-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأحد 14/03/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


"هدنة- يعاري"

بقلم: فراس ياغي

التمرينات العقلية لم تنتهي فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية منذ أن قرر مؤتمر "بازل" في سويسرا عام 1897 اعتبار الأرض الفلسطينية كوطن قومي لليهود حلا لمسألتهم المعقدة في اروربا من جهة، ولخدمة النظام الرأسمالي من جهة أخرى، وفي منطقة مهمة وحيوية للغرب، إقتصاديا وجغرافيا، بمساعدة الاستعمار والتواطؤ تم السيطرة على الجزء الأكبر من فلسطين في العام 1948...احتلت البقية الباقية في العام 1967، وهكذا حُلّت ما عرف بالمسألة اليهودية في أوروبا، بنقل الصراع وتفجيره في أكثر المناطق حساسية في العالم من حيث الطاقة والجغرافيا وحتى من حيث المفهوم الديني، على إعتبار أن المنطقة العربية وبالذات فلسطين هي مهد الديانات السماوية، مؤسس الصهيونية عمل ومنذ انطلاق حركته على الإيهام بقدرة هذه المنظمة على إقامة وطناً نقيا لليهود وخاليا من العرب"السكان الأصليين"...وَهمٌ بدأ منذ قرن من الزمن ومستمر لغاية الآن، فبعد انكشاف خُطط التطهير العرقي التي تمت في نكبة 48 والتي أدت لتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني من أراضيهم، ورغم الهجرة اليهودية التي تمت وبكل الطرق، بالاختيار أحيانا، وبفرضها من خلال خُطط وخِدَع كُشفت لاحقا أحيانا أخرى، خاصة ما حدث مع الكثير من اليهود الشرقيين كالعراقيين مثلا...مع ذلك فكرة نقاء الدولة اليهودية لم تنجح، فبعد كل هذه السنيين، أصبح الهاجس الديموغرافي هو المسيطر على فكر وعقلية الاستراتيجيين من منظري الحركة الصهيونية، ففي كل مؤتمرات هرتسليا "ميزان المناعة والأمن القومي الإسرائيلي" التي بدأت منذ العام 2000 سيطر مفهوم التآكل التدريجي لهذه الأغلبية اليهودية القسرية والطارئة بين النهر والبحر إلى أقلية، كأساس لكل الخطط والنقاشات...فظهرت مفاهيم جديدة لنظرية قديمة، كجدار الفصل العنصري، وخطة شارون الأحادية الجانب، وتبادل السكان والأرض معا، إضافة إلى المطالبة بالقيام بعمليات "ترانسفير" جديدة من قبل منظري أقصى اليمين في إسرائيل.

حكومات إسرائيل المتعاقبة ورغم اختلاف برامجها في التعامل مع الواقع الذي يتبلور بسبب الزيادة السكانية للعرب، من حيث إعطاء مساحة أرض أكبر أو أقل للفلسطينيين، تحت مفهوم خيار الدولتين، لم تصل لمستوى النضج، كمقاربة واقعية بين مفهوما الأرض والسكان عليها، فإذا كان لا بُدَّ من إيجاد حلول للواقع الجديد في الميزان الديموغرافي الناشيء، فخيار الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران وبدون مستوطنات وبالقدس الشرقية عاصمة لها، هو الممكن واقعيا، أما الحديث عن حلول اقل، وسلام أقل، "كهدنة – يعاري"، فهي وصفات لاستمرار الصراع، بل تجذيره أكثر، ومن يعتقد في الجانب الإسرائيلي أن كسب الوقت سيكون لصالح تمرير مخططاته المستقبلية ب "يهودية الدولة" والخالية من غير اليهود فهو واهم، كوهم مؤسس الصهيونية بإقامة وطن قومي لليهود في فلسطيني بشعار "أرض بلا شعب، لشعب بلا أرض"...فكر ميتافيزيقي مستند لأساس النظرية "الميثولوجية البازلية"، فالشعب الفلسطيني بقي رغم تشتته، وعمقه العربي الشعبي ثابت في معادلة المتغيرات في المنطقة ككل، والارتباط الروحي دينيا متأصل في عقول وقلوب المسلمين والمسيحيين الشرقيين بالأساس...في ظل هذا الواقع تاريخيا، ماضيا وحاضرا ومستقبلا، تصبح كل الخطط المطروحة، عبارة عن مسكنات ومهدءات، وتعبر عن خلجات نفسيه وأحلام غير قابلة للتحقيق، فما طرحه "يعاري" في مقالته تعبر عن رؤيا يستحيل تطبيقها، وهي عبارة عن أحلام غير ممكنة، فالأمر هنا ليس بما يظن أو بمستقبل دولة صاحب مقالة التي ظهرت في مجلة "فورن أفيرز" الأمريكية بعنوان "هدنة الآن- تسوية مرحلية من أجل إسرائيل وفلسطين"، ولا بما يعتقد القادة الفلسطينيين، ولكن بالنظرية نفسها، إن كانت صحيحة أو خاطئة... المسألة مرتبطة باستراتيجية لم تنجح منذ أن طُرحت، وكانت سبب في تفجر صراع دامي لا يزال مستمرا، وأصبح يأخذ منحى أكثر تطرفا في الإطار النظري وفي الفعل الحقيقي، خاصة أن تحديات التوصل لحلول نهائية لا تنتظر إطلاقا، لأن الحياة لا تلتفت للوراء، فلا الفصل الأحادي الجانب ولا "الترانسفير" ألقسري وبالقوة سيؤدي للدولة اليهودية النقية.

طريق وخطة الدولتين لن تفضي ليقين إسرائيل كدولة "يهودية"، ولكن سلوك هذه الطريق بحد ذاته هو المهم، والحديث عن سلام أقل بتعذر السلام الكامل والنهائي، نظرة بائسة، وغير واقعية في منطقة تتميز بتركيز كبير على الايديولوجيا والميثولوجيا الدينية في أذهان وعقول الجزء الأكبر من الشعبين المتصارعين...هذا يترافق مع عالم ينفتح على بعضه البعض، ويصبح في ظل التكنولوجيا والتجارة الحرة، قرية صغيره، فكيف سيكون هناك فصل ونقاء في منطقة متداخلة يتقاسم شعبيها كل شيء من الهواء إلى الماء، كل شيء مرتبط ببعضه البعض ولا يمكن فصله من حيث التاريخ والجغرافيا وحتى الأسطورة، والجدر الإسمنتية لا تعبر عن فصل فعلي بقدر ما هو تعبيرات مَرَضّية متأصلة ومستندة للقوة العسكرية، وتؤدي لاستمرار نزف الدماء والأحقاد، وبعناوين التخوف من الاندماج وفقدان العرق النقي لنقاءه...نظرة مخالفه لمقتضيات الواقع الفعلي، والمسافة الزمنية المفترضة بين العقل المتخيل وبين واقع الحال يفضي لنظريات غير قابلة للتطبيق، فالهدنة تكون بين دولتين وبحدود واضحة ومرتبطة بتوازن قوى على الأرض يكون من مصلحة الدولتين كحال "سوريا" و"إسرائيل"، أو بين حزب ودولة ولكن بواقع على الأرض محدد المعالم، كحال "حزب الله" مع "إسرائيل"، أما "هدنة – يعاري"، فهي محاولة لخلق كيان وهمي يسمى دولة فلسطينية مجزأة ومنقسمة باسم السلام الأقل لكسب الوقت لتصفية الأجزاء المختلف عليها، كقضية اللاجئين والبلدة القديمة في القدس والكتل الاستيطانية في الضفة الغربية، "يعاري" بخطته يساوي بين حق المستوطنين في تقاسم الأرض مع من أُخذت أرضهم، ويحاول عمل مقاربة زمنية لموضوع اللاجئين لإيجاد حلول تمنع عنهم حق العودة وفقا لقرارات الشرعية الدولية، بل هو يحاول خلق نظرية "الانهيار الجمعي" "إنهيار للمجتمع الفلسطيني...قيادته تريد الارتماء في أحضان إسرائيل لأنها متخوفة أو غير قادرة على بناء دولة فلسطينية"، الوطنيين الفلسطينيين كما يقول يفرقون بين مفهومي "الاستقلال" و "السيادة"، فالتخلص والطلاق من الاحتلال مختلف عن مفهوم تقسيم الجغرافيا لفلسطين التاريخية فهذه ليست "درة تاج القومية الفلسطينية" وفقا "للخالدي"، وهم جديد بحلة جديدة توازي وهم "نتنياهو" بأن حل المشكلة الفلسطينية يكمن من خلال "حل مشاكل أخرى في المنطقة، كالتهديد الإيراني، الذي سيؤدي بالذات إلى حل المشكلة الفلسطينية"، وهنا يعتقد رئيس حكومة إسرائيل بأن جوهر المشكلة في المنطقة ليس القضية الفلسطينية، بل تهديدات أخرى، إذا ما تم الانتهاء منها، حينها يمكن تصفية المشكلة الفلسطينية، في حين اليمين الإسرائيلي أكثر وضوحا، ف "ليبرمان" يقترح تبادل ارض مع السكان، الكتل الاستيطانية مقابل قرى المثلث العربي، وآخرين يطالبون بالقيام بعملية "ترانسفير" للعرب في الداخل وفي منطقة القدس الكبرى وطرد العرب خلف الجدار أو حتى خارج الضفة الغربية ككل، حتى أن منظر اليمين المتطرف الوزير المقتول، "رحبعام زئيفي" دعا لذلك وقال في مقال "الترحيل من أجل السلام"، نشر في "هآرتس"... لقد زعموا أنّ هذه الفكرة (الترانسفير) غير أخلاقية، وفي رأيي أنه ليس هناك فكرة أكثر أخلاقية منها، لأنها تحول دون وقوع الحروب وتمنح شعب إسرائيل الحياة. وإذا كانت هذه الفكرة غير أخلاقية فإنّ الصهيونية كلها وتجسيدها خلال أكثر من مئة عام هما غير أخلاقيين. إنّ مشروع الاستيطان في أرض إسرائيل وحرب الاستقلال، حافلان بعمليات ترحيل العرب من قراهم. فهل كان هذا أخلاقيًا ولم يعد كذلك الآن؟".

"هدنة – يعاري" لا تخرج عن سياق كل هذه الأفكار، فالغول الديمغرافي ينهي حلم مرَّ عليه قرن من الزمن، مع العلم أن فكرة الدولتين والتي تجسدت بوثيقة الاستقلال في العام 1988 كان يمكن ولا تزال صالحةٌ لأن تكون الخطة القابلة للتطبيق وبحيث تضع حداً ولو مؤقتا لهذا التخوف، فواقع الجغرافيا والديمغرافيا يفرض نفسه كأمر ثابت لا تغيير عليه سوى تعزيزه والتسليم به، وتحقيق السلام سوف يؤدي للتفكير في كيفية التحايل عليه وفقا لاتفاقات وأنظمة وقوانين مكتوبة وبضمانة دولية، المشكلة أن هدف السلام لا يمكن تحقيقه بخطط منفردة، ولا بهدنات ناقصة، فالسلام الاقل ما هو إلا تأكيد للصراع، وبدل تعزيز التعاون وتبادل الخبرات والعمل المشترك، سيطبق الجانبان في الهدنة مقولة "تشرتشل" رئيس وزراء بريطانيا الأسبق "إذا كنت ترغب بالسلام فعليك أن تستعد للحرب"، في حين أن السلام الشامل وبصفقة شاملة تشمل جميع المسارات في المنطقة سيؤدي للاستعداد للبناء والتعاون الاقتصادي وفتح المشاريع العملاقة بين جميع الدول، فالسلاح سيترك جانبا، والحرب ستكون من مخلفات الماضي، وغير ذلك، لن يكون سوى مقدمات وتمهيدات لتعزيز الصراع الديني، فمشكلة إسرائيل ليست مع الفلسطينيين فحسب، بل مع العرب والمسلمين ككل، وحل المشكلة، لا يكون بتجاهلها أو التفكير بتصفيتها، أو بعمل هدنة معها، بل بالسلام الشامل والحقيقي، ونهاية المطالب تكون بنهاية النزاع بشكل عادل... مرة والى الأبد وبشجاعة الاستراتيجيين، فمنطقتنا بحاجة لعملية جراحية تستأصل الوهم السائد فيها، بدلاً من معالجته بالطب النفسي وبأقراص المهدئات، فمن ربط بين تخيلات وأساطير الميثولوجيا والقومية، هو الذي حكم على نفسه وعلى غيره بتحول الصراع نحو مفاهيم دينية لا يمكن معها التوصل لحلول، فيضطر لخلق نظريات جديدة ويقوم بتمرينات فكرية لكي تتوافق مع هذا التحول، وهذه المرة جاءت باسم الهدنات.. ك "هدنة-يعاري".

Firas94@yahoo.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ