-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 15/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الرد الإسرائيلي على مطالب الإدارة الأمريكية

د. مصطفى يوسف اللداوي*

لم يتأخر رد الحكومة الإسرائيلية على قائمة المطالب التي تقدمت بها الإدارة الأمريكية، وقد بدا أن الحكومة الإسرائيلية في مأزقٍ سياسي مع الولايات المتحدة الأمريكية، بعد أن تعمدت توجيه إساءة إلى نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن خلال زيارته إلى تل أبيب، وكانت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون قد أخطرت الحكومة الإسرائيلية، وطالبتها بضرورة القيام بعددٍ من خطوات بناء واستعادة الثقة مع الجانب الفلسطيني، وكانت تتوقع من حكومة نتنياهو أن تقوم بالرد إيجاباً على رسالتها، ولكن الرد الإسرائيلي جاء فجاً عكس التوقعات، ومخالفاً للرغبات، ضارباً عرض الحائط بكل الأعراف والمواثيق الدولية، وبدت إسرائيل غير عابئة بالاتفاقيات والمعاهدات الموقعة مع السلطة الفلسطينية، وغير مكترثة بالرأي العام الدولي، ولا بردات الفعل المتوقعة، وكأنها تحاول دفن أزمةٍ بأزمةٍ أخرى، فحتى ينسى الفلسطينيون والعالم قضية القدس والاستيطان، أرادت أن تشغلهم بقضيةٍ أكبر وأهم، فألقت بينهم مخططها الجديد في الترانسفير والترحيل الجماعي، وكأنها تقول للعالم كله، إذا لم يقبل الفلسطينيون بهذا الواقع، فإننا قادرون على أن نمنع الفلسطينيين من الإقامة في الضفة الغربية، وكان محللون إسرائيليون يعتقدون أن وراء المطالب الأمريكية التي عرضها الرئيس الامريكي، على رئيس الحكومة الاسرائيلية في البيت الأبيض، نية أمريكية لفرض حل دائم على اسرائيل والسلطة الفلسطينية خلال أقل من سنتين، وتوقع المحللون أن يحصل تحول درامي في سياسية الولايات المتحدة تجاه إسرائيل، فكأن إسرائيل أرادت أن تحرف الإدارة الأمريكية عن ساساتها الجديدة ضدها، وأن تخبرها أن ما هو قائم خيرٌ مما هو آتٍ، وخيرٌ لها أن تقلع عن ضغوطاتها الحالية، وإلا فإن قادم الأيام على الفلسطيين سيكون أسوأ.

وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما قد طالب إسرائيل، بإعادة نشر قواتها العسكرية خارج المناطق المصنفة A+B، والعودة بها إلى ما قبل أكتوبر عام 2000، وإخلاء مناطق واسعة من الضفة الغربية من وجودها العسكري، كما طالبها بالقيام ببعض الإجراءات الإيجابية في الشطر الشرقي من مدينة القدس، ومنها إعادة فتح الغرفة التجارية الفلسطينية في القدس المحتلة، ووقف هدم المباني الفلسطينية في المدينة، ووقف البناء في ما يسمى بالأحياء اليهودية في القدس الشرقية، والامتناع عن البناء الاستيطاني في رمات شلومو، وهي المنطقة داخل القدس التي اشعلت فتيل الأزمة السياسية بين واشنطن وتل ابيب، عندما أعلنت الأخيرة عن موافقتها على بناء 1600 وحدة استيطانية داخلها، خلال زيارة نائب الرئيس الامريكي جوزيف بايدن الى الدولة العبرية، كما أصر الرئيس الأمريكي على رئيس الحكومة الإسرائيلية على ضرورة مناقشة القضايا الجوهرية للصراع في المفاوضات غير المباشرة، فيما بدا أنه محاولة أمريكية لفرض حل دائم على الطرفين، كما طالبها بأن تخفف حصارها المفروض على سكان قطاع غزة، والسماح بإدخال المزيد من الوقود ومواد البناء، ورفع الحواجز العسكرية في الضفة الغربية، والإفراج عن عددٍ من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية، والعمل على تحسين صورة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس حكومته سلام فياض.

ولكن الرد الإسرائيلي على المطالب الأمريكية، وإرهاصات العزل الدولي لها، وقبيل انتهاء أعمال القمة العربية الثانية والعشرين في مدينة سرت الليبية، التي قررت زيادة حجم التبرعات لمدينة القدس، جاء مزلزلاً، ومخالفاً لما كان متوقعاً، وفيه تحدي واضح لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ومواجهة مع دول الاتحاد الأوروبي، ورد على مقررات قمة سرت العربية، إذ أمعنت أكثر في سياستها الاستيطانية، وأعلنت في أكثر من مناسبة، أن مدينة القدس هي العاصمة الأبدية والموحدة لدولة إسرائيل، وأنه لا يحق لأحدٍ أياً كان أن يمنع دولةً من البناء والتوسع في عاصمته، وأعلنت عن افتتاح أكثر من كنيسٍ يهودي في محيط المسجد الأقصى المبارك، وصادرت المزيد من الأراضي العربية في مدينة القدس الشرقية، وبدأت في تنفيذ أوامر هدمٍ سابقة بحق العديد من البيوت الفلسطينية، بحجة الشروع في بناء حدائق عامة في مدينة القدس.

أما الرد العنصري الإسرائيلي الأعنف على الإدارة الأمريكية، فكان تفعيل قرارها العسكري، القاضي بطرد عشرات آلاف الفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس الشرقية، وإجبارهم على المغادرة إلى قطاع غزة، أو إلى الدول العربية والأجنبية التي جاؤوا منها، أو تقديمهم إلى المحاكمات العسكرية بتهمة التسلل إلى "أرض إسرائيل"، وذلك بحجة انتهاء تصاريح الزيارة، أو عدم حصولهم على أذونات إقامة قانونية في الضفة الغربية، وهذا يعني طرد آلاف عناصر الأمن الفلسطينيين الذين وفدوا مع الرئيس الفلسطيني الراحل، بعد توقيع اتفاقية اوسلو للسلام في سبتمبر عام 1993، بما يعني إعادة عناصر الشرطة الفلسطينية، والأمن الفلسطيني، وآلافٍ آخرين يعملون في مختلف المؤسسات السياسية والإدارية، إلى لبنان وسوريا والسودان واليمن وتونس ومصر والأردن، وهي الدول التي جاؤوا منها إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، فضلاً عن تفسيخ آلاف العائلات الفلسطينية، التي يختلط فيها الأزواج بين غزة والضفة الغربية، بحكم أنهما يمثلان وطناً واحداً، وبلداً واحداً، بما يعني المزيد من تمزيق العائلات، وتشريد الأهل.

كما أن القرار الإسرائيلي يعني طرد آلاف الفلسطينيين الذين لجأوا إلى الضفة الغربية من قطاع غزة، إثر الخلاف بين حركتي فتح وحماس في قطاع غزة، ومن هؤلاء شخصيات رفيعة في السلطة الفلسطينية، أمثال محمد دحلان ونبيل شعث وروحي فتوح، ووزراء كبار في حكومة سلام فياض، ومسؤولين سابقين في الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وغيرهم.

فهل ما تقوم به إسرائيل من إجراءاتٍ عنصرية استفزازية، إنما هو جزءٌ أصيل من برامجها السياسية، ومن مخططاتها الصهيونية، وأنها تأتي ضمن مخططها تجاه يهودية دولتها العبرية، الخالية من السكان العرب، والعودة إلى الحلم التاريخي للحركة الصهيونية، بإحداث ترانسفير فلسطيني كبير، ليجعل أرضهم بلا شعب، وبذا فهي تحاول تأكيد سيطرتها على مناطق الاستيطان الكبرى في الضفة الغربية، وهي غير معنية بأي ضغطٍ دولي عليها، أم أن إجراءاتها نوع من الرد العملي على المطالب الأمريكية، وأنها تستخدم هذه الإجراءات كأوراق ضغطٍ على الولايات المتحدة الأمريكية، ودول الاتحاد الأوروبي، للوقوف معها في مواجهة الخطر النووي الإيراني، لتدفعهم لتصليب مواقفهم في مواجهة إيران، والحيلولة دون امتلاكها للسلاح النووي، مقابل إلتزام إسرائيل ببعض الشروط الدولية والأمريكية، ومنح الفلسطينيين بعض التنازلات الشكلية، أم أن الحكومة الإسرائيلية تريد أن تسبق بإجراءاتها السلطة الفلسطينية والدول العربية، حال قيامهم بإعلان دولةٍ فلسطينية من طرفٍ واحد على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وأن تقطع الطريق على الولايات المتحدة الأمريكية، التي تهدد فرض حل من جانبها على الطرفين معاً.

الرد الإسرائيلي على المطالب الأمريكية، وعلى محاولات الاستجداء العربية والفلسطينية واضحٌ وصريح، وهو سريعٌ ولا يتأخر، فالإسرائيليون لا يعيرون الضعف العربي أي إهتمام، ولا يعيرون عجز الفلسطينية أي انتباه، ويردون على كل مبادرة عربية وفلسطينية بمزيدٍ من الإجراءات القاسية بحق الفلسطينيين، فكما كان ردهم على المبادرة العربية عام 2002، بحصار الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات في مقر المقاطعة بمدينة رام الله، ثم حصار مخيم جنين وتدميره، هاهم يردون على المبادرة العربية للسلطة الفلسطينية للمضي معهم في مفاوضاتٍ غير مباشرة، بفتح باب الاستيطان على مصراعيه، وطرد آلاف الفلسطينيين من أرضهم، ومنعهم من الإقامة في وطنهم، ولعل هذا أبلغ رد على الواهمين بأن إسرائيل ستمنحهم حق العودة، وستسمح عبر المفاوضات للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم، فإسرائيل لن تقبل بعودة الفلسطينيين إلى قراهم ومدنهم، ولذا فإن على الحالمين والواهمين والسادرين في غي المفاوضات، أن يستيقظوا من أحلامهم، وأن يكونوا على يقين بأن المفاوضات طريقٌ غير آمن، وسبيلٌ لا يؤدي إلى النجاة، وأن ما حققته إسرائيل لنفسها في ظل ما يسمى بعملية السلام، هو أضعاف ما تمكنت من تحقيقه في سني المقاومة والنضال.

وعلى الذين أمضَـوْا عشرات السِّـنين ينتظرون الضغط الأمريكي على إسرائيل، لتعويض الخلل في ميزان القوة بين الطرفيْـن المتفاوضيْـن، أن يدركوا بأن الحل السِّـلمي عبْـر الضغط الأمريكي سَـراب، وأن قوّة إسرائيل العسكرية تفرِض الأمر الواقِـع، وأنه لا حَـوْل ولا قُـوة لمن يستجدي حقه، ولمن يتسول لوطنه على موائد الدول الكبرى، فها هي الولايات المتحدة الأمريكية قد كشرت عن أنيابها تجاه إسرائيل، ولكن غضبتها لم تسفر عن تراجعٍ إسرائيلي، وتهديدتها لم تؤدِ إلى تغييرٍ في المواقف الإسرائيلية، بل دفعت بالجانب الإسرائيلي للإمعان أكثر في تنفيذ سياساتهم العنصرية البغيضة.

ليس هناك من سلاحٍ رادعٍ لإسرائيل غير القوة، والثبات على المواقف، والإصرار على المقاومة، وعدم الانجرار وراء سراب ووهم السلام، فإسرائيل وقفت عاجزة أمام فلسطينيي قطاع غزة، وقد استخدمت ضدهم سياسة الأرض المحروقة، وهذا ليس فقط في ظل عملية الرصاص المصبوب نهاية العام 2008، وإنما خلال فترة حكم أرئيل شارون، الذي دمر أطراف قطاع غزة، وحرث الأرض، ودمر البيوت في رفح وبيت حانون، ولكن الفلسطينيين بقوا في أرضهم، ثابتين على حقهم، وقد ودعوا إلى الأبد منهج النزوح واللجوء، واستبعدوا من قاموس نضالهم مفردات الهجرة والفرار، وبذا فإن ثبات أهلنا في أرضهم، وعدم استجابتهم لسياسات التهجير والإبعاد، فضلاً عن وحدتهم الوطنية، هو أمضى سلاح في مواجهة سياسات العزل العنصري الإسرائيلية.

ــــــــ

*كاتبٌ وباحث فلسطيني – دمشق

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ