-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 21/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ثم أسلمتُ

الدكتور عثمان قدري مكانسي

     قال أحد أحبار اليهود - زيد بن سعنة - الذين أسلموا حين روأو صفات النبي ـ صلى الله علي وسلم ـ المكتوبة في التوراة واضحةً وضوحاً بيّناً في رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : لم يبقَ من علامات النبوّة الداعية إلى تصديق الرسول الكريم واتِّباعه علامة إلا وعرفتها إلا صفتين اثنتين لم يتسنَّ لي معرفتهما .

     الأولى : يسبق حلمه جهله . . فهو واسع الصدر حليم لا يغضب لنفسه .

     الثانية : كلّما جهل عليه أحد زاد حلمه وأضاءت أخلاقه ، فكنت أزوره وأتطلف له لأستطيع مخالطته والتعرُّف عليه عن كثب ، فلما خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوماً من الأيام من الحجرات ( وهي بيوت أزواجه رضي الله عنهن ) ومعه علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، أتاه رجل بدوي على راحلته ، فقال :

     يا رسول الله إن قرية بني فلان قد أسلموا ، وقد أصابهم قحط شديد ، وجوع هدَّ جسومهم ، وأنا رسولهم ، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء تعينهم به يكونوا لك شاكرين ، ولأفضالك ذاكرين ، ولم يكن مع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ إذ ذاك شيء يعطيه إياه ، ولا في بيت مال المسلمين ما يكفي ، فقال له : انتظر يا أخا العرب لعلَّ الله تعالى يؤذن بالفرج . فقلت لنفسي : يا زيد هذه فرصة ذهبيّة فاغتنمها ، لتختبر حلم رسول الله      ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فدنوت منه فقلت :

     يا محمد إن رأيتُ أن تبيعني تمراً معلوماً من بستان بني فلان إلى أجل كذا وكذا ( وكان تمرهم معروفاً بجودته ) فقال :

     (( لا ، يا أخا يهود ، ولكنْ أبيعك تمراً معلوماً إلى أجل محدود معروف ولا أسمي بستان بني فلان )) .

     فقلت : نعم . فبايعني وأعطيتُه ثمانين ديناراً ، سرعان ما أعطاها لذلك الرجل وقال له : انطلق إلى قومك راشداً عسى الله تعالى أن يخفف عنهم . .

     استدان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليخفف عن الناس ، ويقضي حوائجهم ، ويعينهم على نوائب الدهر ، وهكذا القائد يسعى إلى خدمة مرؤوسيه ويسهر على مصالحهم ، ويجهد نفسه ليراهم في موقف مريح ، وحياة طيبة ، أما من يستغل منصبه ليملأ خزائنه ظلماً وعَدْواً ، ويمتص قوت شعبه ، ويفرض عليهم ما يثقل كاهلهم ، ويرهقهم ، ليفوز بالمال ويغنى على حسابهم دون أن يأبه لهم ، لصٌّ لا خير فيه ، ومجرمٌ لا فرق بينه وبين قطّاع الطرق .

     قال زيد : فلما كان قبل محل الأجل بيومين أو ثلاثة ، خرج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في جنازة رجل من الأنصار ، ومعه أبو بكر ، وعمرُ ، وعثمانُ ، في نفر من أصحابه ، فلما صلى على الجنازة أتيتُه ، فأخذت بمجامع ثوبه ونظرتُ إليه متصنِّعاً الغلظة والجفاء ، ثم قلت : ألا تقضي يا محمد حقِّي ، ها قد مرَّ الأجل ولم تلتزم بوعدك فيه ؟ فوالله ما علمتكم ـ يا بني عبدالمطلب ـ لسيّئي القضاء ، مُطـْلاً ، ورأيته وقد أثرت جبذة الرداء في عنقه ، ولم ينبس حتى ذاك الوقت ببنت شفة .

     فتحرَّك عمرُ وعيناه تدوران من الغيظ ووجهه محمرٌّ من الغضب واستَلَّ سيفه قائلاً :

     أيْ عدوَّ الله أتقول ذلك لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؟ خلِّ عنه ، فوالذي بعثه بالحقِّ لولا العهدُ الذي بيننا وبينكم - معشر يهود - لضربتُ بسيفي رأسك .

    ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينظر إلى عمر بسكون وتبسُّم فقد كان عمر بلسماً لجراحات المسلمين مدافعاً عنهم خادماً لهم ، أفلا يكون كذلك لسيده وسيدهم جميعاً محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ !

     قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ معلماً عمرَ ومعلماً إياي ومَنْ كان حاضراً : (( يا عمر أنا وهو إلى غير هذا منك أحوج .

     أن تأمره بحسن الاقتضاء ، وتأمرني بحسن القضاء ، اذهب يا عمر إلى بيت مال المسلمين ، بزيد بن سعنة فاقضه حقه ، وزده عشرين صاعاً مكان ما روّعْتَه وأفزعته .

     ما هذا الخلق العظيم والحلم الواسع والهدوء الرائع ؟! والله ما يكون هذا إلا لنبي ، وإن محمداً لهو رسول الله حقاً وصدقاً ، وانطلق بي عمر ليعطيني حقي وهو واجد عليَّ ، لكنّه لا يملك إلا التزام أمر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فلما وصلنا قال لي : هذا حقك يا رجل ، فخذه ، لا بارك الله لك فيه .

     قلت : (( بل إنه سبحانه بارك لي فيه . أتدري يا عمر ؟ )) .

     فنظر إليَّ دهشاً وقال : وكيف ذلك يا يهوديَّ ؟

     قلت : يا عمر ، كل علامات النبوّة قد عرفتُها في وجه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، إلا اثنتين لم أخبرهما : يسبق حلمه جهله ، ولا تزيده شدّة الجهل عليه عليه إلا حلماً ، فقد اختبرته بهما ، فاشهد يا عمر أني قد رضيتُ بالله رباً  وبالإسلام ديناً ، وبمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ نبياً ، وإني أشهدك يا عمر أن هذا التمرَ وشطرَ مالي ( نصفه ) إلى فقراء المسلمين .

     واعتنق عمر زيد بن سعنة أخاه في الإسلام واعتنق زيدٌ أخاه عمر في الإسلام .

     وأسلم أهل بيته إلا شيخاً كبيراً غلبت عليه الشقوة .

اللهم صلّ على حبيبك رسول الله واحشرنا في زمرته المباركة ، وشفـّعْه فينا ... يا أكرم الأكرمين ..

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ