-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 05/05/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


زهير الشايب .. وعبقرية ترجمته "وصف مصر"

أ.د ناصر أحمد سنه*

في 14/9/ 1979م أعلن المجلس الأعلي للفنون والآداب والعلوم الإجتماعية أسماء الفائزين بجوائز الدولة التقديرية والتشجيعية لذلك العام. وكان من بين الفائزين بالجائزة التشجيعية الأديب والمترجم الأستاذ "زهير الشايب"، وذلك لجهوده الرائدة في ترجمته أجزاء من موسوعة "وصف مصر". تلك الموسوعة ذات القيمة التاريخية والإجتماعية والعلمية والثقافية، والتي كتبها علماء الحملة الفرنسية المصاحبين لنابليون بونابرت إبان حملته على مصر 1798-1801م.

لم تكن مدافع الحملة الفرنسية قد صمتت بعد حين شرع علماؤها في وضع خططهم لسبر تاريخ مصر، بتفحص ورصد جوانب الحياة المختلفة.. جغرافياً وإجتماعياً وثقافياً واقتصادياً وبيئياً الخ. فضلاً عن "استطلاع" أحوال الشرق، والتعرف علي أهله بشكل علمي ومنهجي وموضوعي. وشكل هذ "المسح العلمي" لمصر نهاية القرن18، مقدمات لتأليف كتاب "وصف مصر" (CARTE TOPOGRAPHIQUE DE L EGYPT).

وكان علماء الحملة قد استغرقوا في هذا العمل نحو ثلاثة عشر عاماً (1809-1822م). لكن الاب الروحي لكتاب "وصف مصر" هو تاجر مصري اسمه "هملان"، وهو عاشق للثقافة تعهد تمويل طبع الكتاب، وصدر المجلد الاول منه عام 1802م، و"طبع بأمر صاحب الجلالة الإمبراطور نابليون الأكبر" وأهدي إليه. في حين أهدي المجلد الثاني لحكومة الادارة.

وشملت الطبعة الاولى للكتاب تسعة مجلدات، في حين وصل عدد المجلدات في الطبعة الثانية الى 23 مجلداً، ومحتوى الطبعتين متطابق، وتم تقسيم المجلدات وفقاً لرؤوس الموضوعات والاجندة الزمنية، وبين دفتي الكتاب وصف تفصيلي شامل لكل نواحي الحياة في مصر، وتاريخها وآثارها وطرزها المعمارية ونباتاتها وحشراتها، منذ الحقبة الفرعونية، مروراً بمصر البطلمية، ومصر الاسلامية، في زمن الحملة. وقد عكف الرسامون على تزويد الكتاب برسومات عن اثار ونقوش اندثرت ولم يبق سوى الرسوم. وكأن الكتاب قد اخذ على عاتقه تسجيل نبض حياة انطمست معالمها، بدءاً من وصف العمائر والخرائط الدقيقة، الى التجارب المبهرة لاستخدام الكهرباء وتمريره في جسد ضفدعة لتسري بها رعدة الحياة، واطلاق بالون في الجو.

كما انه يرصد المعابد التي اكتشفتها الحملة وتم حل لغز الهيروغليفية حين وقعت عين ضابط صغير على حجر رحى بين يدي امرأة تطحن القمح، ولاحظ وجود نقوش على الحجر، وتبين انها بثلاث لغات: الهيروغليفية والديموقية «العامية» واليونانية، وهكذا وبواسطة حجر رشيد الذي كانت تستخدمه امرأة مصرية من عامة الناس، تم الكشف عن اسرار لغة الفراعنة على يد العلامة "شامبليون" وبالتالي تنوير التاريخ المصري البعيد.

نسخة أصلية لا تقدر بثمن لدي"مكتبة البابطين"

من الجدير بالذكر أن "مكتبة البابطين" أستطاعت الحصول على نسخة أصلية من هذا السفر الهام، كتاب "وصف مصر" ..الدرة الغالية والنادرة في عالم الكتب. كتاب يرصد مظاهر أعظم حضارة عرفتها البشرية . ولقد أصاب "د. جمال حمدان" حين جعل من "عبقرية المكان" مفتاح مصر. فهو قطب الرحى، و"ذاكرة البشر"، وبنفيه يسقط التاريخ في المجهول ويطويه الفراغ.

إن هذه النسخة الاصلية من هذا الكتاب الموسوعي تتألف من 23 مجلداً، يتصدر مجلدها الاول مقدمة من 180 صفحة، وممهورة باختام ملكية، ومهداة من نابليون الثالث الى الوزير فيليب كازمان الذي يهديها الى ابنه، وتكر السلسلة، وتستقر هذه النسخة التي لا تقدر بثمن في مكتبة البابطين المركزية. ويأمل المحبون والعاشقون لهذ الكنز في عمل نسخة مطابقة لكتاب "صورة مصر" كي تهدى لكبار زوار دولة الكويت الشقيقة. مع الحفاظ على النسخة الفريدة التي حصلت عليها مكتبة البابطين، وعدم تعريضها لأذى التصوير والتداول، والعناية الفائقة بتوفير جميع شروط الامان لها.

 

وللترجمة فضلها علي تقدم الشعوب

على رغم حركة الترجمة الكبيرة والضخمة التي حدثت ايام "محمد علي"، إلا أن "وصف مصر" لم يترجم الى العربية. وفي أبريل من العام 1974م عقدت "الجمعية المصرية للدراسات التاريخية" مؤتمراً دولياً عن المؤرخ المصري "عبد الرحمن الجبرتي" والذي يذكر: أنه في صباح 19/5/ 1798م تحركت 180 قطعة بحرية فرنسية، مدعومة بحوالي 27000 من العسكر، بينهم 2200 ضابط، ومع هؤلاء علماء فرنسيون في جميع الاختصاصات. لم تكن الوجهة الحقيقية لهذه الحملة وأهدافها معلومة لأحد، فاحيطت بالسرية والكتمان. تبين لاحقاً ان الهدف النهائي للحملة هو مصر التي وصفها نابليون بانها "قلب العالم"، و"السيطرة عليها سيطرة على العالم".

 وكانت "الجهود العلمية للحملة" قد تركزت بعد قرار بونابرت بتاريخ 20/8/1798م، بانشاء أول "مجمع علمي" في القاهرة في مكان اقامة العلماء في بيت السناري وتم انتخاب 36 عضواً وترأس المجمع العالم «مونت» وجرى تعيين نابليون نائباً للرئيس. ومن جهة اخرى تأسس "المعهد المصري" الذي كان مسيو فورييه امينا عاماً له بهدف نشر الانوار وجمع المعلومات ومنح الجوائز والاحاطة بالصحة وبطرق تنقية المياه وافضل الطرق لانتاج البارود وتطوير الزراعة والبستنة والري والمفاضلة بين طواحين الهواء وطواحين الماء كمصدر للطاقة والاهتمام بالآداب والفنون وتعويد السكان على الطب الجديد، وهو غير الطب التقليدي الذي كانت جامعة الازهر آنذاك تتبناه.

حضر هذا المؤتمر الأستاذ "زهير الشايب" ضمن لفيف من المختصين، وجاءت ضمن التوصيات توصية بترجمة كتاب "وصف مصر". أُسندت المهمة إلي "المجلس الأعلي للفنون والآداب"، وأبدي" الشايب رغبته الجادة في المساهمة في هذا المشروع. لكن المشروع تعثر في دهاليز "المجلس"، فصمم "زهير" علي القيام بهذا العمل الضخم.. منفردا.

فوحده "الشايب"ـ دون إضطلاع لجنة من المُحققين والمترجمين، يحدوه حب عميق لمصر وما يتصل بثقافتهاـ دون معاونة أدبية أو فنية أو مالية، وبجهد متواصل، ومثابرة دائبة، وكفاءة نادرة، وتمكن من الفرنسية (فرنسية أوخر القرن 18، ومطلع القرن 19)، والعربية، ومعتكفاً بمكتبة "الجمعية التاريخية" يحقق الموسوعة، وحلمه الكبير في آن معاً.

أنجز "زهير" ترجمة تسعة مجلدات كان أولها تحت عنوان:"دراسة في عادات وتقاليد سكان مصر المحدثين"(لدي الأستاذ جمال الغيطاني نسخة مترجمة مهداة له شخصياً من المترجم)، وثانيها: العرب في صحراء مصر وواحاتها"، وثالثها:" المدن والقاليم المصرية"، ورابعها:" الزراعة والصناعات والحرف والتجارة". وتوفى "الشايب" قبل إتمام عمله العبقري، وتصدت ابنته لترجمة بقية المجلدات حتى الثالث والعشرين.

"زهير الشايب" ..أديب عبقري.

"زهير الشايب" (1935-1982م) أديب ومترجم، وفنان ومفكر، وروائي وقاص، ويعد من مبدعي القصة المصرية الواقعية. وكان قد صدر له "المطاردون" ـ قصص قصيرة (1970م،الهيئة العامة للكتاب)، و"تطور مصر من 1934-1950م لمارسيل كولمب" (1972م)، و"فصول من التاريخ الإجتماعي للقاهرة العثمانية ـ اندريه ريمون" (1974م، دار روز اليوسف)، و"المصيدة"ـ قصص قصيرة (1974م، دار الهلال)، و"حكايات من عالم الحيوان" (1974م)ـ  عدد خاص من مجلة الثقافة الإسبوعية، و" موتي بلا قبور ـ سارتر"(1976م)، الهيئة العامة للكتاب)، و"السماء تمطر ماء جافاً" ـ رواية (1979م، دار المعارف)، و"وصف مصر"ـ تسعة أجزاء، مكتبة الخانجي). وفي هذا الأخير كان "زهير" مقيداً بنصٍ موسوعي (رؤية الغرب ونظرته للشرق)، ومكلفٌ بنقلة بأسلوب علمي موضوعي، واضح ودقيق، يعرض للعديد من الحقائق العلمية والتاريخية والإجتماعية الخ.

 

ختاما

نحو ما يزيد عن ثلاثة عقود مرت عندما تشرفت "جائزة الدولة التشجيعية" بزهير الشايب. فالجائزة رمزية، لكن عمله العبقري الرائد باق خالد. إن ماقدمه "الشايب" يستحق تقدير وثناء كل المثقفين والمحبين لمصر، وللترجمة وفعلها. رحم الله "زهير" لسمو هدفه، حمله أمانة الكلمة، فحقق الهدف، وأدي الأمانة. فشكراً لك"زهير الشايب".

ـــــــــــــــــ

*كاتب وأكاديمي من مصر.

nasenna62@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ