-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 12/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


معركة المآذن في سويسرا

بلاد التنوع و التسامح و الحياد الإيجابي و السلام !!!

قراءة في الدلالات والمآلات

الأستاذ: نورالدين جفافلة*

توطئة و مهاد

    كما كان متوقعا لذوي الألباب، أظهرت نتائج الاستفتاء الشعبي في سويسرا، الرفض الغربي المشحون بالحقد الصليبي لكل ما يرمز إلى الاسلام و الحضارة الاسلامية. و ينم هذا الرفض عن التناغم الغربي في سيمفونية واحدة تعزف كل أوتارها على إيقاع واحد، هو الحرب الحضارية أحادية الجانب المعلنة من الغرب على الإسلام و المسلمين.

   و لم تكن هذه النتيجة بالمفاجئة و لا الغريبة، إن على المسلمين أو الغربيين، على الرغم مما أظهره بعض الغربيين الشرفاء و غير الشرفاء صدمتهم و خيبة أملهم من  نتائج الاستفتاء الذي يمنع بناء مآذن جديدة في بلاد التنوع و التسامح و الحياد الإيجابي و السلام و العالمية، إذ أنها حلقة من سلسلة طويلة و ممتدة عبر تاريخ الغرب و جغرافيته. فمآذن سويسرا لم تشذ عن سجن باغرام و أبوغريب و غونتنامو بالنسبة لأمريكا و بريطانيا، و لم تشذ عن فرنسا ثم اسبانيا في منع الخمار عن المسلمات، أو عن الدانمارك و هولندا و فرنسا و... في منع النقاب، أو عن التصريحات الحاقدة لمعظم ساسة الغرب ضد الإسلام و المسلمين، أو عن الصور المسيئة للرسول صلى الله عليه و سلم أو عن التحالف الصليبي الصهيوني ضد المسلمين في أفغانستان و باكستان و الشيشان و إيران و السودان  و فلسطين و لبنان و العراق و الصومال و البوسنة و الهرسك ووو... فكل دولة غربية يجب أن تدلو بدلوها، و كل بحسب استطاعته.

   إن هذا الحقد الذي طفح في الغرب لم يكن ليزعجه بهذا الشكل، إلا لأنه ظهر فوق سنام أوروبا و سمائها، سيوسرا التي تنعت بواحة التنوع و التعدد و التسامح و الأمن و الحياد و السلام الغربي، و لأنه كان في شكل استفتاء يحمل في طياته كرها شعبيا انضم إلى الحقد الرسمي، و في الحقيقة لو أن هذا الاستفتاء كان أوروبيا لكانت النتيجة نفسها، و لهذا قالت صحيفة الغارديان في افتتاحيتها لنتائج هذا التصويت "ربما لو أجريت استفتاءات حول موضوع مماثل للذي صوت حوله السويسريون في دول مثل فرنسا وبريطانيا والنمسا وهولندا لما اختلفت النتيجة كثيرا".

لهذا وجب القراءة ما بين سطور هذا الرفض، و تتبع دلالاته و مآلاته.

 

قراءة في الدلالات و المآلات

الدلالات

    إن الدلالات التي يمكن أن تدل عليها هذه الحادثة السويسرية، جلها إن لم يكن كلها، تصب في خانة الصدام الحضاري و الصراع الحضاري و الحرب الحضارية، المعلنة من جانب واحد، و هو الغرب الصليبي المتصهين، و يمكن الإشارة إليها كم يلي:

* أولا: هي حلقة من حلقات الحرب الحضارية أحادية الجانب التي يشنها الغرب الصليبي المتصهين على الحضارة الإسلامية

    دون الخوض في مفهوم هذه الحرب و أبعادها، و الذي أسس له المفكر الكبير و الشهير المغربي المهدي المنجرة، ثم من بعده الأمريكي اليهودي الصهيوني صموئيل هنتغتون، فإنه يمكن الانطلاق من كون هذه الحرب روحها هي الثقافة بأبعادها الدينية و اللغوية و التارخية و الاجتماعية و السياسية و ... و بناء على ذلك، فإن رفض بلاد التسامح للمآذن ما هو إلا تعبير طفح من المرجل الأوروبي الذي لم يستطع كبت ناره و لا كبح أزيز حقده. و الحمد لله على ديقراطية الغرب التي فضحت الأمر للمسلمين الطيبين جدا جدا جدا !!! و ماذهبنا إليه ليس من قبيل الادعاء و التقول، و إنما دليلنا من باب و شهد شاهد من أهلها. فقد نقلت صحيفة (ديلي تلغراف) في هذا الإطار ردة فعل رئيس لجنة مبادرة حظر المآذن (وولتر ووبمان) بعيد صدور نتائج الاستفتاء حين قال "نحن سعداء للغاية, فاختيار السويسريين حظر المآذن انتصار لسويسرا ولحريتها ولمن يريدون مجتمعا ديمقراطيا فيها, فهدفنا هو فقط وقف المزيد من أسلمة سويسرا".

إذن فهو التخوف من الانتشار السلمي للاسلام الذي حوله الحاقدون الصليبيون المتصهينون إلى فوبيا الاسلام، الذي صور للغربيين على أنه بعبع و غول سوف يأكل الغرب، و يحوله بكامله شطر المسجد الحرام.و المتمعن في الملصقات التي نشرها اليمينيون في سويسرا لتعبئة الشارع ضد المسلمين يتبين له دون عناء وجه التحامل على الاسلام و المسلمين.

* ثانيا: نقل الحرب من ميدان السياسة إلى ميدان الثقافة أو من ساحة الحكومات إلى ساحة الشعوب

   إن معركة المآذن التي تقودها سويسرا نيابة عن الغرب الصليبي المتصهين، هي من ذات طبيعة معركة النقاب و الخمار و الحجاب و باغرام و غوانتنامو و أبوغريب و غزة و جنوب لبنان. غير أن ما ميز هذه المعركة عن أخواتها و أمهاتها و بناتها هي أنها معركة أزالت عن نفسها آخر أوراق التوت، و ذلك حين عُبر عن ذلك الحقد المسموم عن طريق الاستفتاء الشعبي، بدل أن يعبر عنه سياسي أو وزير أو غفير أو أمير، و ذلك ما كان يرجوه دهاقنة الصراع الفكري.

  إن نقل الصرع إلى ميدان الاستفتاء الشعبي له دلالات يجب الوقوف عليها لعل أهمها هو أن التعبير الشعبي أصدق دلالة في كون الصراع حضاري و ثقافي، و هو في الحقيقة يعبر عن ضعف الغرب أكثر مما يعبر عن قوته، و ذلك لكون الغرب بدأ يفقد توازنه، و هذا ما يؤدي من جهة إلى أن تقتدي بعض شعوب أوروبا بالنموذج السويسري(و المقال لم يكتمل أعلن أن يمين هولوندا حذا حذو اليمين السويسري)، و من جهة ثانية يؤدي إلى تنامي الوعي بالصراع الفكري و آلياته و أهدافه لدى المسلمين عامة و لدى الأقليات المسلمة في الغرب خاصة، و هذا ما لا يرجوه الغرب أبدا.

  كما أن نقل هذا الصراع من ميادينه التقليدية، من شأنه أن يؤلب العالم على الغرب و أن يقلب السحر على الساحر و هذا أيضا مما لا يتمناه الغرب و ساسته و قادته.

* ثالثا: افتضاح الحياد الايجابي،فلا حياد لأي فصيل أوروبي في مسألة معاداة الإسلام و المسلمين.

   على مدار عقود طويلة من الزمن استطاع السويسريون أن يصنعوا لأنفسهم صورة جد إيجابية عن أنفسهم كون بلدهم هو واحة التنوع و التعدد و التسامح و الأمن و الحياد و السلام، و هذا الأمر جلب لهم منافع كثيرة على مختلف الأصعدة، و بخاصة الرفاه الاقتصادي،فبفعل الاتجار والصيرفة بأموال الناس من كل أنحاء العالم, و بإيوائهم مهاجرين أغنياء تركوا بلدانهم هربا من الضرائب،أو لصوص و مصاصي دماء الشعوب أصبحوا أغنياء، و سياسيا تؤوي سويسرا مقرات لمنظمات دولية عديدة, بما في ذلك عدد من المنظمات التابعة للأمم المتحدة, الأمر الذي أصبغ عليها صورة البلد المسالم و المحايد و المتسامح و المسالم و... غير أن هذا الأمر صار الآن من التاريخ .

إن الحياد لأي بلد غربي يجب ألا يتمتع به إلا الغرب سواء كان من الكاثوليك أو البروتستانت أو الأورثوذوكس، أما إذا تعلق الأمر بالاسلام فلا حياد.

* رابعا: دور الاعلام في الحرب الحضارية

   إن المتتبع لمعركة المآذن يجد أن سلاحها الفتاك لم يكن غير تلك الصور التي ملأت شوارع و ساحات كل المدن السويسرية و التي وصلت عبر المجلات و الجرائد و القنوات و البريد الالكتروني لكل سويسري. و قد خاض مؤيدو حظر المآذن في سويسرا، منذ شهور، حملات تعبئة شعبية مكثفة وواسعة النطاق استخدمت فيها شعارات ذات طابع عنصري، اعتمدت على الإثارة والتهويل إزاء المسلمين وفق منتقديها.

   فقد نشرت في الميادين العامة والطرقات ووسائل الإعلام إعلانات تعبوية تقدِّم حسب مراقبين صورة عنصرية مخيفة ضد المسلمين. وتظهر في الإعلانات الجدارية رسوم لخارطة سويسرا وقد اخترقتها مئذنة. وفي بعضها عدد كبير من المآذن السوداء المرتفعة فوق العلم السويسري.

   كما نظم خلال الشهور الماضية عدد كبير من الملتقيات العامة بأنحاء سويسرا للتحريض على المسلمين وربط الإسلام بالمخاوف وفق هؤلاء المنتقدين. وتمت استضافة محاضرين معادين للإسلام من الخارج، من بينهم (آفي ليبكن) الناشط الإسرائيلي المتخصص في التحريض ضد الإسلام.

   و في مقابل ذلك لم تكن ردة فعل المسلمين في سويسرا لتذكر أمام الهجمة الشرسة للحملة الاعلامية لليمين المتطرف، و السبب في ذلك للأسف الشديد هو تخاذل المسلمين عن نصرة دينهم و إخوانهم و لو بذل و لو 2.5% مما أنفق على الحملة الاعلامية لمبارة الجزائرو مصر من كلتا الدولتين لربما كان التكافؤ في الحملة من شأنه أن يجعل نتيجة الاستفتاءعكس ما هي عليه.

  فلم تجد نداءات رئيس اتحاد المنظمات الإسلامية في سويسرا، الدكتور "هشام أبو ميزر"الصدى الكافي، لا في أوساط الأقلية المسلمة داخل سويسرا ، و لا في العالم الإسلامي المنشغل بالترهات و الخزعبلات و الخرق الحمراء، و لا في منظماته الحكومية (المؤتمر الاسلامي و جامعة الدول العربية) أو غير الحكومية.

 

المآلات

  إن هذا الحدث الذي حدث في قلب الغرب(سويسرا) ليس بالحدث الهين و لا بالحدث المحدود الأثر، بل إن امتداداته سوف تكون عالمية، و خاصة عند نقطة التماس بين العالم الاسلامي و العالم الغربي. و لهذا و من أجل امتصاص الصدمة، سارع الغرب بكل مؤسساته السياسية و الاعلامية و الفكرية و الدينية و القانونية و غيرها لاستنكاره و رفضه، و ما ذلك إلا لكون دويه من شأنه أن يوقظ مزيدا من النائمين في العالم الاسلامي، و هذا ما لا يتناغم و أهداف الصراع الفكري، الذي يتنبؤ قادته الغربيين بأن معركة الآذان ستكون لها مآلات مشؤومة على الغرب و حضارته مؤسساته، هذا و يمكن الوقوف على بعض تلك الآثار فيما يلي:

* أولا: فضح السياسات الغربية المنافقة تجاه العالم لااسلامي

   إن أشد ما آلم الغرب في معركة المآذن، هو أنها - مع ما تراكم من سياسات فاضحة و مفضوحة منذ الحرب الحضارية الأولى على ماذهب إليه المنجرة- زادت في تعرية سوءة الحضارة الغربية، و لهذا فهي ليست فقط كاشفة لحقد اليمين المتطرف في سويسرا، و إنما لكل السياسات الغربية المنافقة تجاه العالم الاسلامي، و هذا ما حدا بالكثير من الساسة و القادة الغربيين إلى المسارعة بالرفض و الشجب لتلك النتائج المخزية، دونما الحركة والفعل الجديرين بالحدث، و هو توقيف هذه الحرب الحضارية الثقافية المعلنة من جانب واحد كما تأكد ذلك للعالم.

   فالمسألة ليست في المأذنة و النقاب و الخمار و النقاب، و إنما فيما عبر عنه قادتهم أنفسهم أي في انتشار الاسلام في ربوع أوروبا و في بعث حضارته من جديد، فقد صرح صاحب المبادرة السويسرية وولتر ووبمان بأن الهدف هو فقط وقف المزيد من أسلمة سويسرا، ثمٍ استطرد قائلا: "لقد أردنا إظهار أن المآذن رمز للقوة في الإسلام، وما سيأتي بعدها من مؤذن ثم الشريعة الإسلامية"

  و قد حذا حذو اليمين السويسري، اليمين الهولوندي إذ أعلن حزب الحرية اليميني الهولندي أنه سيطالب الحكومة بإجراء استفتاء على حظر بناء مآذن للمساجد على غرار الاستفتاء الذي أجرته سويسرا، ودعا إلى حظر القرآن الكريم أيضا. بل إن الرئيس الحالي للاتحاد الأوروبي هرمان فان رامبوف هاجم في إحدى المرات طلب تركيا الانضمام للاتحاد الأوروبي بوصفه يهدد "المثل الأساسية للمسيحية".

  و مما يزيد الافتضاح افتضاحا ما نبهت الصحف الأوروبية إلى أن أكثر التعليقات التهابا حول هذا الموضوع جاءت من القراء الأوروبيين(أي الشعوب) على الإنترنت، إذ كتب كثير منهم هذا التعليق "برافو (تحية إجلال) أيها السويسريون متى سيجرى تصويت مماثل ببلادنا؟"

* ثانيا: تنمية الشعور بالانتماء الحضاري بالنسبة للمسلمين

صدق من قال:رب ضارة نافعة، و أصدق منه مقالا : (و عسى أن تكرهوا شيئا و هو خير لك )

  إذا كان روح البناء الحضاري هو بناء المنظومة الثقافية، فإن لحمته هو الشعور بالانتماء. و المسلمون اليوم كما هم بحاجة إلى البناء الثقافي، فهم بحاجة إلى تنمية الشعور بالانتماء الحضاري. و مما يحفز هذه التنمية العدوان الخارجي بجميع أشكاله، و هذا يدخل ضمن سنة التدافع التي أشار إليها القرآن الكريم.

  لهذا فإن الغرب تحت إمرة سويسرا هذه المرة في معركة المآذن، لم يزد المسلمين إلا يقظة(لأن المغمى عليه أحيانا يحتاج إلى الصفع حتى يفيق)، و سيساهم مساهمة كبيرة في تنمية الشعور بالانتماء الحضاري بالنسبة للمسلمين، ليس لأن المآذن ستمنع في سويسرا و إنما لأن الذي اتخذ هذا القرار هو الشعب الممثل الحقيقي لثقافة و حضارة أي أمة.

   ثالثا: توتير العلاقة بين الغرب و المسلمين

  إن ردات الفعل المتباينة على هذه المعركة تكاد تجمع على كون هذه الحادثة تصب في توتير العلاقة بين الغرب و المسلمين، فليست فقط سويسرا هي من ستتوتر علاقتها بالعالم الاسلامي و إنما كل الغرب، و ذلك لأن كل دولة من دوله قد تورطت في معاداة الاسلام و المسلمين.

  فإذا كان بموجب تلك النتيجة سيتحتم على السلطات السويسرية إضافة بند إلى الدستور ينص على حظر بناء المآذن في البلاد، و هي سابقة هي الأولى من نوعها في أوروبا ، فإن هذا يعتبر مؤشرا خطيرا في العلاقة بين العالمين الاسلامي و الغربي يقوي من حدة التوتر المتنامية بسرعة الضوء أصلا، و مما زاد الطين بلة و النار اشتعالا، هو انتقال عدوى الاستفتاء الشعبي إلى هولندا و ربما إلى دول أخرى، و إذا حدث ذلك فإن المستفيد الأكبر هم دعاة الحروب الحضارية من الصليبيين و الصهيونيين و الخاسر الأكبر هي الحضارة الغربية. أما المسلمون فإن هذا الابتلاء لا يزيدهم مع الزمن إلا اتحادا و ذلك ما لا تتمناه الحضارة الغربية بمختلف أطيافها.

في الختام إن علينا كمسلمين الإجابة على هذه الأسئلة :

ماهو الدور الذي يجب أن تضطلع به دول العالم الاسلامي؟

ماهوالدور الذي يجب أن تضطلع به شعوب العالم الاسلامي؟

ماهو الدور الذي يجب أن تضطلع به المنظمات الحكومية مثل منظمة المؤتمر الاسلامي و جامعة الدول العربية؟

ماهو الدور الذي يجب أن تضطلع به المنظمات غير الحكومية في العالم الاسلامي ؟ تجاه هذه الحرب التي يشنها الغرب على المسلمين

ـــــــــــ

*جامعة أم البواقي:الجزائر

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ