-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 07/11/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


وما علّمَناهُ الشعر

الدكتور عثمان قدري مكانسي

     لم يكن القرآن الكريم شعراً ، والشعراء يعرفون ذلك ، ولم يكن نثراً بالمعنى الذي يفهمه الأدباء الناثرون .

     وقد حكم بهذا الأعداءُ قبل الأصدقاء ، والمشركون قبل المؤمنين .

     فهذا النضر بن الحارث يصف الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول : يا معشر قريش ، إنه والله قد نزل بكم أمر ما أتيتم له بحيلة بعدُ ، قد كان فيكم محمد غلاماً حَدَثاً ، أرضاكم فيكم ، وأصدقكم حديثاً ، وأعظمكم أمانة . . . إلى أن يقول . . وقلتم : شاعر ، لا والله ما هو بشاعر ، قد رأينا الشعر ، وسمعنا أصنافه كلها هَزَجَه ، ورَجَزَه (1) . . .

     وهذا الوليد بن المغيرة حين سمع القرآن من الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أخذ يداول الأمر مع المشركين فيقولون . . . . نقول : شاعر . فيردّ عليهم الوليد : ما هو بشاعر ، لقد عرفنا الشعر كلّه رجزَه ، وهزَجه ، وقريضه ، ومقبوضه ، ومبسوطه ، فما هو بالشعر ، ثم يقول قولته المشهورة : والله إن لقوله لحلاوة ، وإن أصله لعَذقُ (2) وإن فرعه لجَناةٌ (3) وما أنتم بقائلين من هذا شيئاً إلا عُرف أنه باطل .

     أما عتبة بن ربيعة فقد أرسله وجهاء قريش ليفاوض الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في أمر دينه ، فجاءه ، وعرض عليه السيادة والمال الوفير ، والنساء الجميلات ، والملك العريض ، والطبَّ ـ يداوونه زعماً منهم أن رِئِيّاً من الجنَّ يأتيه ـ ، والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يستمع حتى إذا انتهى قال : (( أفَرَغتَ يا أبا الوليد ؟ )) قال : نعم . قال : (( فاسمع مني )) . . وقرأ عليه الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ صدراً من سورة (( فصّلتْ )) وعتبة ينصت مأخوذاً من بلاغة القرآن ، فلما قام إلى قومه قال بعضهم لبعض : نحلف بالله ، لقد جاءكم أبو الوليد بغير الوجه الذي ذهب به ، فلما جلس إليهم قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي ؟!! أني سمعت قولاً ، والله ما سمعت بمثله قط ، والله ما هو بالشعر ، ولا بالسحر ، ولا بالكهانة . يا معشر قريش ؛ أطيعوني واجعلوها لي ، وخلّوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، فاعتزلوه ، فوالله ليكوننَّ لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم (4) .

     قَلْبُ رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ موصول بالله وقراءته تنبع بجلالها وجمالها وحسن ترتيلها من هذا القلب العظيم بهذا القول الجليل ، وعتبة ذوّاقة ، أديب ، أريب . . قادته فطرته إلى أن هذا القرآن الذي سمعه ليس من عند رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فحكمَ بما حكم ، وأبدى رأيه وانسحب . .

     والقرآن الكريم يؤكد هذا ( وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) ) (5) ( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ (69) ) (6) .

     وقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وهو أفصح الناس وأعظمهم بلاغة يطرب للشعر ويعرف له مكانته وتأثيره في نفوس العرب ، فقد روى النسائي (7) عن أنس رضي الله عنه أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ دخل مكة في عمرة القضاء وابن رواحة الشاعر يمشي بين يديه وهو يقول :

خلّـوا بني الكفارِ عن سبيـله     اليوم نضربكم على تنزيلهِ

ضرباً يُزيل الهام عن مقيله     ويُذهل الخليـلَ عـن خليلـهِ

     فقال له عمر رضي الله عنه : يا ابن رواحةَ ، بين يَدَيْ رسول الله ، وفي حرم الله تقول شعراً ؟!! فقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ : (( خلِّ عنه يا عمر ، فلهي أسرع فيهم من نفح النبل )) . . . إذاً فالرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعرف أن الشعر يفعل في العرب أشدَّ ما تفعله السيوف (8) وأنكأ .

     وروى جندب بن سفيان البجلي قال (9) :

     أصاب حجرٌ إصبع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، فَدَمِيَتْ فقال ( متمثلاً بالبيت المشهور ) :

هل أنتِ إلا إصبع دَميتِ     وفي سبيل الله ما لقيتِ (10)

     وقول ُ الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ في غزوة حنين حين انفض عنه المسلمون لما فوجئوا بكمين هوازن مشهورٌ . .

أنا النبيُّ لا كذبْ     أنا ابن عبدالمطّلب (11)

     وعن عائشة رضي الله عنها ، قيل لها : هل كان النبيّ ـ صلى الله عليه وسلم ـ يتمثل بشيء من الشعر ؟ قالت : كان يتمثل بشعر ابن رواحة ، ويتمثل بقوله : ويأتيك بالأخبار من لم تزوِّدِ (12) .

     وعن أبي هريرة مرفوعاً :

     (( أصدق كلمة قالها الشاعر لبيد : ألا كل شيء ما خلا الله باطل )) (13) .

     وقد كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضع لحسان بن ثابت رضي الله عنه منبراً في المسجد قائماً يفاخر عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ويدافع عن الإسلام ويهجو الكفار ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول له : اهجم وروح القدُس معك .

     وقد قال له الرسول الكريم مرة : (( كيف تهجوهم (14) وأنا منهم ؟ )) قال : أسلُّكَ منهم كما تُسَلُّ الشعرة من العجين ، فقال له ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " استعن بأبي بكر فإنه نسّابة ( عليم الأنساب )" .


(1)   مختصر سيرة ابن هشام دار النفائس ص 53 .

(2)   العَذَق : النخلة .

(3)   الجَنَاةُ : ما يُجنى ، أي هو مثمر طيب .

(4)   مختصر سيرة ابن هشام دار النفائس ص46 .

(5)   سورة الحاقة : الآية 41 .

(6)   سورة يس : الآية 69 .

(7)   في الجامع .

(8)   يقول أحد الشعراء :

      جراحات السنان لها التئام     ولا يلتام ما جَرَح اللسانُ

(9)   متفق عليه .

(10) البيت للوليد بن الوليد بن مغيرة .

(11) رواه البخاري في باب المغازي .

(12) هذا البيت لطرفة بن العبد أحد شعراء المعلقات وهو

      ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلاُ     ويأتيك بالأخبار من لم تزوّدِ

      والحديث رواه الترمذي في سننه .

(13) البيت هو :

     ألا كل شيء ما خلا الله باطل     وكل نعيم لا محالة زائل

(14) كيف تهجو قريشاً .

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ