-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الاثنين 05/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


إصلاح الأمم المتحدة.. بين الواقع والأوهام 

وتغييب الدور العربي والإسلامي على الساحة الدولية 

نبيل شبيب

عاد موضوع إصلاح الأمم المتحدة إلى الواجهة في الدورة العامة للجمعية العامة 2009م، بعد بلوغ عمر المنظمة الدولية 64 سنة، ورغم أن بعض المتحدثين في هذه الدورة، كالقذافي ونجاد وساركوزي، ساهموا في ذلك، كل على طريقته، فلا يخفى أن اضطرار الولايات المتحدة الأمريكية بعد انقضاء عهد رئيسها بوش، للعودة إلى التعامل مع الأمم المتحدة بدلا من تجاوزها وتهميشها، قد ساهم في تجديد السؤال عن مستقبلها.

وكلمة "إصلاح" مطروحة منذ سنوات عديدة، لا سيما بعد سقوط المعسكر الشرقي، ثم خلال القمة الألفية للمنظمة الدولية، ومرة ثالثة بعد الشروع في حرب احتلال العراق، إلا أنه لا يمكن القول بوجود تصور مشترك عما تعنيه كلمة إصلاح هذه عند من يستخدمها من المسؤولين السياسيين، ومع ملاحظة مرور زهاء عقدين من الزمن على طرح هدف الإصلاح لأول مرة مع نهاية الحرب الباردة التي قيل إنها "شلّت" أعمال أهم أجهزة المنظمة الدولية، يحق السؤال: هل يمكن إصلاح الأمم المتحدة أصلا؟.. ثم إذا كان هذا الإصلاح مستحيلا أو عسيرا يتطلب فترة زمنية طويلة، فما البديل الذي ينبغي الاعتماد عليه، لا سيما من جانب الدول الأكثر تضررا من الوضع الراهن للمنظمة الدولية، وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية؟.. 

 

طبيعة الخلل.. وجوهر الإصلاح

المطالبة المتكررة بالإصلاح، تعني تلقائيا انتشار الإدراك بوجود خلل في واقع المنظمة الدولية، وعندما تصل هذه المطالبة إلى مستوى الدول التي تعتبر بسبب موقعها عالميا وداخل المنظمة هي المنتفعة بأنها على ما هي عليه الآن، فيعني ذلك أن الضغوط من جانب الدول المتضررة تصاعدت إلى درجة تفرض التفاعل معها، إنما لا يعني ذلك الاستجابة لها بالضرورة، ولا التخلي الطوعي عن ميزات يمكن اعتبارها أحد الأسباب الرئيسية للخلل.

ولا يوجد من يطالب جادا بتغيير جملة من الأسس والمبادئ والقواعد الكبرى المثبتة في ميثاق الأمم المتحدة منذ عام 1945م، والتي حملت في العلوم السياسية والقانون الدولي وصف الشرعية الدولية (قبل تمييعه حديثا في الاستخدامات الشائعة له باللغة العربية) أو وصف القانون الدولي العام، وعدم المطالبة بالتغيير هنا يشير إلى أن النصوص المعنية كانت وما تزال تجد القبول بشكل عام، كما هو الحال مع مبادئ "المساواة بين الدول" و"حق تقرير المصير" و"عدم مشروعية اغتصاب الأراضي بالقوة" مع ما ينبثق عنها من قواعد "نظرية" للتعامل الدولي، ويستثنى من هذه المبادئ "سيادة الدولة" التي تسعى المجموعة المنتفعة -أو غالبها- من واقع الأمم المتحدة إلى تغييره، وترفض ذلك مجموعة الدول المتضررة أو التي تخشى من مضاعفة تضررها إذا تحقق التغيير المطروح، ومن المؤكد أن الخروج على هذا المبدأ، سواء عبر فرض انتهاكه بالقوة، أو عبر التوافق على صياغات جديدة له بحجة حقوق الإنسان والأقليات، إذا تحقق دون إصلاح جذري لعمل الأمم المتحدة نفسها، فلن يصب في خانة الإصلاح نحو الأفضل، بل في ترسيخ فرض إرادة الأقوى مهما تناقضت مع ميثاق الأمم المتحدة.

الخلل الأساسي كامن في التطبيقات العملية الصادرة عن الأمم المتحدة، ولا يعود ذلك إلى فترة ما بعد الحرب الباردة فقط، بل يكاد يغطي تاريخ الأمم المتحدة منذ نشأتها الأولى من 50 دولة، وبقي مستمرا -أو تفاقم- عاما بعد عام وقد أصبحت تضم في هذه الأثناء 195 دولة.

وهذا الخلل القائم في الإجراءات والقرارات وفي البرامج التنفيذية وغيرها من التطبيقات العملية للأجهزة السبعة الرئيسية للمنظمة (الجمعية العامة، ومجلس الأمن، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي، ومجلس الوصاية، والأمانة العامة، ومحكمة العدل الدولية) استشرى تلقائيا في المنظمات العالمية التابعة للأمم المتحدة (التي بلغت 23 منظمة) مثل منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (اليونيسكو) والوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنظمة التجارة العالمية وغيرها.

فضلا عن الخلل الكبير القائم في مؤسسات أخرى تابعة للمنظمة الدولية وقائمة منذ نشأتها الأولى وتلعب دورا أكبر على الصعيد التطبيقي للسياسات الدولية، مثل صندوق النقد الدولي.

ويمكن تثبيت مواطن الخلل الواسعة النطاق تحت عنوانين كبيرين:

1- التكوين الإداري والتنظيمي للأجهزة والمنظمات الفرعية، وأوضح مثال لذلك نظام "النقض/ الفيتو" في مجلس الأمن، الذي انتهك من البداية نص الميثاق على مبدأ "المساواة بين الدول"، وكذلك "نظام التصويت" في صندوق النقد الدولي، الذي انتهك المبدأ نفسه، وكذلك الحيلولة دون حصول جهاز "محكمة العدل الدولية" على صلاحية القرارات الملزمة لجميع الدول ولجميع أجهزة الأمم المتحدة نفسها، وهو ما انتهك الشرعية الدولية من حيث الأساس، أي من حيث ضرورة أن تكون مبادئها فوق عوامل القوة وتفاوتها بين الدول "المتساوية" شكليا وفق نصوص القانون الدولي المثبتة في ميثاق الأمم المتحدة.

2- ما يسمى السياسة الواقعية، وقد كانت قائمة على الدوام على أساس تغليب مفعول ما تصنعه القوة على ما سواه، وقد تحوّلت منذ الحرب العالمية الثانية وبتأثير نتائجها فقط -وهذا جوهر الخلل في تكوين الأمم المتحدة نفسها- من اعتبارها (أ) صيغة جديرة بوصف "شرعة الغاب" (كما يشهد على ذلك ما صنعته تفوق القوة النازية ردحا من الزمن في العلاقات الدولية، أو ما صنعه ويصنعه تفوق القوة الأمريكية ردحا من الزمن).. إلى اعتبارها (ب) "شرعة الأمم المتحدة"، أي إعطاء صبغة المشروعية للقرارات التي تصدر وفق موازين القوى المتحكمة في عمل الأمم المتحدة عبر مجلس الأمن، بتنفيذ ما تراه ضروريا، أو تعطيل ما لا تراه، وفق منظورها. (وفي نطاق هذا الخلل شاع في الأدبيات السياسية والفكرية والإعلامية باللغة العربية -دون سواها من لغات العالم- تعبير قرارات الشرعية الدولية، في وصف قرارات صادرة عن "جهاز" مجلس الأمن بتأثير موازين القوة فيه).

إن إصلاح المنظمة الدولية لا يمكن أن يتحقق دون أن يزيل "جوهر الخلل" المتمثل في هذين المجالين وما يتفرع عنهما، ومن هذا المنظور يمكن القول إن المطروح تحت عنوان الإصلاح حتى الآن، وفق الدول المتنفذة والمنتفعة من واقع الأمم المتحدة، ليس إصلاحا من حيث جوهره ومضمونه. 

 

طريق إصلاح الأمم المتحدة

رغم كثرة الحديث عن إصلاح مجلس الأمن بمعنى زيادة أعضائه بغض النظر عن التفاصيل، فالواقع أن هذا كان بندا من أصل ثمانية بنود، عناوينها: الإرهاب، والتنمية، ومجلس حقوق الإنسان، والإدارة (صلاحيات الأمانة العامة)، وإقرار السلام، وانتشار الأسلحة، وحماية المدنيين، ومجلس الأمن.

ومنذ طرحت هذه العناوين ظهرت الخلافات والاعتراضات بشأنها، حتى شطب بعضها -انتشار الأسلحة- في الوثيقة المقررة عام 2005م، وبقيت صياغة جميع العناوين الأخرى حافلة بالإشارة إلى تأجيل البحث فيها إلى وقت لاحق، ويمكن استثناء عنوان "الإرهاب" حيث بقي الحرص على استعجال استصدار "معاهدة دولية" حوله عام 2006م، و"مجلس حقوق الإنسان" الذي تشكل مؤخرا.

جميع ما دار من مناقشات حول بنود الإصلاح لم يتجاوز حدود "واقعيةِ" موازين القوى، ولهذا تعطلت جميع تلك البنود في فترة السعي المباشرة لترسيخ هيمنة زعامة انفرادية أمريكية طوال حقبة الرئيس الأمريكي السابق بوش الابن، وهذا مما يفسر تجدد الحديث عن إصلاح المنظمة الدولية في دورة 2009م للجميعة العامة، بعد أن انهارت مساعي الزعامة الانفرادية، وعادت السياسة الأمريكية إلى تنشيط اعتمادها على الأمم المتحدة، وبالتالي عادت الرغبة إلى توجيه عملية إصلاحها بما يتوافق مع تحقيق رغباتها "توافقيا" مع قوى دولية أخرى.

لم يتبدل جوهر اعتماد موازين القوى في فرض السياسات والعلاقات الدولية، إنما تبدل أسلوب توظيفه تحت وطأة إخفاق السيطرة الأمريكية عليه، ويشهد على ذلك الانفتاح الأمريكي على ميادين السياسة الدولية التي يمكن أن تحقق توافقا، كما في التركيز مجددا على حظر انتشار الأسلحة جنبا إلى جنب مع إيجاد أرضية جديدة للتوافق الأمريكي-الروسي، وكذلك على تنشيط ما يسمى مجموعة العشرين لمضاعفة الاعتماد على الدول الناهضة في تثبيت صيغ جديدة للنظام العالمي المالي والاقتصادي، بعد الانهيار الرأسمالي لأهم ركائزه (الشبكة المالية) القائمة على المصارف الكبرى والشركات العملاقة، إلى جانب صندوق النقد الدولي والمصرف المالي العالمي ومنظمة التجارة الدولية، لصالح الدول الأقوى ماليا واقتصاديا.

إن مستقبل إصلاح الأمم المتحدة لا يزال أسير التصورات التي نشأت عليها، المنبثقة عن "الانتصار العسكري" في الحرب العالمية الثانية، ولم ينطلق إلى التعامل مع واقع عالمي جديد يتمثل في عضوية 195 دولة متفاوتة القوى والتأثير في المنظمة الدولية، ناهيك عن الانطلاق من الاحتياجات البشرية الأساسية، في مواجهة الفقر والمرض والتخلف، وما نشأ على هذه الأصعدة من أوضاع مأساوية تفاقمت أضعافا مضاعفة في حقبة تاريخ الأمم المتحدة منذ تأسيسها وتأسيس منظماتها الفرعية (كالصحة والطفولة وغيرها) وإنشاء برامجها العديدة (كالغذاء العالمي والتنمية وغيرها) وإصدار مواثيقها المتتالية (كحقوق الإنسان وحقوق المواطنة وغيرها) حتى الآن.

ما سبق يستدعي التأكيد أن الإصلاح لن يكون جذريا في المستقبل المنظور، ولن يعيد للشرعية الدولية ومبادئها وقواعدها العامة المثبتة في ميثاق الأمم المتحدة، مكانة الأولوية تجاه مفعول موازين القوى العالمية، وستبقى اليد الطولى للسياسة الواقعية القائمة على فرض إرادة الأقوى على الأضعف عالميا، دون "مساحيق التجميل" كما كانت سياسات المعسكرين الشرقي والغربي في الحرب الباردة، وكما كان في حقبة السعي لزعامة انفرادية أمريكية بعدها، أو مع بعض "مساحيق التجميل" دون تغيير حقيقي، كما ينبغي وصف السياسات الأمريكية والأطلسية منذ بداية عهد أوباما. 

 

التكتلات الدولية خارج الأمم المتحدة

لقد تأسست الأمم المتحدة عام 1945م وكان يراد منها وفق ما طرح بصددها في مشاورات سابقة بمبادرات أمريكية منذ عام 1942م، أن تكون رابطة دولية تسيطر عليها دول الحلفاء من الحرب العالمية الثانية، بغض النظر عن النوايا: حفظ السلام والأمن الدوليين وفق إرادة هذه الدول.

ولكن الدول المؤسسة والهيمنة نفسها أدركت من البداية أن تبدل موازين القوى بينها سيحول دون تحقيق "جميع" ما تريد عبر الأمم المتحدة، ولهذا شهدت السنوات التالية مباشرة نشأة التكتلات الدولية، في صيغة حلفي شمال الأطلسي ووارسو، ثم تأسيس النواة الأولى للاتحاد الأوروبي لاحقا، بالإضافة إلى سلسلة الأحلاف العسكرية والمنظمات السياسية والاقتصادية الأخرى.

وكانت المحاولة الجادة الأولى من جانب المجموعة الدولية الأضعف في موازين القوى، هي محاولة تأسيس مجموعة عدم الانحياز، التي اهترأ مفعولها في هذه الأثناء، بينما نشأت مجموعات إقليمية أخرى عديدة، بعضها دون مفعول إقليمي ولا على الساحة الدولية كجامعة الدول العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، وبعضها اكتسب نفوذا جزئيا، كمجموعة جنوب شرق آسيا.

الأهداف الأساسية المثبتة نظريا في ميثاق الأمم المتحدة، السلام، والأمن، والتنمية، وحقوق الإنسان، وغيرها هي ذات الأهداف التي تكونت من أجلها التكتلات المختلفة، إنما تفاوت حجم الوصول إليها مع تفاوت عنصرين أساسيين:

- اقتران تشكيل التكتل بعنصر القوة، عسكريا أو اقتصاديا أو توافقا سياسيا ، أو على هذه الأصعدة معا.

- اعتماد أنظمة ومعاهدات لتحقيق "شرعية" إقليمية مرجعية للدول الأعضاء في التكتل، بديلة عن "شرعية" دولية مفتقدة في الأمم المتحدة.

وصل الاتحاد الأوروبي إلى تحقيق قسط كبير من الاستقلالية والاستقرار كنتيجة مباشرة لتحقيق قسط كبير من تأمين هذين العنصرين معا، فعلاوة على القوة العسكرية المتميزة تدريجيا عن ارتباطه العسكري بحلف شمال الأطلسي، وعلاوة على القوة الاقتصادية من خلال النهوض الاقتصادي في كل دولة على حدة، ثم عبر التكامل والتعاون بين دوله، وجدت قضايا حقوق الإنسان، وحل الأزمات، طريقها إلى التحقيق عبر أجهزته المنفصلة عن المنظومة الدولية، كالمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، والمحكمة الأوروبية لفض النزاعات.

لم تتناقض المسيرة الأوروبية على هذا الطريق مع الوجود الأوروبي، الجماعي والانفرادي، في المنظمة الدولية، بل إن تأثيره فيها مرتبط ارتباطا وثيقا بما حققه إقليميا خارج نطاقها.

ويسري شبيه ذلك على تكتلات دولية أخرى، كل على حسب حجم القوة الذاتية فيه من جهة وحجم التكامل والتعاون السياسي والاقتصادي وفي الميادين الاخرى من جهة ثانية.

ولكل تكتل عوامل أساسية لتسويغه، جغرافية أو مصلحية أو ما يصنعه تقارب الرؤى السياسية وغيرها نتيجة أبعاد حضارية مشتركة، ومن هنا ينبغي التأكيد أيضا، أن مستقبل تعامل البلدان العربية والإسلامية (التي تتوافر لها جميع تلك العوامل) مع الأمم المتحدة، سواء تحقق إصلاح جذري أو جزئي لها، رهن بتعاملها مع بعضها بعضا، وبمسيرتها الذاتية، إما على طريق التكتل اقتصاديا وماليا وعسكريا وسياسيا، وطريق المشروعية المشتركة بينها، على صعيد حقوق الإنسان وعلاقات الدول، ليكون لها "موقع ودور" على الساحة الدولية، أو على طريق زيادة ما هو قائم الآن، من تفتيت المصالح المشتركة على هذه الأصعدة جميعا، وترسيخ الارتباطات المختلفة مع القوى الدولية المهيمنة عالميا، ولن يكون لها آنذاك موقع ولا دور ولا شأن على الساحة الدولية في المستقبل المنظور.

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ