-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 20/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


"الواقعية الجديدة".. الأرض مقابل المقاومة

صبحي غندور*

"الأرض.. مقابل المقاومة" ليس مجرّد شعار للاستهلاك العاطفي. هو واقع حال الصراع العربي/الإسرائيلي منذ قيام الكيان الصهيوني الإسرائيلي قبل 62 عاماً. لكن هذه النتيجة العملية لكيفيّة استرجاع الأراضي المحتلة برزت ساطعةً دون أيّ تشويه من خلال تجربة المقاومة اللبنانية، التي أجبرت إسرائيل قبل عشر سنوات تحديداً (أيّار/مايو 2000) على الانسحاب من الأراضي اللبنانية ودون أيَّة شروط أو معاهدات أو تنازلات.

وهاهي إسرائيل مرّةً جديدة تكرّر خطأها التاريخي في محاولة تصفية ظاهرة المقاومة الفلسطينية ضدّ احتلالها الغاشم عوضاً عن إنهاء الاحتلال نفسه .. ومرّةً جديدةً أيضاً وقفت بعض الحكومات الغربية مع إسرائيل وخلفها في هذه السياسة المخالفة لكلّ الشرائع والقوانين الدولية التي تُقرّ حقّ الشعوب بمقاومة المحتلّ لها.

لكن هذه السياسة الإسرائيلية ليست جهلاً بدروس التاريخ وحقائق الشرائع الدولية، بل هي استمرار في المراهنة على القائم عربياً وفلسطينياً من صراعات وانقسامات. إذ هل كان ممكناً أن تقوم إسرائيل بهذا الحجم الكبير من القتل والتدمير في قطاع غزّة (كما فعلت سابقاً عام 2006 في لبنان) لو لم تكن هناك موافقات ضمنية من بعض أطراف المنطقة على إنهاء ظاهرة المقاومة الفلسطينية المسلّحة ضدّ إسرائيل؟

فلو كان بحسبان إسرائيل أن يؤدّي عدوانها على قطاع غزّة إلى تعديلٍ مثلاً في موقف قيادة السلطة الفلسطينية وإلى إعلان هذه السلطة عودتها إلى نهج المقاومة ضدّ الاحتلال، هل كان لإسرائيل أن تقوم بمغامرتها العسكرية هذه؟!

لو كانت إسرائيل تحسب أيضاً أنّ عدوانها في العام 2006 على لبنان ثمّ في نهاية العام 2008 على قطاع غزّة، سيدفع بمصر والأردن والدول العربية والإسلامية الأخرى التي تقيم علاقات مع إسرائيل إلى قطع هذه العلاقات وإلى وقف كلّ أشكال التطبيع معها، هل كانت (إسرائيل) لتتحمّل هذه الخسارة السياسية والاقتصادية الكبرى مقابل عدوانها؟!

فالمشكلة الأساس كانت وستبقى بما هو حاصلٌ فلسطينياً وعربياً من مواقف وانقسامات وصراعات يبني عليها العدوان الإسرائيلي. المشكلة هي في تنازلات عربية وفلسطينية جرت وتجري في المحافل الدولية وفي المفاوضات والاتفاقيات مع إسرائيل.

فلِمَ، في الحدّ الأدنى، لا تشترط الحكومات العربية على مجلس الأمن وأطراف اللجنة الرباعية اعتبار إسرائيل دولة محتلّة؟! فهذا توصيف حقيقي ينزع الشرعية الدولية عن المحتلّ الإسرائيلي ويضمن، متى فشل أسلوب المفاوضات، حقّ المقاومة.

لقد انتقل الصراع العربي/الإسرائيلي من تقزيمٍ له أساساً بالقول إنّه صراع فلسطيني/إسرائيلي إلى تقزيمٍ أكبر بوصفه الآن صراع إسرائيل مع "منظمات مسلّحة"!.

   إنّ الطرف العربي المفاوض قبِل بتجزئة الجبهات العربية وبإلغاء مقولة "الصراع العربي/الإسرائيلي" أو شمولية المسؤولية عن القضية الفلسطينية، فتحوّلت المعاهدات مع إسرائيل إلى تسويات جزئية منفردة استفادت منها الحكومات الإسرائيلية كي تمارس حروباً وضغوطاً أكثر على الفلسطينيين وعلى الجبهات الأخرى التي لم تشملها بعدُ التسويات.

لذلك، فإنّ المراهنة على دور أميركي "نزيه ومحايد" يتطلّب أيضاً تحسين الواقع التفاوضي الفلسطيني والعربي، بل تغيير نهج معتمد منذ أكثر من ثلاثة عقود. فواقع الحال الفلسطيني والعربي عموماً لا يمكن أن يشكّل الآن قوّة ضاغطة، لا على الحكومة الإسرائيلية ولا أيضاً على الموقفين الأميركي والأوروبي. فالقضية ليست ما تريده إدارة أوباما وما قد تفعله، ففي الاحتمالات كلّها هناك مسؤولية كبيرة تقع على الفلسطينيين خصوصاً، وعلى العرب عموماً، وبداية الطريق تكون بوحدة الموقف الفلسطيني على أسس تجمع بين السير بالمفاوضات وبين الحرص على نهج المقاومة. أمّا عربياً، فإنّ الحدّ الأدنى المطلوب الآن للتعامل مع "عواصف نتنياهو" و"ضبابية أوباما"، يكون في رفض أي شكل من أشكال الاعتراف بإسرائيل أو التطبيع معها قبل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة وتحرير الأراضي المحتلّة، وفي دعم التوافق الفلسطيني على برنامج وطني توحيدي للتحرير وقيام الدولة المستقلّة.

إنّ شعار "الوطن أولاً" الذي رفعته بعض الأطراف العربية لم يكن من أجل تحريض المواطنين على الولاء الوطني أولاً والتخلّي عن الانقسامات الداخلية القائم معظمها على انتماءات طائفية أو مذهبية أو أصول إثنية، بل كان الشعار وما زال يتمّ طرحه واستخدامه لتبرير الابتعاد عن الصراع العربي/الإسرائيلي والتخلّص من الواجب الديني والقومي في المساهمة بتحرير الأراضي المقدسة في فلسطين. أيضاً، جرى استخدام هذا الشعار (الوطن أولاً) في مواجهة دول عربية أخرى وليس طبعاً في مواجهة إسرائيل وأطماعها في الأرض والثروات العربية.

وستبقى "إسرائيل أولاً" هي المستفيدة من الواقع الفلسطيني تحديداً والعربي عموماً بما هو عليه من حال التشرذم وانعدام وحدة الموقف، ومن الفوضى في العلاقات والبرامج والمؤسسات، ومن أولويّة مصالح الحكومات على الأوطان.

***

الحكومات العربية أجمعت مؤخراً على مقولة: "السلام مقابل الأرض" فلم يتحقق السلام ولم تتحرر الأرض! لكن انتصار المقاومة اللبنانية في إجلاء الاحتلال الإسرائيلي عن لبنان في شهر أيّار/مايو من العام 2000، أوجد خياراً من نوع آخر في الصراع مع إسرائيل وحرّك نبض الشارع العربي عموماً، والفلسطينيين في الأراضي المحتلة خصوصاً.

فأصل مقولة (الأرض مقابل السلام) يعود إلى ديفيد بن غوريون (أول رئيس وزراء إسرائيلي في العام 1948) وهي مقولة لم تحدّد حجم مساحة الأرض التي ترغب إسرائيل ب"التنازل" عنها، بينما لا حدود ولا آفاق لحجم مضامين "السلام" وأثمانه المطلوبة إسرائيلياً.

أمّا المقاومة اللبنانية فإنها كانت – وما تزال- واضحةً تماماً في حجم وحدود الأرض اللبنانية المطلوب الانسحاب منها (بما في ذلك مزارع شبعا) وأنّ تحرير هذه الأرض لا يفرض ثمناً إلا كفاحاً شجاعاً من أجل التحرير. وسيذكر التاريخ بحروفٍ ناصعة كيف أنّ المقاومة اللبنانية كانت هي المشعل الذي أضاء للعرب من جديد طريق الكفاح والعزَّة والكرامة، بعد ربع قرن من التسويف والتآمر الخارجي والإذلال الإسرائيلي والاستهتار الدولي والعربي الرسمي.

إذن، إنتصار المقاومة اللبنانية في العام 2000 هو إنتصار لمقولة (الأرض مقابل المقاومة)، وفي هذا الإنتصار حيوية لنهج جديد في المنطقة، هي حيوية الرفض للذلّ والاستهتار والاحتلال، حيوية المقاومة والانتفاضة لاستعادة الأرض والكرامة. حيوية تضع خطاً فاصلاً بين اليأس من واقع المفاوضات، وبين اليأس من إمكان تصحيح هذا الواقع، بحيث يستطيع الشارع العربي أن يميّز بدقّةٍ الآن بين ما هو ميؤوسٌ منه وما هو مطموحٌ إليه عن طريق رفض الاستسلام للأمر الواقع.

هذه هي "الواقعية" الجديدة" التي أفرزتها تجربة المقاومة اللبنانية، المقاومة التي تحتفل الآن بمرور عقدٍ من الزمن على انتصارها ثمّ في حفاظها على هذا الإنتصار رغم صعوبة الظروف المحلية والإقليمية والدولية طيلة السنوات العشر الماضية. "واقعية" نهج المقاومة ترى مصدر العجز وسبب المشكلة في الواقع المرفوض، فتعمل على سدّ العجز وتجاوز المشكلة، غير أنّها لا تقبل بهذا الواقع وكأنّه حتميّة وقدر لا يجوز المسّ بهما أو الاعتراض عليهما… "واقعية" ترفض التراوح المذِل في المكان نفسه فتتحرّك بإقدامٍ وصبر وعزيمةٍ وثقة بالله وبالأمّة وبالنفس، فتنتصر رغم حجم التحديات.

ـــــــــ

* مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

alhewar@alhewar.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ