-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 20/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


عقم عقلية الحسم في مواجهة الجدار الفولاذي

أ.د. محمد اسحق الريفي

يجب ألا نتعامل مع تطورات قضية فلسطين بعقلية الحسم، فحسم الأمور دون روية، ودون التعامل الواعي والحكيم مع الواقع، له عواقب وخيمة وتداعيت خطيرة.  ولا أقصد هنا الاستكانة لضغوط الواقع أو القبول به، كونه واقعاً ثقيلاً وبائساً، لأن القبول به لا يعني سوى الإقرار بالفشل في تغييره، والاستسلام له، وهذا غير مقبول. 

التعامل بعقلية الحسم في قضايا خطيرة أخذت طابعاً عالمياً في سياق الصدام بين الحضارتين الإسلامية والغربية، سببه قصر النظر، واستعجال النتائج، والتصادم مع الواقع بعفوية، وإغفال أهمية التخطيط والإعداد وكسب الرأي العام، ومخالفة سنة الله، والافتقار إلى الحنكة السياسية والحكمة في التعاطي مع تطورات قضية فلسطين وتداعياتها، وإهمال عامل الوقت، وعوامل مهمة أخرى كثيرة ومتشعبة ومعقدة، وأهمها سياسات بعض الدول العربية والتزاماتها الدولية، والواقع العربي عامة، والتغيرات السياسية والاقتصادية العالمية. 

 

على سبيل المثال، تواجه غزة اليوم تحدياً خطيراً آخر، فرضه الجدار الفولاذي، أو جدار الموت الفولاذي، الذي تقيمه مصر الآن على حدودها مع غزة، بأمر وتمويل وإشراف من الولايات المتحدة الأمريكية، وبمساعدة فرنسا، لخدمة أمن الكيان الصهيوني.  ويهدف الجدار الفولاذي إلى إغلاق أنفاق غزة نهائياً، ومنع دخول الأموال والمساعدات وبعض أنواع الأسلحة إلى غزة، لاضطرارها إلى الاستسلام، ولكن من المؤكد أن غزة لن تستسلم.  يشير هذا الجدار إلى سياسة، ونهج، والتزامات عربية ومصرية تجاه الكيان الصهيوني، وفقاً لاتفاق فيصل–وايزمن (1919)، واتفاقيات كامب ديفيد، وغيرها من الاتفاقيات، التي جاءت في إطار ما يسمى "عملية السلام" بين مصر والكيان الصهيوني.  ويجب ألا ننسى أن هذا الجدار ناجم عن انتشار النفوذ الأمريكي في منطقتنا وزيادة الهيمنة الأمريكية عليها.

ولذلك فإن مواجهة الحصار والجدار والتواطؤ الرسمي العربي عامة مع الصهاينة والأمريكيين، تتطلب تغييراً جذرياً وشاملاً للنهج والسياسات العربية تجاه قضية فلسطين، قضية العرب والمسلمين الكبرى، وهذا يحتاج إلى وقت طويل، وإلى تهيئة الشعوب العربية والإسلامية، وتحريرها، وتوحيدها، واستنهاضها، والتخلص من الهيمنة الغربية، وضعضعة النفوذ الأمريكي في منطقتنا... ولا شك أن كسر الحصار عن غزة، وتحرير معابرها وحدودها مع مصر، وإتاحة حرية السفر للغزيين، وتحرير الضفة المحتلة من عصابات دايتون، هي خطوة كبيرة متقدمة باتجاه تحرير فلسطين وإزالة الكيان الصهيوني من منطقتنا.

 

أما عن كيفية تعامل غزة، وحركة حماس تحديداً، مع معضلة الجدار الفولاذي، فإن عقلية الحسم تملي على الغزيين تفجير الجدار، ومواجهة رجال الأمن المصريين على الحدود، لمحاولة الضغط على النظام المصري.  ومع الأسف الشديد، تعبر هذه العقلية عن تفكير شريحة واسعة من الغزيين، لأنهم يعانون الأمرين من الحصار، وينظرون إلى جدار الموت الفولاذي على أنه عدوان إجرامي ووحشي يهدف إلى خنق غزة وإجبارها على الاستسلام للصهاينة والأمريكيين ومن يشاركهم التآمر على المقاومة الفلسطينية.  ولكن هذه الإجراءات ستزيد العلاقة بين حماس والنظام المصري، الهشة أصلاً، سوءاً فوق سوءها، وستنشر الفوضى الموصوفة أمريكياً بالفوضى الخلاقة، وستصرف أنظار العالم عن عدونا الحقيقي ومشكلتنا الحقيقية إلى تناوش وتلاسن وتناكف مع مصر، وسينعكس ذلك سلباً على قضية فلسطين.    ومعلوم أن مصر مكبلة بالأغلال الأمريكية، والمصريون عاجزون عن التغيير، وغزة تحتاج إلى من يشتريها، ليس إلى من يبيعها!

 

تجعلنا عقلية الحسم نتضخم كثيراً ونتحرك بحجم أكبر من الفضاء المتاح لنا، فنَعلَق، ونحشر أنفسنا في زاوية ضيقة، ونفقد تركيزنا وقدرتنا على المراوغة.  التعامل مع قضية فلسطين عامة والجدار الفولاذي خاصة، يقتضي من الجانب الفلسطيني التنازل عن بعض حقوقهم على أشقائهم العرب، كحق الجيرة والنصرة.  هذا ما يمليه علينا وضعنا المؤسف، وليس لنا بد من الصبر.

 

المتاح لنا هو تطوير الأنفاق، لكي تتلاءم مع الوضع الجديد الذي فرضه جدار الموت، وابتداع وسائل أخرى لإدخال ضروريات الحياة والأموال والسلاح إلى غزة، والتعامل مع القضية من وجهة نظر إنسانية، وبوسائل إنسانية، مثل الإعلام والدبلوماسية والعمل الجماهيري العربي والإسلامي، الضاغط على بعض الأنظمة الرسمية العربية المشاركة في الحصار، والصامتة عليه، والمتساوقة مع الأمريكيين في مخططاتهم ومؤامراتهم ضد المقاومة الفلسطينية.

من كان يتوقع أن تنجح غزة في تحدي الحصار وتخرج منتصرة من حرب تنهزم في أخف منها دول عديدة مجتمعة؟

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ