-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الخميس 07/01/2010


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


التشبث بالماضي والتحولات الأليمة نحو المستقبل

بوفلجة غيات

يعرف العالم العربي مجموعة من الأزمات الناتجة عن تحولات كبيرة في كلّ المجالات، الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والثقافية والأمنية. كما أن المجتمعات العربية كغيرها من المجتمعات، تعيش في عالم سريع التغير، وقد زادت العولمة هذا التغير سرعة.

إن العالم المتقدم في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا وجزء من آسيا، يعيش مستويات عليا من التغيّر والتطوّر، تمكن من استيعابها والتكيّف معها. حيث أصبح ذلك أمرا عاديا وثقافة سائدة في المجتمع. وهكذا اكتسبت الدول المتقدمة ثقافة التغيير والتكيف مع المتغيرات.

في حين أن المجتمعات العربية بقيت مرتبطة بالماضي متشبثة به في كلّ المجالات الثقافية والحضارية والإجتماعية والإقتصادية، بما في ذلك أنماط سلوك الأفراد وتصرفاتهم اليومية وعلاقاتهم الإجتماعية. ومن مظاهر ذلك أيضا، تشبث الحكام العرب بمقاليد السلطة ومعارضتهم لأي تغيير.

فهذه المجتمعات وأنظمة الحكم بها، تتشبث بالماضي، وتقاوم التغيير. ذلك أن التغيير يؤدي إلى ضياع مصالح كثير من الأفراد وفئات المجتمع والحكام، لكونهم يخشون المنافسة والشفافية. فهم يعانون من عدم الثقة في قدراتهم وإمكانياتهم الشخصية، لذا فهم يهابون المستقبل، بما يحمله من تحديات ومفاجآت.

إلا أن التغير في العالم قد وصل إلى درجة لا يمكن توقيفه، وقد تجسّد في العولمة التي ظهرت كسيل جارف، يحطم كل من يعترض طريقه.

رغم ذلك، تشاهد المجتمعات والحكومات العربية مقاومة شرسة للتغيرات، مما يؤدي إلى إفرازات تتمثل في صراعات بين الماضي والحاضر، بين الجمود والحركة. لهذا ليس بغريب ما يعرفه العالم العربي من تناقضات وأزمات في كل المجالات الإجتماعية والإقتصادية والثقافية والسياسية، وهو صراع بين الماضي بممارساته الفردية المتعددة والمتنوعة. فثقافة الماضي بجمودها وركودها، تحاول مقاومة ثقافة الحداثة والعولمة، وما تمثله من تطور ونشاط وحركية.

لقد مارس الحكام العرب قدرا كبيرا من السيطرة على شعوبهم مستعملين أدوات القمع المتاحة لهم، من قوة القانون وأجهزة الأمن. مستغلين في ذلك انتشار الجهل والفقر وغياب الوعي وانتشار ثقافة الخوف والخضوع.

أما في عصرنا الحالي، فقد عرفت المجتمعات العربية تغيرات كبيرة، نتجت عن انتشار التعليم وفتح وتعدد الجامعات، وظهور وسائل الإعلام والإتصال الإلكترونية الحديثة، مما ساهم في ظهور أجيال متعلمة، تعرف حقوقها وتسعى إلى المطالبة بها وانتزاعها.

لهذا لم يعد بالإمكان الإنتقال السلس والسلمي من ثقافة وممارسات الماضي إلى الواقع الجديد، بما يتطلبه من حاجات وشروط يرفض الأفراد والمجتمعات والحكام توفيرها. إلا أن الضغوط المحلية والدولية تدفع بقوّة إلى المستقبل، وهي عملية أليمة، عبارة عن ولادة عسيرة، وامتحان صعب فشلت الأمة في اجتيازه، مما أدى إلى ظهور صعوبات وأزمات يعاني منها الوطن العربي.

وهكذا، لم تتمكن المجتمعات العربية وأنظمة حكمه تقبلها وإجراء التغييرات الضرورية لمواجهتها. ذلك أن كثيرا من التغيرات والإصلاحات فيما لو تحققت، تعتبر نقلة نوعية تساهم في حل كثير من المشاكل والأزمات التي تعرفها المجتمعات والدول العربية، بل الأمة ككل.

لذا فإن عددا من الأزمات والصراعات التي تعرفها الأمة العربية، هي نتيجة مجموعة من التناقضات بين الماضي والمستقبل. إذ أصبح من غير الممكن اعتماد نفس الأساليب القديمة في التعامل مع المعضلات  الجديدة، وهو ما أفرز مجموعة من التناقضات الصراعات.

إلى جانب العوامل الداخلية، نجد الضغوط الخارجية متمثلة في العولمة ومتطلباتها، وضغوط القوى الأجنبية. إلا أن ما يمكن ملاحظته هو أن زيادة الضغوط، أدت إلى زيادة المقاومة والمواجهة، وهو ما أفرز أزمات تزايدت حدّتها وتوسعت في جلّ أقطار الوطن العربي.

إنه صراع المجتمع بين نظرتين متناقضتين، نظرة تتمسك بالماضي في التعامل مع الواقع وما يتميز به من طرق  العمل وإدارة الدولة. ونظرة أخرى حديثة تسعى إلى فرض نفسها، نتيجة التحولات الكبيرة التي يعرفها العالم، وتتمثل في نظرة الأجيال الصاعدة إلى الواقع، وما تتميز به من حداثة وعصرنة، في كل مجالات الحياة. وهو ما أدى إلى بروز اختلافات وخلافات بين الحكام والرعية، وبين الدول العربية فيما بينها، وبين الدول العربية وغير العربية. وقد أنتج ذلك ما كان يُعرف بالثورة على الممارسات التقليدية في كل المجالات، وهو ما أصبح يعرف بالتمرّد على الأوضاع، وهو ما قد يطلق عليه البعض إرهابا ضد أنظمة الحكم.

وهي صراعات نجدها في كل أقطار الوطن العربي، وقد رأينا مظاهرها في سنوات العنف التي عرفتها الجزائر، وما ظهر في صورة أعنف بالعراق. كما نشاهد نفس الظاهرة في اليمن والسودان ولبنان، وما نشاهده أيضا من صراعات بين نظرة الماضي وطموحات الشباب الإصلاحي في إيران. كما نجد بعض مظاهر الصراع في دول عربية أخرى، إلا انه لم يصل بعد إلى صورة العنف، وقد تصل إلى هذه المرحلة إن عاجلا أم آجلا، في حالة عدم تحرك الحكام و أولياء الأمور لتدارك الأمر والتعامل الإيجابي وبمرونة وعقلانية مع الأحداث.

إن الدول الغربية تلتجئ عادة إلى الإصلاح والتغيير والتجديد والبحث العلمي عندما تواجهها أزمات ومشاكل، مما يساعدها على تجاوز أزماتها. في حين نجد الدول العربية تلتجئ إلى الماضي من خلال استدعاء بعض الوجوه القديمة في السلطة، وتبحث عن حلول قديمة من خزائن خردواتها التي تعود لقرون خلت، إلى جانب اعتماد حلول أمنية لمواجهة الإحتجاجات والأزمات، وهو ما يؤدي عادة إلى مزيد من الأزمات واستفحال الأمور.

لهذا لا بد من الإعتماد على الكفاءات العلمية، وإيجاد حلول مناسبة تتمثل في ضرورة مسايرة التطورات والتكيف مع الواقع الجديد. إذ أن أفكار ممارسات الماضي ليست بالضرورة صالحة اليوم، وأن الأجيال الصاعدة عرفت تطورا كبيرا من حيث وعيها وأفكارها، يجب احترامها وأخذها بعين الإعتبار.

كما أن الإختلاف بين الماضي والحاضر، وبين التقليدي والحديث، لا يمس بالضرورة المعتقدات الدينية وممارساتها، كما يتحجج بعض الحكام وبعض علماء الدين الذين يدورون في فلكهم. ذلك أن قيم الحداثة والعولمة تنادي بحرية التعبير وحرية المعتقد والممارسات الدينية.

فشعوب واعية متعلمة، جديرة بالإحترام وأخذ آرائها بعين الإعتبار، وأنه لا مناص من التعامل مع العولمة واستغلال كل ما هو إيجابي فيها لصالح الأمة، وأهم عنصر فيها احترام وتطبيق الديمقراطية في كل مجالات الحياة وعلى رأسها أساليب ممارسة السلطة السياسية واحترام كرامة الشعوب.

لذا فإن فشل الحكام العرب الحاليين في مسايرة التطورات، وعدم تخليهم عن مناصبهم لصالح من هم أجدر منهم وأكثر قدرة على التعامل الإيجابي مع الأحداث، ومقتضيات العولمة والتكيف مع متطلباتها، يؤدي إلى مزيد من الصعوبات والأزمات.

في حين أن النجاح في التغيير والتكيف، كفيل بتخفيض الضغوط والحدّ من الإضطرابات والصراعات، مما يسمح بتعافي الأمة من كثير من أزماتها المزمنة. ذلك أن الأزمات التي يعرفها الوطن العربي هي أزمة نمو، ناتجة عن صراعات بين متناقضات، بين أفكار وقيم وممارسات الماضي، وأفكار وقيم ومتطلبات الواقع والمستقبل، أكثر مما هي مظاهر للفقر والتخلف.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ