-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 07/12/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إعادة ترتيب الفضاء الشرق أوسطي وتراجع الدور العربي

بوفلجة غيات

يعرف العالم السياسي والإستراتيجي تحولات وتطورات متسارعة، حيث تراجعت أدوار وأهمية كثير من الدول مع نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحالي. تم ذلك بسبب مجموعة من التغيرات العالمية، ومنها سقوط الإتحاد السوفياتي وظهور عالم وحيد القطب تحت قيادة الولايات المتحدة الأمريكية، وترسخ مفهوم العولمة في كل مجالات الحياة السياسية والإقتصادية والعسكرية والإجتماعية، وسقوط جدار برلين إيذانا بتهاوي الأنظمة الإشتراكية. كما أن ضرب المركز التجاري العالمي بنيويورك، كان إيذانا بانطلاق الحرب على الإرهاب، وغزو أفغانستان واحتلال العراق، وبداية توسع الحرب على الإرهاب إلى باكستان.

أما في المشرق العربي فسقطت دولة العراق بقيادة صدام حسين، وغاب العرب عن أي دور سياسي واكتفوا بالتفرج على ما يجري في المنطقة. وهو ما أدى إلى تمدّد المجال الحيوي لإيران ليشمل العراق، بعد إزاحة حزب البعث العربي الإشتراكي من الحكم.

كما أن احتلال العراق اعتبرته إسرائيل نصرا لها وقامت بعدة عمليات استفزازية ومنها الحرب على لبنان والعدوان على غزة واعتداءات إسرائيل على المسجد الأقصى وتوسّع الإستيطان اليهودي في الضفة. تمّ ذلك في ضوء سلطة فلسطينية ضعيفة تحت قيادة محمود عباس، وبدعم قوى عربية تنتمي إلى دول الإعتدال.

وهكذا تم حصار قطاع غزة، وقد ساهمت مصر في منع دخول الأدوية والأغذية والمساعدات الدولية. وهكذا مورست ضغوط هائلة على حكومة حماس في غزة من أجل تقديم تنازلات لخدمة السلطة الفلسطينية في رام الله، وهو ما يخدم إسرائيل. تمّ ذلك من طرف الرباعية الدولية التي تشترط وقف المقاومة والإعتراف بإسرائيل للتعامل مع حماس، وهو ما شاركت فيه بعض الدول العربية إلى حدّ كبير.

وبهذا فإن العرب عايشوا احتلال دولة عربية كبرى، وفشلوا في التعامل مع قضيتهم المحورية التي تجمعهم، وهي فضية فلسطين.

في هذه الظروف، نجد إيران تعرف حيوية في المنطقة. فهي تنتهج سياسة حكيمة في التنمية الداخلية، وفي المجالات العلمية والتكنولوجية والعسكرية. وهكذا قامت بإنجازات مهمة تتمثل في تطوير صناعاتها وقواتها العسكرية اعتمادا على قدراتها الذاتية.

كما أنها طوّرت مجالات عسكرية إستراتيجية، ومنها تكنولوجيا الصواريخ المختلفة المسافات، والطائرات، وخاصة إنجازاتها في مجالات التكنولوجيا النووية وتخصيب اليورانيوم.

أما على المستوى السياسي والإستراتيجي فهي ما فتئت تكتسب مواقع جديدة من النفوذ بسبب إمكانياتها الضخمة ومساعداتها لمختلف الدول وفصائل المقاومة لكسب النفوذ وخدمة مصالحها البعيدة المدى داخل الملعب العربي. فإلى جانب العلاقات الوطيدة بسوريا وحزب الله في لبنان، توسع النفوذ الإيراني في العراق الذي تخلى عنه الأشقاء العرب. كما أن إيران وجدت أخيرا موطئ قدم لها في اليمن على حدود المملكة العربية السعودية بوقوفها إلى جانب الحوثيين، وفي ظل الضعف العربي أصبح كل شيء ممكن.

وهكذا أصبحت إيران قوة إقليمية يحسب لها حساب، وهي تعتمد على نفسها وإمكانياتها وقدراتها الذاتية في مجالات الفلاحة والصناعة والدفاع، بحث أصبحت الدول الغربية تحسب لها حساب، ورغم التهديدات المتكررة، فلن تجرؤ على مواجهتها. فهي تعمل بجدية وحيوية من أجل إعادة تاريخها الفارسي كقوة إقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

إلى جانب إيران، نشاهد تركيا وهي الدولة المسلمة التي حاولت الدخول إلى الإتحاد الأوروبي الذي صدّ أبوابه في وجهها لكونها دولة ذات غالبية مسلمة. لهذا بدأت تركيا في السنوات القليلة الماضية، بعد وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم تحت رئاسة الطيب رجب أردوغان، بإعادة ترتيب دور تركيا في منطقة الشرق الأوسط.

فإضافة إلى الأهمية الإستراتيجية لتركيا كبوابة أسيوية لأوربا، وبوابة البوسفور التي تربط بين البحر الأسود بالمياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط. كما أن لتركيا حدود برية مع كل من جورجيا وأرمينيا وإيران والعراق وسوريا، تجعلها دولة محورية ذات أهمية إستراتيجية في المنطقة. 

إن أهمية موقع تركيا جعلها عضوا فعالا في الحلف الأطلسي، مما جعلها تمتلك قوة عسكرية لا يستهان بها، من حيث الإمكانيات المادية والبشرية. إلى جانب ذلك طوّرت تركيا اقتصادها فأصبحت دولة صناعية تضاهي الدول الأوروبية.

وقد أكملت تركيا قوتها، بممارساتها الديمقراطية، حيث تم قبول حزب العدالة والتنمية، ذا التوجه الإسلامي في دولة تتبنى العلمانية، وهو ما يوضح نضج التجربة الديمقراطية في تركيا.

وقد بدأت هذه الأخيرة في المدة الأخيرة في تجسيد طموحاتها في لعب أدوار إستراتيجية في منطقة الشرق الأوسط. وهكذا بدأت بمواقف قوية إلى جانب القضايا العربية في المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية وتدعيمها للحقوق المشروعة لسكان غزة، وانتفاضة الرئيس أردوغان المشهورة في وجه الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز في منتجع داغوس بسويسرا، مما أكسبه تعاطف الشعوب العربية. عكس موقف أمين عام الجامعة العربية "عمرو موسى" الذي بقي ساكنا في مقعده وكأن شيئا لم يكن.

كما أن تركيا ربطت علاقات إستراتيجية متينة مع سوريا، وقامت بحل مشاكلها التاريخية مع أرمينيا، وربط علاقات اقتصادية مع بعض دول الجوار ومنها باكستان. وهكذا تتقدم تركيا بخطوات ثابتة إلى الأمام نحو إيجاد فضاء سياسي واقتصادي يضم عددا من دول الشرق الأوسط، وقد بدأ هذا التكتل الجهوي يأخذ شكله. وبذلك بدأت تركيا تعيد ماضيها ومجدها العثماني في منطقة الشرق الأوسط.

وفي كلّ هذه التحولات المتسارعة، نجد الدول العربية هي أكبر متخلف عن الموعد مع التاريخ. حيث نجد الدول العربية غير النفطية غارقة في أزماتها ومشاكلها المتنوعة والمعقدة، في المجالات الإجتماعية والإقتصادية والأمنية...وهي تحتاج إلى دعم الدول الأجنبية لتلبية حاجاتها الأساسية وتأمين غذاء أبنائها، لذلك فهي بعيدة عن اللعب في الساحة الدولية.

في حين نجد الدول العربية الخليجية منشغلة في بناء الأبراج والعمارات، بأياد عاملة أجنبية من آسيا ولسكان أجانب من أوروبا وأمريكا، وتعتمد في حماية أمنها على القواعد العسكرية الأجنبية. كما أن هذه الدول تدين بالولاء للغرب، وهي تأتمر بأوامره، وليست لها أي ميول قومية ولا قدرات عسكرية في غياب هياكل اقتصادية وصناعية مستقلة، تمكنها من فرض هبتها واحترامها. لذلك فهي مندمجة في الإستراتيجية الغربية، وليست لها طموحات للقيام بأدوار إستراتيجية مستقلة في المنطقة.

أما في المغرب العربي فنجد المشاكل السياسية بين المغرب والجزائر بسبب الصحراء الغربية، والفشل في بناء مغرب عربي موحد ينسق المواقف السياسية ويتعاون اقتصاديا بين دوله. فليبيا تحت قيادة القائد القذافي تنتهج سياسة متقلبة، وتونس إلى جانب المغرب يتبعان سياسة ليبرالية غربية، وموريتانيا تعاني من عدم الإستقرار السياسي والمشاكل الإقتصادية. تبقى الجزائر بإمكانياتها المادية والبشرية المعتبرة، وبعد تجاوزها المشاكل الأمنية، فهي تعرف حاليا نهضة اقتصادية وقد بدأت في العودة إلى الساحة الدولية من خلال دبلوماسية هادئة تشتغل في الخفاء أكثر من اشتغالها في العلن.

كما نجد الصومال والسودان ولبنان وأخيرا اليمن تعاني من اضطرابات أمنية داخلية. كما أن سوريا قد حسمت أمرها للإنضمام إلى الحراك التركي لمواجهة تحديات المستقبل، وهو ما ستفعله المملكة الأردنية أيضا.

تبقى مصر التي كانت في وقت سابق مقرا للقومية العربية في عهد جمال عبد الناصر، إلا أن دورها القومي تراجع كثيرا، وخاصة بعد عقدها لاتفاقية السلام مع إسرائيل.  حيث انقلبت على خطها السياسي القومي، وانخرطت في صف أمريكا وأصبحت مصر أكبر متعامل ومتعاون مع إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط كلّه.

كما تعاني مصر من مشاكل اقتصادية واجتماعية وسياسية، وارتباطها بالإستراتيجية الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط. كل ذلك جعل الشعوب العربية تفقد الثقة في قيادة مصر للأمة العربية، وقد تبين عجزها في التعامل مع أحداث المنطقة، وخاصة تواطئها مع الغرب في حربه ضد العراق، وضد الفلسطينيين في غزة.

من هنا يتبين لنا أن الوطن العربي يواجه التحولات في الشرق الأوسط بطريقة متشرذمة، حيث أصبح الإهتمام بكرة القدم، أكثر من الإهتمام بالقضايا الإستراتيجية والمصيرية للأمة، مما جعلها أكبر متخلف عن مسايرة الأحداث، إذ أن توسع كل من إيران وتركيا أصبحا على حساب العرب.

وهكذا نشاهد عمليات إعادة تشكيل الفضاء الشرق أوسطي مع بداية هذا القرن، في ظل وهن العرب، وانشغالهم بمعالجة مشاكل الفقر والجوع والتخلف وتداعيات مشجعين لمباريات في كرة القدم، ومشاكل التوريث، في ظل غياب الديمقراطية وحرية التعبير. لهذا انحصرت انشغالات الساسة العرب في القضايا الإجتماعية، كغياب مجار للصرف الصحي في أحياء مدنهم، أو كثرة انقطاع الكهرباء، أو نقص مياه الشرب. يتم ذلك في وقت تعمل القوى المجاورة للعرب على تطوير نفسها وتعزيز قدراتها الذاتية والبحث عن مواقع نفوذ أوسع لخدمة مصالحها المستقبلية، في عالم لا مكانة فيه للضعفاء. فهل حان موعد استيقاظكم يا عرب؟.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ