-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 05/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


المقاومة العراقية ومعايير حركات التحرر الوطني

د. خالد المعيني*

هناك خلط حاصل في تداول بعض المفاهيم في الشأن المقاوم العراقي ، ويأتي في مقدمة ذلك تداخل مفاهيم المقاومة مع حركة التحرر الوطني ، وقد يصلح هذا الخلط في إطار التأثير الإعلامي والنفسي ، إما على المستوى السياسي فإن معالجة هذا الأمر إنما تأتي استجابة لحاجة ماسة في هذه المرحلة لتشكيل وعي عميق في فهم منحنى تطور تجربة المقاومة في العراق ، والمساهمة عبر جهود علمية سياسية جادة ورصينة في بلورة مفهوم واسع لتجربة هذه المقاومة الفريدة ، يخرجها من مستوى المحلية إلى العالمية ، ومن التخندق الفئوي ومحاولات حصرها في البعد العسكري رغم أرجحيته إلى رحاب مجالها الوطني ، كي تصلح في نهاية المطاف كإطار واسع وحقيقي لقضية العراق وبديل مستوفي لكافة أركان المكافئ السياسي ، يستطيع استيعاب كافة أشكال الحراك العراقي المقاوم والرافض والمناهض للاحتلال ومشروعه في العراق ، ويفي بمتطلبات تكامل وتناغم أشكال المقاومة العسكرية والسياسية والمدنية .

 

المعايير القانونية والدولية

 

 لم تكن كلمة المقاومة متداولة في أدبيات القانون الدولي ونصوص الاتفاقيات الدولية الواردة بشأن الصراعات والحروب ، وإنما ورد مصطلح الميليشيات التي تسير خلف الجيوش كما ورد في بنود اتفاقية لاهاي عام 1907.

 

 إلا أن مصطلح المقاومة قد ورد لأول مرة في اتفاقيات جنيف الثالثة سنة 1949 التي شرعت لأول مرة شروط تصنيف المقاوم في المادة 4 / أ - 2 ، ومن الجدير بالذكر هنا إن الدوافع الحقيقية لهذا التصنيف كانت تخص مصالح الشعوب الأوربية حصرا, حيث شهدت معظم دول أوربا حركات مقاومة ضد الاحتلال العسكري الألماني ( فرنسا ، يوغسلافيا ..... ) ولأن أوربا لم تتعرض لظاهرة الاستعمار, وهناك فرق بين الاحتلال وبين الاستعمار, فنجد إن حقوق الشعوب الأخرى التي كانت تتعرض في نفس تلك المرحلة لظاهرة الاستعمار الأوربي لم تحظى بأي اعتراف رغم ورود نص عام حول حق الشعوب في تقرير مصيرها في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة ، لكن هذه المادة بقيت غامضة دون تحديد الآليات .*

 

 جاء التحول النوعي في تطور مفهوم المقاومة من خلال دورات مؤتمر جنيف الدبلوماسي للعمل على إنماء وتطوير قواعد القانون الدولي الإنساني , المطبق على النزاعات المسلحة هذه الدورات التي عقدت في جنيف بين عامي 1974- 1977 , والتي توجت بإقرار البروتوكولين الإضافيين لاتفاقيات جنيف , وتم التوقيع عليها في 10 حزيران 1977, وكانت محطة فاصلة ومهمة في تطور القانون الدولي لتقنين تحريم حرب العدوان, وحق الشعوب في تقرير المصير, وغيرها من القضايا التي تحمي أفراد المقاومة المسلحة ضد المحتل, فاعترفت بمشروعية حق الشعوب في مقاومة الاحتلال والاستعمار واعتبار المنازعات المسلحة الناجمة عن نشاط حركات التحرير بمثابة نزاعات مسلحة دولية , وكان للاتحاد السوفيتي السابق والمنظومة الاشتراكية دورا بارزا في دعم حق هذه الشعوب في تقرير مصيرها ، ودخول حركات التحرر الوطني إلى ساحة المنظومة الدولية والى الجمعية العامة للأمم المتحدة .

 

 لقد حولت بروتوكولات عام 1977 الإضافية والملحقة باتفاقية جنيف, حركات التحرر الوطني إلى لاعب رسمي معترف به في النظام السياسي الدولي وأضفت عليه أهلية وطنية كي تذهب هذه الحركات وتفاوض باسم شعبها .

 

 يأتي هنا بيت القصيد في ضرورة التفريق بين مفهوم المقاومة ( بمحتواها العسكري ) الذي ورد تصنيفه وشروطه في اتفاقية جنيف الثالثة سنة 1949 وبين مفهوم حركة التحرر الوطني المستوفية لشروط تمثيل الشعوب المقهورة كما وردت عام 1977 في البروتوكول الخاص والذي يعطيها حق ومشروعية تمثيل شعوبها رسميا في المحافل الإقليمية والدولية بما في ذلك التفاوض وتوقيع الاتفاقيات .**

 

شروط المطابقة اللازمة

 

 لكن ما هي شروط حركات التحرر؟ فهناك فرق كبير بين حركات التمرد أو الميليشيات وبين حركات التحرر الوطني طبقا للقانون الدولي الذي يرتب طبقا لذلك اعتبارات وانعكاسات سياسية ودبلوماسية ، فحركات التحرر الوطني طبقا للقانون الدولي بمثابة صيغة متقدمة ومتطورة لظاهرة المقاومة بعد أن تستوفي عدة شروط لازمة للتحول إلى وصف حركة تحرر وطني ، تماما على شاكلة تجارب جبهة التحرير الوطني الجزائرية والمجلس الوطني الفلسطيني وجبهة التحرير الوطنية الفيتنامية مع خصوصية كل تجربة في إطار ظرفها الزماني والمكاني والاجتماعي والدولي .

 

 

 

1- أن تكون هذه الحركات تحارب سلطة احتلال ، أي واقعة فعليا تحت الاحتلال ، وأن يكون هدفها تحرير أوطانها من الاحتلال ، وتقرير مصير شعوبها المقهورة ، وعدا ذلك فإن هذه الحركات ضرب من ضروب التمرد.

 

2 - أن تكون معظم فصائل المقاومة المسلحة منظوية تحت إطار جبهة وطنية موحدة مستكملة لمنظومة القيادة والسيطرة إضافة لبقية المقومات السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية تشترك فيها معظم القوى والهيئات والشخصيات والأحزاب بغض النظر عن الاعتبارات الطائفية والعرقية .

 

3 - تعرض هذه الجبهة برنامجا ومنهاجا سياسيا واقعيا يحمل في طياته مشروعا نهضويا متكاملا لبناء الدولة المستقلة والحديثة .

 

4 - تحظى هذه الجبهة ومشروعها السياسي برضا والتفاف معظم شرائح الشعب الذي تناضل من أجل حريته واستقلاله وسيادته .

 

 وهكذا فإن قيمة القتال والعمل المسلح تكمن في حدود أهدافه السياسية النهائية ، إن القتال بحد ذاته ليس أكثر من وسيلة ولا يمثل غاية الشعوب المغلوبة على أمرها، والقوة الحقيقية في حركات التحرر الوطني ، إنما تكمن في أصل الأفكار والأهداف التي تقف خلف من يحمل السلاح ومدى وضوحها ونضجها وعقلانيتها وانسجامها مع تطلعات ورغبات الشعب وقدرتها للاندفاع إلى المستقبل .

 

الفوائد الإستراتيجية الناجمة

 

 وباستكمال هذه الشروط ستحظى المقاومة بما لا يقبل الشك بفرصة أكبر لاستعادة روح المبادرة والمبادأة وتعطيها زخما دافعا جديدا إلى الأمام ، ويمكن أجمال النتائج الايجابية لهذه الانتقالة في تطور حركة المقاومة العراقية الوطنية :

 

 1 - المساهمة في استعادة التفاف الحاضنة الشعبية مرة أخرى بعد تكرار فشل مشاريع الاحتلال السياسية وتساقط رموزها . وزيادة مساحة الأمل والثقة بالنفس للأجيال العراقية الناهضة والمتمردة على الاحتلال ومشروعه في العراق .

 

 2 - يفتح بلا شك بوابات أوسع للعلاقات الخارجية والتمثيل في المحافل الدولية والإقليمية لانتزاع شرعية المقاومة العراقية ، لأنها ستتيح حرية أكبر للأنظمة الرسمية والمنظمات الإقليمية والدولية في إمكانية التعامل مع ممثلين عن المقاومة العراقية في إطار حركة تحرر وطني بدلا من التعامل خلسة مع هذا الطرف أو ذاك ، نتيجة لعدم استقرار مرجعية سياسية وطنية موحدة ذات خطاب سياسي موحد .

 

3 – استثمار الفوز العسكري الهائل الذي أنجزته المقاومة العراقية في صراعها ضد قوات الاحتلال واستكمال الهدف الجوهري من خوض هذا الصراع والمتمثل بالأهداف السياسية النهائية الواضحة .

 

4 – ضمان حقوق دماء شهداء وأسرى ومعتقلي المقاومة العراقية وعوائلهم طبقا للقانون الدولي الذي يتعامل مع قتلى وأسرى حركات التحرر الوطني في ظل حالات الاحتلال المستوفية للشروط ، كجنود نظاميين وأسرى حرب ، الأمر الذي يرتب تعويضات مادية ومعنوية مستقبلية .

 

5 – ستكون هذه الخطوة بمثابة إنتقالة نوعية وعميقة في مجرى ومنحنى الصراع ، وسيكون لها انعكاسات إيجابية وتأثيرات مركبة في كافة جوانب العمل المقاوم ، وستضع حدا لحالة التشرذم الذي تعاني منه ضفة القوى الوطنية المناهضة للاحتلال ، كما إن هذه الخطوة ستكون كفيلة بإغلاق تجارة الدكاكين والأكشاك ، التي تتاجر بدماء شهداء المقاومة وتطلعات الشعب العراقي من خلال طرح المشاريع الوهمية ذات الحمل الكاذب بين الحين والآخر .

 

6 – ستتيح هذه الخطوة قدر أكبر من المرونة وحرية الحركة والمناورة بالقدرات والإمكانات المتاحة لكافة الفصائل الكبيرة منها أو الصغيرة أو الناشئة حديثا ، من خلال التكامل والتعشيق وتركيز الجهود وتكثيفها في كافة الميادين .

 

 في نموذج تطور تجربة المقاومة العراقية الوطنية التي تطورت عبر عدة مراحل ، التي انبثقت في البداية كرد فعل شعبي وطني وعفوي واسع ضد الاحتلال ، لم يلبث أن تطور على هيئة مئات الفصائل والمسميات وكانت أقرب إلى ثورة شعبية ضد الاحتلال إذا ما قورنت بعدد العمليات العسكرية ضد قوات الاحتلال في المراحل الأولى, ثم نضجت هذه الفصائل فتمخض عنها عدة جبهات واضحة المعالم والقيادات والبرامج ، ومن المهم هنا الإشارة إلى إنه وبسبب استمرار حالة الاحتلال الأمريكي المباشر للعراق وعلى العكس من بعض حركات المقاومة في المنطقة ، فإن طبيعة فصائل المقاومة العراقية تعد مستوفية لشروط ومعايير حركات التحرر الوطني ولكن بشرط إنجاز الحلقة الأخيرة من منحنى تطورها ، واستكمال الشروط الواردة أعلاه في المعايير الدولية من خلال إعلان الإطار والجبهة السياسية العريضة التي تستوعب الحراك المناهض للاحتلال بكافة أشكاله وألوانه .

 

 مما تقدم فإن الدعوات المتكررة من قبل بيوت الخبرة والسياسيين والمفكرين بضرورة إنجاز مشروع متكامل للمقاومة العراقية والتئام معظم الفصائل المقاومة والقوى السياسية المساندة لها في إطار جبهة وطنية عريضة أو في مجلس سياسي وطني ، لا تأتي من باب الترف وإنما تأتي استجابة موضوعية واستحقاق حاكم لا غنى عنه ، وضرورة لا يمكن لأحد أن يستمر في تجاهلها أو التكاسل و التغافل عنها، ولعله في استكمال هذه الشروط مع حصول متغيرات إيجابية على المستوى المحلي والإقليمي والدولي التي تأتي في مقدمتها هزيمة القوات الأمريكية في العراق وانتصار الشعب العراقي على ثقافة الاحتلال والأفكار الظلامية وهزيمته للفتنة الطائفية والعرقية ، كفيلة بإنجاز المرحلة الأخيرة من تحرير الأرض والإنسان في العراق .

ـــــــــ

*باحث في مركز دراسات الاستقلال

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ