-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 15/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


على طريق الخروج من ثقافة النكبة

بين ما يجمع المخلصين لقضية فلسطين وما يفرّقهم

نبيل شبيب

انهارت الامبراطورية الرومانية قديما ولم يكن يوجد من الامبراطوريات في عصرها من كان يعادلها تسلّحا وانتشارا وسيطرة ونفوذا وحتى تقدّما تقنيا وعلميا بمقاييس عصرها، وانهار الاتحاد السوفييتي حديثا بعد أن كان هو الامبراطورية الثانية عالميا، عتادا وسيطرة وتقدما تقنيا ولم يكن أحد يتوقع انهياره مع ما تلاه من تطورات تاريخية سريعة، ثم بدا خلال العقد الأول من القرن الميلادي الحادي والعشرين أنه لم يعد يوجد أحد قادرا على التصدي للزعامة الانفرادية العدوانية التوسعية العسكرية والسياسية والاقتصادية والمالية الأمريكية على امتداد المعمورة ولم يرحل ذلك العقد إلا مع ازدياد معالم التراجع القسري الأمريكي ليس عن مواقع الزعامة العالمية فحسب، بل حتى عن تحقيق الأهداف السياسية المحلية من وراء حروبها العدوانية الإجرامية الحديثة في العراق وأفغانستان رغم همجيتها في أبوغريب وسواه وجوانتانامو وأمثاله، بل والانكفاء على مواجهات الأعاصير الداخلية العاصفة بكيانها من حيث الأساس.

إن للتطورات التاريخية منطقا يفرض نفسه ويفاجئ -فقط- أولئك الذين ينظرون إلى المستقبل عبر مقاييس الحاضر الآني.. غافلين عن أنه يتقلّب بسرعة تاريخية متصاعدة.

 

وهم استحالة التغيير

لا ريب أنّنا في قضية فلسطين مع مرور 62 عاما على ما دخل سجلّ التاريخ تحت عنوان النكبة الأولى أو النكبة الكبرى في عام 1948م، نشهد أن مجرى أحداث القضية قد بلغ القاع من منحدرات التزوير والتراجع والتسليم والارتباط بواقع العدو والتنصل من التزامات التاريخ والجغرافيا وليس من التزامات الحق والعدالة أو الإرادة الشعبية فقط.

هل تمثّل نكبتنا مع أنفسنا اليوم نهاية تاريخ القضية؟..

"نهاية التاريخ" وهم كبير، واستقرار وضع آني من الأوضاع رغم الخلل الكبير الذي يقوم عليه وهم أكبر، والعنصر الثابت فقط على هذا الصعيد، هو أنه لا يوجد من الأوضاع الشاذة ما يمكن أن يثبت إلى الأبد. ولا يكاد يؤخّر تغيير تلك الأوضاع الشاذة أمر قدر نشر الوهم باستحالة تغييرها، وهذا بالذات في مقدمة ما يميّز قسطا كبيرا ممّا نعايشه من جهود معادية مبذولة على صعيد قضية فلسطين هذه الأيام.

المنطق المعوجّ الذي يعتمد عليه ويروّج له دعاة التسليم بالواقع الظالم الشاذّ هو ما يردّد مقولات من قبيل استحالة التغيير، والامتناع عن الاستمرار في تفويت الفرص السانحة لتحصيل القليل، والعجز المحتم المتفاقم عن التحرير، وقد كانوا يردّدون ذلك على منحدر التنازلات المتوالية -وهم يتراجعون- إنما كانوا يزوّقونه على الأقلّ بشعارات مضلّلة، وباتوا يردّدونه اليوم جهارا نهارا دون مواربة.. ولا حياء، ولا يمكن إذن إلاّ أن يستمروا على درب التراجع الذي اختاروه لأنفسهم ويريدون جرّ سواهم إليه جرّا.

والمنطق الذي يعوّل على المقاومة ومناهضة "التطبيع"، أي مناهضة تصوير الوضع الشاذ وضعا طبيعيا بهتانا وزورا، ينزلق في كثير من الأحيان إلى أساليب للتعبير عن ذلك من قبيل: "سننتصر.. رغم ضعفنا"، "سنعمل للتحرير.. رغم محاصرتنا"، "سنتابع التحرّك.. رغم العراقيل".. ويكاد كل قول من هذا القبيل يرسّخ في الوعي الفلسطيني والعربي والإسلامي الجزء الثاني من هذه المقولات، أي "الإحساس بالضعف والمحاصرة والعراقيل" أكثر ممّا يرسّخ الجزء الأول، أي وجوب البذل والعطاء على درب "مسيرة الانتصار والعمل والتحرّك".

إن استمرار العدوان والتوسع والتبجح والدعم الخارجي له.. أمر مفروغ منه.

وإنّ استمرار وجود من يتسلّطون على القرار وهم يتراجعون، ويعتدون على الأحرار وهم يتنازلون، ويزعمون الإخلاص وهم يزوّرون الثوابت وينتهكونها.. أمر مفروغ منه.

ولكن التركيز على هذا وذاك بدلا من التركيز على العمل المباشر من أجل التحرير والتغيير، هو ما لا ينبغي أن يكون أمرا مفروغا منه، عند من يريد حقا الانتصار والعمل والتحرك، رغم استمرار وجود هذين الفريقين، وما يصنعانه ويتكامل مع بعضه بعضا.

 

النكبة.. والتشبّث بأغلالها

لا خلاف ولا ينبغي تكرار الحديث إلى ما لا نهاية عن غياب الخلاف حول استحالة الخروج مما أوصل إلى نكبة 1948م والنكبات التي أفرزتها من بعد، إنما سيبقى هذا التكرار إذا بقينا أسرى ما كان من بعدها على المستويات الفلسطينية والعربية والإسلامية، حتى ولو كان ذلك التكرار من باب رفضها وبيان مخاطرها والتنديد بما صُنع من خلالها ومن صنعوه.. إلا في نطاق توعية جيل قادم بما زوّره جيل سابق.

على أن التوعية الأكبر المطلوبة هو توعية أنفسنا جميعا:

ليس السؤال الحاسم الذي يطرحه 62 عاما مضت وما سبقها هو السؤال عن عجز من عجز عن مواجهة النكبة.. عبر طريق التنازلات والتراجع والتسليم والتواطؤ والخذلان.. إلى آخر ما هنالك من تعابير بات مع مرور الزمن دون مفعول لكثرة تردادها واستهلاكها، فذاك أمر مفروغ منه، لا يكاد يحتاج إلى مزيد بيان، إنّما السؤال الحاسم هو عن أسباب عجز المخلصين.. رغم وجود سواهم في الساحة، ولو غاب غير المخلصين -ولن يغيبوا في المستقبل المنظور- لزالت الحاجة إلى أي تساؤل أصلا!..

ليس النقص الأهمّ في العمل من أجل القضية كامنا لدى من لم يعملوا للتحرير أصلا.. أو زعموا العمل له وهم يرسّخون الاغتصاب والتوسع.. فهذا من البدهيات التي لا تتطلب بحثا ودليلا وتكرارا.. إنما النقص الأهم الذي يجب أن نبحث عنه ونتلافاه هو ما جعل العاملين من أجل التحرير لا يصلون إلى هذا الهدف حتى الآن.

ليس تشرذم المتشرذمين حول منافعهم الوقتية وأغراضهم المنحرفة وسلطاتهم الصغيرة والكبيرة هو العقبة الأكبر دون إيجاد حلّ للمشكلة، فذاك كله جزء من المشكلة.. إنما يجب البحث عن الحل والعمل من أجله على صعيد من يضع حقيقة لا كلاما المصلحة العليا فوق ما يراه من مصالح ذاتية تمليها عليه تصوّراته الذاتية وانتماءاته وارتباطاته الحزبية وغير الحزبية.. فهنا بات التشرذم عائقا أكبر دون ظهور معالم حلّ القضية عبر تلاقي المخلصين لثوابتها وأهدافها الأصيلة، على الطريق الوحيدة الممكنة، الملتزمة بتلك الثوابت لتحقيق تلك الأهداف. 

 

التغيير توأم التحرير

عندما تحرّك العمل الفدائي في موجته الأولى في ستينات القرن الميلادي العشرين وكان في البداية خارج نطاق أغلال الواقع القائم تخاذلا وعجزا وتجزئة.. حقق في تلك البداية بعض أهدافه..

وعندما تحرّكت الانتفاضة الأولى ثم الانتفاضة الثانية وكان كل منهما في البداية خارج أغلال القوالب السياسية للواقع الفلسطيني والعربي والإسلامي.. حققت الانتفاضتان في البداية بعض الأهداف أيضا..

وعندما تحرّكت المقاومة.. في فلسطين ولبنان وسواهما خارج نطاق المعطيات والمعيقات القائمة في الواقع العربي والإسلامي والدولي.. حققت بعض الأهداف.

ومن المستحيل لأي عمل حالي أو مستقبلي على صعيد قضية فلسطين وسواها أن يحقق أهدافا ما، صغيرة أو كبيرة، مرحلية أو بعيدة، موضعية أو شاملة، إلا عندما يتحرك خارج نطاق القضبان والأغلال والمعيقات والمعطيات التي باتت جزءا من "مشكلة" استمرار النكبة وإفرازاتها، ويستحيل أن يكون التحرك من خلالها، ناهيك أن يكون بإذن منها أو توافق معها، جزءا من "حل المشكلة".

والفارق كبير بين التعامل مع واقع قائم من أجل تغيير إفرازاته السلبية، وبين التعامل معه على أساس ترسيخها أو تقبل ما يسمّى حلولا وسطية، وما هو بحلول وسطية، ما دام المقصود الحفاظ على بعض تلك الإفرازات دون بعضها الآخر.

إن التشرذم نتيجة منافع وقتية أو رؤى منحرفة.. مرفوض جملة وتفصيلا، وإن التشرذم نتيجة خلاف المخلصين على "درجة" الانضواء فيما صنعته المنافع الوقتية والرؤى المنحرفة مرفوض، بل بات هو العقبة الأخطر على المدى القريب والبعيد.

وإن الاستبداد الداخلي مع الخضوع للاستبداد الدولي في قضية فلسطين وسواها، مرفوض جملة وتفصيلا، وإن الخلاف بين المخلصين على "الحدّ" الذي يمكن القبول به من ذلك الاستبداد المحلي والدولي، هو الأخطر على مسيرتهم.

قد تكون مسيرة التحرير والتغيير طويلة ومضنية، إنما لا يمكن أن تتحقق أصلا باختزال طولها أو الوهم بخلوّها من المعاناة، ولا يمكن أن تتحقق بالفصل ما بين هدف التحرير المشروع وهدف التغيير المشروع، بمعايير الحق والعدالة، وليس باسم واقعية وهمية ترسّخ واقعا باطلا، أو عقلانية منحرفة، ترسّخ رؤية مزيفة.

 

تعزيز عمل المخلصين

إن "ثقافة الخروج من النكبة" لا تكتسب معالم مشتركة بين المخلصين العاملين لذلك ما بقيت منضوية جزئيا أو كليا داخل نطاق ما صنعته وما تزال صنعته "ثقافة الرضوخ للنكبة وإفرازاتها" على امتداد العقود الماضية الحافلة بتلك الإفرازات.

ويحتاج البيان إلى حديث مستفيض، ليس هذا موضعه، إنما يكفي التنويه إليه من خلال مثال يرتبط بوقائع حالية.. فنتساءل:

ماذا يفيد الحديث بأسلوب خلافي حول ما صنعه عبد الحميد الثاني أو لم يصنعه قبل قرن من الزمن.. أو بتعبير أصح: ماذا يفيد تجديد طرح ذلك وإثارة الموضوع كما لو كان يرتبط بمجرى الأحداث الآن.. وهذا مع معرفة ما يوجد من اختلاف بصدده؟..

أليس هذا الموضوع مهمة "تاريخية جامعية" يستحيل أداؤها على أسس قويمة إلا بعد أن توجد لدينا كليات جامعية لعلم التاريخ، متحرّرة من قيود السياسة وأفاعيلها وتعدّد الاتجاهات ومفعوله على البحث العلمي المنهجي؟..

لا تكمن هذه الإشكالية -وهي مثال فحسب- في طرح الموضوع أصلا.. لو جرى في كتاب أو دراسة جامعية أو ما شابه ذلك، إنما تكمن في طرحه على أرضية "العمل" الآن من أجل القضية، كما لو كان مفيدا لها!..

ليس من شروط العمل المخلص للقضية زوال اختلاف الرؤى الناجم عن تعدّد التصورات والاتجاهات، بل من شروطه ترسيخ مواطن الالتقاء على ما لا يوجد اختلاف بصدده!..

يجب الخروج من أغلال الماضي القريب.. فهي أغلال صناعة النكبات.. والتحوّل إلى صناعة المستقبل.. ولا يُصنع دون التلاقي في الحاضر المعاصر على أرضية دعم المخلصين للمخلصين، لأنهم مخلصون للقضية، وليس لأن فريقا منهم يتبنى هذا الاتجاه أو ذاك، ويتحرّك بموجب هذا التصوّر أو ذاك، ناهيك عن صنع ما يعرقل فكره وتحرّكه ويثير مزيدا من الاختلاف معه.. لمجرّد أنه صاحب اتجاه آخر وتصوّر آخر، والإصرار على إبراز مواطن الاختلاف معه، حتى وإن استطاع تحقيق قدر ما من العمل الجاد على طريق التحرير والتغيير!.

إنّ في مقدمة ما تحتاج إليه ثقافة الخروج من النكبة.. تطهير الأقلام والأفكار من كل موقف لا يساهم في تعزيزها على أسس مشتركة ورؤى مشتركة ونقاط الالتقاء المشتركة.

والأجدى من ذلك، لقضية فلسطين وسواها، والأهم في صناعة ثقافة الخروج من النكبة، هو عدم الاكتفاء بكفّ الأقلام والأفكار عن المساس بالأرضية المشتركة، والانطلاق إلى توظيفها الإيجابي بدلا من ذلك لتعزيز تلك الأسس والرؤى ونقاط الالتقاء على أرضية مشتركة!..

سيّان ما هو اتجاه صاحب القلم والفكر وما هو تصوّره، فمقياس إخلاصه للقضية هو دعمه لسواه من المخلصين لها، وليس المقياس ما يصنعه هو من أجل اتجاهه وتصوّره الذاتي، وذاك حقه ما دام لا يتعرّض للآخر بما يصنع مزيدا من التشرذم.. فيصنع مزيدا من الانهيار.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ