-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 03/02/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


أهمية النقد والمراجعة في حياتنا

-2–

طريف السيد عيسى / السويد

لو أن كل مافي هذا الكون متطابق ومتفق عليه  بما في ذلك  العقول والأفكار , لما اقتضت حكمة الله أن يكون كل مافي هذا الكون مختلف , فكان هذا الإختلاف لتتميز الأشياء عن بعضها , ولمعرفة القيمة الحقيقية لكل شئ .

وهذا ما يجعل الناس يختلفون في رؤيتهم للأشياء ,ويختلفون في تفسيرها , كل حسب ما تتوفر لديه من معطيات وثقافة وخبرة وقدرات وإمكانيات  .

الإتفاق على كل شئ  أمرمستحيل , وخاصة في التفاصيل والجزئيات والإجراءات , وكل من يريد إكراه الناس على رؤية واحدة , فهو يريد أن تكون العقول مثل الثلاجة التي تحفظ كل مايوضع فيها .

أما الإختلاف فيدل على أن العقول تعمل وتبدع وتنتج , وفقا لسنة الله في خلقه .

( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم ) .

فمن أراد أن يجعل عقول الناس على عقل رجل واحد ويفكرون كما هو يفكر , فهو يعارض مع سنة الله في الإختلاف والتنوع , وهذا الإكراه  إفراز طبيعي للجهل والسير عكس سنن الله في الكون والإنسان .

الله خلق الإنسان ليفكر ويستخدم عقله , ويناقش ويحاور ويبدي وجهة نظره ويعترض وينتقد , لا أن يكون تابعا طائعا بلا رأي ولا فكر ولا عقل .

إن الذين يقفون ضد النقد والتقييم والمراجعة , إنما هم نتاج ضيق الأفق , وضعف التفكير , والتشبع بالثقافة الأحادية التي تدعوا للموافقة على كل شئ .

( لا أريكم إلا ما أرى وما أهديكم إلا سبيل الرشاد ).

ولا شك أن تتباين مواقف الناس تجاه النقد , بين مؤيد , أو رافض , أو متردد , أو غير مبالي , ولكل مبرراته , وليس بالضرورة أن تكون مبررات الجميع مقبولة ومنطقية .

 

كيف يتعامل الناس مع النقد

بشكل عام لايمكن توجيه النقد لشخص خامل وكسول وسلبي , إنما يوجه النقد لمن يتحرك ويعمل , ولا يجوز أن يكون بقصد الطعن والإتهام والإنتقاص والتشهير والشتم والنيل من الخصوصيات .

( يقول المفكر الغربي  دايل كارنيجي : إن الناس لاترفس كلبا ميتا ) .

 

كلامنا وتصرفاتنا ومواقفنا تقع بين ثلاث إحتمالات :

الأول : مدح وثناء  يصل حد المبالغة ونفي الخطأ وتبريره .

الثاني : نقد مفرط , لايعترف بأي حسنة , ولايثني على أي عمل .

الثالث : وهو موقف متوازن بين المدح والثناء على العمل وبين النقد الواجب للخطأ , فيقال للمحسن أحسنت , وللمخطئ أخطأت , حيث كل إنسان فيه حسنات وسيئات .

وعلينا أن نعمل جاهدين لتقبل النقد والتعامل معه بإيجابية ونحترم المنتقد , ونستفيد مما يقدمه من أفكار وبدائل .

فالإنسان بطبيعته يميل ويأنس للمدح والثناء , ويكون أقرب للمادح , وفي نفس الوقت يمتعض من النقد , وينفر من المنتقد .

لكن علينا أن نتعود على تقبل النقد طالما أنه يتناول التصرفات دون الخوض في الخصوصيات .

( أخرج مسلم . قيل يارسول الله , أرأيت الرجل يعمل العمل من الخير ويحمده الناس عليه , فقال صلى الله عليه وسلم: تلك عاجل بشرى المؤمن ).

كما أن الإنسان يتمنى ويعمل جهده أن تكون أقواله وأعماله كلها صحيحة وسليمة , وأن يتجنب الخطأ , لكن سنة الله في خلقه , أن الإنسان لامحالة مخطأ , مما يؤكد على أن إمكانيات وقدرات الإنسان محدودة  .

 ( أخرج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجة من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كل ابن آدم خطأ , وخير الخطا ئين التوابون ) .

-1-

يحاول الإنسان أن يتهرب من الأخطاء , ويجد المبررات , ويرفض الإعتراف , لكن أين المهرب يوم الحساب ؟

( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) سورة النور – 24.

أما الإنسان الذي عرف قدره فلم يتكبر وناقش غيره وشاركهم الرأي , فهو سريع الإعتراف بالخطأ , وهذا يتكفل الله

 بستره يوم لاينفع مال ولابنون .

( أخرج البخاري من حديث ابن عمر رضي الله عنهما . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يدنوا أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه فيدنيه , فيقول : أعملت كذا وكذا ؟ فيقول نعم , ويقول عملت كذا وكذا ؟ فيقول : نعم .فيقرره ثم يقول الله عزوجل : إني سترت عليك في الدنيا , وأنا أغفرها لك اليوم , وفي رواية : فيعطى كتاب حسناته ).

إذا طالما الإنسان يعمل ويتحرك فلا بد أن يخطأ , فلا كمال لبشر , والنقص جزء من الإنسان .

وطالما أن الإنسان يخطأ , فلا بد أن ينتقد ويقيم ويصوب ,  وبغض النظر عما سيكون موقفه من ذلك .

 

فهناك من يخاف النقد ويخشاه , ويعتبره إنتقاص , وتفتيش عن العيوب , وشتم وتشهير , والناقد قصده الفتنة وتمزيق الصفوف , ولايكتفي المنقود بذلك , بل يبدأ بالبحث عن النصوص التي يحرج بها المنتقد , ليثبت له أن هذا النقد مخالف للدين .

 

وهناك من يخاف النقد خشية أن تنكشف أخطائه , ويظهر على حقيقته البشرية , لا كما يحاول أن يظهر بشخصية مصطنعة , والإنسان تكون قيمته من سلوكه وتصرفاته ومواقفه وطروحاته , ومدى تفاعله مع أفكار الآخرين وتجاوبه معها .

آدم وحواء وقعا في الخطأ وأكلا من الشجرة , لكنهما بعد الخطأ تراجعا وقالا :

( قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن الخاسرين ) سورة الأعراف – 23.

 

وهناك من يرتكب الخطأ , وكل من حول المخطئ يقولون له تصرفك خطأ , ورغم ذلك يصر على أن عمله صواب ويرفض النقد , بل يعتبره تشهيرا به , حتى تجد بعض البطانة التي حوله تقف معه وتشجعه على أن فعله صواب , وربما إذا كان صاحب مسؤولية فلا مانع لديه أن يستخدم صلاحياته ضد المنتقدين والمعترضين .

 

وهناك من لايرفض النقد بشكل مباشر , لكنه يقول لك النقد واجب وضروري لكن يجب ان يكون نقدا بناء وأخويا , ولو سألته : كيف يكون النقد بناء ؟ لعجز عن الجواب , لكن المهم عنده أن يرفض النقد بطريقة ملتوية .

 

وهناك من تجد له موقف متناقض من النقد , فهو يسمح لنفسه أن ينتقد الآخرين , لكن عندما يتم توجيه النقد له , فيغضب ويرفض هذا النقد ويعتبره تتبعا للثغرات والأخطاء , والتقصد بالطعن والتشويه  !!!

 

وهناك من يرفض النقد بحجة أنه فضيحة ونشر للغسيل , والأفضل أن يكون بالسر , وهذا الكلام في جانب منه صحيح ولا غبار عليه  , حيث هناك أمور حساسة ويجب نقدها بالسر وأن يكون النقد مباشرة للجهة ذات العلاقة , لكن هناك أمور عامة ويعرفها كل الناس , فهذه يجب أن تنتقد في العلن .

أما أن يكون النقد دائما بالسر , فهذا سيضع البعض في موقع الحرج أمام الناس لأنهم لم يقوموا بواجب النقد والنصح , بينما عندما يتم نقد الأمور العامة بشكل علني فهذا يجعل البعض معذورين أمام الناس , وأيضا تقام الحجة العلينة على المنقود .

 

وهناك من يرفض النقد تحت مبرر أن الظروف غير مناسبة , والأوضاع لاتحتمل النقد , ومطلوب منا الصبر والتحمل والزمن كفيل بتسديد الأوضاع , وعلينا أن نمتنع عن النقد حفاظا على إستقرار الأوضاع , وهكذا يمضي العمر ونحن ندندن على ذلك , والأخطاء تتراكم , والإنحراف يزداد , ونحن ننتظر حتى تأتي الظروف كما نحب ونريد , وماهي إلا مبررات واهية لرفض النقد .

-2-

وهناك من يرفض النقد من خلال التهرب وتحميل الآخرين الأخطاء , وهذا وسيلة غير مباشرة لتبرئة النفس واتهام الغير .

 

وهناك من يرفض النقد من خلال التقليل من نتائج الأخطاء , واعتبار الأخطاء أمر طبيعي , وهي جزء من الأقدار التي لابد واقعة , وهي أيضا جزء من الإبتلاء والإمتحان , وما علينا إلا الصبر والتحمل , وتقبل الأمر الواقع , وشعارهم في ذلك :

ليس بالإمكان أفضل مما كان .

 

النقد المرفوض

كون النقد ضرورة وواجب , فهذا لايعني أن نقبل أي نقد كان , وليكون النقد ممدوحا وليس مذموما فلابد له من قيود وضوابط  .

فالنقد يجب أن يوجه للمواقف والأعمال وليس إلى الأشخاص .

 

فكل نقد تناول تصرفات وسلوكيات الإنسان الشخصية , أو تناول الأمور الخاصة , أو تناول القضايا الإنسانية , أو الحط من القيمة الإنسانية , أو التشهير أو الشتم أو الطعن أو السخرية والإستهزاء , فكل ذلك مرفوض ولا يدخل في دائرة النقد .

يقول الله تعالى :

 ( ولقد كرمنا بني آدم ) .

( أخرج الترمذي وأحمد وأبو داود وابن ماجة وصححه الألباني . من حديث ابن عمر رضي الله عنهما . قال صلى الله عليه وسلم : من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته , ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ) .

ويستثنى من ذلك , أن الشخص الذي يصر على الخطأ ويمارسه بشكل علني , فهنا لابد من نقد علني مع تحديد الشخص , وتحذير الناس من تصرفاته .

وهناك اشخاص يثبت أنهم من أصحاب الفتنة والأراجيف , فمثل هؤلاء ايضا يجب التحذير منهم ومن تصرفاتهم وسلوكهم .

 

وكل نقد جانب العدل والإنصاف واتخذ التطرف في النقد فهو نقد مرفوض , فالأصل ذكر الحسنات والسيئات , والتطرف بالنقد ينتج عن التعصب واحتكار الصواب والحقيقة وعدم الإعتراف بفضل وجهد الآخرين .

يقول الله تعالى :

(يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا إعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) سورة المائدة -  8.

 

وكل نقد يفتش بالنوايا والقلوب فهو نقد مرفوض , فعلم النوايا والقلوب بيد الله وحده .

( قال صلى الله عليه وسلم , أمرت أن أقبل من الناس ظواهرهم وتركت سرائرهم إلى ربي – أو كما قال عليه الصلاة والسلام ) .

 

وكل نقد يتطرق للخيارات الفقهية لدى الناس فهو نقد مرفوض , فهناك قاعدة أصولية تقول : لا إنكار في مسائل الخلاف , ولا يجوز لأي كان أن يفرض على الناس فقها معينا , كما لايجوز رفض خيار فقهي نختلف معه .

 

ولقد كان العلماء الربانيون يقولون كلمة الحق ولا يخافون في الله لومة لائم ,  وسوف اضرب بعض الأمثلة لنتعرف على تاريخنا الناصع الذي طوته الكتب ولم يعد له وجود في الواقع إلا على يد قلة.

-3-

 

( لقي رجل سليمان بن عبد الملك فقال له : سأطلق لساني بما خرست عنه الألسن – تأدية لحق الله تعالى - : إنه قد اكتنفك رجال أساءوا الاختيار لأنفسهم , وابتاعوا دنياك بدينهم , ورضاك بسخط ربهم , وخافوك في الله , ولم يخافوا الله فيك , فهم حرب للآخرة ,  وسلم للدنيا , فلا تأمنهم على ما ائتمنك الله عليه )

شجاعة في قول الحق , نصيحة في غير مجاملة ولا محاباة , تشخيص لمكمن الخطأ عند هذا المسؤول .

 

 ( نصح الفضيل بن عياض الرشيد , فشدد في النصيحة , فقال له الفضل بن الربيع : أرفق بأمير المؤمنين ! فقال : تقتله أنت وأصحابك , وأرفق به أنا ) .

البطانة التي لاتهتم للمصلحة العامة , فليس لها غير المدح والثناء للمسؤول كي يبقون على كراسيهم وفي مناصبهم ,أما الصادقين الذين لايهمهم أن كانوا في المقدمة أو المؤخرة , فينصحون وينتقدون من أجل التصحيح والتصويب .

 

( دخل الإمام الأوزاعي على المنصور , فقال له المنصور : مالذي أبطأ بك عني ؟

قلت : يا أمير المؤمنين .. ومالذي تريد مني ؟ قال : الإقتباس منك , قلت : انظر ماتقول , فإن مكحولا حدثني عن عطية بن بشير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : من بلغه عن الله نصيحة في دينه فهي رحمة من الله سيقت إليه , فإن قبلها من الله بشكر , وإلا كانت حجة من الله عليه ليزداد إثما , وليزداد الله عليه غضبا , وإن بلغه شئ من الحق فرضي فله الرضى , وإن سخط فله السخط , ومن كرهه فقد كرهه الله لأن الله هو الحق المبين .

فلا تجهلن .

قال : وكيف أجهل ؟

قال : تسمع ولا تعمل بما تسمع ! ) .

النصيحة واجبة , والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب , والذي يرعى مصلحة عامة , عليه إذا سمع نصيحة أن يعمل بها طالما أنها من أجل التغيير نحو الأفضل .

 

 ( قال رجل لمعاوية : والله لتستقيمن بنا يامعاوية , أو لنقومنك , فقال معاوية : بماذا ؟ قال : بالخشب , فقال معاوية : إذن نستقيم ) .

 

ولنا في سلفنا الصالح الإسوة والقدوة , فلقد أسسوا منهج النقد على أسس وقواعد علمية , فقدموا علم الجرح والتعديل الذي يعتبر مفخرة من مفاخر هذه الأمة حتى غدت قواعد هذا العلم من أصح وأقوى القواعد في البحث العلمي وتقبل الأخبار , ولقد تعاملت تلك القواعد مع السنة النبوية التي تعتبر مرجعيتنا بعد القرآن الكريم , فردت نصوص , ورفضت رجال , ولم تحابي أحدا على حساب الحق المبين .

اللهم اجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ