-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 27/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تيا الرنتاوي...أول غيث الجيل الرابع

عريب الرنتاوي

منذ شهرين، ونحن نعد انفاسها شهيقا وزفيرا، ونحصي خلجاتها الواحدة في أثر الأخرى، نتفحص أصابعها الصغيرة، نتأمّل لون عينيها المتقلب وبشرتها المائلة للون الحنطة، نحسب بالمليغرام والمليليتر المكعب، كمية الحليب التي تناولتها، إنها باختصار شغلنا الشاغل منذ أن اطلقت صيحتها الأولى من شرفة عالية في المستشفى ذي الخمسة نجوم، إنها (تيا يزن عريب "محمد رجا" الرنتاوي).

 

يا إلهي...إنها الممثل الشرعي (والوحيد حتى الآن) للجيل الرابع من اللاجئين في أسرتي الضغيرة، صحيح أن لدى شقيقاتي ممثلين كثر لهذا الجيل، ولكنهم ينتمون لعائلات أزواجهن ويحملون كنياتهم، تيا أول غيث الجيل الرابع الذي يحمل اسم عائلة الرنتاوي،  وها هي تبصر النور كشاهد حي على تعاقب أربعة أجيال من اللاجئين، فيما "المفاوضات" ما زالت مستمرة على ما نسمع ونقرأ؟!.

 

قرية رنتية، مسقط رأس الوالد المؤسس للعائلة، لا تبعد سوى كيلومترات قليلة عن يافا، هناك ولد الأستاذ "محمد رجا" الرنتاوي وترعرع وشب عن الطوق، هناك قضى أجمل أيام مراهقته وشبابه، هناك تناول أشهى السمك واستمع لأم كلثوم وشاهد مسرحا وقراء مئات الكتب، هناك حمل السلاح ضد الانجليز واليهود، قبل أن ينتقل مع غيره من اللاجئين إلى الأردن، ليلوذ بسحاب مدرساً، يعيش مع أهلها من عشائر البلقاء الكرام، كما كانوا يعيشون، في البيوت الطينية والمغائر وبيوت الشعر، وفي سحاب سيرزق بثلاثة من أبنائه خزامى وعريب ورامي، ما زال كبار السن في الخشافية والمشيرفة يذكرونه ويذكرون "عياله" بالاسم، قبل أن ينتقل إلى مخيم الوحدات ظنا منه أنه بهذه الخطوة، سيحفظ هوية اللاجئ فيه، ويصون حقا مقدسا له في العودة إلى "حي العجمي"، ويحرس جذوة الأمل بتجسيد الحلم ذات يوم، إن لم يكن على عصره، ففي عهد أبنائه وأحفاده.

 

لكن ولادة يزن، الحفيد الأول وممثل الجيل الثالث من لاجئي العائلة، جاءت مغايرة تماما لما سبقها ولحق بها من ولادات، لكأنه الغزال الذي بشّر بزلزال، فلم يكن قد مضى سوى أسبوع واحد على صيحته الأولى في مستشفى الترك ببيروت، حتى جاءت الطائرات الإسرائيلية تعيث قتلا وتدميرا، وتفتح الطريق لأوسع عدوان وأبشع مجزرة، ولتحتل العاصمة العربية الثانية...أم يزن بالكاد تنتشل رضيعها من ركام الزجاج المحطم في سريره، وتهرب به تحت القصف الإسرائيلي المجنون إلى البقاع وسوريا، وليسجل في بلدة "التل" كواحد من مواليدها، فلم يسعفها العدوان الهمجي أن تستخرج شهادة ميلاد بيروتية لابنها البكر.

 

يومها أصيبت مريم ببرودة اخترقت جسدها من الرأس حتى أخمص القدمين، لكأنه نهر تدفق من ذوبان الجليد والثلوج غمر عمودها الفقري وتخلل في نخاعها الشوكي، خشيةً وفزعاً على وليدها الغض الطري المجلل بشظايا الزجاج والإنقاض...ومنذ ذلك التاريخ لم تعد "مريم" كما كانت.

 

تيا، تطل على العالم من شرفة "مايكروسوفت" العالية وليس من قعر المغائر والبيوت الطينية وأكوام الزجاج والانقاض، لكن المؤكد أن يديها الصغيرتين ستكبران يومان وتتقويان، ومن يدري فقد تفعلا ما لم يقو رجال رجال غسان كنفاني: "رجال في الشمس"، على فعله، قد تقرع جدران الخزان، وقد تقرعها بقوة.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ