-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 11/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


قافلة شريان الحياة والجدار في معركة المصير 

تحويل ساحة المواجهة المباشرة إلى ساحات داخلية في البلدان العربية والإسلامية 

نبيل شبيب

بقدر ما نجحت المقاومة في كسر عنجهية الحملات العسكرية، الأمريكية على مستوى العالم الإسلامي، والصهيونية على مستوى القلب منه، سجّل التحرك السياسي المضاد نجاحا مبدئيا يمكن أن تظهر عواقبه الخطيرة في المرحلة المقبلة، معتمدا على شلل الإرادة السياسية في المنطقة لا سيما على مستوى الدول العربية، على صعيد التعامل مع التطورات الدولية، مقابل النشاط المحموم تحت عنوان أمني تجاه المقاومة والشعوب الحاضنة لها.

 

ساحات "الفوضى الهدامة"

المقاومة.. في فلسطين ولبنان وفي العراق وأفغانستان حققت -رغم أخطائها.. وليست هي موضع الحديث هنا- نقلة نوعية لا يستهان بها في التعامل مع الخلل الكبير القائم بين أطراف معتدية مدججة بأشد الأسلحة فتكا، وبلدان وشعوب لا تكاد تملك مقومات الاستقرار ولا الظروف السياسية المساعدة، ناهيك عن امتلاك ما يكفي من وسائل الدفاع عن النفس، وبدأ يتردد الحديث عما يوصف بتوازن الرعب، بين من يطلب الهيمنة بأقل قدر ممكن من الخسائر في الأرواح والأموال، وبين من حوّل التضحيات الجسيمة بالأرواح ومزق أجساد الشهداء، وبأسباب البقاء المادية على قيد الحياة إلى ثقل كبير في ميزان المواجهة.

ومنذ حرب لبنان 2006م واللجوء إلى مجلس الأمن الدولي في نهايتها، تبين أن الهدف المحوري في السياسات المضادة سيركّز على نقل ساحات المعركة مع المقاومة إلى "الداخل".. داخل البلدان العربية والإسلامية، ليقتصر دور القوات العدوانية الأجنبية على الدعم من جهة، وعلى المواجهة في نطاق حدّ الضرورة من جهة أخرى.

حتى الآن لم يصل هذا الهدف إلى مستوى تحقيق أغراضه في لبنان بالذات، إنما لم يكن "كرزاي" نموذجا شاذا يُضرب به المثل كما انتشرت المقولات والتصورات عنه، ولهذا يمكن القول إن ذلك الهدف بدأ يتحقق بصورة ملحوظة في أكثر من بلد عربي وإسلامي، وهذا ما ينعكس بصورة جلية في مواقع عديدة من "ساحات المعركة" حاليا:

1- في باكستان.. حيث باتت الحرب ضد الإرهاب كما توصف غربيا حربا تدور بين القوات العسكرية والأمنية "الوطنية" وبين قطاعات كبيرة من الشعب الباكستاني، بدعوى احتضان طالبان و"القاعدة"..

2- في أفغانستان.. رغم زيادة القوات الأمريكية إلى ثلاثة أضعافها، بات التركيز الأكبر أطلسيا -وهو ما ينتظر تثبيته في مؤتمر أفغانستان بلندن نهاية كانون الثاني/ يناير 2010م- على زيادة عدد القوات العسكرية والأمنية الأفغانية وتجهيزاتها وزيادة الاعتماد عليها في المواجهات العسكرية الجارية..

3- في إيران.. بغض النظر عن أخطائها الجسيمة يمكن أن تتحول جبهة المواجهة بين من يوصفون بالمحافظين والإصلاحيين إلى ما يشبه الحرب الأهلية، المدعومة سياسيا وإعلاميا وعبر إجراءات المقاطعة وتصعيدها من جانب القوى الدولية، لكسر فعالية اختراقات الدور الإيراني إقليميا وكذلك للحد من قدرة إيران على رفض الإملاءات الغربية/ الدولية على صعيد ما يسمى الملف النووي..

4- في العراق.. أسفرت الخطوات التمهيدية لنقل ساحة المعركة عن عقد ما سمّي "الاتفاقية الأمنية" ومنذ بدأ تنفيذها على أرض الواقع انحسرت المواجهات المباشرة مع قوات الاحتلال الباقية في أرض العراق، حتى خلا شهر كانون الأول/ ديسمبر 2009م من تسجيل أي إصابة أمريكية، بينما استمرت عمليات التفجير والعنف بأشدّ صورها فتكا، في مواجهات يمارسها عراقيون ويسقط عراقيون ضحيتها، مع استحالة الجزم بمن ينفذها..

5- في اليمن.. اقترن تصعيد الأحداث الداخلية في الجنوب والشمال بفتح ساحة معركة إضافية ضد القاعدة، بذريعة محاولة تفجير طائرة ركاب أمريكية.. وهو ما لا يمكن فصله عن مجموع المخططات الجاري تنفيذها في القرن الإفريقي، وعلى جانبي مضيق باب المندب، وفي منطقة منابع النيل..

6- في الصومال.. بعد الحرب العدوانية الحبشية المدعومة غربيا، أسفرت استجابة فصيل من المقاومة الصومالية للمشاركة في الحكم، عن ترسيخ ساحة المواجهة بين حكومة كان ارتباطها بالقوى الأجنبية أشد وضوحا، وبين فصائل المقاومة الأخرى..

7- في فلسطين.. لم تعد المشكلة الأكبر التي تواجهها المقاومة -ظاهريا على الأقل- في استمرار الصمود والتشبث بالثوابت تجاه العدوان الصهيوني القائم والمستمر، بل في كيفية خرق الحصار تجاه الأطراف الفلسطينية والعربية المشاركة فيه..

لقد كان السقوط المريع للمحافظين الجدد ورئيسهم بوش الابن في الانتخابات الأمريكية الأخيرة، ووصول أوباما إلى السلطة وبالتالي وصول الوجه الآخر من ميدالية الهيمنة معتمدا على لين العبارة في طرح الأهداف الأمريكية.. كان لذلك أثره في انتشار تصورات ساذجة بأن "المعركة" أشرفت على نهايتها، والواقع أن تحويل ساحاتها إلى الداخل العربي والإسلامي قد بدأ في عهد بوش الابن تحت ضغوط المقاومة، وكان لا بد من أسلوب سياسي جديد لإعطائه دفعة كبيرة، هي محور ما صنعته سياسات أوباما خلال عامه الأول في السلطة.

على هذه الأرضية لا تبدو المواجهات الجارية حاليا داخل مصر خارج إطار الصورة الراهنة للمعركة وساحاتها. 

 

شريان الحياة

مهما كان شأن القائمين على تسيير قوافل الإغاثة وآخرها ما يحمل اسم شريان الحياة، فمن شأن وصولها إلى قطاع غزة دعم أهله معنويا وماديا في مواجهة الحصار المفروض من قبل الحرب العدوانية الأخيرة، وبالتالي دعم المقاومة المتركزة فيه والتي تلقى أشد العنت في الضفة الغربية في ساحات "فلسطينية" داخلية إضافة إلى ما تصنعه غارات الاعتقال والاغتيال الإسرائيلية.

إن قضية تسيير قوافل الإغاثة تنطوي على أمرين جوهريين:

1- تنفيذ ما تقتضيه بنود القانون الدولي، العام والإنساني، أنه لا ينبغي في حالة السلم ولا حالة الحرب، سد منافذ الإغاثة الإنسانية عن أي فئة من البشر.. أي أن القوافل هي التعبير العملي عن المشاركة على المستويات الشعبية "عالميا" في العمل على خرق حصار غير مشروع بمختلف المعايير.

2- الإسهام في الحيلولة دون مكافأة المعتدي "سياسيا" على ما ارتكب من جرائم حربية وجرائم ضدّ الإنسانية، أي الحيلولة دون تثبيت الضغوط التي يعنيها الحصار من أجل انتزاع مواقف سياسية من جانب الطرف المعتدى عليه، أي من جانب المقاومة وسكان غزة عموما.. بعد أن عجز الطرف المعتدي عن انتزاعها بالقوة العسكرية العدوانية التدميرية.

جوهر الإغاثة الإنسانية العالمية هذا هو ما انطلقت حملة كبرى من التضليل السياسي والإعلامي للفت الأنظار عنه عبر طرح تفاصيل لا نهاية لها بشأن قافلة شريان الحياة.

ليس المهم أن تصل قافلة شريان الحياة عبر ميناء العريش أو ميناء ينبع.. وليست مصر عاجزة عن ضمان الجوانب الأمنية لتحركها في جميع أنحاء الارض المصرية!..

وليس المهم أن تتضمن شاحنات ركوب أو سيارات إسعاف.. إلا إذا كان المنطق المعتمد هو أن "العدو" هو الذي يحدد ما يستحق وصف "عون إنساني" يعبر ارض مصر إلى أرض غزة!..

وليس المهم مزاعم اتفاقات مسبقة تم خرقها من جانب المسؤولين عن القافلة على هذا الصعيد أو ذاك.. إلا إذا كانت صياغة تلك الاتفاقات ضبابية بصورة مقصودة مسبقا!..

وليس المهم أن تتخلى السفارات الأجنبية وبالتالي الدول التي ينتمي إليها كثير من المشاركين في القافلة عنهم.. فهذا موقف سياسي عدواني مقصود من جانب دول لا تتخلى عادة حتى عن "مجرمين" تثبت إدانتهم بتهريب مخدرات أو اعتداءات جنسية أو سوى ذلك من الجرائم..

المهم هو أن القافلة تعبّر -كما تقول تسميتها- عن محاولة الحفاظ على تدفق الحياة في الشريان الشعبي الحاضن للمقاومة الصامدة في غزة.

لم تمنع الحكومات الغربية أن يشارك مواطنون غربيون في إغاثة أهل غزة، رغم وجود قوانين تصنف "حماس" في قائمة منظمات إرهابية مزعومة، وتعتبر حتى جمع التبرعات لصالح أطفال الشهداء محظورا تحت طائلة العقوبة.. لا تعرقل الحكومات الغربية قوافل الإعاثة لأن المطلوب في هذه المرحلة ألا تكون "ساحات المعركة" على مستقبل المقاومة الفلسطينية بين حكومات غربية ومواطنيها، بل المطلوب والجاري تنفيذه هو أن تتحول إلى "معركة جدلية" على أبواب ميناء العقبة، وإلى ما يشبه "معركة شوارع" على أبواب ميناء العريش.. وفي الحالتين، وفيما قد يطرأ من أحداث.. هي ساحة "داخلية" في أرض عربية، بين طرف شعبي يدعم المقاومة، وبين "قوات أمنية" عربية رسمية.

سيان.. هل تستجيب السلطات الرسمية في مصر بذلك لرغبات أمريكية وغربية وإسرائيلية أم تتصرف بنفسها تحت عناوين السيادة والأمن القومي.. الحصيلة واحدة وهي:

المشاركة المباشرة في ساحة معركة داخلية تصب نتائجها -مهما كانت- في صالح الطرف المعتدي على صعيد المعركة الكبرى الجارية، في قضية فلسطين، وعلى امتداد المنطقة العربية والإسلامية.

حتى لو ارتكب منظمو القافلة أخطاء على صعيد تفاصيل طريقة الوصول إلى قطاع غزة، وهم يُتهمون بذلك لتبرير نصب العراقيل في وجه القافلة، فالقانون الدولي والإنساني، والواجب الوطني والقومي والإسلامي، يوجبان على دولة ذات سيادة ومكانة تجاوز الأخطاء، وتسهيل مرور القافلة، ودعم المقاومة وشعبها في قطاع غزة وكامل فلسطين.

لقد مارس بعض منظمات الإغاثة الفرنسية جريمة اختطاف أطفال من دارفور وبيعهم.. ولم تتخلّ فرنسا عن تلك المنظمات بل تحركت حتى على مستوى رئيسها لإخلاء سبيل من تمت محاكمتهم!..

ومارست منظمات أخرى مثل هذا وأكثر في مناطق عديدة من العالم، ولم تتخل البلدان المعنية عنها، فهل يعتبر عدم التقيد ببعض بنود اتفاق -إذا صح الاتهام أصلا- جريمة كبرى ارتكبها منظمو قافلة شريان الحياة، وهل أصبح التغاضي عن ذلك -لو حصل فعلا- خطرا على الأمن القومي وانتهاكا للسيادة؟!..

من يصنع ذلك يصوّر أمنه القومي ضعيفا قابلا للتعرض للخطر بسبب أخطاء تافهة.. ويصوّر سيادته مهترئة قابلة للامتهان من جانب ناشطين في جانب إنساني محض!

إن الانشغال بهذه التفاصيل وأمثالها خطأ كبير، ويحقق الغرض المطلوب منه بلفت الأنظار عن جوهر القضية:

إغاثة تجري عرقلتها في بلد عربي إسلامي، في ساحة من ساحات خنق المقاومة بالحصار.

 

خنق أنفاق رمق الحياة

لا يختلف الأمر كثيرا ولا قليلا من حيث الجوهر على صعيد التعامل مع الجدار، فولاذيا كان أم اسمنتيا أم ألكترونيا، وتحت الأرض أو فوقها، وبتمويل أمريكي أم مصري، وبتخطيط صهيوني أم "وطني" عربي، وبتأييد رسمي من جانب جهة فلسطينية كالسلطة، تدين مقاومة شعبها، وتتشبث بالمفاوضات مع عدوه، أو دونه.. وهل يسمى جدارا أم يسمى منشآت.. وهل يستحق وصف جدار العار أم جدار الفخر بالسيادة والأمن القومي.. جميع ذلك تفاصيل تُطرح عبر المواقف الرسمية والحملات الإعلامية، ولا تبدّل قيد أنملة من حقيقة أن ما يجري هو ممارسة مباشرة للمشاركة في حصار يريده الطرف المعتدي ضد الطرف المعتدى عليه.

المطلوب من المسؤولين عن صناعة القرار في مصر الامتناع عن فتح أي ساحة "داخلية" لأي معركة طرفاها من العرب ومن المسلمين.. ومن البشر المعرضين جميعا للعدوان الأجنبي والهيمنة الأجنبية..

المطلوب عدم مخالفة القانون الدولي.. بالمشاركة في حصار عدواني.

المطلوب عدم انتهاك القانون الإنساني عبر المشاركة في حرمان فئة سكانية -حتى ولو لم تكن من الفلسطينيين ولا من العرب أو المسلمين- من الحصول على ضرورات الحياة حتى عبر الأنفاق بعد سد المعابر في وجه كل ما يتجاوز عدم المخاطرة بإبادة جماعية سريعة ولكن لا يتجاوز ما يقع من موت بطيء!..

عند تحقيق هذه المطالب.. يمكن أن تُفتح الأبواب الطبيعية والقانونية والمشروعة، من أجل التفاهم على سبل اعتيادية كريمة لضمان استمرار الحياة في قطاع غزة، عبر وصول الغذاء والدواء والتجهيزات والسيارات والشاحنات والوقود ومواد البناء وعبر تنفيذ الحقوق الإنسانية المطلقة في السفر والتنقل.

وعند تحقيق هذه المطالب لا يتحوّل ذلك كله سواء بالمنظور القانوني الدولي أو بالمنظور الوطني والقومي والإسلامي والإنساني، إلى أوراق ضغط لفرض مواقف سياسية، في قضايا المصالحة الفلسطينية، أو الإفراج عن أسرى معتقلين ظلما وعدوانا، أو سوى ذلك مما أصبح صانع القرار على الحدود الوحيدة الباقية من أجل "استمرار الحياة" بين سيناء وغزة، يستخدمه بالنيابة عن أطراف صهيونية ودولية، في ساحة لا يمكن أن تحقق لمصر شعبا ودولة، ولا للعرب والمسلمين، مكسبا ولا نصرا ولا مكانة عزيزة، ولا سيادة كريمة، ولا أمنا بمختلف ما يطلق على الأمن من تسميات قومية أو وطنية أو سوى ذلك.. ويكفي -في عصر تغييب مكانة القضايا المصيرية المحورية المشتركة الكبرى وتغييب واجب العمل الدائم من أجلها- أن جميع ذلك يريد أن يحجب عن الأنظار.. أن القضية في حصيلتها هي قضية حياة الإنسان.. جنس الإنسان!..

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ