-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 14/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


السلفية والغرب.. واقع العلاقة ومآلات المستقبل

علي عبدالعال

منذ تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، التي شارك فيها 15 سعوديًا وتبناها تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن والسلفية تخضع لمجهر أجهزة المخابرات في العالم، بعدما صارت الهاجس الأكبر في الشارع الغربي في إطار الخوف المرضي من الإسلام أو (الإسلاموفوبيا)، وبات الحديث بشأنها يتردد في دور العلم والمنتديات، وتعقد من أجلها النقاشات والندوات، وتوظف لها مراكز الأبحاث، حتى صار البحث في السلفية وتوجهاتها وكيفية التعامل مع المنتمين إليها هو الشغل الشاغل الآن.

 

فقد مثلت هذه التفجيرات نقطة تحول تاريخية فاصلة في العلاقة بين السلفية والغرب، وإن كان شكل العلاقة الحالية بين الطرفين بدأ يتشكل قبل هذه الهجمات، إلا أنها أكدت على انطلاق شرارة المواجهة المباشرة، ودللت ـ من وجهة نظر الغربيين ـ على رجاحة الرأي الذي يرى ضرورة توحد الغرب في الصراع مع الإسلاميين وعلى رأسهم السلفيين، وأدت توابعها من آثار وأحداث إلى تعميق فكرة صراع الحضارات، التي ساهمت بشدة في الترويج لها، كما كان من نتائجها ربط الإرهاب بالإسلام، ورواج الدعوات إلى كراهية العرب والمسلمين والتضييق عليهم في الدول الغربية.. فهي محطة مهمة على طريق العلاقة بين الطرفين، لكنها أيضا بقيت حلقة في سلسلة طويلة من الأحداث.

 

السلفية في الوعي الغربي

من المهم ونحن نتحدث عن (السلفية) بالتحديد الإشارة إلى أن الوعي الغربي ليس دائما لديه معرفة كافية بالتصنيفات الحاصلة في العالم الإسلامي، وهو لا يتفهم حقيقتها ولا مدلولها في أكثر الأحيان. فالغربيون ـ عامة ـ لا يفرقون بين (الصوفية، وما يطلقون عليه "الإسلام المعتدل"، والسلفية) إلا بمقدار ما يعرفون من مواقفها تجاه العالم الغربي وقيمه وقضاياه. كما أن الغرب لا يتحدث كثيرًا عن (السلفية) بمقدار ما يتحدث عن (الإسلاميين)، اللهم إلا إذا كان بصدد حدث معين أو تجربة أو ظاهرة ما تستلزم استحضار ما يفهمه عن أصحاب هذا المنهج، وهذا هو الغالب، وإن كان الانتشار الحاصل للسلفية بدأ يشد انتباه شريحة كبيرة من الباحثين والإعلاميين في الشرق والغرب لدراستها والوقوف على بعض تفاصيلها.

 

والسلفية كمنهج إسلامي ـ لأسباب عديدة ـ لم يتعرف عليها الغرب بما يتيح له تشكيل صورة سليمة عنها، بل من خلال أحداث ووقائع عديدة ـ فعلها بعض المنتمين للمنهج كان لهم دوافع مشروعة في بعضها ولم يكن لهم في البعض الآخرـ تكونت صورة مشوهة أو قل مغلوطة للسلفية استقاها الوعي الغربي من تراكمات هذه الوقائع والأحداث مثل (التفجيرات، والاختطاف، والذبح، والمقاومة العنيفة في ساحات المعارك).

 

لذلك يذهب الغربيون في تعريفهم للسلفية مذاهب شتى، القاسم المشترك بينها هو عدم خلوها جميعا من هذه الأوصاف (التشدد، التزمت، الأصولية، العنف، الراديكالية، وأحيانا التكفير). وذلك مرجعه ربما إلى ما تمثله السلفية من تحدي كبير أمام قيم الغرب المستمدة من الليبرالية والعلمانية والديمقراطية والحداثة، التي أنتجت نمطا معينا للحياة نشأ عليه الإنسان الغربي، تبدو فيه الحرية الفردية ماثلة في كل مظاهر الوجود، وهذه هي مشكلة السلفية مع العالم الغربي. ففي تقرير لصحيفة (لو فيجارو) الفرنسية، حول مدى تماشي السلفية مع قيم الجمهورية، يرى الكاتب الفرنسي من أصول عربية (محمد سيفاوي) أن السلفيين يرفضون الاختلاط ، ولايعترفون بقيم الأخوة خارج نطاق الأمة، واستشهد بنصوص من مؤلفات الشيخ ابن عثيمين، والشيخ صالح بن فوزان، يدافعان فيها عن النقاب، واعتبرهما يهمشان من دور المرأة في المجتمع لأنهما يرون مكان المرأة هو بيتها. وفي المجمل يرى سيفاوي أن السلفيين يشكلون خطرا علي التعايش الجماعي، لأن نظرتهم للإسلام لا تتوافق مع الديمقراطية والعلمانية الفرنسية.

 

وقد صنف تقرير مؤسسة (راند) لعام 2003 مواطني العالم الإسلامي إلى أربعة أصناف أساسية: الأصوليون، والتقليديون، والحداثيون، والعلمانيون، أما تعريفه للأصوليين فهم: "الذين يرفضون القيم الديمقراطية، والثقافة الغربية المعاصرة، ويريدون قيام دولة جبرية متعصبة ـ يقصد دولة الخلافة ـ تحقق لهم نظرتهم المتطرفة للشريعة والأخلاق الإسلامية".

 

إذًا تكمن خطورة السلفيين بالنسبة للعالم الغربي في الفكر والمعتقد الذي يحملونه، وفي رفضه لهيمنة الآخر الخارجي، وقابليته للانتشار بسهولة، وعدم ارتباطه بمكان، فهو معهم أينما حلوا، وهو ما يلخصه أحد الكتاب بالقول "السلفيون يقودون الناس في قطار سريع يصلهم مباشرة بين الواقع ومصادر التشريع". يقول برنارد هيكل ـ وهو باحث في جامعة برنستون ـ : "للسلفية رؤية لاهوتية واضحة. يرغب السلفيون في العودة إلى الطريقة التي كانت تعيش عليها الأجيال الأولى من المسلمين، وهم يؤمنون بتأويل حرفي وقاطع للقرآن. إن رؤيتهم للإسلام قوية ومتجذرة في التقاليد الماضية، التي تؤثر كثيرًا وفي كل مكان في العالم، على الشباب المسلم".

 

ويعتقد أكثر الغربيين أن (السلفي) ـ إن لم نقل المسلم عامة ـ يؤمن بما يعرفه هذا الغربي عما بات يعرف بـ (السلفية الجهادية) وهو مصطلح عرف به الجهاديون سواء كانوا يقامون في أرض محتلة كما في أفغانستان والعراق وفلسطين، أم يقومون بأعمال هجومية في بلاد غير مسلمة كما حدث في (أمريكا وبريطانيا وأسبانيا وفرنسا) أو ضد أنظمة الحكم في العالم العربي والإسلامي. وهو مصطلح عرفه الغربيون من خلال ممارسات تنظيم (القاعدة) ومن على شاكلته من التنظيمات الإسلامية التي ترى الحل في العمل المسلح.

 

فالسلفية في مخيلة الغرب علامة على إسلام الرفض والمجابهة، أو الإسلام الذي لا يتنازل، ولا يسمح لهم بالسيطرة على شيء من ثرواته ومقدراته، وهو ما أكد لدى الغرب أن انتشار هذا المنهج، الذي لا يفاوض على شيء إلا وفق الشرع، وأتباعه يصعب ترويضهم لأنهم لا يعرفون التنازلات، ليس في مصلحته بل هو مدعاة للقلق على الدوام.

 

ففي تحذير لعدد من المحللين العسكريين الصهاينة من نمو التيار السلفي في مصر؛ نقلت صحيفة (إجزامينر) الأمريكية المقربة من اللوبي الصهيوني (17/ 12/ 2009) على لسان البروفيسور آرون ليرنر المتخصص في شئون الشرق الأوسط أن هناك قلقًا كبيرًا من نمو التيار الإسلامي في مصر الذي ـ يراه ـ يسير على نفس أفكار السلفيين في المملكة العربية السعودية. محذرًا من إمكانية سقوط مصر قريبًا في  يد الإسلاميين؛ مما يعني تعرض الكيان الصهيوني والمصالح الأمريكية للخطر.

 

يلعب المظهر الخارجي دورا كبيرا في تحديد صورة السلفي في الذهنية الغربية، وربما على أساسه تتحدد بعض أحكامهم تجاه السلفية، إذ أن المظهر السلفي في كثير من الأحيان ينقل صورة حية للعقيدة التي يحملها أصحاب هذا المنهج، فالسلفي (ملتح، يرتدي غالبا الجلباب، يداوم على الصلاة في المسجد، يفرض قيودا على نسائه اللاتي يرتدين الحجاب ولا يظهر منهن شيء ولا يخالطن الرجال، رافض لأساليب الحياة الغربية) وهي صورة تتناقض كليا مع الحياة المنفتحة التي عاشها الإنسان الغربي وقيم التحرر التي تربى عليها. فقد حاول تقرير لإذاعة هولندا أن يقدم صورة يتميز بها الذين وصفهم بأنهم يتبعون "تعاليم المنهاج السلفي الدقيقة" في كل تفاصيل الحياة اليومية والعلاقة بين أفراد الأسرة الواحدة، فقال: "لا اختلاط بين الجنسين، لا صور في البيت، ولا عمل في أوقات الصلاة، لا لإظهار شيء من الجسم إلا للزوج، ولا عمل أو تنقل للمرأة إلا رفقة زوجها".

 

الغرب في الوعي السلفي

من المهم الإشارة إلى أن السلفية المعاصرة ليست واحدة، بل تنوعت إلى مسميات حسب السمة المميزة لكل جماعة من أصحاب هذا المنهج، حسب ظروف ومكان نشأتها، والتحدي الذي تواجهه، وسلامة التلقي من المنهج المأخوذ عن سلف الأمة الصالح، وهو ما جعل المصنفون للسلفية يذهبون في تصنيفها مذاهب شتى (دعوية، علمية، حركية، فكرية، إصلاحية، سياسية… إلخ). ومن ثم كان الخطأ الكبير الذي وقع فيه الغربيون ومعهم جمع كبير من الكتاب والصحفيين المسلمين هو اختصارهم السلفية كمنهج إسلامي ورافد أصيل من روافد الصحوة الإسلامية المنتشرة الآن في العالم الإسلامي وخارجه فيما بات يعرف إعلاميا بـ (السلفية الجهادية) ـ التي تضع العمل المسلح على رأس أولوياتها، وترى الخروج على الحاكم إذا فرط في أمور الدين ـ خاصة في ظل وجود قوى دعوية وحركية وفكرية وسياسية وثقافية لا يستهان بها.

 

إلا أن الصراع بين السلفية والغرب والذي برزت من خلاله الأدوار العسكرية من الجانبين ساهم بشكل كبير في تسليط الضوء على الجهاديين دون غيرهم، فكانت وما زالت أكثر النقاشات والأبحاث واللقاءات التي تدور في الغرب حول (السلفية الجهادية) بالأساس، وإن أشارت إلى التنوع في البيت السلفي فبكونه محطة انتقال ورافد إمداد للجهادية. إذ كانت ومازالت تقريبا أكثر الأسئلة التي تشغل الباحثين والصحفيين الغربيين، هو معرفة "إلى أي مدى يمكن أن يتحول السلفي الحركي أو الدعوي إلى جهادي"، وهي نظرية تصبح وفقا لها كل جماعة سلفية مشروعاً جهادياً محتملاً في المستقبل، إذا ما توفرت الظروف الملائمة (كالاحتلال أو الظلم) مثلا، ولو لم تتوفر الظروف فإن التيارات السلفية في التحليل الغربي تبقى لتقدم دعماً بشرياً غير محدود للتيارات الجهادية.

 

وهذه الرؤية وإن كان لها وجاهة من بعض الزوايا إلا أنها تتجاهل من جهة أخرى الانتقالات التي تحدث بالتوازي من الجماعات الجهادية إلى صفوف التيارات السلفية السلمية، كما هو الحال مع جماعتي الجهاد والجماعة الإسلامية في مصر، وكما يحدث في دول كليبيا والجزائر وغيرها، فضلا عن حالات فردية عديدة سُجلت في هذا الإطار، كما تتجاهل مشروعية التحول مع الظروف المشروعة المفترضة.

 

وبشكل عام، يحمل السلفيون بكافة تنوعاتهم ومسمياتهم نظرة سلبية تجاه الغرب (قيمه، ومعتقده، ونظرياته، وأسلوبه في الحياة)، وقد وجه علماء ومفكري السلفية نقدا تفصيليا للنظريات والمناهج والسياسات الغربية، وأنتجوا كل ذلك بلغة سهلة لم يكن فهمها وقفا على السلفيين بل في متناول الجمهور العريض من المسلمين في كل مكان. وإن كان ذلك لا ينفي وجود صورة أخرى للغرب يقر له بها السلفيون، تتمثل في كونه متقدم صناعيا، به أرفع جامعات العالم ودور العلم، يملك حياة راقية اقتصاديا وتكنولوجيا، وبه قدر معقول من الحريات السياسية طالما تغنى بها السلفيون في بلدانهم التي ترزخ تحت نير الاستبداد.

 

لكن وبالرغم من ذلك، بقي الغرب في الوعي السلفي (محتل، داعم لنظم الحكم الاستبدادي المعادية للدين، ناهب للثروات، متبني للعصابات الصهيونية في اغتصاب فلسطين، ينفق الأموال الطائلة في سبيل نشر نصرانيته المحرفة، مصدر رئيس للأمراض الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، متربص، دائما يسعى إلى الهيمنة وفرض أنماطه ونظرياته ورؤاه).. وهي صورة لم تختلف الاتجاهات السلفية على تنوعها كثيرًا حولها، فهناك قدر لا بأس به من الاتفاق، وإن كان الاختلاف حاصل حول كيفية التعامل معها، أو كيف يكون رد الفعل المفترض تجاهها.

 

في مقال له تحت عنوان (عنصرية الرجل الأبيض) يقول ياسر عبد التواب ـ وهو سلفي مصري عاش فترة من حياته في أوروبا ـ يقول "ما يحدث في الغرب ينعكس علينا بشكل أو بآخر، انعكاسات أغلبها سياسية وفكرية وثقافية عميقة، فبسبب خوفهم من الإسلام يدعمون كل ما من شأنه إلهاء المسلمين… سياسيًا: بدعم أنظمة فاسدة؛ وثقافيًا: بتشويه صورته، ودعم كل من يسيء إليه: من كُتـَّاب، ومتسلقين ومشوهي الفكر؛ وكل هذا يعمق الهوة بيننا وبينهم".

 

فلم يكن الغرب بريئا في مواقفه من السلفية كرافد من روافد الصحوة الإسلامية، ولعل المتتبع لتاريخ الصراع بين الطرفين يقف على حقيقة مفادها أن الغرب كان مبادرا بالعدوان في أكثر من حلقة، على الأقل خلال العقود الأخيرة الماضية. ففي ندوة عقدت حول (العالم الإسلامي والغرب) إبريل 2007 ذهب الدكتور محيي الدين صالح -عميد المعهد الإسلامي في فرجينيا الشمالية- إلى أن المسار الفكري للعلاقات الغربية مع العالم العربي والإسلامي، يوضح جليًّا بأن هناك سوء نية من الطرف الأول (الغرب) في كثير من المسائل المتعلقة بنظرته للعالم الإسلامي، خاصة فيما يتعلق بالاستشراق، أو حوار الحضارات، أو التحالفات، أو حتى العولمة؛ ورأى أن للعولمة إسقاطات متعددة على رأس الحضارة العربية والإسلامية، ومنها: محاولة تهميش دور المسلمين في كل المحافل، والسيطرة على المقدرات التنموية والتقنية، واحتكار التصنيع العسكري.

وتحت عنوان (الإسلام.. الغرب.. وإمكانية الحوار) يقول (إبراهيم  محمد جواد): "إن الغرب اليوم لا يفهم لغة الحوار، بل ولا يريد أصلاً وجود طرف يفكر بالحوار… إن الغرب لا يفهم إلا لغة إملاء الإرادات على الغير، ويسمي هذا حواراً… إن الغربيين عندما يدعون إلى الحوار، إنما يدعون إلى حوار من هذا النوع، الذي يعني أن الآخرين مستعدون كل الاستعداد لتلقي أوامر الغرب وإراداته، الحوار الذي يبدأ وينتهي عند مصالحهم، وإن كل ما يمس هذه المصالح، أو يجادل وينافس في تلك الرغبات والإرادات الغربية فهو عندهم أصولية مرعبة، وراديكالية إرهابية متطرفة".

 

في مقابل ذلك، ركز أكثر السلفيين جهودهم على رد العدوان بأنواعه: الثقافي والأيديولجي (تصدى له مفكرون سلفيون ودعاة وكتاب)، أما العدوان العسكري فقد تطوع له الجهاديون الذين أداروا المعارك في ساحاتها، وإذ اتاحت الظروف لبعضهم الجهاد في فلسطين والعراق وأفغانستان من خلال عدد من التنظيمات الإسلامية التي حملت السلاح هناك، فإن البعض الآخر لم يهيأ له ذلك، فلجأ إلى أساليب أخرى كشن الهجمات في الدول الغربية، كما حدث في نيويورك 2001، ومدريد 2004 ، ولندن 2005، أو مقاتلة أنظمة الحكم المتحالفة مع الغرب، كما حدث في مصر والسعودية والأردن وغيرها.

 

وهذه هي إحدى أكبر مجالات الاختلاف داخل البيت السلفي، إذ جرى تشويه السلفية من قبل الآلة الإعلامية الغربية التي وجدت حجتها في بعض الممارسات الخاطئة من قبل الجهاديين، فأصبحت السلفية دليل عقيدة عنيفة، لا تقبل الآخر، وتتعامل معه بوحشية، ولا يُؤمن جانبها (اختطاف الطائرات لتفجيرها بمن فيها) وهو ما سهل على اليمين المتطرف المتحالف مع الصهيونية من خلال وجوده الكثيف في مراكز الأبحاث ودوائر السياسة ومؤسسات صناعة القرار في الغرب استكمال عملية التشويه، وقد فعلت الآلة الإعلامية فعلتها بما لهذه الآلة من قوة وإمكانيات.

 

إلا أن هناك بعض جهود أبدت الحرص على مخاطبة الغرب، وبكل السبل السلمية، سواء بذلت من قبل شخصيات وجهات دعوية، أو مراكز بحثية، أو وسائل إعلام، أو حتى من قبل بعض الجهاديين الذين وجهوا خطابهم في بعض المناسبات لمخاطبة المجتمع الغربي (كمطالبة بعض القياديين الشعوب الغربية بالضغط على حكوماتهم للانسحاب العسكري من البلاد الإسلامية المحتلة)، إلا أن النتيجة لا يمكن التعويل عليها بأي حال، فقد بقيت هذه الجهود متواضعة، فضلا عن مردودها الذي لم يكن محسوسا على أي إطار، وإن لم يكن جرى التشكيك في أغلبها من قبل الغربيين، الذين يرى أغلبهم أن لا مجال للنقاش أو حتى لسماع ما تلقيه هذه الأطراف السلفية من دعوات. يقول الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الجديد، ومفتى مصر السابق :"بذلت جهود ومحاولات من أجل توضيح الحقيقة على الجانبين الغربي والإسلامي، لكنها لم تؤت ثمارها المرجوة، وحالت دون ذلك عقبات كثيرة منها، عقبة التعميم المعيب من بعض الغربيين الذين يعممون أحكامهم المسيئة على الإسلام والمسلمين، وفى المقابل فإن بعض المسلمين في الشرق لم يتخلصوا من عيب التعميم حين وضعوا الغرب كله في سلة واحدة وحكموا عليه حكما كليا بأنه شر مستطير وعدو متربص بالإسلام والمسلمين تجب مواجهته وتحين الفرص لتحجيم آثاره".

 

حرب الأفكار

لعبت الأفكار دورًا كبيرًا في هذا التجييش الحاصل بين الطرفين (السلفية والغرب)، إذ كانت "حرب الأفكار" ـ كما سماها المنظرون الغربيون ـ من أجل كسب القلوب والعقول، بمثابة الجناح الآخر المساند للحملات العسكرية على العالم الإسلامي، خلال حقب تاريخية عديدة، حتى أمتدت إلى ما يمكن أن نطلق عليه عصر الحرب على ما يسمى (الإرهاب).

 

جاءت الدعوة لأهمية أن يدير الغرب حربا فكرية على العالم الإسلامي، على لسان أكثر من جهة وشخصية، وكان للأمريكيين الدور الأكبر فيها… وممن أطلق هذا المصطلح ووضع أسسه في بداية السبعينيات من القرن الماضي، القاضي الأمريكي (لويس باول) ، إذ كان يريد من نشره وتفعيله، مواجهة الأيديولوجيات المناهضة للرأسمالية. ومن بين من نادى به (دنيس روس) المبعوث الأمريكي السابق للشرق الأوسط ، وبول وولفويتز، نائب وزير الدفاع وأحد مهندسي غزو العراق، وكوندوليزا رايس، وتوماس فريدمان، وتوني بلير، وجورج بوش وغيرهم كثير. 

 

يقول بول وولفويتز: "إن معركتنا هي معركة الأفكار ومعركة العقول، ولكي نكسب الحرب على الإرهاب لا بد من الانتصار في ساحة الحرب على الأفكار"، أما توني بلير فيقول: "إذا كنتم تريدون أن تنقلوا الحرب إلى أرض الأعداء، فعليكم أن تهزموا أفكارهم ودعايتهم"، وفي خطابه في أعقاب هجوم سبتمبر، صرح جورج بوش، بالقول: "نحن نحارب في جبهات مختلفة عسكرية واقتصادية وسياسية وفكرية".

 

وقد اضطلعت كونداليزا رايس بدورها في تحديد الملامح الرئيسة لتلك الحرب، وذلك عندما كانت مستشارة للأمن القومي الأمريكي؛ إذ قالت في كلمة ألقتها بمعهد السلام الأمريكي عام 2002م: "لا بد من اتباع أساليب الحرب الباردة نفسها ضد الشيوعية لمواجهة أفكار الكراهية والموت في الشرق الأوسط". ثم صرحت في مناسبة أُخرى: "إن المهمة الأساسية في حرب الأفكار، تتعلق بالترويج للقيم الأمريكية المتمثلة في الحرية والديمقراطية ونظام السوق الحر".

 

في حين كان وزير الدفاع الأمريكي السابق (دونالد رامسفيلد) أول من أطلق شرارة هذه الحرب ضمن ما يسمى (الحرب على الإرهاب) عام 2003م حينما دعا إلى شنها مؤسساً بذلك لحملةٍ صليبيةٍ فكرية، موازية للحملة الصليبية العسكرية، قائلا: "نخوض حرب أفكار، مثلما نخوض حرباً عسكرية، ونؤمن إيماناً قوياً بأن أفكارنا لا مثيل لها"، وأردف: "إن تلك الحرب تستهدف تغيير المدارك، وإن من المحتم الفوز فيها وعدم الاعتماد على القوة العسكرية وحدها".

 

وقد نصت الورقة الرئيسية لاستراتيجية الأمن القومي الأمريكي على أن أحد أهم أدوات أمريكا في نشر مبادئها في الشرق الأوسط هو (شن حرب أفكار) مع اللجوء للخيار العسكري عند الحاجة إليه. كما لم تهدأ مراكز الأبحاث ومعاهد التفكير التي يهيمن عليها اليمين المتطرف في إصدار التقارير والدراسات التي تصب كلها في كيفية إدارة تلك الحرب، وتحديد أهدافها والوسائل الخاصة بها.

 

ويعد الصراع على العقائد جوهر حرب الأفكار ذلك لارتباط تلك الحرب بمعايير رضى الغرب عن المسلمين ومبادئهم وأفكارهم وأسلوب حياتهم، مع ضمان عدم معارضتهم لما يُطرح عليهم من قبله ثقافيا واجتماعيا واقتصاديا وأمنيا، يقول رامسفيلد: "نريد لشعوب الشرق الأوسط أن يكون إسلامها كإسلام الشعوب المسلمة في شرق أوروبا"، يقصد مسلمي البوسنة وألبانيا، الذين ذاب غالبيتهم في قاع الحياة الغربية، حتى صار الدين بالنسبة لأكثرهم مجرد انتماء تاريخي. فهي حرب لتغيير المرفوض وفق المعايير الغربية، وهو ما يحتم التطرق إلى مناطق تتعلق بجوهر الدين الإسلامي ذاته، مثل: كيفية فهم الإسلام، وتفسير القرآن والفـقه والتاريخ والتشريع، والأحوال الشـخصية، والعقيدة. فهي معركة الجانب الأكبر منها على الثوابت، تهدف إلى تغيير الإسلام في فهم واعتقاد متبعيه. ولا يُخفي عدد من المفكرين والكتاب الغربيين أن هذا بالفعل هو مفهومهم يقول (روبرت سبنسر) مدير موقع مراقبة الجهاد (jihad watch): "يجب على النهضة الإسلامية أو الإصلاح أن تكون إلغاء واضحاً للحرفية القرآنية".

 

وبمجرد وقوع أحداث 11 سبتمبر 2001 أنطلقت الأصوات الأمريكية، رسمية وغير رسمية، تتهم السعودية بالوقوف وراء الإرهاب، وتزعم أن المناهج التعليمية السعودية تعلم كره اليهود والغرب، وكان التقرير الذي أعدته مؤسسة (راند) من أبرز خطابات الاتهام الموجهة للسعودية حيث وصف الدولة التي تطبق الشريعة رسميا وتحتضن الحرمين الشريفين بأنها "دولة عدو تدعم الإرهاب" وأنه لا عدول عن هذا الوصف إلا بتغيير المناهج التعليمية المستمدة من الإسلام هناك.

 

وفي عام 2006 نشرت مجلة "يو إس نيوز" الأمريكية تقريرًا تحت عنوان "قلوب وعقول ودولارات"، جاء فيه أن "أمريكا لها مصالح متصلة بأمنها القومي ليس فيما يحدث داخل العالم الإسلامي وإنما داخل الإسلام ذاته كدين"، وهو ما يعني أن التوجه سيكون مباشرة صوب الإسلام نفسه باعتباره ساحة المواجهة. وذلك بهدف وضعه على أسس جديدة أو بمعنى آخر "تحديث الإسلام" من أجل تقديم خطاب مقبول ـ وفق المعايير الغربية ـ  يركز على المشترك بين الإسلام وبين الغرب؛ خطاب يخلو من أفكار الجهاد والقتال والولاء والبراء، ويخلو من العداء للكيان الصهيوني. يقول (فوكوياما): "لا أرى هناك سبباً يمنع من وجود شكل حديث للإسلام، فالتوفيق ـ برأيه ـ ممكن بين الإسلام كدين وبين الحداثة".

 

أحد وسائل الغرب في هذه الحرب هي دعم التيارات المعتدلة التي بينها وبين العالم الغربي قيم مشتركة، وقد وضع تقرير (راند) المعايير التي تحدد الفرق بين المعتدلين والمتطرفين في العالم الإسلامي، وكانت أهم معايير الاعتدال في نظر التقرير: "القبول بالديمقراطية" الغربية و"المصادر غير المتعصبة في تشريع القوانين"، بما يعني إلغــاء مرجعــية الشــريعة، و"نبذ العنف" أي التخلي عن الجهاد والمقاومة، و"احترام حقوق النساء والأقليات" وهو ما يستدعي إحلال المفاهيم الغربية محل الإسلامية فيما يتعلق بالنساء وغير المسلمين.

 

التـيارات التي سوف يستهدفها الدعم في العالم الإسلامي هي في حقيقتها تيارات مستنسخة من الغرب وجدت لتعمل على إيجاد إسلام متوافق مع القيم الغربية تكون مرجعيته الواقع المتغير وضغوطاته. ففي إطار دعمه لحرب الأفكار، طالب (توماس فريدمان) بأن تكثف أمريكا سياسة تغيير الأفكار بين شعوب الشرق الأوسط ، واقترح عليها أن تمنح خمسين ألف تأشيرة دراسية لطلاب عرب للقدوم إليها، ليكونوا هدفاً للتأثير الفكري المباشر!!. وفي عام 2004 أصدر المفكر الفرنسي جيل كبيل كتابا بعنوان "فتنة الحرب في قلب الإسلام"، اعتبر فيه أن العالم الإسلامي يعاني ما سماه "فتنة الإسلامية" وأن مسلمي أوروبا مصابون بهذه العدوى، وأنه لا خلاص من "فتنة الإسلامية" إلا عن طريق مسلمين جدد تربوا في أحضان الثقافة الأوروبية.

 

ومن الجدير بالاستغراب هنا التشكك الذي يبديه بعض المثقفين الغربيين في من يسمونهم المعتدلين، ففي مقال له بعنوان «كيف نحدد المسلمين المعتدلين؟» نشرته صحيفة (نيويورك صن)، يقول (دانيال بايبس) وهو واحد من أبرز الناقمين على الإسلام: "هـناك المزيـد مـن المعتـدلين المزيـفين الذيـن يصـعب الكشف عـن تطـرفهم، حتـى وإن كان المراقب هو مثلي ويكرس الكثير من الوقت والانتباه إلى هذه القضية". ويقدم بايبس توضيحاً أكثر لمراده، حيث يقول: "الإسلامويون يعون الحاجة إلى المسـلمين المعـتدلين وهـم يتـعلمون كيـف يتظاهرون بالاعتدال، ولا شك أن هذا التمويه سيتحسن مع الوقت".

 

وكان تقرير (راند) السابق ذكره قد صدر عام 2004 تحت عنوان (الإسلام المدني الديموقراطي، الشركاء والموارد والإستراتيجيات)، تحدث عن شركاء أمريـكا من "الإسلاميين الليبراليين" في فهـم الإسلام العصري أو الحداثي، وفي مقدمة التقرير رأت (شيريل برنارد) ـ وهي زوجة زلماي خليل زاده ـ أنه لا بد من التدخل لضبط أوضاع العالم الإسلامي لصالح التماهي مع الديموقراطية الغربية والتناسق مـع بقـية المنظـومة أي بناء إسلامي علماني حداثي، ومن ثم فمجال العمل هو "علمنة الإسلام" نفسه عبر إعادة تشكيله من جديد وفق المصالح والقيم الأمريكية والغربية.

 

والوصول إلى ذلك لا يكون إلا عبر تحركات تكتيكية يكون (الدولار) فيها هو الوقود المحرك، وهذا ما ذهب إليه تقرير راند (قلوب وعقول ودولارات) الذي نص على أهمية مزاحمة "العدو" على عقول الناس وقلوبهم، عن طريق تسخير الدولار، في تغيير الأفكار، باتجاه العلمنة والأمركة واللبرلة. ولذلك دارت الرحى على أكثر من صعيد وبوسائل متعددة، فجرى توظيف علماء، وأجهزة مخابرات، ومراكز أبحاث، إلى جانب وسائل إعلام مقروءة ومسموعة. وفي إطار (حرب الأفكار) كان مدير الاتصالات في البيت الأبيض (تاكر إسكيو) قد وضع خطة نشر المفاهيم والقيم الأمريكية، كُللت وقتها بتأسيس قناة (الحرة) الأمريكية وراديو (سوا) من أجل مخاطبة المسلمين بألسنةٍ أمريكية ناطقة بالعربية. وقد قال (تاكر) عند تأسيسه لهذه الوسائل الحربية الفكرية: (إننا نملك المال، ونملك الخبرة، ونملك الأفكار، ولن يستطيع أحد أن يقف أمامنا).

 

لكن وبالرغم من هذا التوظيف يبدو أن الحرب الغربية على الأفكار تجد تعثرا كبيرا جعل بعض قادتهم يقر بذلك، ففي عام 2006 اعترف رامسفيلد نفسه ـ وهو مُشعل (حرب الأفكار) ـ بأن أمريكا تخسر حربها الدعائية والفكرية ضد من وصفهم (المتشددين) الإسلاميين، وأضاف: "ينبغي إيجاد وسائل أخرى بديلة لكسب قلوب وعقول الناس في العالم الإسلامي، حيث نجح المتشددون في تسميم الأفكار عن أمريكا"، إلا أن هذا لا يعني إطلاقا أن الغرب يتراجع عن حربه الفكرية لا بل على العكس التفكير لا ينتهي لديه أبدا في البحث عن وسائل أنجح في تحقيق المقصود.

 

مستقبل ومآلات العلاقة

في أدبياته يتحدث الغرب كثيرًا عن "الحرب طويلة المدى" مع الإسلاميين، كان آخر مما صدر في هذا الشأن تقرير مؤسسة (راند) 2009 الذي جاء تحت عنوان (استكشاف مستقبل الحرب طويلة المدى: الدوافع والاهتمامات والدلالات) وهو يرى أن أمريكا باتت متورطة في حرب ذات مدى بعيد، يعتبرها البعض صراعا تاريخيا ضد أعداء الولايات المتحدة الساعين إلى توحيد العالم الإسلامي لإيجاد أمة إسلامية قادرة على أن تضع حدًّا لسيادة وزعامة الغرب. وفي تقرير دوري تصدره وزارة الدفاع الأمريكية كل أربع سنوات، رأى (البنتاجون) أن الحرب ضد الإرهاب ـ بشِقَّيْها الفكري والعسكري ـ يمكن أن تستمر لثلاثين عامًا أخرى، لأنها تمثل المرتكز الأكبر في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي لسنوات عديدة قادمة، ويذهب التقرير إلى أن "العالم كله هو ساحة تلك الحرب، وليس بلداً واحداً، أو قارةً بعينها".

 

وهو ما يدركه الإسلاميون ـ والسلفيون من بينهم ـ جيدا، ومن ثم تأكد أدبياتهم دوما وانتاجهم الفكري على أن لا سبيل أمامهم إلا استمرار المجابهة، سواء كانت (عسكرية، أو دعوية، أو فكرية، أو اقتصادية) حتى يرفع الغرب يده عن العالم الإسلامي، فتُحرر البلاد والعباد، وتُسترجع الحقوق، وتستمر الدعوة الإسلامية في طريقها دون أن يعوقها عائق. يقول (ياسر عبد التواب): "المطلوب منا في بلاد الغرب - كما في بلاد الإسلام-: تحصين الناشئة بالتركيز على العقيدة التي يراد مسخها اليوم تحت دعاوى التجديد, لأننا بإزاء حرب عالمية ممنهجة، ومخططة ضد الإسلام؛ فينبغي الحذر من محاولات تمييع عقيدة الولاء والبراء، أو التهاون في تتبع الشبهات وأهلها".

 

ومن ثم، فليس هناك دليلا على بشائر توافق تلوح في الأفق بين الطرفين، بل على العكس الشواهد كثيرة على استمرار حالة التجييش والاستعداء، بل وربما تتجه هذه الحالة إلى التصاعد خاصة في ظل ممارسات الاستفزاز التي تصدر عن الغرب من قبيل (الرسومات المسيئة، قضية مآذن سويسرا، الحرب على الحجاب ومطاردة المنتقبات، انتشار ثقافة كراهية المسلمين في الغرب والاعتداء عليهم) فقد أصبح الكثير من زعماء اليمين المتطرف الأوروبي اليوم يستعملون مصطلح (معركة أوروبا) للإشارة لوقوفهم في مواجهة تزايد أعداد المسلمين ومساجدهم هناك، ويكفي أن نلقي نظرة صغيرة على أدبيات حركة (أوقفوا الأسلمة)، التي برزت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في العديد من البلدان الأوروبية لكي نتعرف على كم الكراهية التي يجري تسويقها، حيث يراهن دعاة الكراهية على تجييش العواطف تحت دعاوى عديدة.

 

فالجهود في إطار تحسين العلاقة أو على الأقل تلطيفها تساوي لا شيء، حتى الآن، إن كان ثمة جهود تستحق أن تُذكر، وإن كان يمكن طرح فكرة أن يلتزم كل طرف بعدم التعدي على حقوق الطرف الآخر، مع الإقرار بالخلافات الموجودة بالفعل، فالنتيجة حتى الآن هي هي كما في سابقتها، بل من وقت لآخر تطفو على السطح بعض الممارسات على الجانبين تساهم في تأجيج الصراع، سواء: اعتداءات تقوم بها جهات غربية بحق سلفيين أو مسلمين عامة (هجمات الطائرات بدون طيار على سكان القبائل في باكستان، مصادرة أموال المؤسسات الإسلامية الخيرية، دعم الأنظمة غير الشرعية، إرسال مزيد من الجنود والعتاد لأفغانستان، استهداف المدنيين في أماكن الصراع، اصدار مزيد من التشريعات ضد النقاب في الغرب)، أو ممارسات للسلفيين بحق مواطنيين وجهات غربية (محاولة تدمير طائرة أمريكية من قبل شاب نيجيري، قتل وإصابة 13 ضابط في المخابرات الأمريكية على يد طبيب أردني بأفغانستان، قتل عدد من الأمريكيين على يد مجند مسلم في الجيش الأمريكي) وهي أعمال وإن كانت تصدر عن منتمين للسلفية الجهادية أو سائرين على هديهم إلا أنها تحسب في النهاية على السلفيين بل والمسلمين عامة.

 

في كتابه (صراع الحضارات) حاول صموئيل هنتجتون أن يثبت انه لا يمكن خلق أرضية مشتركة تمهد الطريق أمام حوار الحضارات أو ايجاد تواصل ايجابي وبناء بين الأمم والشرائع المختلفة حيث يقول: "إن الصراع على خطوط الصدع بين الحضارتين الغربية والإسلامية قد بدأ منذ أكثر من ألف وثلاثمائة عام، وعلى مدى القرون كان الاحتكاك المسلح بين الغرب والإسلام، ولم يهدأ أبداً، ومن غير المتوقع أن يؤول ذلك التفاعل إلى الزوال بل يمكن أن يصبح أكثر ضراوة .. إن الإسلام يمتلك حدوداً دموية". وقد نص تقرير لجنة التحقيق في أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م على ذلك التوجه، حيث جاء فيه: "إن العدو الرئيسي لأمريكا هو تيار إسلامي راديكالي متطرف، تعود مرجعيته إلى أفكار ابن تيمية وسيد قطب… ولا يوجد مجال للتصالح مع هذا التيار، ولا بد من عزله وتصفيته تماماً، لكن لا بد أولاً من منازلته في ميدان حرب الأفكار من أجل كسب الغالبية المحايدة التي يمكن أن تتحول إلى متعاطفة معه".

ـــــــــ

* هذه الورقة جزء من حلقة نقاشية نظمها "المركز العربي للدراسات الإنسانية" التابع لمجلة "البيان" السعودية.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ