران تحتل الجزر الثلاث الإماراتية وتتقاسم مع واشنطن الهيمنة على العراق ومحاولة تقسيميه كما انها تثير القلاقل في أكثر من بلد عربي من اليمن والسعودية إلى المغرب .

 

2- سياسة أقصى الممكن دون تجاوز الخطوط الحمر

المراقب للأحداث سيلاحظ أنه لم يصدر عن واشنطن أو عن الحلف الأطلسي أو اوروبا بشكل عام أية انتقادات للسياسة التركية المتصادمة مع السياسة الإسرائيلية ،كما أن هذا التصادم والخلاف لم يصل لدرجة قطع العلاقات مع إسرائيل أو إلغاء الاتفاقات والمشاريع المشتركة بين الطرفين ،أو كما يقول المثل (ما يموت الذيب ولا يفنى الغنم).ونعتقد أن السبب يعود إلى ان تركيا لم تخرق في سياستها الخطوط الحمر المحددة امريكيا وأطلسيا وحتى إسرائيليا ولم تتجاوز القانون الدولي والشرعية الدولية ،فدعم تركيا لحركة حماس المنتمية للإسلام السياسي لا يأخذا طابعا عسكريا على مستوى السلاح بل دعما سياسيا يسعى لنقل حركة حماس من دائرة الإسلام الجهادي لدائرة الإسلام المعتدل المُتطلِع للسلطة والحكم ،وهذا التوجه هو جزء من استراتيجية امريكية تسعى لتطبيقها منذ سنوات وقد نجحت نسبيا في مصر والمغرب والأردن والصومال ولبنان وفي جميع هذه الحالات كانت بجهود ووساطة دول صديقة لواشنطن والغرب وخصوصا دولة قطر . ومن جهة أخرى فقد استطاعت تركيا إضعاف النفوذ الإيراني الشيعي في المنطقة حيث أصبحت تركيا قطبا إسلاميا سنيا معتدلا يحضى بالقبول من غالبية المسلمين السنة ،وهذا ما يريح واشنطن والغرب وخصوصا في حربهم ضد ما يسمونه التطرف الإسلامي أو في الحد من تطلعات إيران النووية .

 إذن فالموقف التركي لم يخرج عن السياسة الامريكية المرسومة في المنطقة وهي سياسة السلام والحل السلمي،بل يمكن القول بان السقف السياسي للموقف التركي أقل بكثير من موقف دول عربية ومن موقف السلطة الفلسطينية ،فتركيا مستعدة للدخول لصدام محسوب مع إسرائيل لرفع الحصار عن قطاع غزة وتثبيت سلطة حركة حماس،ولكنها تنهج سلوكا مغايرا بالنسبة للاستيطان في الضفة وتهويد القدس ،والسؤال الذي يفرض نفسه :ما هو مفهوم القضية الفلسطينية عند تركيا ؟وهل تركيا مستعدة للدخول بمواجهة مع إسرائيل من اجل تحرير فلسطين ولو على مستوى تحرير الضفة والقدس؟ ولو لم تكن حركة حماس هي الحاكمة في قطاع غزة هل كانت تركيا ومجمل الإسلام السياسي سينهجا نفس النهج ؟ ليس هذا تشكيكا بالموقف التركي أو تقليلا من اهميته ولكن وضعا للأمور في سياقها الحقيقي والتفكير فيما وراء رفع الحصار عن غزة لان غزة لن تكون بديلا عن فلسطين ولا يمكن ان تكون غزة أكثر قدسية من القدس.

 

3-تركيا تملأ فراغ غياب القيادة في العالم العربي

أيضا يمكن تفسير سرعة انتشار شعبية تركيا وأردوغان في الشارع العربي وحتى على مستوى نخب سياسية عربية حاكمة ،أن المنطقة العربية تعاني من خلل مركب ثلاثي الأبعاد:1) فمن جانب هناك انقسام بين ما يسمى تعسف معسكر الممانعة ومعسكر الاعتدال ،2) من جانب آخر هناك أزمة قيادة سواء تعلق الأمر بالإقليم القائد أو بالزعيم الملهم أو الشخصية الكارزماتية ،3) أن الأنظمة العربية تواجه شارعا متعاطفا مع الأيديولوجيا الإسلامية وبالتالي هناك انعدام ثقة ما بين الجمهور والشارع وهو عكس ما هو موجود في تركيا .هذا الخلل المركب أضاف مزيد من الضعف للنظام الإقليمي العربي وهو فراغ جعل المنطقة مهيئة لاستقبال واحتضان أي مشروع يرفع شعارات تلبي ولو جزئيا تطلعات واهداف الجماهير ويمكنه أن يقف في مواجهة المشروع الصهيوني أو المشروع الشرق أوسطي الذي تسعى له واشنطن.

المواقف والشعارات والخطاب التركي ولدى أردوغان جاء متناسبا مع الثقافة والعقلية العربية كما ان الجماهير العربية وجدت به شيئا من رد الكرامة المهدورة وفرصة لوقف حالة الانحدار العربي ومواجهة العربدة التي تمارسها إسرائيل دون أن تتمكن الأنظمة العربية فعل شيء .إذن عندما تأتي تركيا بهذا الخطاب وهذه المواقف الصدامية مع إسرائيل وإن كانت ضمن حدود رفع الحصار عن غزة فهي في نظر الجماهير شيئا كبيرا بالمقارنة بالمواقف الرسمية العربية ،والجماهير المقهورة والمهانة غالبا تكون محكومة بالعواطف وبمتغيرات اللحظة أكثر مما تتعمق بالرؤى الاستراتيجية بعيدة المدى.

4- تركيا:ما لها وما علينا

الدعم التركي ودعم الراي العام والحماسة المتاججة لنصرة غزة وحكومة حماس والفضية الفلسطينية ،لن يكونوا بديلا عن دور اصحاب القضية ،،لن يكون بديلا عن المشروع الوطني كمشروع تحرر وطني .قامت تركيا بدور مشكور جعل قضية رفع الحصار عن غزة قضية راي عام عالمي بل محل نقاش دولي ،ولكن ما الصيغة السياسية الدولية لغزة بعد رفع الحصار ؟وماذا بالنسبة لإستعادة بقية فلسطين وحق العودة ؟وهل ستكون غزة بديلا عن الضفة والقدس؟ هذه تساؤلات مطلوب الإجابة عنها فلسطينيا أولا وعربيا ثانيا.قدمت تركيا ما عليها ويبقى ما علينا وهو تظيف هذا الحراك لاستنهاض المشروع الوطني وللإسراع بالمصالحة الوطنية على أرضية هذا المشروع ،إن لم تكن حاضنة وطنية لهذا الحراك العالمي المؤيد لعدالة القضية فإننا نخشى أن يكون ثمن رفع الحصار عن غزة أخطر من الحصار نفسه ،سيكون الثمن ليس فقط تكريس الانقسام وتدمير المشروع الوطني وليس فقط تدمير مشروع السلام الفلسطيني – ومشروع السلام الفلسطيني ليس مشروع أوسلو- القائم على ما انتزعه الفلسطينيون من مكتسبات خلال عقود وعلى قرارات ومواقف دولية، بل سيكون الثمن مشروع المقاومة ثقافة ونهجا وقد دفعت حركة حماس مسبقا ثمن رفع الحصار المُكريس للانقسام من خلال وقفها للمقاومة المسلحة ومنع الآخرين من ممارستها انطلاقا من قطاع غزة.

==========================

شهادة إمتياز!!! في الصعلكة

الشيخ خالد مهنا

رئيس الدائرة الإعلامية في الحركة الإسلامية-ام الفحم

(قولي لهم

من حرّق الزيتون في وضح النهار

يوحي بها: هذا هو المسئول عن هذا الدمار

قولي لهم: من ذا الذي ذبح الصغار !!

يا غزة يا معصم المذبوح من فعل الخيانة

قولي لهم عمن تواطأ أو خذل

هيا أفضحيها صفحة للعرب لم يدروا بها

بل لم يداروا في خجل

يا غزة المكلوم يا وجع الرجال

قولي ولا تخشي سؤال

أشلاء من ؟ تلك التي نثرت على شجر الحديقة

ودماء من ؟ تلك التي سالت على الطرق العتيقة ؟

فستان شهدٍ لأم ضحى ؟

أقلام يحي أم محمد أم لمى ؟

تلك المبعثرة التي كانت تسمى غرفةً تؤوي الصغار !!

كانوا هنا ..

في غمضة العين التي يا ليتها لم تستفق يوما لتروي ما جرى !!

كانوا هنا وبلحظة صاروا هناك

في كل هاتيك الحواري في الجنوب وفي الشمال

أطراف داليةٍ تمد فروعها

كي تلتقط بضمير من بقيت لديه بقية من نخوةٍ أو من شهامةْ

يا أمة ما عاد فيها أي نزرٍ من كرامة !!

في غزة الأطفال يلتحفون بالبرد الذي عرفوه مذ فقدوا البيوت

لكنها الأقدار يا عرب المخازي والخيانة والسكوت

دفنت شهادة نخوةٍ كنا نظن بأنها يوماً اديكم لن تموت

أطفالنا قُتلت

ودماؤنا سفكت

وبيوتنا جرفت

والآه تتلو الآه في نزف مميت

تتفرجون على الفضائيات مثل مسلسل دامي المشاهد !!

هي بعض لحظات التأثر ثم يغدو من يريد إلى الفراش أو الموائد !!

أما المسلسل في تواصله يدار

لا تنتهي الحلقات من طعم المرار

قتلَ وأشلاءَ وبترَ للكبار وللصغار

حرقَ يكبل ليلنا المخنوق من سحب الدخان

وكلابهم عاثت هنا في كل تفصيل المكان)

فقيل الأحد الماضي كانت الدماء دفاعاً عن كرامة الأمة تسأل في شوارع غزة أما اليوم فقد صدقت القلوب المتحدة مع غزة فسألت دماء متضامنين مع غزة لأجل غزة وعيون أطفالها..

وليتحد دم الأحرار مع الدم الفلسطيني...

لونان لا ثالث لهما امتزجا الأحد 2010\5\31 في عرض البحر الأبيض المتوسط على بعد 72 ميلاً من المياه الإقليمية الإسرائيلية!! هما "الأحمر" لون الدم القاني و"الأزرق" لون الأمل وبواباته وفسحاته يحيط ب"أسطول الحرية"الحمراء.. وقد جاء ركاب السفينة من مشارق الأرض ومغاربها ومن كل فج عميق مسلمين ومسيحيين ويهود وحتى علمانينيين من جنسيات مختلفة راكبين البحر محملين بالأدوية،والعجلات الكهربائية المتحركة،وغرف إيواء لمن يتدثرون بالأرض ويلتحفون السماء،وغذاء ومؤونة(10 آلاف طن من مواد الإغاثة)، وبينهم النساء وكبار السن وحتى الأطفال، وقد تواعدوا فيما بينهم أن يكسروا الحصار المفروض على غزة وللأبد،وإن يصلوا إليها،وكل منهم يحمل بين جنبيه شوقاً عظيماً لرؤية شواطئها والتبرك بأرضها وأهلها، وإذ بالة القرصنة الإسرائيلية تنقض عليهم جواً وبحراً لتذيقهم بعض الذي أذاقت أهل غزة على مدار سنين خلت من فتك وقتل، وأسر، وخطف وليفتح هؤلاء الأبرياء بدمهم المسنوح أمام الأمة وأحرار العالم الضوء الأخضر منادين بإتحادهم بقية أسنان المشط العربي والإسلامي أن تخرج من "علبة التواليت" وتلعب معهم لعبة الفداء والتضحية ولو مرة واحدة.

وبينما كان العالم يستعد،وكل صحافة العالم تتوقع للحدث سيناريو إبتعاث القافلة إلى ميناء أسدود،وإعادة الركاب إلى أوطانهم ولكن المفاجأة !! جاءت بعكس ما توقعوا وإذ بقوات الكوماندوز الإسرائيلية !! تهاجم السفن الستة التي تحمل على متنها أكثر من 700 راكباً!! من جنسيات مختلفة إتراك واندوسيين وماليزيين وباكستانيين وكويتيين وأردنيين وفلسطينيين من داخل الخط الأخضر، ومن بينهم عجوز يهودي يتجاوز الثمانينات من عمره ومن الذين نجوا من الهولوكست النازي وكأنهم في معركة ضروس مع غواصات معادية وطائرات محملة بالقنابل الجرثومية والعنقودية،وليست في مواجهة مع نشطاء لحقوق الإنسان ونشطاء إغاثة ونشطاء سلام وعدالة،وإذ بالأنباء تصدق عن وقوع قتلى وجرحى في أكثر معارك الأرض غير المتكافئة خزياً وعاراً وشنارا.. وإذ بإسرائيل الدولة الخارقة المارقة!! تعري نفسها بنفسها وتنكشف عورتها المخزية لتؤكد للعالم من جديد أنها القرصان الأول بلا منافس.. وأنها الصعلوك الأول بلا منافس.. وأنها السفاح والجلاد الأول بلا منازع،وأنها مثوى وملاذ ومحضن الإرهاب والإرهابيين، والوحشية والمتوحشين،الذي رضعته من ثدي" التلمود" قارة "وحكماثها" ثانياً ومن أثداء"غرور القوة" والغطرسة والعنجهية ولم يورثها هذا الحليب الهجين إلا غباءً ما بعده غباء وليس له منافس أيضاً..

ولقد كان هذا القرصان البحري والجوي والبري يعلم،يقيناً لا تلقيناً أن السفن لا تحمل على ظهرها إرهابيين قتلة ولا يحمل ركابها سيفاً ولا خنجراً ولا حجراً،وأنهم ما ركبوا السفن إلا لمواساة الضعفاء والمحرومين والبؤساء من أهل غزة،ولكنها اختارت باعتبارها تقدس السيف والقتل وتؤلة الدم وتعبده أن تضرب عرض الحائط بنصيحة نابليون للأغبياء من أمثالها"أنك تستطيع فعل كل شيء بالحراب عدا الجلوس عليهما"ولقد أختارت أن تجلس عليه لتذوق طعم الألم وصدق من قال:

لكل داء وداء يستطب به    إلا الحماقة أعيت من يداويها.

ولولا الحماقة والغباوة الذي عززه فيهم حكمائهم وأوهام قوتهم،وأستبد بها لتركت سفن أسطول الحرية أن تمر بسلام وتذهب إلى غزة بسلام ولو فعلت ذلك لما تخطى الحدث حدود ماهيته الإنسانية، ولتعاطف حتى العرب معها لإعتبار أن بعضهم أعز أصدقائها وخلانها،ولظلت بمنأى عن الورطة التي أوقعت نفسها بها، ولولا الغباء الذي يخالطه الحقد الكبير على تركيا الجديدة القديمة وعلى قيادتها الحكيمة لما صبت حقدها على المدنيين العزل ،ولقد كانت قطرة من الذكاء في هذا البحر والمحيط الهائل من الغلاء كافية لمحاصرة الحوت وتداعيا،ولكنها مشيئة الله تأبى إلا أن تكشف عن غزة المنكوبة منذ أكثر من 1000 يوم وبتواطئ عربي الغمة،وينزل الفرج بها،وتسجل إنتصاراً جديداً ويؤسس لمرحلة جديدة تستحق تركيا أن تعتلي منصتها وصهوتها بلا منافس، على أمل أن يحسدها العرب على هذه النعمة فيصابوا بالعدوىوإذا كانت الأمم اخلاق وقيم فإن على العرب بوصفهم أمة لا أمة،وسيّدة الأمم لا سيّده بين النساء أن يثبتوا الآن.. الآن .. الآن أن لم يسقطوا للأبد،بل تعثروا وإما إذا لم تعلن الأمة العربية برمتها أنها تسحب مبادرتها التي أعلنت في بيروت كما أعلنت دولة الكويت، وإن بقي من أثر لعلاقة عربية بدولة القراصنة فهذا يعني ويؤكد أن بقاء الأمور على حالها لن يبقى حتى على البقية الباقية من أخلاق لدى العرب،لأن ما حدث في عرض البحر،وما حدث بعده من كذب،وتزوير،وإعتقالات تعدى السياسة ومحاكمات لقيادة الجماهير العربية داخل الخط الأخضر ليشمل الأخلاق....... فألف تحية أجلال وإكبارواعزاز للذين جاءوا من كل القارات،أحراراً متحدين فأرتفع قسم منهم شهداء: وسقط منهم جرحى وأختطف بعضهم.. ألف تحية لهؤلاء الذين جاءونا ليعلمونا الأبجدية العربية من جديد دون أن يحفظوا كتاب الأغاني ومقامات بديع الزمان الهمذائي،وألف ألف رسالة خزي وعار لأولئك الذين ما زالوا تربطهم بدولة الإرهاب التي أكدت أنها غير جديدة بولاء الحلفاء لها علاقات ودية.

 لقد مزّع الحدث مداخل النفس،وإن لم أستعبد وقوعه ولا يهدأ حدة غليانها إلا قناعتي بقرب بزوغ الفجر الصادق على جبين غزة ،وعودة تركيا إلى عمقها الإسلامي والقومي لتنهل من معينه ماءها العذب الفُرات حيث بات كل خبر عنهما مصدر طرب لنا،وحيث وقع خطواتها في أي بقعة تظأها قيادتها يطربنا ويشجينا،ومع كل تصريح صادر عنها يذهب قلبي إليها.............،ها هو حلمنا عاد ليتوهج وها هو أردوغان وأوغلو وغيرهما عادا ليفتحا أبواب ذاكرتنا التاريخية باباَ باباً ويوقظوا أحلامنا حلماً..حلماً،ويأخذني على حصانه ويتنقل بي من ضفة إلى ضفة،ومن جامع إلى آخر،من جامع الجزار في عكا إلى جامع السلطان محمد الفاتح(المسجد الأزرق) ومن ضفاف الطنطورة ، إلى ضفاف مرمرة والدردنيل،بة ومن بساتين مرج بن عامروتلاله وجبل إسكندر وطابور إلى جبل قمم جبال بورصة ومن بوابة باب العمود إلى بوابة مدينة إزمير وبورصة وأنطاليا ويلفا ومن سوق عكا إلى سوق الذهب في إسطنبول حيث لا يزال الحرفيون الأتراك يصنعون المجوهرات والصوائغ القديمة والخزف الأصيل وينقشون عليها "غزة والقدس في عيوننا"..

تركيا دفتر عشق قديم كنا نتمنى أن نفتحه ونسترجع ذكرياته الحلوة وقد كنا نخاف أن نفتحه..

هذه الأيام لا يحلو لنا بعد أن ترجل الفارس التركي عن حصانه الأصيل إلا أن نفتح نحن الأغراب على الأعتاب ذكرياتنا وصورنا التذكارية معها ونتذكر أمجادنا،ونتذكر كم كانت تركيا محبّة لفلسطين،ونتمنى أن تعود تركيا إلى فلسطين عاشقة.. لا غازية وليس ذلك بمستحيل..

فيا أيها الشعب التركي جاوبني.. فإني أتعذب

والحذر الحذر من أن تعاود امتنا الرقص على الجليد مرة أخرى ويراهنوا على موقف أمريكي أو أممي لان رياضة التزحلق والرقص على الجليد التي عادت أمريكا للترويج لها من اخطر انواع الرياضات،ومزاولتها من سكان المناطق من أحفاد صلاح الدين الأيوبي ونور الدين زنكي وقطز والظاهر بيبرس الذين أجادوا رياضة ركوب الخيل والسباحة وملاطمة المخارز والأمواج ليست مضمونة العواقب لان أي كسر جديد لها لا ينجبر بسهولة...

لقد جرب العرب حظهم مع الرباعية على سجادات حمراءفلا باس أن يجربوا حظهم على سجادة عثمانية متناغمين على ايقاع واحد وبقيادة اوركسترا واحدة...ولنحذر من نطات أمريكية المكوكية في هذا الظرف الحرج التي لن تفرز في هذا النهاية إلا مجموعة من القرارات السريالية الرمزية،والكلمات المتقاطعة في القاموس الدولي التي لاحل لها،إذ نفذ صبرنا كما نفذ الصبر التركي على تصرفات إسرائيل من تفسير الخطوط المسمارية، والهيروغليفية للقرارات الدولية المطلسمة ...

الشيء الأبرز الواقعي الحقيقي الذي يجب أن نكتبه-وإلا سنتوقف عن الكتابة –هو رفع الحصار عن غزة من كافة أبوابها برا وبحرا وجوا ،والاستعداد لرقصة السيف والترس إذا ظل القرصان مصرا على ارتكاب حماقاته،ولتستعد امم العالم المتنور لحماية أسطول العائدين إلى موطنهم.

=======================

رسالة إلى والي الزمان

مها الخطيب

Maha_alkateeb2005@yahoo.com

عذرا يا سيدي ان خاطبتك بدون تكلف أو بدون ألقاب... فسنين الغربة والترمل واليتم أذاقتني صنوف العذاب... وجعلتني اقوى لا اضعف لكي اكتب رسالة موجهة لك وحدك دون بقية أصحاب القرار.. انا أعيش في مدينة يا مولاي كل شيء بها تحول الى تراب ونسيج العنكبوت عشش فوق أطيارنا التي أبت ان تغرد الى بقرار من مجلس النواب... وتراثنا وأثارنا زهقت خنقا تحت حلم كل من مر بظله فوق حجارتها والإطلال ... لسنا بحاجة الى مياه جارية او كهرباء مستمرة او أنابيب مجاري لإمطار رفضت الهطول فوق بقايا نخيلنا والأعناب...لسنا بحاجة لتماثيل وصور تجسد حضرتكم وعفوا على التجاوز على المقامات... لسنا بحاجة لتشكيل مجالسكم ومليشياتكم وإحصاء عدد حمايتكم التي نافست عدد سكان العراق...لست بحاجة لأذكركم بماضي قريب رجمتموه ثم أعاد سيدي بعض رجالكم بناء أركانه كما كان مؤلم وظالم وجبان.

لن أقول شيء عن سجون سرية... وأقبية مجهولة النهايات حملت أرقام الله يعرف سرها هذا ثلاثمائة وألف ذاك مليون بعد كم رقم والى اين تمضي بنا يا سيدي الحاكم بأمر الله .. كم صريخ نادى يا علي او يا ابا بكر او يا عثمان ...من يسمعني من ينوح لتعذيبي الذي ضج منه سكان السماوات ...كم نحن بحاجة اليك يا أيها المغيب في سر الكون لتعود وتملئ بالعدل ما ملئت بإتباع أوصياء وأنبياء الله .

يا سيدي لن اتكلم عن فساد مزق أحشائنا وثقب جيوبنا وازكم أنوفنا وأطاح بكل شيء ذا معاني الجلالة والسمو...لن اتكلم عن ابن فلان او اتباع فلان او المناضل فلان الذي اسقط الظالم وابدله بفرعون مصر او سفاح البلاط...لن اتكلم عن من حررنا فانتم كثر وأخاف ان أنسى واحد لأتحول الى بعثية او يمينية او يسارية او من أي الجهات.

يا سيدي نفذ الخبز في افران حارتنا فمن يملئ سلة الفقير من بطاقته الخاوية الإثمان...يا سيدي لا تغضب على من كتبت هذه الكلمات فاليأس علمنا الصمت والصبر والصلاة... يا سيدي أناشدك بحق كل طفل نام جائع ورواتبكم جاوزت المليار دينار..يا سيدي لن اتكلم عن مفخخات هزت مدينتي الفيحاء لن اتكلم عن شهداء شارع المكتبات ومسجد ابن النما وشارع أربعين والعيادة الشعبية وعشرات الأمثال... يا سيدي عمرنا اقصر ما في الوجود فكيف سنعود كلنا الى الله... كيف نعود.انتهى

======================

تركيا إذ تنثر دروسها ل"المعتدلين" و"المقاومين"

عريب الرنتاوي

تنثر التجربة التركية في تعاملها مع العدوان الإسرائيلي على "أسطول الحرية"، دروسها ذات اليمين وذات الشمال، فيكتفي كل معسكر من معسكرات الانقسام الفلسطيني والعربي بأخذ وترويج ما يناسبه منها، متجاهلا ما لا يعجبه وما لا يرغب في تناوله، سيرا ًعلى قاعدة الاجتزاء في قراءة الآية "ولا تقربوا الصلاة..".

 

الجميع – بتفاوت - معجب بتركيا، والجميع – ظاهريا على الأقل - مرتاح لحضورها المتزايد، لكن خلف هذا الإعجاب وذاك الارتياح تكمن "الأسئلة الكبرى" التي يتفادى المعسكران الإجابة عليها أو حتى مجرد طرحها، وهي الأسئلة التي ما كان لتركيا أن تبلغ هذا القدر من الاحترام والتقدير من دون الإجابة عليها.

 

المعتدلون العرب، الذين "استدعوا" التدخل التركي ورحبوا به ابتداء، إنما فعلوا ذلك كرهاً بطهران لا حباً بأنقرة، ولم يكن يخطر ببالهم السحر سينقلب على الساحر، وأن تركيا ستفضح عجزهم في مواجهة إسرائيل بأكثر مما فعلت إيران وتفعل...لم يَدر في خلدهم أن يوماً سيأتي وتتحول الدولة الساعية في عضوية الاتحاد الأوروبي والعضو الفعّال في حلف الناتو، والملاذ الآمن لأكبر القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة، أول دولة مسلمة تعترف بأسرائيل وحليفتها الاستراتيجية لأزيد من نصف قرن، لم يدر في خلد هؤلاء أن دولة هذه محددات سياستها الخارجية، ستدخل متأخرة على خط الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وتأتي "بما لم تستطعه الأوائل" وفقاً للمتنبي.

 

الدرس التركي لأركان هذا المعسكر، يتخلص في "قوة النموذج"، نموذج "القوة الناعمة" الذي تقدمه أنقرة، فالاعتدال التركي يحتمل بخلاف الاعتدال العربي، قول "لا" وقول "نعم"، يحتمل التهديد بأستخدام أوراق القوة وأدواتها، سياسية كانت أو أخلاقية ودبلوماسية، يحتمل تجييش الرأي العام وإشعال الشوارع بالمظاهرات والمتظاهرين، يحتمل تفجير طاقات المجتمع المدني وعدم الخوف من قوة الرأي العام واستقلاليته ومبادراته، يحتمل القيام بواجبات الدولة ومسؤولياتها في الدفاع عن حقوق وكرامات مواطنيها، يحتمل تحويل الاعتدال إلى فعل مقاوم وحالة اشتباك مع الخصم، وبأدوات لا ترقى إلى مستوى الحرب، ولا تخضع للسؤال السخيف الذي يَجبَهُك به كثير من المعتدلين العرب: "يا أخي بدك نعلن حرب على إسرائيل ؟".

 

تركيا برهنت أنه بين السكون القدري والتسليم بالمشيئة الأمريكية والإسرائيلية من جهة وشن الحروب الشاملة والمجازفات غير المحسوبة، ثمة مروحة واسعة من الخيارات والبدائل، الفاعلة والمؤثرة، سياسيا واقتصاديا ودبلوماسيا وأخلاقيا وحقوقيا، لم يعمد المعتدولون العرب إلى التفكير – مجرد التفكير - باللجوء إليها حتى الآن،

 

في المقابل، فإن النموذج التركي القائم على "القوة الناعمة" وبخلاف النموذج الإيراني، يحظى بصدقية واحترام دوليين، وسؤال التمييز بين النموذجيين لا يقلق كثيراً أركان معسكر الممانعة والمقاومة الفلسطيني والعربي، مع أنه سؤال جوهري ويمس برامج هؤلاء وسياساتهم وأدوات كفاحهم: تخيّلوا للحظة واحدة لو أن أسطول الحرية انطلق من ميناء "بندر عباس" ورفع رايات إيران وتعرض لما تعرض إليه في عرض البحر الأحمر من قبل البحرية الإسرائيلية، كيف كانت ردة فعل العالم لتكون، ومَنْ مِنَ دوله كانت لتقف الوقفة ذاتها بعد الجريمة الإسرائيلية في "شرق المتوسط"؟

 

تركيا الديمقراطية والعدالة والتنمية، تركيا "تصفير الخلافات مع الجوار"، تركيا المتصالحة بكرامة ومن دون تبعية مع المجتمع الدولي، تركيا التي أخذت الأخلاق والقيم تحتل مكانة متزايدة في قاموسها السياسي، تركيا عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تركيا الداعمة للمقاومة بكل أشكالها وأدواتها الرشيدة، تركيا التي تجيد الحديث بكل لغات العالم وتحفظ عن ظهر قلب مصالحه وحساسياته، تركيا هذه كانت قادرة على تحريك غضب العالم واستثماره وتوظيفه، وهو أمر ما كان بمقدور أي دولة لا تمتلك قوة النموذج وعناصر القوة الذكية والناعمة، أن تفعله بذات القدر والكفاءة.

 

نحن الذي نهتف ليل نهار بحياة تركيا يجب أن نتعلم من "العدالة والتنمية" و"الأردوغانية" قليلا من دروسها، وأن نستلهم بعضا من دروس "الإسلام المدني الديمقراطي" الذي تجسده، يجب أن نضخ نفحة "عقلانية وبراغماتية وحداثة" تركية إلى خطابنا المقاوم فلا يبقى خطابا مختصما مع العالم والعصر، مثلما يتعين علينا أن نضخ "جرعة حليب سباع" تركية أيضا إلى خطابنا المعتدل، فلا يبقى خطاباً واهياً، واهناً ومتوسلاً، تركيا تنثر الدروس هنا وهناك، فهذه لحظة تركية خاصة ومكثفة في الشرق الأوسط، ومن المؤسف أن تمر من دون أن تتخطى استفادتنا منها الشعارات والمظاهرات والهتافات، دروس تركيا أعمق من ذلك بكثير، ودروس حركة التضامن الدولية والحاجة لإدامتها وتطويرها وتفعليها، تحتاج رؤوساً باردة وجلسات عصف ذهني يتخاطب فيها القوم بالعقل واللسان لا بالقبضات والسُبابات، فهل ننكب على دراسة "التجرية التركية" قبل أن تأخذنا الأحداث والتطورات، وإلى متى سنظل نُجرب المجرب ونأمل في الحصول على نتائج مغايرة ؟.

=======================

نكسة علاقات إسرائيل الدولية

د. مصطفى يوسف اللداوي

كاتبٌ وباحث فلسطيني - دمشق

في ظلال الذكرى الثالثة والأربعين لهزيمة يونيو / حزيران عام 1967، التي خسر فيها العرب مساحاتٍ كبيرة من أرضهم العربية، بعد أن منيت جيوشهم بهزيمةٍ نكراء أمام الجيش الإسرائيلي خلال ستة أيامٍ من المعارك، مما جعل بعض العواصم العربية مكشوفة أمام الجيش الإسرائيلي، بعد أن نجحت في تدمير القدرات العسكرية خاصةً الجوية للدول العربية، إلا أن إسرائيل رغم انتصارها قد خسرت حينها جزءاً كبيراً من علاقاتها الدولية، بسبب اعتداءها المفاجئ على الدول العربية، واحتلالها لأراضٍ عربية جديدة، ورفضها الانسحاب منها، والعودة إلى خطوط الهدنة لعام 1949، الأمر الذي دفع بالكثير من الدول، وخاصةً الأفريقية منها، ودول أوروبا الشرقية إلى قطع علاقاتها بإسرائيل، وهي التي بادرت إلى الاعتراف بالدولة العبرية بعد تأسيسها عام 1948، مما تسبب في تدهورٍ كبير وتراجعٍ حاد في علاقات إسرائيل الدولية، ولم تتمكن إسرائيل من الخروج من عزلتها الدولية إلا بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام بينها وبين مصر، حيث بدأت إسرائيل في استعادة علاقاتها الدولية، إذ فقدت العديد من الدول التي بادرت إلى قطع علاقاتها بإسرائيل مبررات القطيعة، بعد قيام مصر بالاعتراف بدولة إسرائيل، وإنشاء علاقات دبلوماسية وتجارية معها، مما ساعد الدبلوماسية الإسرائيلية على توسيع دائرة علاقاتها الدولية، وتحسين صورتها لدى المجتمع الدولي، بعد أن تضررت كثيراً بسبب اعتداءاتها على الدول العربية.

ولعل الذكرى الثالثة والأربعين للنكسة تحمل معها مجدداً أكبر نكسة في علاقات إسرائيل الدولية، إذ بدأت تخسر تحالفاتها الدولية، وتراجعت علاقاتها كثيراً مع حلفاءها الغربيين، وأخذت صورتها التي دأبت على وصفها دوماً بأنها واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط تتشوه وتظهر على حقيقتها الدموية البشعة، وأصبح العالم يدرك أن إسرائيل دولة معتدية، وأنها تمارس البطش والظلم والقتل المتعمد ضد المدنيين العزل، وبدأت تظهر أصواتٌ في الولايات المتحدة الأمريكية تقول بأن إسرائيل قد أصبحت عبئاً على الولايات المتحدة، وأنها تتسبب في حرجٍ كبير للإدارة الأمريكية، وتعرض مصالحها مع الدول العربية والإسلامية للخطر، وبدأت المؤسسات الحقوقية الدولية في ملاحقة قادة إسرائيل، والمطالبة بمحاكمتهم، وأخذت وسائل الإعلام، والمحطات الفضائية التي لا تعرف الحدود في كشف الصورة الحقيقية للدولة العبرية، وفي فضح ممارساتها العنصرية، وتماديها في اختراق القانون الدولي، ومخالفتها للأعراف والمواثيق الدولية.

فقد شهد مطلع العام 2010 تدهوراً كبيراً في علاقات إسرائيل الدولية، إثر قيام جهاز مخابراتها الخارجي "الموساد"، بتنفيذ عملية اغتيال الفلسطيني محمود المبحوح في دبي، مستخدماً جوازات سفرٍ مزورة وحقيقية لعديدٍ من الدول الأوروبية وأستراليا، فأدخل الحكومة الإسرائيلية في أزمةٍ دبلوماسية مع العديد من الحكومات الأوروبية، التي أدانت استخدام إسرائيل لجوازات سفرها في جريمة الاغتيال، واستدعت العديد من الحكومات الأوروبية وأستراليا السفراء الإسرائيليين المعتمدين في عواصمها، وأبلغتهم استنكارها وإدانتها للجريمة، ودانت استخدامها لجوازات سفرها، وقامت بإجراء سلسلة من التحقيقات الداخلية، في حين قامت بريطانيا وأستراليا بطرد بعض الدبلوماسيين العاملين في السفارات الإسرائيلية، وكادت هذه الأزمة أن تعصف بعلاقات إسرائيل الدولية، بعد أن نجحت شرطة دبي في متابعة كشف المتورطين الإسرائيليين في جريمة الاغتيال بالصوت والصورة الدامغة.

ومن قبل جريمة الاغتيال ومن بعدها، أمعنت الحكومة الإسرائيلية في الاعتداء على حياة المواطنين المقدسيين وعلى ممتلكاتهم، وأقدمت على الاعتداء على حرمة المسجد الأقصى المبارك، وبالغت في عمليات المصادرة والهدم، وبناء المزيد من المستوطنات على الأراضي العربية الفلسطينية في الشطر الشرقي من مدينة القدس المحتلة، وتسببت سياساتها الاستيطانية في تدهور علاقاتها مع الإدارة الأمريكية، ومع الرئيس الأمريكي باراك أوباما، بعد الحرج الذي تعرضت له إدارته إثر إعلان الحكومة الإسرائيلية عن نيتها بناء أكثر من مائتي وحدة استيطانية جديدة، وذلك خلال زيارة نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى تل أبيب، الأمر الذي عدته الإدارة الأمريكية إساءة مباشرة لها ولجهودها الدولية المتعلقة بعملية السلام في الشرق الأوسط، مما دفع الإدارة الأمريكية إلى مخاطبة الحكومة الإسرائيلية بلغةٍ خشنة، معتمدةً الرسائل والخطاب الإعلامي المباشر في توجيه اللوم والإدانة إلى الحكومة الإسرائيلية.

وشكلت الطريقة التي تعاملت بها الحكومة الإسرائيلية مع سفن قافلة الحرية المتوجهة إلى غزة الأزمة الأكبر في علاقات إسرائيل الخارجية، إذ أفقدتها سياستها الدموية التي تسببت في مقتل تسعة متضامنين أتراك، وإصابة أكثر من ثلاثين آخرين، علاقتها بتركيا، وهي الدولة الصديقة الوحيدة لإسرائيل في المنطقة، بعد أن خسرت علاقاتها مع إيران إثر الثورة الإسلامية الإيرانية، مما عرض مصالحها الإستراتيجية مع تركيا إلى الخطر، بعد أن قامت الحكومة التركية بالإعلان عن تخفيض مستوى علاقاتها مع إسرائيل، وعزمها على إجراء تحقيق دولي في الجريمة الإسرائيلية، ومحاكمة المسؤولين الإسرائيليين، وعزمها وقف كل المناورات العسكرية التي كانت منظمة مع الجانب الإسرائيلي، ووقف كل أشكال التعاون العسكري والأمني بين البلدين.

ولم تساهم الطريقة التي اعتمدتها الحكومة الإسرائيلية في مواجهة المتضامنين الدوليين، في تدهور علاقاتها مع تركيا فحسب، بل أدت إلى تدهور علاقاتها مع العديد من الدول الغربية، التي شارك مواطنون منها في قافلة الحرية، وتعرضوا للضرب والإهانة والاعتقال والترحيل على أيدي جنود البحرية الإسرائيليين، فقد تشوهت كثيراً صورة إسرائيل أمام الرأي العام الدولي، وأساءت كثيراً إلى نفسها عندما تعاملت بوحشية ودموية مع المتضامنين الدوليين العزل، الذين كانوا يقومون بمهمةٍ إنسانية تنظمها اتفاقيات جنيف الدولية، وكانوا يحملون إعانات طبية وغذائية وأخرى متعلقة بمواد البناء لمساعدة أهل غزة المحاصرين، في محاولةٍِ لرفع الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ أكثر من أربعة سنوات، فكان أن تحركت العواصم الغربية والدولية، في مظاهراتٍ صاخبة، واعتصاماتٍ حاشدة أمام السفارات الإسرائيلية في مختلف دول العالم، مستنكرين ما قامت به الحكومة الإسرائيلية، وداعين المجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط على الحكومة الإسرائيلية لدفعها لرفع حصارها عن قطاع غزة، وكانت حكوماتٌ غربية ودولية قد استدعت سفراء إسرائيل، ووجهت إليهم استنكارها الشديد لما قامت به حكومتهم من اعتداء على المتضامنين الدوليين، ودعت الحكومة الإسرائيلية إلى رفع حصارها على قطاع غزة، معتبرةً الحصار أنه غير قانوني.

وزاد في أزمة علاقات إسرائيل الدولية، تولي أفيغودور ليبرمان زعيم حزب إسرائيل بيتنا اليميني المتطرف وزارة الخارجية الإسرائيلية، ضمن حكومة بنيامين نتنياهو الأشد تطرفاً، وهو الغر في السياسية، الفج في المعاملة، الخشن في المخاطبة، الجاهل في الأصول الدبلوماسية، الفاقد للأهلية والكفاءة، الخبير في استفزاز الحكومات، وتوريط بلاده في الأزمات الداخلية للدول، فنجح في تأزيم علاقة بلاده مع حكومة موطنه الأصلي روسيا، واستفز الحكومات الغربية كلها، وعاملها بفوقيةٍ تتناسب مع ساميته المدعاة، وخاطبها بعباراتٍ تفتقر إلى أبسط مبادئ الدبلوماسية اللبقة، واستنفر حكومة كوريا الشمالية، ووجه لها اتهاماتٍ كثيرة، ووصفها بالخروج على القانون الدولي، وأنها دولة مارقة تدعم الإرهاب، وكان قد وجه انتقاداتٍ شديدة إلى الإدارة الأمريكية، وحذرها من مغبة تدخلها في شؤون إسرائيل الداخلية الاستيطانية وتلك المتعلقة بوحدة مدينة القدس، وهجومه المتكرر على مصر، وتهديده لها، وهي الدولة التي تربطها مع بلاده اتفاقية كامب ديفيد للسلام، مما منع الحكومة المصرية من استقباله أو توجيه دعوةٍ له لزيارة مصر.

في ظل الأزمة الدبلوماسية التي تتخبط بها الحكومة الإسرائيلية، وفي ظل أجواء القطيعة التي تتعرض لها نتيجةً لممارساتها القمعية والوحشية، والعزلة التي تسببت بها سياستها الرعناء، وفي ظل التضامن الدولي الكبير مع القضية الفلسطينية، الذي فضح حقيقة الدولة العبرية، فإنه يصعب علينا تصور قيام بعض الحكومات العربية بالعمل على إخراج إسرائيل من أزمتها، وتفريج كربتها، ومساعدتها في تجاوز المحنة التي تعيشها، كأن تدعو للمباشرة في مفاوضاتٍ مباشرة أو غير مباشرة مع الحكومة الإسرائيلية، أو أن تحمل أطرافاً فلسطينية مسؤولية الحصار المفروض على قطاع غزة، والمسؤولية عن النتائج التي ترتبت عليه، لتخلص إسرائيل من المأزق الذي تعاني منه، ولتبرئه من المسؤولية الكاملة عن جريمة حصار قطاع غزة، ولتعيد الدفء إلى علاقات إسرائيل الدولية، بعد البرود والجمود الذي أصابها، بل المطلوب من الدول العربية أن تعمق من الأزمة الإسرائيلية، وأن تزيد في حجم الشرخ في علاقاتها الدولية، وأن تقوم مؤسساتها الدبلوماسية في فضح الجرائم الإسرائيلية، وبيان حجم اعتداءاتها على الحقوق العربية والفلسطينية، فلا نكون نحن من يمد لها يد المساعدة، أو يلقي لها طود النجاة.

========================

من تقرير كولد ستون إلى التحقيق في جريمة أسطول الحرية

هل هي بداية نهاية أسطورة الاستثناء الإسرائيلي ؟

بقلم: د. إدريس جندا ري

كاتب و باحث أكاديمي مغربي

يعيش الكيان الصهيوني؛ خلال هذه المرحلة الحرجة من مسيرته الاستعمارية؛ يعيش على وقع صدمات متوالية؛ و هذه المرة من العيار الثقيل. فقد صدر تقرير كولد ستون بداية؛ يحمل إدانة واضحة للكيان الصهيوني؛ و يحمله مسؤولية الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ التي مارسها على المدنيين العزل في قطاع غزة .

و رغم أن هذا التقرير اصطدم - كما هي العادة دائما – بالحصار الأمريكي-الأوربي المفروض على كل التقارير الدولية؛ التي تندد بالجرائم الصهيونية؛ فإنه أدى وظيفته و بنسبة أكبر من المتوقع؛ حيث تم فضح وجه إسرائيل الإرهابي القبيح أمام الرأي العالم الدولي . و تم تحطيم أسطورة الدولة الديمقراطية الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط . لقد أكد التقرير بالملموس؛ المسؤولية القانونية و الأخلاقية التي يتحملها الكيان الصهيوني؛ في حربه ضد المدنيين العزل .

و نحن حينما نؤكد أن التقرير أدى وظيفته؛ رغم فشل المنتظم الدولي في قيادة مجرمي الحرب الصهاينة إلى المحاكم الدولية – و هذه مسؤولية تاريخية تفقد القانون الدولي مشروعيته- نحن حينما نؤكد هذا النجاح؛ فإننا نركز على الأثر الفعال الذي خلفه هذا التقرير على الرأي العام الدولي؛ لأن الصراع مع إسرائيل خلال هذه المرحلة؛ يجب أن  ينصب بالدرجة الأولى؛ على كسب أكبر نسبة من هذا الرأي العام عبر العالم.

و ذلك لأن إسرائيل نفسها أسست لمشروعيتها السياسية المزورة؛ من خلال كسب الرأي العام الدولي؛ عبر لوبياتها الإعلامية؛ التي سوقت طوال مراحل الصراع لرسائل إعلامية مزورة. و يكمن نجاح تقرير كولد ستون؛ في كشف التزوير السياسي و الإعلامي؛ الذي مارسنه إسرائيل على الرأي العام الدولي؛ حينما سوقت للأكاذيب و المغالطات.

كما يكمن نجاح تقرير كولد ستون في قلب الصورة السائدة لدى الرأي العام الدولي عن إسرائيل؛ باعتبارها امتدادا للمحور الأمريكي-الأوربي؛ و باعتبارها نموذجا للديمقراطية الغربية في الشرق الأوسط.

لقد بين التقرير أن إسرائيل مارست حربيا بشعة و غير متوازنة على مدنيين عزل؛ و قتلت الأطفال و الشيوخ و النساء؛ و خربت الخدمات العمومية؛ و فرضت بعد هذا كله حصارا شاملا؛ على أكثر من مليون و نصف إنسان؛ حرمتهم من الغذاء و الماء و الكهرباء و الاستشفاء. و هذه أسوا صورة يرسمها تقرير دولي لإسرائيل؛ بحيث يمكن اعتبار هذا التقرير؛ البداية الحقيقية لأزمة الأسس؛ التي ستدخل فيها إسرائيل؛ و التي تهدد مشروعها الاستعماري في العمق.

لقد صدر تقرير كولد ستون –إذن- و كشف المستور عن الإرهاب الصهيوني؛ لكن قادة الإجرام الصهاينة؛ لم يأخذوا  نتائج هذا التقرير بعين الاعتبار؛ و ذلك من منظور عسكري ضيق؛ يؤمن بشكل دوغمائي أن القوة العسكرية؛ يمكنها أن تحسم كل شيء في أقل وقت و بأقل مجهود . و من هذا المنظور كرر الصهاينة نفس جرائمهم السابقة و بشكل أكثر بشاعة.

و إذا كانت الجرائم الصهيونية في غزة قد استهدفت الفلسطينيين في الداخل؛ تحت ذريعة محاربة الإرهاب؛ فإن نفس هذه الجرائم في طبعتها الثانية؛ استهدفت القيم الإنسانية التي يدافع عنها القانون الدولي و يحميها, لقد تم اقتراف جرائم نكراء في حق مدنيين عزل من هيئات الإغاثة الدولية و في المياه الدولية؛ في خرق سافر للقانون الدولي. و هذا ما يجعل المسؤولية الجنائية واضحة ؛ إنها قرصنة بحرية في واضحة النهار؛ و في تحد سافر لكل القوانين و الشرائع .

و إذا كان القاضي كولد ستون قد ركز على طرفي النزاع؛ في تقريره حول الجرائم الإسرائيلية؛ إرضاء لحماة الطفل الأمريكي-الأوربي المدلل –رغم انعدام التكافؤ- فأي طرف آخر يمكن أن يضاف الآن ؟

هل يمكن مثلا أن نعتبر هؤلاء المدنيين العزل طرفا أساسيا في هذا الهجوم؛ و بالتالي ننتظر تقريرا جديدا يحمل المسؤولية للطرفين معا؛ و يدعو لإجراء تحقيق في الهجوم؛ الذي شنه أفراد هيئات الإغاثة بالأسلحة البيضاء على الطائرات و الزوارق الإسرائيلية ؟ !

إن ذريعة الدفاع عن النفس و محاربة الإرهاب؛ التي يتخذها الكيان الصهيوني لقتل و تشريد المدنيين العزل؛ هي الآن غير مستساغة؛ حتى من المنظور الصهيوني نفسه؛ لأن إسرائيليي الداخل أنفسهم أصبحوا يشككون في هذه الرواية الكاذبة؛ فما بالك بالرأي العام الدولي؛ الذي يتابع على الشاشات بالمباشر؛ الإجرام الذي ارتكبه جيش الاحتلال !! فكيف يستقيم منطقيا اتهام مواطني 42 دولة؛ من جميع قارات العالم بالإرهاب؟!  إذن العالم كله يمارس الإرهاب على إسرائيل ! و من المنظور البوشي؛ فإن من ليس مع إسرائيل فهو ضدها ! و هكذا يصبح كولد ستون اليهودي نفسه إرهابيا من منظور القاموس السياسي الإسرائيلي؛ و حتى مجلس الأمن و مجلس حقوق الإنسان؛ بقرارهما الأخير يعلنان هجوما إرهابيا على إسرائيل ؟!!!

إن ما تمارسه إسرائيل في الحقيقة هو الإرهاب بجميع مظاهره؛ فقادة الكيان الصهيوني يسعون إلى اختطاف كل العالم رهينة لديهم؛ لتحقيق مصالحهم بجميع الوسائل اللامشروعة؛ سواء من المنظور القانوني أو الدبلوماسي حتى .

لكن إسرائيل بسياستها النتنة هذه تحقق نتائج عكسية في الحقيقة؛ فقد أصبح واضحا الآن لدى المنتظم الدولي؛ و أكثر من أي وقت مضى؛ أن إسرائيل تشكل خطرا على السلم الدولي؛ لأن عقيدتها العسكرية لا تختلف في شيء؛ عن العقائد العسكرية الاستعمارية من النابليونية؛ إلى الهتلرية و الفاشية ... و الآن الصهيونية . و هي عقائد عسكرية خطيرة؛ هددت العالم طوال قرنين من الزمن؛ و ساهمت في اندلاع حربين عالميتين مدمرتين؛ كما ساهمت في اندلاع صراع قطبي خطير؛ أدت ضريبته غاليا جميع شعوب العالم .

و هذا الخطر الداهم الذي ظن العالم أنه انتهى مع نهاية الحرب الباردة؛ يعود ليطل برأسه من جديد؛  مهددا بتفجير حروب و أزمات دولية لا متناهية . فإسرائيل بترسانتها النووية الغير خاضعة للمراقبة الدولية تهدد منطقة الشرق الأوسط بأكملها بالتفجير في أية لحظة؛ مثلما كان يهدد هتلر بتفجير أوربا ,

إن إسرائيل مستعدة لإعلان حرب نووية على إيران –بضوء أخضر أمريكي طبعا – و هي تهاجم سفينة يرفرف فوقها العلم الترك؛ و في المياه الدولية؛ و هي مستعدة في أية لحظة لاختراق الحدود اللبنانية – السورية .

إن إسرائيل بعقيدتها  العسكرية هذه تقود حربا عالمية من نوع جديد؛ ز هذه المرة بالوكالة عن القوى الاستعمارية الداعمة لها؛ و خصوصا الولايات المتحدة؛ التي تعتبر إسرائيل الساحة الخلفية لقيادة حرب بالوكالة؛ على القوى التي تعتبرها مهددة للمصالح الأمريكية عبر العالم .

إن هذه الحقائق الواضحة؛ هي التي مارس عليها حلفاء الكيان الصهيوني تعتيما؛ سياسيا و إعلاميا خطيرا طوال مراحل الصراع؛ لكنها الآن أصبحت تفرض نفسها بقوة؛ ووصل الصدى إلى كل أحرار العالم؛ الذين توحدوا و أدانوا بصوت واحد كل ما يقترفه الكيان الصهيوني؛ من جرائم في حق المدنيين العزل؛ في انتهاك غير مسبوق لأبسط بنود القانون المنظم للعلاقات بين الدول.

و لعل هذا الوعي الذي جاء متأخرا -طبعا- هو الذي تحكم في إصدار وثيقتين؛ هما في غاية الأهمية؛ من مؤسستين دوليتين؛ و في ظرف يومين فقط. فقد صدرت الوثيقة الأولى عن رئاسة مجلس الأمن؛ و في اليوم التالي مباشرة؛ صدر قرار مجلس حقوق الإنسان.

و لعل المتتبع للأحداث الجارية؛ ليعرف جيدا قيمة الوثيقتين؛ فقد كسرتا الهيمنة الأمريكية-الأوربية؛ لأول مرة في تاريخ الاحتلال الصهيوني؛ حيث كان الفيتو الأمريكي بالمرصاد لجميع القرارات الصادرة عن الهيئات الدولية.

و لعل نظرة خاطفة للوحة التصويت في مجلس حقوق الإنسان؛ لتبين بالملموس أهمية هذا القرار الصادر؛ فقد انهمر سيل جارف من جميع القوى الدولية الحرة؛  منددا بالجرائم الصهيونية؛ و داعما للقرار الأممي لفتح تحقيق مستقل .

و هذا مؤشر واضح على المسار الجديد؛ الذي سيتخذه التحقيق في الجرائم الصهيونية؛ إنه بالتأكيد لن يكون مثل التقرير السابق –رغم قيمته الكبيرة- إنه سيبني على هذا التقرير؛ لأن الفعل الإجرامي كبير الخطورة هذه المرة؛ لأن إسرائيل أعلنت حربا إرهابية على العالم؛ و ليس على الفلسطينيين فقط .

و لعل هذا هو ما وعته القوى الداعمة للكيان الصهيوني؛ و خصوصا الولايات المتحدة؛ التي سارعت إلى تحوير مسار التحقيق؛ عبر التركيز على تحقيق داخلي تقوم به إسرائيل  (المجرم يجري تحقيقا في جرائمه !!) لكن و بما أن هذا التوجه لا يستجيب لأبسط مقومات المنطق السليم؛ فإن التركيز انتقل لإشراك محققين إسرائيليين في لجنة التحقيق؛ لكن التوجه المنطقي؛ التي تدعمه الدول الحرة هو تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة؛ و ليست لها أية ارتباطات بإسرائيل .

و ما دام الفعل الجنائي ثابتا في حق قادة الإجرام الصهيوني؛ و من منظور قانوني صرف؛ فإن المعركة ستكون طاحنة؛ لأن إسرائيل هذه المرة لن تواجه الفلسطيين و العرب وحدهم؛ و لكنها ستواجه جميع الدول التي شارك مواطنوها في قافلة الحرية؛  و التي تصل إلى  أكثر من أربعين دولة؛ تقودها تركيا التي استهدفت بشكل رئيسي .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ