-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 05/04/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


بعضا من مظاهر وسطية الإسلام

طريف السيد عيسى - السويد

تعددت الطروحات التي تتحدث عن وسطية الإسلام .

فصنف يعترف بها ويدعوا لها وهؤلاء ينظرون للإسلام كما يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي :

(إن الإسلام المنشود، هو الإسلام الأول، إسلام القرآن والسنة، سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وسنة الراشدين المهديين من بعده، إسلام التيسير لا التعسير، والتبشير لا التنفير، والرفق لا العنف، والتعارف لا التناكر، والتسامح لا التعصب، والجوهر لا الشكل، والعمل لا الجدل، والعطاء لا الادعاء، والاجتهاد لا التقليد، والتجديد لا الجمود، والانضباط لا التسيب، والوسطية لا الغلو ولا التقصير.

إسلام يقوم على عقيدة روحها التوحيد، وعبادة روحها الإخلاص، وأخلاق روحها الخير، وشريعة روحها العدل، ورابطة روحها الإخاء، وثمرة ذلك كله حضارة روحها التوازن والتكامل.

هذا الإسلام وحده هو الذي يقربنا من العالم، ويقرب العالم منا، وهو الإسلام الذي تتبناه الصحوة الإسلامية، أو ما يجب أن تتبناه الصحوة بكل فصائلها، فلا يخفى أن من فصائلها ما هو في حاجة أن يتجاوز طور المراهقة إلى الرشد.).

 وصنف يعتبرها تحلل من الدين وتمييع له , وهؤلاء أخذوا منحى التشدد والغلو بعيدا عن مقاصد الشريعة وعلل الأحكام وفقه المصالح والمفاسد ووضعوا للإسلام صورة نمطية وليسوا مستعدين للتخلي عنها .

 وصنف يتحدث عن الوسطية ليقدم لنا الإسلام بنسخة غربية , وقد نزعوا من الإسلام روحه و مضمونه .

أحاول في هذا المقال التطرق لبعض مظاهر الوسطية كي نتعرف على حقيقتها ,وكي نقديم الإسلام كما هو بفهم سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين , لا كما يريد البعض تقديمه كل حسب فهمه , وهذا الفهم يتراوح بين إفراط وتفريط من قبل البعض , وذكر هذه المظاهر لايعني أنها إحاطة بكل وسطية الإسلام ,كما أنني لا أدعي السبق في الكتابة في هذا المجال فلقد سبقني أفاضل لذلك وكان لهم جهد طيب ومميز والسبق في هذا المجال , لكنها مساهمة متواضعة , فدين الله أعظم من أن يحيط به عبد فقير مثلي

1-        الإسلام دين شامل:

 لكل مظاهر الكون والحياة في مجال العقائد والعبادات والنظم والتشريعات والمعاملا والأخلا والسلوك والآداب .

 الإسلام هو دين الله الذي أنزل به آخر كتبه، وبعث به آخر رسله، ليخرج به الناس من الظلمات إلى النور بإذن

 ربهم إلى صراط العزيز الحميد .

 يقول الله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) سورة المائدة – 3.

 ويقول أيضا ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة – 143 .

 ويقول أيضا ( قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ) الأنعام – 162.

2-        مرجعية المسلمين الكتاب والسنة:

لاخلاف أن مرجعية المسلمين الكتاب والسنة , ويتم فهمهما في ضوء قواعد اللغة العربية دون تكلف ولا تنطع ولاتشدد ولا غلو ولا شطط , وتفهم الفرعيات والجزئيات وفق المقاصد العامة للشريعة الإسلامية , ويقع عبء

-1-

التأويل والتفسير والتوضيح على عاتق أهل العلم الذين توفرت فيهم المواصفات المعروفة .

والقرآن الكريم والسنة النبوية هما المصدران الأساسيان المعصومان اللذان نستمد منهما أحكام الإسلام جميعا.

(إن الكتاب والسنة هما المصدران القطعيان المعصومان اللذان لا يخالف مسلم صحيح الإسلام في حجيتهما بخلاف الإجماع والقياس، ففيهما كلام كثير مذكور في أصول الفقه. وإن كان جمهور الأمة يعتبرونهما.) مدخل لمعرفة الإسلام – فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي .

فما وجد في بطون كتب الفقه من ذلك في تاريخ الإسلام وتراثه إنما هي اجتهادات بشر غير معصومين، في فهم الإسلام والعمل به، يؤخذ منهم، ويرد عليهم، من أصاب منهم فله أجران، ومن أخطأ فله أجر، مادام هذا الاجتهاد صادرا من أهله بنية صالحة.

(أما عمل "العقل الإسلامي" في تفسير القرآن، وشرح الحديث، واستنباط الأحكام، فلا عصمة له في مفرداته وجزئياته. ولكنه ـ في مجموعه ـ ضروري لفتح المغاليق، وتبيين الطريق، وترشيد الفهم، وتسديد الاستنباط والاجتهاد، حتى لا تزل الأقدام، وتضل الأفهام.) مدخل لمعرفة الإسلام – فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي .

يقول الله تعالى ( ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) النحل 89.

ويقول أيضا ( ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لايعلمون ) الجاثية - 18.

(يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا ) النساء – 59.

(لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين)

(ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم ما يؤكد وجوب العمل بسنته فقد ورد عنه أنه قال فى حجة الوداع:

تركت فيكم أمرين ما أن أعتصمتم بهما فلن تضلوا ابدا : كتاب الله وسنه نبيه (.

3-        الوسطية هي منهج السلف الصالح :

 ولايجوز التعصب لواحد منهم , فكلهم أهل فضل , ونأخذ الحق من أي واحد منهم , ويجب قبول الحق ممن جاء حتى لو كان بعيدا بغيضا , ونرد الخطأ وإن جاء من قريب حبيب .

كما لايمكن لفئة مهما بلغت أن تدعي أنها هي الوحيدة على منهج السلف , فكل مسلم موحد يتبع كتاب الله وسنة نبيه فهو على منهج السلف .

يقول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) المائدة – 8.

ويقول أيضا ( يا ايها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما تعملون خبيرا ) النساء – 135.

4-        مراعاة السنن الكونية :

 الدعوة لدين الله يجب أن تراعي السنن الكونية , وأوضاع المجتمع , والعادات , وطاقات الناس وإمكانياتهم

 وقدراتهم البشرية والعقلية , وخصوصية الزمان والمكان , وكل ذلك وفق القواعد الشرعية العامة .

 ( سنة الله قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا ) الفتح – 23.

 ويقول تعالى ( لايكلف الله نفسا إلا وسعها ) البقرة – 286.

 ويقول أيضا ( لايكلف الله نفسا إلا ما آتاها سيجعل الله بعد عسر يسرا ) الطلاق – 7.

 

-2-

5-        التثبت :

 يجب تجنب الإعتماد على الأوهام , والتفتيش في القلوب , والتنقيب في النوايا , وأن ينصب البعض أنفسهم قضاة

 على البشر ليحاكموهم حتى في القضايا الخلافية التي أباح الإسلام الإختلاف حولها .

 كما يجب الحذر وتجنب إطلاق الكفر , والتفسيق , والتبديع بحق كل مخالف , مالم يصرح بذلك بشكل جلي وواضح ولا يقبل التأويل , ومن غير جهل ولا خطأ ولا إكراه .

 فهناك فئة من المسلمين لاهم لهم , ولاشغل لهم , إلا التكفير والتفسيق والتبديع والتصنيف , ولايسلم منهم عالم , ولاطالب علم , ولا داعية , ولامفكر .

يقول الله تعالى ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا تبتغون عرض الحياة الدنيا فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا إن الله كان بما تعملون خبيرا ) النساء – 94.

( وفي الحديث المتفق عليه عن أبي هريرة رضي الله عنه . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا قال الرجل لأخيه يا كافر فقد باء به أحدهما ) .

( وفي صحيح مسلم . أن أسامة بن زيد قال : بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سرية فصبحنا الحرقات من جهينة , فأدركت رجلا , فقال : لا غله إلا الله فطعنته فوقع في نفسي من ذلك , فذكرته للنبي صلى الله عليه وسلم , فقال رسول الله أقال لا غله إلا الله وقتلته ؟ قال : قلت يارسول الله إنما قالها خوفا من السلاح . قال : أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أملا . فما زال يكررها علي حتى تمنيت أني أسلمت يومئذ ).

6-        ذروة سنام الإسلام الجهاد :

 لايمكن حصر الجهاد بصورة القتال فقط , بل تتعدد صور الجهاد , فهناك الجهادالمالي , والجهاد السياسي , والجهاد الإعلامي , والجهاد الفكري , وجهاد النفس , والقتال , وكلها وسائل شرعية لتحقيق وحماية الدين , فالجهاد أوسع من أن نحصره في القتال فقط .

 ( يتحدث فضيلة العلامة يوسف القرضاوي في كتابه فقه الجهاد عن موقف الناس من الجهاد ويقسمهم إلى ثلاث فئات فيقول عن الفئة الأولى : فئة تريد أن تُهيل التراب على الجهاد، وأن تسقطه من حياة الأمة، وأن تجعل أكبر همِّها ومبلغ علمها: أن تربِّي الأمة - كما تقول - على القِيَم الروحية، والفضائل السلوكية، وتعتبر هذا هو (الجهاد الأكبر): جهاد النفس والشيطان.

ويقول عن الفئة الثانية فيقول : وفي مقابل هذه الفئة: فئة فهمت الجهاد على أنه (قتال العالم كله): مَن حارب المسلمين أو وقف في سبيل دعوتهم، أو فتن المسلمين في دينهم ... ومَن ألقى إلى المسلمين السلم، ومدَّ يد المسالمة والمصالحة للمسلمين، فلم يَشهَر في وجوههم سيفا، ولم يظاهر عليهم عدوا. فكل الكفار عند هذه الفئة سواء في وجوب مقاتلتهم إذا كان المسلمون قادرين، فالكفر وحده سببٌ كافٍ لقتال غير المسلمين!

ويختار المنهج الوسطي الذي تمثله الفئة الثالثة فيقول :والفئة الثالثة، هي (الأمة الوسط)، التي هداها الله إلى الموقف الوسط، وآتاها العلم والحكمة، ورزقها البصيرة في فقه الشرع، وفقه الواقع، فلم تقع في تفريط الفئة الأولى التي تريد للأمة أن يبقى حقها بلا قوة، ومصحفها بلا سيف، وأن تبقى دارها بلا حُرَّاس، وحرماتها بلا حُماة.

كما لم تقع في إفراط الفئة الثانية وغلوِّها، التي تريد أن تقاتل المسالمين، وتشنَّ الغارة على الناس أجمعين، وتعلن الحرب على الأحمر والأسود، والشرق والغرب، بدعوى أنها تسوق الناس إلى الله، وتقودهم بالسلاسل إلى الجنة، وتأخذ بأيديهم قسرا إلى الصراط المستقيم، وتزيل الحواجز المادية التي تضعها السلطات الطاغية أمامهم، فلا يُتاح لهم تبليغهم كلمة الله، ودعوة رسوله، ليسمعوها عالية صريحة، خالية من كل شَوب. ) .

-3-

(ولقد توسع ابن القيم في مراتب الجهاد فقال : لَمَّا كان الجهاد ذروة سنام الإسلام وقبته، ومنازل أهله أعلى المنازل في الجنة، كما لهم الرفعة في الدنيا، فهم الأعلون في الدنيا والآخرة، كان رسول الله - صلى الله

عليه وسلم - في الذُِّروة العليا منه، واستولى على أنواعه كلِّها: فجاهد في الله حقَّ جهاده بالقلب والجَنان، والدعوة والبيان، والسيف والسنان. وكانت ساعاته موقوفة على الجهاد، بقلبه، ولسانه، ويده. ولهذا كان أرفع العالمين ذكرا، وأعظمهم عند الله قدرا).

يقول الله تعالى : (الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون ) التوبة - 20.

فهنا يعتبر جهاد بالنفس وجهاد بالمال .

(وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : جَاهِدُوا الْمُشْرِكِينَ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ).

وفي هذا النص تأكيد على ثلاثة أنوع من الجهاد : اللسان , النفس , المال .

(وعَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ أَنَّ رَجُلًا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ, أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ) رواه أبو داود وابن ماجه عن أبى سعيد الخدرى مرفوعاً.

وفي هذا النص تأكيد على الجهاد السياسي .

وقال تعالى : (وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا فى الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )التوبة – 123.

فهذه الآية اعتبرت الجهاد في طلب العلم وتعليمه .

وكل ما يحدث من قتال بين المسلمين , أو قتل لبعض المسلمين , أو أعمال قتل للأبرياء , فكلها أعمال لاعلاقة للجهاد بها , بل هي مخالفة للمنهج الإسلامي, وكل الأدلة التي يسوقها أصحاب هذا الفكر , فهي شبهة دليل لايعتمد عليها .

إن الإسلام الدين الخاتم يمنع أذى الحيوان والعدوان عليه , فهل يقبل أذى الإنسان والعدوان عليه بغير حق؟ بل وأعظم من ذلك إنه يحرم العدوان على المسلم المصلي الذي يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

يقول الله تعالى : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) النساء – 93.

( أخرج البخاري . قال: صلى الله عليه وسلم: لا يزال المسلم في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً ).

إن أمر الدماء عند الله عظيم، فقتل الكافر بغير حق جرم عظيم.

( روى البخاري من حديث عمر رضي الله عنه: من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة) .

 ( قال ابن عمر رضي الله عنهما كما في الصحيح: إن من ورطات الأمور التي لا مخرج منها لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله).

وما ذاك إلا لأنها معظمة عند الله، ومن عظمها أنها أول ما يقضى فيه يوم القيامة من الحقوق.

( كما جاء في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: أول ما يقضى يوم القيامة في الدماء)

-4-

إن حرمة المسلم عظيمة عند الله، بل كما قال ابن عمر إن حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة.

7-        الإسلام منظومة يجب أن تحكم حياة الناس :

 وبالتالي لابد من العمل على تحكيم شرع الله , والعمل علىإصلاح الحكم والحكام, ويعتبر ذلك ضرورة شرعية بل لابد من مناصحة الحكام والعمل بفريضة الأمر

 بالمعروف والنهي عن المنكر , وهذا يدخل في باب الجهاد السياسي , أو جهاد الظلم والفساد والإنحراف.

 ومطلوب من المسلم ألا يكون ظالما وألا يكون عونا لظالم , بل من الواجب مواجهة الظلم والظالمين .

 يقول الله تعالى:

 ( وَلا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ ) هود - 113.

 عندما ننظر لواقع المسلمين وكيف يتعاملون مع الحكام فنجدهم عدة فئات :

 فئة لامبالية ولا يهمها إلا أن تعيش لإشباع رغباتها وشهواتها , ولايهمها فسد الحكم أم صلح , وهؤلاء كالأنعام .

 وفئة انسحبت من ميدان المناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , مع تأييد للحاكم وتبرير كل تصرفاته , بل تعمل على شرعنة تلك التصرفات من خلال الفتاوى المدفوعة الثمن , وتراهم يقفون بوجه كل من يدعوا للإصلاح والتغيير

 وفئة لاتجد سبيلا للتغيير والإصلاح إلا بالعنف واستخدام السلاح دون وعي ولا حكمة , ينشرون الفتنة , ويقتلون الأبرياء , ويكونون سببا في التضييق على العلماء والدعاة والعمل الإسلامي .

 وهناك تجارب عديدة في عالمنا الإسلامي استخدمت العنف والسلاح من أجل التغيير فكانت النتيجة الفشل .

إن قضية الخروج على الحكام لابد ان يكون فيها مصلحة راجحة يتفق عليها أهل العلم وأهل الحل والعقد حتى لايترك الأمر بيد الجهلاء والمتسرعين الذين يهدمون أكثر مما يعمرون .

لكن لايجوز تحت أي مبرر السكوت والمداهنة للظالم , بل لابد من الصدع بالحق , واستخدام كل السبل الممكنة في ضوء تقدير المصلحة والمفسدة .

(ففي الحديث المتفق عليه . عن جرير بن عبد الله قال : بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم ).

( وأيضا في الحديث المتفق عليه . عن جنادة بن أبي أمية قال : دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض . قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم . قال : دعانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لاننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان ) .

(روى الطبراني والبيهقي والبزار . عن ابن عباس قال . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سَيِّدُ الشُّهَدَاءِ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، وَرَجُلٌ قَامَ إِلَى إِمَامٍ جَائِرٍ فَأَمَرَهُ وَنَهَاهُ فَقَتَلَهُ ).

8-        الشورى والمشاورة قاعدة أساسية من قواعد هذا الدين :

 فهما ضروة من ضرورات العمل , ويجب أن تكون جزء ملازم لحياة ونشاط المسلمين , ويجب أن تتاح الفرصة لكل الآراء , وأن يفسح المجال لحرية الحوار والنقاش , ليتم التوصل لأفضل الآراء .

 ولاتوجد صيغة محددة ومعينة للشورى , ولايجوز فرض صيغة معينة , فأي صيغة تحقق الشورى فيمكن الأخذ

 والعمل بها .

-5-

 يقول الله تعالى : ( فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر فغذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين ) آل عمران – 159 .

 ( وفي سنن البيهقي وصحيح ابن حبان عن الزهري قال . قال ابو هريرة رضي الله عنه . ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . ) .

9-        الوسطية تعتبر أصوب الطرق والمناهج وأوضحها لأنها بعيدة عن الإفراط والتفريط :

 عندما نتحدث عن الوسطية فلا نغفل تعدد طرق ووسائل الدعوة , فلا حرج في ذلك , فالكل مأجور على ما يتبع من

 هذه الطرق والوسائل طالما أنها موافقة لشرع الله .

 يقول تعالى : ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا ) البقرة – 143 .

 ( وفي الحديث المتفق عليه . عن عمرو بن العاص : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا حكم الحاكم

 فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فاجتهد ثم أخطأ فله أجر ) .

 فالمفروض على كافة التيارات العاملة للإسلام أن تتعاون على البر والتقوى , وينسقون فيما بينهم بما يحقق النفع

 العام .

 ولا حرج من تقييم ونقد تجارب العمل الإسلامي حيث لاعصمة ولا قداسة لأي اجتهاد , وفي نفس الوقت إعطاء كل

 ذي حق حقه .

10-      إن وحدة المسلمين والدفاع عن قضاياهم والولاء لهم من أسس هذا الدين :

 ولا يمنع من مراعاة خصوصيات كل بلد أو قومية , مع التأكيد على عدم تقديم ذلك على أصول هذا الدين .

يقول الله تعالى ( إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ) الأنبياء – 92.

( وفي صحيح مسلم . عن النعمان بن بشير قال . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : المؤمنون كرجل واحد إن اشتكى رأسه تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر ) .

11-      الإنسان مخلوق كرمه الله :

 فلا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى , ويجب المحافظة على كرامة الناس وحقوقهم بغض النظر عن معتقداتهم وأعراقهم وألوانهم , فلا يجوز النيل من أي إنسان دون وجه حق بسبب ذلك .

كما لايجوز أخذ الناس بالشبهات دون دليل وتثبت , وإلا تصبح حياة الناس عرضة للإنتهاك لأتفه الأسباب .

يقول الله تعالى ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا ) الإسراء – 70.

12-(الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها ):

 مطلوب من المسلمين أن ينفتحوا على الحضارات الأخرى , أخذا وعطاء , ولا بد من التواصل والتفاهم والتعارف

 والتعاون مع الحضارات , شريطة عدم الذوبان في بوتقتهم وتقليدهم في كل شئ , أو التنازل عن ثوابت الدين .

 يقول تعالى ( يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن

 الله عليم خبير ) الحجرات – 13 .

 ديننا يدعوا إلى التفاعل الإيجابي مع الحضارات , والإستفادة من تجارب الآخرين , ورفض العزلة والإنغلاق ,

 وطالبنا بعدم التبعية للآخر .

 فنحن أمة صاحبة منهج رباني واضح , ولنا خصوصيتنا العقائدية والثقافية .

13-      الوسطية عدسة الأمة:

 ومن خلالها يتم النظر والتعامل مع كافة جوانب الحياة والكون والإنسان , فيتم التعامل مع

 الفطرة الإنسانية بكل بساطة وعفوية , لأن الوسطية هي فطرة الله التي فطر الناس عليها وبعيدا عن كل صور

-6-

 وأشكال الغلو والتطرف والتشدد والتنطع .

 ولا يعني ذلك انعدام الموقف الواضح , فالوسطية ليست موقف بين رذيلتين , بل هي تجمع كل أبواب الخير بتوازن .

 ( روى الإمام أحمد . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق ) .

 ( وروى البخاري . قال صلى الله عليه وسلم : إن دين الله يسر ) .

 ( وروى مسلم وأحمد . قال صلى الله عليه وسلم : إن الله عزوجل لم يبعثني معنفا , ولكن بعثني ميسرا ) .

 ( وروى البخاري . عن عائشة أنها قالت : ماخير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين في الإسلام إلا اختار

 أيسرهما , ما لم يكن إثما , فإن كان إثما كان أبعد الناس منه ) .

14-      وسطية الإسلام في العبادات :

 فرض الله العبادات مراعيا حال الإنسان , موازنا بين متطلبات الروح والجسد , وبين متطلبات الآخرة والحياة الدنيا , فلم يأمربالترهب والتنسك والإنقطاع للعبادة , كما لم يأمربالإنقطاع للدنيا , بل فرض بعض العبادات لتسمو الروح بعلاقتها مع الخالق عزوجل .

 (يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ إِذَا نُودِىَ لِلصَّلَوٰةِ مِن يَوْمِ ٱلْجُمُعَةِ فَٱسْعَوْا۟ إِلَىٰ ذِكْرِ ٱللَّهِ وَذَرُوا۟ ٱلْبَيْعَ ۚ ذَ‌ٰلِكُمْ خَيْرٌۭ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ. فإذا قُضِيَتِ ٱلصَّلَوٰةُ فَٱنتَشِرُوا۟ فِى ٱلْأَرْضِ وَٱبْتَغُوا۟ مِن فَضْلِ ٱللَّهِ وَٱذْكُرُوا۟ ٱللَّهَ كَثِيرًۭا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الجمعة 9-10

15-      الوسطية في التشريع :

 لقد جاء التشريع ليوزان بين متطلبات الفرد ومتطلبات المجتمع دون أن تطغى مصلحة أحدهما على الآخر .

 كما أن التشريع الإسلامي لم يتصادم مع فطرة الإنسان , فكان تشريعا متوازنا راعى العلاقة بين الكون والإنسان .

 ومن أهداف التشريع الإسلامي أنه يدعوا للإصلاح والقضاء على الفساد , كما جاء التشريع من أجل تبيلغ دعوة

 الله للعالمين , وليساوي بين الناس أجمعين , ويمنح الحرية للناس , ويدعوا للسماحة , ولتكون الأمر قوية مهابة

 الجانب , وكي تكون التشريعات محل التنفيذ , ودعوة الناس لعبادة الله وحده لاشريك له ونبذ عبادة كل شئ غير

 الله تعالى .

 يقول الله تعالى : ( ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) الجاثـية- 18.

 ويقول تعالى : (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) الشورى- من الآية 13.

 ويقول تعالى : (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً) المائدة- من الآية 48.

16-      الثبات والمرونة :

فالثابت في الدين هو كل ما حدده الله للناس تحديدًا، وذلك في كل موطن علم الله تعالى عجز البشر عن إدراك الحق فيه بذاته، أو علم أن أهواءهم تغلبهم عليه، فلم يترك مصالح عباده لتقلبات الأهواء ولو كان الأمر يتعلق بالفرد رحمة بعباده، وهداية لهم.

وأما المتغيرات فهي التي تركها الله تعالى لاجتهاد العلماء، ومن يستعينون به من أهل الخبرة؛ ليحققوا للمسلمين أوفى مصلحة يقتضيها الزمان، أو المكان، أو الأحوال، مقيدين في ذلك بنصوص الشريعة وضوابطها، وقواعدها الكلية، وأصولها العامة الثابتة.

فالثبات والمرونة من أهم ميزات الإسلام ,فهو ثابت في أصوله وأنه خالد ودائم .

 وهو ثابت في أهدافه وغاياته ومرن في وسائله وأساليبه .

 وهو ثابت في الأصول والكليات ومرن في الفرعيات والجزئيات .

 وثابت في القيم والأخلاق ومرن في شؤون وأحوال الدنيا .

-7-

17-      الإعتقاد :

فالإسلام وسط في قضايا الإعتقاد , فالذين يعتقدون بالخرافات يصدقون كل شئ دون دليل ولابرهان ولا إعمال

للعقل .

والماديين يرفضون نداء الفطرة ولايؤمنون إلا بكل محسوس ملموس , ولا يؤمنون بما وراء ذلك .

أما الإسلام يدعو إلى الاعتقاد بالغيب القائم على الدليل القطعي والبرهان اليقين, وما عدا ذلك يرفضه ويعدّه من الأوهام.

 إن الإسلام وسط في كل شئ , في التصور , والإعتقاد , والتعبد , والأخلاق , والسلوك , والمعاملات والتشريع .

 إنه الصراط المستقيم .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ