-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 14/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


ميشيل فوكو 

أشهر ناقدي فلسفة التنوير الأوروبي 

نبيل شبيب

يعتبر ميشيل فوكو من الفلاسفة المختلف عليهم غربيا، والذين حازوا على اهتمام كبير في الأوساط الفلسفية العربية، انعكس في تناول فلسفته في العديد من الكتب مثل "الفلسفة في الوطن العربي في مائة عام" كحصيلة للندوة الفلسفية الثانية عشرة في جامعة القاهرة، و"مفهوم الخطاب في فلسفة فوكو" لبغورة الغزاوي، و"الحداثة العربية مواقف وأفكار" لمحمد سعيد طالب، وغيرها. وإذ مضى يوم 25/6/2009م، خمسة وعشرون عاما على وفاة فوكو، يمكن التجوال مع الفقرات التالية في بعض أفكاره الفلسفية. 

 

انكسارات تاريخية وليس تطورات

ولد ميشيل فوكو يوم 15/10/1926م في بواتييه جنوب فرنسا، وأراده أبوه الجراح والأستاذ الجامعي أن يكون طبيبا، ولكن ميوله كانت إلى الفلسفة، فدرس الفلسفة في باريس وأضاف إليها علم النفس، ولكن محطات مسيرته العلمية التالية نقلته خارج فرنسا، إلى السويد ثم بولندا ثم ألمانيا، وحط به المقام عام 1960م في جامعة كليرمون فيران الفرنسية، أستاذا لعلم النفس، بعد أن عرف بكتابه الأول (1954م) حول علم النفس والأمراض العقلية بمنظور تأريخي فلسفي. واقترن عمله أستاذا في جامعة تونس لمدة عامين بدءا من عام 1966م بصدور كتابه الأشهر من سواه "نظام الأشياء" (وهو بالفرنسية: حفريات العلوم الإنسانية، حسبما أراد الناشرعنونته، وكان قد وضع له المؤلف عنوان: نظام الأشياء، فآثر العودة إليه عند ظهور ترجته الألمانية) ثم انتقل عام 1969م إلى إدارة كلية الفلسفة في جامعة باريس الثامنة، وليدة ما عُرف في الغرب بثورة الطلبة عام 1968م، ونشر آنذاك كتابه "حفريات العلم". وبدأت معالم فلسفته بالظهور عبر كتاباته في تلك الفترة عن دور المؤلف، ونظام النقاش، وحقوق السجناء، وهو ما وصل به إلى محور أفكاره حول تقنيات النظام وممارسات السيطرة.

ويُنسب فوكو إلى "ما بعد الفلسفة البنيوية" على غرار "ما بعد الحداثة"، وهذا ما يؤكده قوله عن نفسه في كتاب "نظام الأشياء" بهذا:

"في فرنسا يصر بعض المعلقين شبه الفكاهيين على لصق صفة البنيوي بي، ولم أستطع أن أدخل في عقولهم الفكاهية أنني لم أستخدم شيئا من الطرق أو المصطلحات أو الكلمات المحورية التي يتميز بها التحليل البنيوي".

وتعتمد الفلسفة البنيوية على التفسير الفلسفي انطلاقا من العلاقات بين "بنى هيكلية" فكرية واجتماعية، فترى مفعول الأجزاء صادرا عن العلاقات بين تلك الشبكات البنيوية، وتقابلها الفلسفة "التفكيكية".

إلا أن التركيز الأكبر في تصنيف فوكو فلسفيا هو اعتباره من الفلاسفة المحدثين (فلاسفة ما بعد الحداثة) الناقدين لحصيلة عصر التنوير الأوروبي، وهو ما يُستشهد عليه بمقولته الشهيرة إن ذلك العصر لم يخلف الأنوار بل القيود والأغلال أيضا.

وتدور فلسفته التي أوجدت تلك الأصداء حول ثلاثة محاور:

- يفسر مجرى التاريخ بأنه مجموعة انكسارات وليس تطورات، ففي كلمة تطور ما يعني الوصول إلى نتيجة أفضل، بينما الانكسار يعني الوصول إلى وضع آخر قد يكون أسوأ مما سبق.

- للسياسة آليات تمكن السلطة من السيطرة، وانطوى التحول من الملكية الاستبدادية إلى الأنظمة الحديثة على تبدل آليات السيطرة فحسب، فبعد أن قامت على القوة مباشرة أصبحت قائمة على تنظيم العلاقات.

- المجتمع الحديث بذلك أشبه بسجون متجاورة، وفي وسطها برج مراقبة مرتفع، يرصد حركات السجناء وسكناتهم، فينضبطون وفق المطلوب منهم، ويستمر انضباطهم حتى عند غياب الرقيب في البرج، فهم لا يرون متى يوجد ومتى يغيب.

وإضافة إلى ذلك ربط فوكو ربطا وثيقا بين "السلطة.. والجنس" من خلال أكبر إنتاج خلفه في ثلاثة مجلدات (من أصل ستة خطّط لها) تحت عنوان "الجنس والحقيقة". 

 

حفريات أثرية في تاريخ الأفكار

كانت "أدوات تحليلاته الفلسفية" -حسب تعبيره- مركزة على عدد من المصطلحات، أولها "السلطة"، الناشئة كما يرى نتيجة شبكة علاقات تنظيمية، ثم "العلم" الذي ترتبط السلطة به ارتباطا وثيقا، فهو "لا ينشأ حيث تغيب السلطة وتوجيهاتها ومصالحها، بل يتكاملان معا، فلا توجد سلطة دون وسط يصنعه العلم، ولا ينشأ علم دون أن تسبقه وتمكّن منه علاقات السلطة". وتظهر الأدوات التالية في مؤلفه "حفريات العلم" الذي يعتبره مكملا لرؤيته حول تاريخ الأفكار، وأبرز تلك الأدوات: المؤلف، والموضوع، والعلوم الإنسانية.

ولفوكو نظرة خاصة إلى نشأة الثقافة، إذ يعتبرها نتاجا لاستبعاد المؤثرات الثقافية الخارجة عن الدائرة الثقافية الذاتية، واعتبر هذه المؤثرات المستبعَدة في تاريخ الغرب الثقافي متمثلة في "الجنس، والجنون، والحلم، والشرق"، معتمدا في تحليله على نظرة تاريخية منذ إقصاء المصابين بالجذام في العصور الوسطى الأوروبية، ثم استبعاد المجانين، وانعكست رؤيته هذه في كتاب "الجنون والمجتمع" أو علم النفس والجنون، من أوائل مؤلفاته. بينما يعكس كتابه "نظام الأشياء" تحليله للحقب التاريخية الماضية، ويركز فيها على ما نشأ من علوم، كعلوم الطبيعيات والاقتصاد واللغويات بين القرنين الميلاديين الثامن عشر والعشرين.

تسلسل تاريخ الأفكار على هذا النحو هو ما يطلق عليه فوكو وصف "حفريات العلم"، فهي تعكس عنده تطور تصورات الإنسان نفسه، وينطلق من ذلك في إنكار نظرية التطور المتواصل ليقول بنظرية التبدل الكمّي الشمولي للهياكل البنيوية، ويتحول تحليله لتطور "العلم" بذلك إلى "حفريات أثرية" في البنى الهيكلية المتبدلة عبر التاريخ، وهنا نشأ خلاف شديد بين فوكو وسارتر "فيلسوف الوجودية والإنسانية"، بسبب موقف فوكو من الفلسفة الإنسانية التي يرى أنها لم تثمر شيئا في القرن الميلادي العشرين، بينما كان سارتر يتبناها وينطلق منها في فلسفته المحورية التي تعتبر الوجود إنسانيا وليس "إلهيا"، محددا بذلك أسس فلسفته الوجودية. 

 

انقطاع مسيرة جنسية

انتسب فوكو إلى حزب ماركسي لفترة قصيرة ثم ظهرت له كتابات تتناقض مع الرؤى الفلسفية الماركسية، فكان من أوائل الفلاسفة المحدثين الذين عارضوا الجدلية والعقائدية والاستغراب والوعي التقدمي، مما كان يعتمد عليه فلاسفة الماركسية. وهو ما دفع كثيرا من الماركسيين إلى وصف فلسفته بأنها رأسمالية متقدمة، بينما انتقد آخرون تركيزه على جوانب تاريخية فلسفية دون أخرى، وإعطاء الفلسفة الفرنسية مكانة مركزية، وتركيزه على مفعوم السلطة من منظور واحد دون مراعاة عناصر أخرى مثل الشرعية، والانقياد القائم على المهابة، والعنف.

وامتدح بعض الفلاسفة مثل أورس مارتي نقد فوكو لفلسفة التنوير وقوله إنها كانت مدخلا إلى فرض السيطرة بأساليب أخرى.

وقد وصلت مسيرة فوكو الفلسفية به إلى ما يعبر عنه عنوان إنتاجه الرئيسي: "الجنس والحقيقة"، وقد أراد أن يصدره في ستة مجلدات، إنما لم ينشر سوى الثلاثة الأولى منها على فترات متباعدة (1976 و1984م) وهي "تاريخ الجنس وإرادة العلم" و"عادة اللذات" و"القلق الذاتي"، وخلّف مجلدا رابعا بعنوان "اعترافات اللحم"، إنما لم ينشر بسبب إشكاليات مرتبطة بوصيته وورثته.

وركز فوكو في المجلد الأول على العلاقة بين السلطة والجنس، فرأى أن الحظر بصوره المختلفة في تاريخ أوروبا كان يضاعف الحديث عن الجنس فينشر ما كان محظورا من قبل، وهذا ما يشمل ما يوصف بالعلاقات الجنسية المثلية، فقد ركز فوكو في المجلد الثاني على اللواط، مما قد لا ينفصل عن ممارسته له، واعتبر في المجلد الثالث الممارسات الجنسية في العصر الإغريقي "ثقافة شخصية ذاتية" فيراها هي الدافع الأول للتحرر الجنسي.

وكان فوكو نفسه من أوائل ضحايا وباء نقص المناعة، قبل انتشاره على نطاق واسع عندما توفي يوم 25/6/1984م، بينما لم تعاجله المنية من قبل رغم محاولته الانتحار مرتين على الأقل، وسبب إصابته معروف، فمنذ شبابه مارس اللواط، متواريا به عن المجتمع حوله في البداية رغم أن الوسط الذي عاش فيه لم يكن يرى في اللواط شذوذا، ثم صرح علنا بممارسته له في أواخر حياته.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ