-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 12/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


دورٌ منشود للمهاجرين العرب

صبحي غندور*

لعلّ المنطقة العربية هي حالة فريدة جداً بين مناطق العالم، فهي صلة وصل بين "الشمال" و"الجنوب"، وبين "الشرق" و"الغرب"، وبين قارات آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهي أيضاً مهبط الرسالات السماوية وأرض الحضارات القديمة، ومن تلك الأرض: أرض العرب، خرجت حضارة إسلامية وعربية امتدّت لكلّ الجهات الأربع وساهمت في إطلاق شعلة النهضة الأوروبية. وعلى أرض العرب أيضاً ثروات طبيعية ومصادر للطاقة العالمية تجعلها هدفاً دائماً للسيطرة وللأطماع الأجنبية.

وستبقى هذه المنطقة العربية ساحة صراع لقوى النفوذ الإمبراطوري، وسترتجّ أرضها لدى أي اختلال يحدث في الميزان الدولي القائم على علاقات "الشرق" و"الغرب" أو على تباينات "الشمال" و"الجنوب".

ولا يمكن لهذه المنطقة ككل، أو لأجزاء منها، أن تختار السلامة والأمن والتقدّم عن طريق العزلة، فهناك حتمية التنافس الدولي على هذه المنطقة وموقعها وثرواتها، لكن ليس هناك حتمية لنتائج هذه الصراعات، فالأمر يتوقّف أصلاً على مدى الاختلال الحاصل في الميزان العربي، وهو الآن يشهد اختلالاً في البنى الداخلية وفي العلاقات البينية بين الدول العربية، وبين الحكومات وشعوبها.

وباستثناء ظاهرة المقاومة ضدّ الاحتلال وبعض التجارب التنموية الناجحة في بعض دول الخليج العربي، هناك الآن حالة سوداويّة من الصّراعات العربيّة ومن غياب الأطر الجامعة، ومن انعدام القيادة السّليمة للأمّة. فالمشكلة اليوم هي في الفكر والأساليب معاً، في الحكومات وفي المعارضات، في الواقع وبالبدائل المطروحة له.

إنّ غياب العمل الفكري والسياسي السليم لمواجهة ما هو واقعٌ مرفوض ولبناء ما هو مستقبلٌ منشود، يعني دعوةً للآخرين إلى التحكّم بمصائر الواقع والمستقبل معاً.

فما أحوج الأمَّة العربية اليوم إلى "عمل نهضوي عربي شامل" يشترك فيه مجموعة من أبنائها المقيمين في بلاد العرب مع المنتشرين منهم في بقاع العالم، ليشكّلوا معاً روّاد النهضة وطلائع الإصلاح المتوجّب لأوطانهم وأمَّتهم.

إنَّ مأساة الأمَّة تكبر يوماً بعد يوم، ليس بسبب ما يحدث فيها وعلى أرضها فقط، بل نتيجة ما يخرج منها من كفاءات وأموال وأدمغة...

إنَّ التكامل الحاصل بين الولايات الخمسين الأميركية، يجعل صاحب الكفاءة أو رجل الأعمال الأميركي يهاجر من ولايةٍ ما، إذا ما اضطربت اجتماعياً أو أمنياً أو اقتصادياً، إلى ولايةٍ أميركية أخرى.. كذلك الحال الآن بين دول الاتحاد الأوروبي. فهي أمم تحتفظ بأدمغتها وأموالها وبشبابها وخبراتها، فلا تنضب ولا تُهاجر ثرواتها المادية والبشرية!

لقد توفَّرت للمهاجرين العرب إلى الغرب، فرصة العيش المشترك فيما بينهم بغضِّ النظر عن خصوصياتهم الوطنية، وبالتالي توفَّر إمكان بناء النموذج المطلوب لحالة التفاعل العربي في أكثر من مجال. أيضاً أتاحت لهم الإقامة في الغرب فرص الاحتكاك مع تجارب ديمقراطية متعدّدة من الممكن الاستفادة منها عربياً في الإطارين الفردي والمجتمعي. لذلك فإنّ للمهاجرين العرب خصوصية مميّزة في عملية الإصلاح العربي المنشود، لأنهم أشبه بنُجاةٍ من سفينة معطَبة مهدّدة بالغرق، أحسنوا السباحة وتعبوا حتى أدركوا "شاطئ البرّ والأمان" هنا أو هناك، لكنهم تركوا خلفهم في عرض البحر، "سفينة" الأهل والأقارب والأصدقاء، تتخبّطهم الأمواج العاتية كل يوم. ولن يكفي نفعاً الجلوس على "مقاهي شاطئ البر" لتحليل اتجاه الرياح ومدى مسؤولية "ربّان السفينة".. لن يكفي ذلك لإنقاذ من، وما تركوه خلفهم، بل إن مسؤوليتهم هي في إرسال "قوارب النجاة" ومساعدة طاقم المصلحين للسفينة العربية المحتمل وجودهم وسط العرب في الداخل وفي الخارج!!

لكن للأسف، فإنّ معظم المهاجرين العرب يعيشون الآن محنة ارتجاج وضعف في هويّتهم العربية وفي هُويّة بلد الهجرة نفسه. فالمهاجرون العرب، أينما وُجِدوا، ينتمون عملياً إلى هويتين: هويّة أوطانهم العربية الأصلية ثمّ هويّة الوطن الجديد الذي هاجروا إليه. وقد تفاعلت في السنوات الأخيرة، خاصّة عقب أحداث 11 سبتمبر 2001، جملة تطوّرات انعكست سلبياً على الهويتين معاً. وقد عانى الكثير من العرب في الغرب من هذا الشعور السلبي حيالهم وحيال كل ما يمتّ بصلة إلى العرب والعروبة والإسلام.

الأخطر من ذلك عند المهاجرين العرب، هو التشكّك الذاتي الحاصل لدى بعضهم في هويّته الأصلية العربية، ومحاولة الاستعاضة عنها بهويّات فئوية بعضها ذو طابع طائفي ومذهبي، وبعضها الآخر إثني أو مناطقي أو في أحسن الحالات إقليمي. وربّما يرجع سبب ما يحدث من تراجع وضعف في مسألة "الهويّة العربية" إلى طغيان الانقسامات وسمات مجتمع "الجاهلية" على معظم المنطقة العربية، وانعكاس هذا الأمر على أبنائها في الداخل وفي الخارج.

إنّ الدور المنشود عربياً من المهاجرين العرب يُحتّم عليهم أولاً تحسين وإصلاح ما هم عليه الآن من خلل في مسالة الهوية ومن سلبية تجاه مؤسسات العمل العربي المشترك في الغرب.

ولا أعلم لِمَ لا يستفيد المهاجرون العرب من تجارب سابقة في الهجرة العربية للغرب، كان في مقدّمتها في مطلع القرن العشرين تجربة الأدباء العرب ذوي الأصول اللبنانية، الذين أستوطنوا في معظمهم بمدينة نيويورك الأميركية وشكّلوا فيما بينهم "الرابطة القلمية" بمبادرة من الكاتب والمفكر جبران خليل جبران، حيث كانت هذه "الرابطة" نموذجاً لما نحتاجه اليوم في دول المهجر من منتديات وروابط وجمعيات تقوم على أساس المشترك من الهُوية الثقافية والاهتمامات والعمل، لا على الأصول الوطنية والطائفية والمناطقية.  فعلى الرغم من أنّ كل هولاء الأدباء الذين جمعتهم "الرابطة القلمية" كانوا من أصول لبنانية ودينية مسيحية فإن "رابطتهم" كانت الأدب العربي، فلم يجتمعوا أو يعملوا في أطر فئوية، ولم يُطلقوا على أنفسهم أسم "الرابطة اللبنانية" أو "الرابطة المسيحية". فكان "قلمهم" من أجل نهضة أوطانهم ووحدة شعوبهم ومن أجل الإنسان عموماً بغضَّ النظر عن العنصر والدين. كذلك فعل أدباء المهجر آنذاك في أميركا الجنوبية حيث أسسوا "الرابطة الأندلسية" التي برزت فيها أسماء رشيد سليم الخوري وفوزي المعلوف وآخرون.

وفي فترة زمنية متقاربة مع فترة تأسيس "الرابطة القلمية" في نيويورك، حدثت تجربة الإصلاحي الإسلامي الشيخ محمد عبده من خلال تأسيس مجلة "العروة الوثقى" في باريس. وكما حرص الشيخ محمد عبده على توظيف منبره (العروة الوثقى) لإصلاحيين ومفكريين آخرين، كان في مقدّمتهم الشيخ جمال الدين الأفغاني، كذلك كانت "الرابطة القلمية" التي أسّسها جبران منبراً لعدد مهم من المفكرين والأدباء كميخائيل نعيمة وإيليا أبو ماضي. فهذا النموذج من المهاجرين العرب أدرك واجبه ومسؤوليته في إصلاح المجتمع الذي هاجر منه، وفي المساهمة الفكرية والعملية بتقديم المشروع النهضوي المطلوب، وفي جعل بلد المهجر مصنعاً لخميرة إيجابية جيّدة وجديدة، لا مرآةً تعكس سلبيات الأوطان التي هاجروا منها. ولم يجد هؤلاء في "الآخر" منهم منافساً بل مكمّلاً لعطائهم. تعلّموا الكثير من بلدان الغرب لكن لم يفقدوا هُويّتهم ولا نسوا أوطانهم. حافظوا على لغتهم وثقافتهم في بلاد المهجر لكن كانوا فاعلين إيجابيين أيضاً في مجتمعاتهم الجديدة. كان همّهم الأول في "الشرق" وإن كان تواجدهم في "الغرب". استفادوا من حسنات المكان لكي يساهموا في تغيير سيّئات زمن أوطانهم.

ـــــــــــــــــ

* مدير "مركز الحوار العربي" في واشنطن

alhewar@alhewar.com

______________

ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين

وويل لأمة تلبس مما لا تنسج ، وتأكل مما لا تزرع ، وتشرب مما لا تعصر ،

وويل لأمة تحسب المستبد بطلا ، وترى الفاتح المذل رحيما

ويل لأمة مقسمة الى اجزاء --- وكل جزء يحسب نفسه امة "

من كتاب "حديقة النبي" - جبران خليل جبران

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ