-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الثلاثاء 09/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


الصعود إلى الهاوية : أميركا... دولة ـ مافيا !

جورج حداد

لا شكّ في أنّ انتخاب اوباما لرئاسة الولايات المتحدة شكّل نقطة تحوّلٍ في السياسة الأميركيّة. ولكنْ يخطئ من يظنّ أنّ هذا التحوّل يتعلّق بالمحتوى الأساس والأهداف الرئيسة للإستراتيجيّة الدوليّة لأميركا، التي لا تزال تهدف إلى الهيمنة الأحاديّة على العالم أجمع. ذلك أنّ التحوّل في الإدارة يشمل الشكلَ وطريقةَ الأداء فقط؛ فالإدارة الأميركيّة (الرئاسة والحكومة والكونغرس والقضاء) ليست هي السلطة الحقيقيّة في النظام الإمبرياليّ الأميركيّ، وليست سوى واجهة وأدوات تنفيذ في يد السلطة الحقيقيّة، التي تعود إلى طغمةٍ ماليّةٍ احتكاريّةٍ عليا تُمسك بمفاتيح الاقتصاد ومراكز القوة العسكريّة والأمنيّة والسياسيّة ومراكز التأثير الإعلاميّة والثقافيّة والتعليميّة والدينيّة.

 

 وقد يكون الرئيسُ الأميركيّ عضوًا في أطر هذه الطغمة، أو لا يكون. واذا كان هناك احتمال بأنّ جورج بوش الاب أوالابن أو كليهما هما عضوان في "نادي" الطغمة، فإنه شبهُ مؤكّد أنّ أوباما ليس كذلك، بل هو مجرّد كومبارس في مسرح الدمى الأميركيّ. وما "التداول الديمقراطيّ" بين حزبَي النظام الرئيسيْن سوى شكل لتنفيذ إرادة السلطة الفعليّة الإمبرياليّة ومصالحها. وقد يكون من المصادفة أن يُرمز إلى هذين الحزبين بالفيل والحمار، ولكنه من المؤكّد أنّ كرنفال الانتخابات الأميركيّة (الرئاسيّة والبرلمانيّة) ليس أكثرَ من سيرك فيلةٍ وحميرٍ وما بين هذين الصنفين من الحيوانات الأخرى... المدجّنة طبعًا.

 

تتمتع الإدارة الأميركيّة المنتخبة باستقلاليّةٍ نسبيّةٍ عن تلك السلطة الفعليّة (أي الطغمة الماليّة الاحتكاريّة العليا)، إنما تبقى هذه الاستقلاليّة خاضعة لما ترسمه لها السلطة الفعلية المعنية. والمحصّلة التي يمكن استنتاجُها من آليّة عمل النظام السياسيّ الأميركيّ هي:

 

1 ـ أنّ الطغمة المذكورة هي التي تقرِّر الإطارَ العامّ لسياسة الدولة، وتمرّر قراراتها بشكلٍ سريّ وشبه سريّ إلى الإدارة السياسيّة التنفيذيّة والتشريعيّة والقضائيّة المنتخبة، لأجل التنفيذ التفصيليّ والملموس.

 

2 ـ أنّ دور الناخب الأميركيّ يقتصر على أن يختار في الانتخابات مَن مِن ممثّلي الحزبين الرئيسيْن (أو غيرهما إنْ وُجد) سيتولّى تنفيذ سياسة الدولة، المرسومة سلفا من قبل الطغمة.

 

3 ـ وبصرف النظر عمْن يفوز في الانتخابات، فإنّ المشاركة "الشعبيّة" في الانتخابات، أو عدم المشاركة في الغالب، تعني ضمنًا الموافقة المسبّقة على السياسة العامّة للدولة، أي سياسة الطغمة المذكورة. والاختلاف في التصويت لهذا الحزب أو ذاك، أو عدم المشاركة في التصويت، يبقى محصورًا في "الاعتراض" على أشكال تنفيذ تلك السياسة، أو "الاقتناع" ببرامج تنفيذها من قبل الحزبين المتنافسين في خدمة الطغمة الماليّة. وهذا يعني عمليّاً وجودَ تأييد "شعبيّ" للسياسة التوسعيّة الأميركيّة ـ الصهيونيّة، وحصرَ الاعتراض في أشكال تنفيذ المواقف "الرسميّة" لتحسين أدائها وجعلها أكثر فعّاليّة و"قبولاً."

 

4 ـ إنّ كل لعبة "الديمقراطيّة" الأميركيّة ـ من حريّة الانتخابات للمجيء بهذا الحزب أو ذاك، وحريّة الإعلام في نقد الحزب الحاكم وشخصيّاته، وحريّة الحزب الخاسر في ممارسة دور "حكومة الظلّ" بلا محرَّمات (إلى درجة التلصّص على الرئيس مختليًا بفتاة تمارس الجنسَ الفمويّ معه)، وحريّة إسقاط الحزب الحاكم والمجيء بالحزب الاخر بواسطة صناديق الاقتراع، وغيرها من "الحريّات" التي تكلّف الخزينة مليارات الدولارات (التي يعاد تحصيلُها من الشعوب المستعمَرة)، لا يجمعها جامعٌ بالديمقراطيّة الحقيقيّة. إنها في الواقع محضُ تعبير عن حريّة الطغمة السالفة الذكر في ممارسة "الرقابة" على أداء الحزب الحاكم خدمةً لها، وفي انتقاده بواسطة الإعلام والمعارضة لتحسين أدائه، أو لتغييره حين لا يمكن تأمينُ تبعيّة الحزب الحاكم المطلقة للسلطة الفعليّة.

 

5 ـ إنّ مهمّة آليّة عمل النظام "الديمقراطيّ الأميركيّ" هي المحافظة على السلطة الفعليّة للطغمة، بواسطة التغييرات في أداء الحكم، في لعبة ازدواجيّة "الحكم ـ المعارضة."

 

6 ـ أنّ أيّ تغيير في الحكم لا يعني تغييرًا للسلطة الفعليّة. ولكنّ هذا لا يمنع أنّ التغيير قد يكون تعبيرًا عن تغيير في تكوين تلك السلطة أو أدائها أو استراتيجيّتها. ومن المحطّات التي تعبّر عن هذا التغيير:

 

أ ـ انتخاب الرئيس "الديمقراطيّ" الثاني، وودرو ويلسون، سنة 1913، حيث كرّس هذا الانتخابُ تخلّي السلطة الفعليّة عن سياسة "العزلة القاريّة" والتزام سياسة "الانفتاح العالميّ" والمشاركة في اشعال وتنظيم الحرب العالميّة الأولى والثانية. وهو ما شكل نقطة تحول بين مرحلتين تاريخية: -1- نهاية مرحلة استعمار العالم "الرأسمالي" لاميركا. و-2- بداية مرحلة استعمار اميركا للعالم "الرأسمالي". 

 

ب ـ انتخاب أول رئيس كاثوليكيّ لأميركا الشماليّة جون كنيدي عام 1961 واغتياله بعد عامين. وهو ما جسّد النزاع المستميت بين الكتلة الماليّة الاحتكاريّة الكاثوليكيّة، والكتلة الماليّة الاحتكاريّة الأنغلو ـ ساكسونيّة/اليهوديّة، داخل السلطة الفعلية في  تلك البلاد.

 

ج ـ انتخاب بوش الأبن، الذي فاز في الانتخابات نهاية سنة 2000، ونال أصواتًا متقاربة مع آل غور، ولكنْ جرى إنجاحُه غصبًا بواسطة إعادة الفرز الإلكترونيّ. وكانت بوادرُ الأزمة الاقتصاديّة قد بدأتْ تطلّ برأسها على أميركا، وأخذ الدولارُ يفقد سيطرته بعد طرح اليورو في الأسواق سنة 1999، وبعد إسقاط يلتسين وظهور البوتينيّة التي اتجهت نحو تعزيز الاقتصاد القوميّ الروسيّ ووجّهتْ ضربتها إلى الرأسمال الماليّ اليهوديّ الروسي، الذي كان يضطلع بدور "طابور خامس أميركيّ ـ أطلسيّ" داخل روسيا. وعائلة بوش ونائبه تشيني وغونداليزا رايس وخليل زاده وحامد قرضاي مرتبطون بصناعة النفط والطاقة، وعلى علاقةٍ وثيقةٍ بعائلات السعوديّة والخليج وعائلة بن لادن ذاتها. وقد عبّر فرضُ انتخاب بوش بالقوة عن النزاع الحادّ بين الكتلة النفطيّة ـ الطاقويّة، والكتلة الماليّة ـ البنكيّة ـ البورصويّة ـ التجاريّة، داخل الطغمة الماليّة الاحتكاريّة العليا التي اعتقدتْ أنّ بإمكانها، عن طريق الهيمنة على قطاع النفط والغاز والطاقة، تعويضَ خسارة مواقعها في سوق النقود والأسهم والسندات الماليّة (بسبب ضعف الدولار) وفرضَ إرادتها على أوروبا والصين والهند وأفريقيا والعالم أجمع. وفي عهد بوش، انتهجت الإدارة الأميركيّة (ومن ورائها إسرائيل) سياسة عدوانيّة فظّة للتوسّع في آسيا الوسطى والقوقاز وشرق أوروبا من أجل الاستحواز على منابع النفط والغاز في حوض بحر قزوين، ولقطع الطريق على إمداداتهما الروسيّة إلى أوروبا وغيرها، ولتحطيم إرادة الشعب الفلسطينيّ، ولمهاجمة بلدان الشرق الأوسط بهدف السيطرة التامة على منابع وممرّات النفط والغاز. وفي عهد بوش أيضًا، جرى "نفخُ" أسعار النفط والطاقة أضعافًا مضاعفة، للتحكّم بالاقتصاد العالميّ ونهبِ اقتصاديّات مختلف الدول، بواسطة احتكار الطاقة من جهة، وطباعة مئات مليارات الدولارات الجديدة غير ذات التغطية من جهة أخرى، وإعطائها قيمتها السوقية من خلالها "تعميدها" بالنفط، اي استخدامها كوسيلة تسعير وكوسيلة دفع للنفط المرفـّعة اسعاره اصطناعيا. وليس من المصادفة انه في عهد بوش بالذات جرت أحداث 11 ايلول 2001 الدراماتيكية، التي هي أحداث مدبّرة من قبل الأجهزة المخابراتيّة والأمنيّة والعسكريّة الأميركيّة بهدف: 1) توجيه ضربة قاضية إلى القطاع الماليّ ـ التجاريّ ـ البورصويّ ـ التجاريّ، ممثَّلاً بالبرجيْن؛ 2) استخدام تفجير البنتاغون حجّةً لتعزيز قبضة الجيش وتحالفه مع المخابرات والكتلة الماليّة النفطيّة الطاقويّة؛ 3) استخدام هذه الأحداث، بالترافق مع فبركة مقولة "أسلحة الدمار الشامل لدى العراق،" لتبرير تكثيف الحضور العسكريّ والمخابراتيّ في الشرق الأوسط وغيره من بقاع الأرض، ولشنّ الهجوم على أفغانستان والعراق واحتلالهما، بغرض السيطرة المباشرة على منابع وممرات النفط الرئيسة في العالم.

 

وكان من نتيجة ذلك إصابةُ اقتصادات جميع الدول الدائرة في فلك أميركا بالجمود، الأمرُ الذي نتج عنه تدفّقُ الودائع على أميركا نفسها. فاختنقتْ مجاري الدورة الماليّة الاقتصاديّة الأميركيّة بالدولارات الورقيّة، التي طُبعتْ سابقًا من دون حاجة السوق الأميركيّة اليها، والتي أخذتْ تتكدّس في حقل التوظيفات والمضاربات العقاريّة باعتبارها "الأكثر ربحيّة وضمانًا." فارتفعتْ أسعارُ الأسهم والسندات والقروض غير المضمونة أضعافًا مضاعفة، وبشكلٍ مصطنع، كالبالون الفارغِ المنفوخ بالهواء، في القطاع العقاريّ، الذي تحوّل الى حقلٍ واسعٍ للتلاعب والمضاربات والصفقات المشبوهة. وقبل ان تنتهي ولاية جورج بوش "انفخت" هذا البالونُ، وتلقّت الكتلة الماليّة ـ التجاريّة ـ البورصويّة الضربة القاضية الثانية. ولكنّ هذه الضربة كانت من الكبر بحيث إنّ الكتلة الماليّة النفطيّة ـ الطاقويّة ذاتها وقفتْ أيضًا عاجزةً عن أيّ عمليّة إنقاذ جدّيّة للدورة الماليّة والاقتصاديّة الأميركيّة، التي دخلتْ في حالة ركود حتى اليوم. وهذا ما فتح الطريق أمام تحوّل جديد في تركيبة الدولة وتوجّهاتها الاستراتيجية العالمية، ونعني مرحلة التحوّل المافياويّ.

 

***

 

فمعلوم أنّ أكبر آلة لغسيل "الأموال القذرة" اصبحتْ توجد في أميركا. وقد قدمت إدارة بوش خدمة لا تقدّر لهذه الكتلة، تتمثل في "اكتشاف افغانستان،" الذي لا شبيه له في الحسابات الاستعماريّة سوى اكتشاف أميركا ذاتها.

 

فالقرصان الاستعماريّ كريستوفر كولومبوس لم يكن عالما، ولم يكن لديه اي فكرة عن وجود "اراض مجهولة" كان قد وصل اليها الفينيقيون قبله بـ 2500 سنة (راجع: جان مازيل، تاريخ الحضارة الفينيقية الكنعانية، ترجمة: ربا الخش، صادر عن: دار الحوار ـ اللاذقية ـ سوريا) بل كان لصا وقاتلا صليبيا متعصبا، وكان ذاهبًا إلى "الأراضي المقدّسة" عن طريق الهند على رأس بعثة استكشاف استعمارية ممولة ليس من قبل "ايزابيل الكاثوليكية" كما هو شائع، بل من قبل اليهود الاندلسيين (راجع هنري فورد، اليهودي العالمي، باللغة البلغارية، دار: جارافا، 2002، صوفيا، بلغاريا، مترجم عن الانكليزية) الذين جمعوا ثرواتهم الاسطورية طوال قرون، عن طريق بيع الحريم والغلمان للامراء والملوك والسلاطين العرب، الذين لم يكن لهم شغل غير السكر والعربدة والنكاح ليلا نهارا فقط. وقد "اكتشف" هذا اللص أميركا وهو يعتقد أنه وصل إلى الهند، وكان هذا الاكتشاف نقلة نوعيّة في التاريخ العالميّ للاستعمار لا تزال البشريّة تعانيه إلى اليوم. والقرصان الاستعماريّ الجديد جورج بوش كان ذاهبًا إلى "الشرق الأوسط الكبير" لأجل النفط والطاقة، ولكنّ الكتلة الماليّة المافياويّة في أميركا اكتشفتْ أنّ أفغانستان تصلح لان تكون أكبرَ مزرعة أفيون في العالم؛ وكان هذا الاكتشاف نعمةً من السماء هبطتْ على الكتلة الماليّة المافياويّة التي تحوّلتْ إلى الكتلة الماليّة الأولى في أميركا، متقدّمةً على الكتلة الماليّة النفطيّة ـ الطاقويّة، والكتلة الماليّة البنكيّة ـ البورصويّة ـ التجاريّة. هذا وقد دشّنت "الحربُ الصليبيّة المقدّسة" التي شنّها جورج بوش على "الشرق الأوسط الكبير" و"اكتشاف المزرعة الأفغانيّة" (والسيطرة التامة عليها) مرحلةَ تحوّل الكتلة الماليّة المافياويّة إلى "مركز القرار" الأساس في تركيبة السلطة الفعليّة في أميركا.    

 

***

 

انتخاب أوباما يأتي من ضمن سياق التغيير في تركيبة الطغمة الماليّة الاحتكاريّة العليا في أميركا، وإنْ كان هو نفسه ليس عضوًا في أيّ من أنديتها. وهذا ما يجعله ريشةً في مهبّ الريح، صالحًا تمامًا لأن ينفِّذ ما يُطلب من إدارته، ولأن يغطّي ـ بوجهه الأفريقيّ الجميل وبسمعته كـ "رجل طيّب" و"مصلح اجتماعيّ" ـ التحوّل التدهوريّ الذي يجري في تلك التركيبة.

 

حاليّاً تتألّف هذه الطغمة من "حيتانٍ" تتحكّم بميكانيزمات الدولة والمجتمع الأميركييْن، من القوة النوويّة ـ الصاروخيّة إلى آخر صحفيّ مأجور؛ وما الرئيسُ والإدارةُ والحزبُ الحاكم (ومقابله المعارضة) سوى واجهاتٍ وأدوات تنفيذ. وتمتلك هذه الطغمة عقيدةً عنصريّةً، ماشيحانيّة/صهيونيّة، سوبرمانيّة، تؤلّه بها نفسها، وتنظر نظرة احتقاريّة واستغلاليّة إلى كلّ شعوب العالم، بما في ذلك الأميركيون واليهود العاديون الذين تقيس "صلاحَهم" وصلاحيّتَهم بمقدار ما يكونون مطايا لتنفيذ سياستها.

 

وفي العقود الأخيرة، ومع تعمّق الأزمة الاقتصاديّة للنظام الرأسماليّ العالميّ، وظهور أقطابٍ أخرى مزاحمةٍ للقطب الأميركيّ، كأوروبا وروسيا والصين، بدأت الطغمة تتحوّل من الاقتصاد الرأسماليّ الكلاسيكيّ (الإنتاجيّ والماليّ والخدماتيّ وحتى الخدماتيّ الطفيليّ) الى "الاقتصاد" غير التقليديّ، أي الاقتصاد "غير الشرعيّ": التهريب، وتزوير العملات والماركات المشهورة، والسرقات الكبرى، والصفقات المشبوهة، والمضاربات، والرشوة، والجريمة المنظّمة، وخصوصًا المخدِّرات (زراعةً وصناعةً وتجارةً). وبعد "اكتشاف" أفغانستان، اكتسبت الطغمة الماليّة الاحتكاريّة طابعًا مافياويّاً كاملاً كما رأينا. ولمّا كان النظامُ الرأسماليّ، في جوهره، ظاهرة استغلاليّة لصوصيّة ـ جرائميّة لا يهمّها سوى الربح، فقد "تطوّرت" الدولة الأميركيّة، بمنطق النظام الرأسماليّ ذاته، نحو التحوّل إلى دولة ـ مافيا، بالمعنى الحرفيّ للكلمة.

 

ولكنْ خلافًا للمافيا "الكلاسيكيّة،" التي هي رسميّاً خارج القانون، فإنّ الدولة ـ المافيا الأميركيّة تمتلك كلَّ صفات الشرعيّة الدوليّة، وكلَّ ميكانيزمات عمل الدولة، وإنْ كانت تمارس نشاطها المافياويّ تحت غطاء من السرّيّة الشكليّة. فإذا كانت المافيا الأولى تحتاج، مثلاً، إلى شبكة غير شرعيّة لتهريب المخدّرات من بلد الى بلد، فإنّ المافيا الثانية تمتلك الأساطيل البحريّة والجويّة والقواعدَ العسكريّة والبعثات الدبلوماسيّة وغير الدبلوماسيّة التي تتولّى نقل المخدّرات إلى آخر زوايا الأرض تحت غطاء شرعية الدولة الأميركيّة (ولكنْ دون الإعلان عن ذلك طبعًا).

 

في السابق كانت الإمبرياليّة تستخدم قوتها العسكريّة وجبروتها الاقتصاديّ وتفوّقها العلميّ لاستعمار البلدان، ونهب خيراتها، وفرض تسويق بضائع الدولة الاستعماريّة وعملتها وقروضها وتوظيفاتها و"مساعداتها." ولكنْ، بالرغم من الطابع اللصوصيّ لهذا الاقتصاد والسياسة الاقتصاديّة الإمبرياليين، فقد كان لهما طابعٌ "إنتاجيّ" وماليّ معين، مهما كان طفيليّاً وقسريّاً. أما اليوم، وبتحوّل الدولة الأميركيّة إلى مافيا، فإنّ "الاقتصاد" الذي تمارسه لا يخرج عن نطاق النهب والإثراء بواسطة التخريب الاجتماعيّ والاقتصاديّ والصحّيّ والأخلاقيّ الكامل، الذي يتمّ باسم القانون والشرعيّة والأخلاق والدين، وتنفـّذه وتحميه أجهزةُ الدولة والجيوشُ العرمرمية.

 

إن المافيا الإمبرياليّة ـ الصهيونيّة التي وصلتْ الى قمة السلطة في أميركا لم تعد بحاجة الى الاقتصاد "الكلاسيكيّ" الأميركيّ ذاته، ومن ثم فهي لم تعد بحاجة إلى "الشعب" الأميركيّ ذاته إلا كمستهلكٍ للمخدِّرات والبضائع المغشوشة والأدوية المصنّعة خصّيصًا للأمراض التي تطلقها المختبراتُ العسكريّةُ الأميركيّة ذاتها، التي تسيطر عليها تلك المافيا. ومثلما قضى المستعمرون "البيض" الأوروبيون فيما مضى على 112 مليونًا من "الهنود الحمر،" واجروا عملية "استبدال" سكاني، وأقاموا الولايات المتحدة الأميركيّة فوق جماجم السكّان الأصليين، فإنّ الدولة ـ المافيا الأميركيّة لن تتورّع عن القضاء على أيّ شعب كان، وبأيّة وسيلة، بما في ذلك القضاء على الشعب الأميركيّ ذاته. وها إنّ نسبة انتشار المخدّرات، ونسبة الأمراض، خصوصًا العصبيّة والقلبيّة والسرطانيّة، تتفاقم في أميركا بالذات، وتتفاقم معها نسبةُ الوفيات. ولا شكّ في أنّ معاملة الطغمة الاحتكاريّة المافياويّة الأميركيّة للشعوب الاخرى ستكون اسوأ بكثير من معاملتها للشعب الأميركيّ.

 

واليوم، فإنّ من أخطر الممارسات التي تلجأ إليها هذه الطغمة الحربَ الجرثوميّة، المتمثلة في إطلاق شتّى الأمراض والأوبئة من المختبرات العسكريّة، بهدف إبادة الملايين من البشر، وتخريب أنظمة الوقاية الصحيّة، وتخريب الاقتصاد الزراعي، وتنشيط صناعة الأدوية "الخاصة" الباهظة الثمن، التي هي طبعًا في يد مَن أطلق تلك الأمراض والاوبئة.ومع كل الاحترام لسمعة كل الجامعات ومراكز ابحاث العالمية، التي تلهي العالم بشتى الابحاث التعموية، فقد اصبح بامكان اي مراقب او مدقق حسابات في اصغر محل لبيع الساندويشات ان يلاحظ ويتأكد ان اهم "تجارتين" مربحتين بنسبة 100% على الاقل (الارجح ان متوسط الارباح فيهما هو اكثر من 1000%) هما: تجارة المخدرات، وتجارة الادوية غير الاعتيادية. وكلا هاتين التجارتين تدخلال تحت عنوان: صناعة الموت (الامراض والاوبئة، التي تتحول في زمن العولمة الاميركية، الى اكبر مصدر للارباح). وفي الوقت ذاته تعمل تلك الطغمة على تطوير واحتكار أسلحة الدمار الشامل الأكثر فتكًا، من أجل القضاء على أيّ بلد تنوي القضاءَ عليه، حينما تجد ذلك مناسبًا وممكنًا، من دون أن تتلقى ضربات دفاعية او ردعية او انتقاميّة من احد.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ