-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 27/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


لماذا لا نلجأ إلى نشْر الغسيل "النظيف" ؟!

الدكتور عبد القادرحسين ياسين*

لعل أخطر اتهام يواجه الكاتب العربي الآن هو كونه كاتبا بوجه واحد، هو عادة وجهه المكتوب الذي تحوَّل بمرور الزمن إلى مادة للقراءة يقتات عليها قارئ من مستوى معين ، ويتقيأها قارئ من مستوى آخر حال قراءتها، ويرفضها قارئ من أقصى المستويات ولا يلتفت إليها، بل ينصرف ذهنه عادة إلى "بضاعة" أخرى يستفيد منها إلى حين.

والوجه المكتوب للأديب العربي عموما هو وجه مهذب، شديد التهذيب أحيانا، جرى تشذيبه بعدة دوافع داخلية وراءها عدة "كوابح" ، بحيث لا يكون أمام هذا الأديب سوى أن يتحول إلى "نمط" Stereotype خجول ينحت أبطاله من صخر آخر غير صخر واقعه الاجتماعي والطبقي، في حين أن بمقدوره أن يغرف من بحر هو عادة بحر مشاكله الحقيقية، وإحباطاته الحقيقية، واهتماماته الحقيقية، وآماله الحقيقية ، إلا أن الكاتب العربي، في ضوء قوانين الاستهلاك وإعادة التصنيع السائدة في المجتمع العربي، يجد نفسه في حالة سباق مع الزمن (زمنه الخاص) لاستيراد المزيد من الأفكار من الخارج " أو من سواه ليغلف بها وجهه الذي يصدّره إلى القارئ.

واستدرك فأقول أن الكاتب العربي، شأنه في ذلك شأن معظم الكتاب في العالم الثالث، لا يحظى، عادة ، باهتمام أجهزة الإعلام والدعاية التي تصنع" نجوم الأدب" كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية... أما القلة النادرة من الكتاب العرب الذين حظوا بمستوى جيد من الشهرة والذيوع مقارنة بزملاء لهم من نفس الجيل والإمكانيات ( إن لم يزيدوا عليهم، أحيانا) فقد استطاعوا أن يحطموا بقدراتهم الذاتية عنق الزجاجة قبل أن يبلغوه... لذلك فقد وجدوا أنفسهم يتنفسون هواء طليقا خارج الزجاجة وإشتراطاتها.

 

إننا ، بصراحة، نمجد الصامتين عادة الذين يحيطون أنفسهم بشيء من السرية والكتمان ؛ ولأننا لا نعرفهم عن كثب ، والكثيرون منا لم يقرأوا لهم حرفا واحدا ، فإننا نضعهم في المقدمة . أما أولئك الذين يمارسون الكتابة ، وتكتب عنهم المقالات ، وتجرى معهم المقابلات الصحفية والأحاديث التلفزيونية ، فلا أريد أن أتحدث عنهم في هذه العجالة .

 

وأيا كانت أسباب ذلك ودوافعه فإن الذي أريد أن أخلص إليه أن الكاتب العربي يظهر بصعوبة... ففي الوقت الذي يجد فيه الكاتب الأمريكي أو الأوروبي اهتماما إستثنائيا للأخذ بيده ، فإن الكاتب العربي يواجه مشاكل كثيرة ... ومع ذلك فإن البعض يبلغ منزلة رفيعة رغم ما يبدو عليه من آثار الرحلة المتعبة .

ولكن ثمة مسألة في غاية الأهمية ألا وهي مسألة الوجه الآخر للكاتب العربي ...

لماذا يخشى بعضنا الصراحة ؟

لماذا لا نلجأ إلى نشر الغسيل النظيف ؟!

كانت والدتي ، رحمها الله ، نموذجا للفلاحة الفلسطينية البسيطة ، ولم تكن تعرف في أيّ صفّ أنا ... ولا تجد فائدة تذكر من هذه " المسخرة " التي يسمونها مدرسة ... فالولد - كما كانت ترى - " يشتدّ عوده ويصلب بالعمل المبكر ... وليس بخرافة التعليم " . ومع ذلك قبلت تعلمي على مضض ، مع أن التعليم في مدرسة الوكالة لم يكن يكلفها شيئا.

كنت أذهب إلى المدرسة بأ سمال بالية لأنني لا أملك غيرها . وكنا نقرأ على فوانيس الكاز ؛ إذ لم تكن الكهرباء قد دخلت المخيمات الفلسطينية في بداية الستينات . فلا مصابيح ، ولا مروحة تحرك هواء الصيف اللاهب في أريحا ، ولا ثمرة فاكهة تحرك الدم في الوجوه .

قدح الشاي وكسرة من خبز الطابون (" الفرن الذري " الفلسطيني على حد تعبير علي الخليلي ) كانت كافية لجعل الحياة تستمر .

إن شظف العيش لم يفلت منه كثير من الكتاب والصحفيين والشعراء العرب... فلا أحد منا - في حدود ما أعلم - وُلدَ وفي فمه ملعقة من ذهب ، ولا حتى من نحاس ، وربما لا ملعقة إطلاقا ... ولا يوجد بيننا من كان أبواه من حملة الدكتوراة أو البكالوريوس أو حتى الابتدائية . المحظوظ من الآباء كان قد " ختم القرآن " بعد أن يكون قد دفع ثمن هذا التعليم عددا من " الفلقات " ... أما أمهاتنا فهن من ذلك النوع الذي إذا خرج من عتبة بيته يتيه وكأنها في شارع أكسفورد في لندن أو الشارع الخامس في نيويورك .

معظمنا جاء "غازيا " إلى المدينة من " زواريب " المخيم ، أو أزقة القرية البعيدة... فالفلاح أو البدوي الذي يحمل " الشبرية " في ليل الريف الطويل يتعثر في مشيته في شارع الحمراء في بيروت أو في ميدان التحرير في القاهرة أو ساحة المرجة في دمشق .... وهو الذي تهرب من نظراته صبايا القرية أو المخيم لا يستطيع وهو يواجه " بنت المدينة " سوى إدامة النظر في حذائه " المرقوع " أو غير المصبوغ في أفضل الأحوال .

هذه " الأسرار الصغيرة " وغيرها الكثير لم يتحدث عنها الكتاب العرب الذين صار لهم رصيدهم من التجربة ومن القراء معا .

إنها مسؤولية الكثير ممن أمطروا السوق الثقافية بالعديد من الروايات والقصص والقصائد والكتابات . أما ما كتب حتى الآن من هذا القبيل ففيه الكثير من الادعاء والبعد عن الوضوح .

إن الكتاب العرب المرموقين مطالبون بالكشف عن ماضيهم لأنه جزء أساسي من تكوينهم الثقافي...

أما آن الأوان لنشر الغسيل " النظيف " ؟

ـــــــ

*كاتب وأكاديمي فلسطيني مقيم في السويد.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ