-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 03/10/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تاريخ سورية السياسي الحديث

(17)

انقلاب الشيشكلي على حكومة التحدي "2 "

مؤمن محمد نديم كويفاتيه*

البلاغ رقم 1 لانقلاب العقيد أديب الشيشكلي الثاني

أذيع من إذاعة دمشق يوم 29 تشرين الثاني- نوفمبر- 1951

صادر عن رئيس الأركان العامة رئيس المجلس العسكري الزعيم أديب الشيشكلي البلاغ رقم " 1 "

 (تُحيط رئاسة الأركان العامة الشعب السوري الكريم علماً بأن الجيش قد استلم زمام الأمن في البلاد ، ونرجو أن يخلد الجميع إلى الهدوء والسكينة وتسهيل مهمة الجيش ومتابعة أعمالهم دون قلق أو اضطراب ، كما وتُنذر من تُسول له نفسه الإخلال بالأمن بأشد الإجراءات )

لم يكن الدمشقيين ولا أبناء الشعب السوري يعلمون ماكان يجري وراء كواليس الغرف الرئاسية المُغلقة ولا مايجري في الوزارات وثكنات الجيش ، ليُفاجأ المواطنين في عموم سورية بالبلاغ رقم واحد الانقلابي على الحكومة المدنية ، يُعلن فيه استلام الجيش لزمام الأمور في البلد، والذي على إثره تولى الزعيم أديب الشيشكلي رئيس المجلس العسكري رئيس الأركان العامة مهمات رئيس الجمهورية وسائر السلطات ليتبعه مرسوم قضى بموجبه بحل البرلمان ، ومرسوم آخر بتخويل الزعيم فوزي سلو بمهمات السلطتين التشريعية والتنفيذية ، ومهمات رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ، وتكليف الأمناء العاملين – وكلاء الوزارات بمهام الوزراء ، ومراسم أخرى بلغت "257 " مرسوم ، ومنها إلغاء الأحزاب السياسية وتوحيد الصحف ، مما مكن من هيمنته على الحياة السياسية والعسكرية ، وتخلصه في نفس الوقت من مُعارضيه العسكريين ، ليُعلن فيما بعد في تصريح له بأن الدستور الذي أوقفه هو مُقدس عنده ، وأنه سيعود اليه متى استقرت الأمور ،وأصدر بياناً بهذا الخصوص قائلاً فيه " أيها الشعب أنت مصدر السلطات العسكرية والمدنية ، وأنت مصدر الدستور ، ومن أجلك وُضع الدستور ، إنّ الفئة المُتآمرة مافتئت تواصل تآمرها على كيان البلاد الجمهوري لربط مصيرك بمصير الإرادات الخارجية "ولكن الجماهير ومن وراءها من الأحزاب والشخصيات السياسية لم تقتنع بهذا القول مما أدى ذلك إلى قيام المظاهرات الاحتجاجية في المدن الرئيسية ، وقيام الشيشكلي على قمعها بشدة

وكان قد برر الشيشكلي إجراءاته الانقلابية بما أسماه سيطرة الفئة الحاكمة التي وصفها بتحريف الدستور وقلب الجمعية التأسيسية إلى مجلس نيابي والتقليل من شأن الجيش من خلال فصل قيادة الدرك – شرطة الأرياف – عن الجيش وربطها بوزارة الداخلية ، ومطالبتها المستمرة بتنصيب وزير دفاع مدني

ليحكم الشيشكلي بعد انقلابه الثاني على حكومة التحدي في البدء من وراء ستار ، وينصّب بمرسوم منه وزير الدفاع فوزي سلو رئيساً للجمهورية بعدما حلّ جميع الأحزاب السياسية ، وليولّي سلو على السلطتين التشريعية والتنفيذية ويمكنه من ممارسة سلطات واختصاصات رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وليكون وزيراً للدفاع والداخلية ، وقد بدأ ممارسة صلاحياته من القصر الجمهوري ، رغم أن السلطة الحقيقية بيد الزعيم الشيكلي ، وما فوزي سلو سوى صورة أو دُمية تُحرك من وراء حجاب ، ودام هذا الوضع سنه وشهراً ، أعدّ خلالها مجموعة قوانين تخص الأحوال الشخصية وأُصول المحاكمات وضريبة الدخل وملاك الشرطة والأمن

وفي 8 حزيران – أغسطس 1952 أي بعد ثمانية أشهر من حكم فوزي سلو بالصلاحيات الواسعة والحكم العسكري الصارم ، وإدارة الوزارات عبر الأمناء العاملين – وكلاء الوزارات بمهام الوزراء، أعلن الشيشكلي عن تشكيل وزارة برئاسة فوزي سلو بعدما شعر بضغط المُعارضة ، وقال بأنها مؤقتة ومهمتها الوصول إلى الانتخابات النيابية في إطار قانون جديد للانتخابات يفتح السبيل أمام تمثيل حقيقي للشعب.

، حمل فيها سلو حقيبة الدفاع والداخلية ، وكان فيها الشيشكلي نائباً لرئيس الوزراء لكي يصير عضوا في مجلس الوزراء لمؤازرة الرئيس المُعين من قِبله في عمله ، ولمباشرة الشيشكلي لصلاحيات سلو في حال انقطاعه عن العمل لأي سبب من الأسباب ، مع احتفاظ الشيشكلي بمهمات رئيس الأركان العامة للجيش ، مما يُدلل على مدى ثقته بنفسه وما يقوم به بكل طمأنينة وعدم مُنازعة ، وقد كانت هذه المشاركة كأول ظهور علني للشيشكلي على المسرح السياسي ، وقد حمل في هذه الوزارة حقيبة المالية سعيد الزعيم ، والاقتصاد الوطني منير دياب ، وللزراعة عبد الرحمن الهندي ، وللعدل منير غنّام ، وللأشغال العامّة توفيق هارون ، وللمعارف سامي طيارة ، وللصحة مرشد خاطر ، وللخارجية ظافر الرفاعي

وكان الشيشكلي خلال هذه الفترة من - نوفمبر- 1951الى حزيران– 1953 تاريخ الاستفتاء عليه كرئيس ، كان يُهيئ الأمور لظهوره العلني كحاكم سورية بلا مُنازع ودون واجهة ، وكان ينشر الدعاية لذاته شخصياً طوال هذه الفترة تمهيداً لإنشاء نظام حكم دستوري رئاسي جديد برئاسته ، وليشرع بعد ظهوره ببناء جهاز سياسي موالي له تحت يافطة " حركة التحرير العربي ، وكان قد أصدر مرسوماً منع فيه العسكريين من العمل السياسي والانتماء إلى الأحزاب والجمعيات والكتابة في الصحف والمجلات فيما يخص الجوانب السياسية ، ثُمّ شرع بتأسيس حزب جماهيري له ليؤمن القاعدة الشعبية اللازمة ، على قاعدة الحزب الواحد لسد الفراغ السياسي الناجم عن حل الأحزاب لتدعيم مركزه السياسي ، أطلق عليه اسم " حركة التحرير العربي – التي لم تستمر لأكثر من سنتين ، وانتهت بزوال الشيشكلي والى الأبد " بما عُرف عنها آنذاك بحزب الدولة ، مما مهد ذلك لإصدار دستور جديد ذي توجه رئاسي ، يُطفي على سلطته وانقلابه صفة الشرعية لممارسة الصلاحيات كرجل البلاد القوي ، ليصير الشيشكلي بعد الاستفتاء على الدستور الذي لاقى القبول والتصويت على رئاسته في وقت واحد ، فاز فيها الشيشكلي بأغلبية ساحقة ، ليستقيل على اثر هذه النتائج والترتيبات فوزي سلو ، ومن ثُمّ يُحال على التقاعد بعد ترفيعه الى رتبة لواء ، وتعيين شوكت شقير بدلاً عنه في رئاسة الأركان ليتفرغ الشيشكلي لمهماته الرئاسية

وكان الشيشكلي قد وجه رسالة إلى فوزي سلو في 16 حزيران –يونيو – 1953 تمهيداً للاستفتاء على الدستور الذي جاء متزامناً مع الاستفتاء على رئاسته للدولة قال فيها : إن المجلس العسكري الأعلى شعوراً منه أنّ البلاد قد بلغت المرحلة اللازمة لقيام الحياة الدستورية فيها قرر تكليفكم ومجلس الوزراء باستفتاء الشعب بمشروع الدستور المقدم رفق هذا الكتاب ، وباتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك ... "

ليبدأ الشيشكلي عهداً جديداً سنتحدث عنه لاحقاً يظهر فيه على الساحة كقائد ومُنقذ وبطلاً قومياً بلا مُنافس مُدغدغاً عواطف الجماهير واللعب على ورقة فلسطين بدعوى تحريرها ، بعد أن زج بخصومه السياسيين لا سيما الإخوان المسلمين والاشتراكيين بزعامة فيصل العسلي في المُعتقلات وبعض قادة الأحزاب الوطنية ، وكذلك إثارة الحساسيات الطائفية مع الطوائف السورية لغير ذي معنىً ، سوى للكسب الجماهيري عبر اثارة النعرات كمبرر لبقائه وعن غير رضا الاحزاب ، وليُشكل الوزارة برئاسته في 19 تموز - 1953

حمل فيها خليل مردم بك حقيبة الخارجية ، ورفعت خانكان الدفاع ، وعبد الرحمن هنيدي الزراعة ، ونوري الإبيش الداخلية ، وأنور إبراهيم المعارف ، وأسعد محاسن العدل ، وعون الله الابري الاقتصاد الوطني ، وجورج شاهين المالية ، وفتح الله أسيون الأشغال العامة ، ونظمي القباني الصحة

وكان من مهام هذه الوزارة التهيئة للانتخابات فأصدرت قانوناً بهذا الشأن يُنظم بموجبه لانتخاب المجلس النيابي ، مُنع بموجبه رجال الجيش والشرطة بالانضمام للأحزاب والجمعيات ، وعلى ضوءه تمّ رفع الحظر المفروض على الأحزاب السياسية اعتباراً من منتصف أيلول – سبتمبر – لعام 1953 ، لتجري الانتخابات في 9تشرين الأول – أكتوبر من نفس العام ، رغم رفض الأحزاب السياسية المُشاركة فيها سوى الحزب الشيوعي والقومي السوري اللذان مع ذلك لم يحصلا على مقاعد ، بينما حزب حركة التحرير العربي الذي أنشأه الشيشكلي فاز بأغلبية المقاعد ب 60 مقعد من 82 ، وتوزعت بقية المقاعد على المستقلين ونواب العشائر ، في هذه الأثناء عقدت أبرز الأحزاب – البعث الذي فكّ ارتباطه الطويل مع الشيشكلي والحزب الوطني والشعب وعدد من المستقلين وغيرهم – مؤتمراً قبل الانتخابات في تموز 1953 بحمص رغم فرض الحظر عليهم ، تنادوا فيه إلى إسقاط النظام الذي لم يكن يستشعر فيه بقوة الحراك السياسي ضده ، بعد أن ظنّ بنفسه أنه سيد الساحة ، لما زرعه في قلوب معارضيه من حالات الهلع ، ولكن شعبنا السوري عودنا على الدوام وعلى حين غرّة الخروج من الركام وصنع المُستحيلات لردع أي متجاوز

للشيشكلي قول مشهور : "أعدائي كالافعى رأسها في جبل الدروز وبطنها في حمص وتمتد إلى حلب .."

أديب الشيشكلي كما جاء عنه في مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية عن عهده الأول

هو أديب بن حسن الشيشكلي، ولد عام1909 في مدينة حماه في سورية، من عائلة كبيرة ومعروفة، نشأ فيها وتخرج بالمدرسة الزراعية في سلمية، ثم بالمدرسة الحربية في دمشق، تطوع في جيش الشرق الفرنسي، ثم انتقل مع غيره من الضباط إلى الجيش السوري، شارك في معركة تحرير سورية من الفرنسيين سنة 1945، ثم كان على رأس لواء اليرموك الثاني بجيش الإنقاذ في فلسطين سنة 1948، اشترك مع حسني الزعيم في الانقلاب الأول في (30 آذار/1949)، لكنهما اختلفا فصرفه الزعيم من الخدمة، كما اشترك مع الحناوي في الانقلاب الثاني في (14 آب/1949) والذي عينه قائداً للواء الأول برتبة عقيد، لكن الشيشكلي لم يحقق في الانقلابين طموحه الشخصي، فهو مغامر يتطلع إلى السلطة ويبحث عن سلم يوصله إلى قمتها بأسلوب بارع ومقبول من الجماهير. له شقيق هو النقيب صلاح الشيشكلي عضو في الحزب القومي السوري الاجتماعي، وبحكم هذا الواقع ارتبط الشيشكلي بصلات قريبة مع العقيد أمين أبو عساف والنقيب فضل الله أبو منصور اللذين ساهما في اعتقال سامي الحناوي، ومهدا الطريق لأديب الشيشكلي المسيطر على مجلس العقداء، لمنازعة رئيس الدولة هاشم الأتاسي على السلطة، حيث أصدر الشيشكلي في صباح (19 كانون الأول/1949) بلاغاً بتوقيعه، أكد فيه إقصاء سامي الحناوي وأسعد طلس عن القيادة، لتآمرهم على سلامة الجيش وكيان البلاد ونظامها الجمهوري.

عُرف عهد الانقلاب الثالث بعهد الحكم المزدوج (أديب الشيشكلي وهاشم الأتاسي)، ولما كان الشيشكلي عضواً في مجلس العقداء ومسيطراً عليه فقد حل هذا المجلس وألّف بديلاً عنه مجلساً أسماه المجلس العسكري الأعلى.

وهكذا دخلت البلاد في عهد الانقلاب الرابع. ففي ليل 31 تشرين الثاني/1951 تمت خطوة الشيشكلي الحاسمة في الطريق إلى الحكم إذ اعتقل رئيس الوزراء معروف الدواليبي وزج به وبمعظم أعضاء وزارته في السجن، واعتقل رئيس مجلس النواب وبعض النواب، فما كان من رئيس الجمهورية هاشم الأتاسي إلا أن قدم استقالته. بعد ذلك أذيع البلاغ العسكرية رقم (1) بتاريخ (2 كانون الأول/1951) جاء فيه (إن المجلس الأعلى بناء على استقالة رئيس الجمهورية وعدم وجود حكومة في البلاد يأمر بما يلي:-

يتولى رئيس الأركان العامة ورئيس المجلس العسكري الأعلى مهام رئاسة الدولة، ويتولى كافة الصلاحيات الممنوحة للسلطات التنفيذية.

 

تصدر المراسيم اعتباراً من (2 كانون الأول/1951) من رئيس الأركان رئيس المجلس العسكري الأعلى.

كتب مراسل مجلة (آخر ساعة) المصرية محمد البيلي بتاريخ 10/2/1951مقالاً جاء فيه: (... شيء واحد يجب أن لا يغيب عن البال: أن العقيد أديب الشيشكلي هو الرجل الحديدي في سورية، لقد استطاع أثناء هيمنته على المدنيين أن يتخلص من مناوئيه، فدبر اغتيال العقيد محمد ناصر قائد سلاح الطيران على يد العقيد إبراهيم الحسيني، ثم اغتيل سامي الحناوي في لبنان وأخيراً نفي العقيد إبراهيم الحسيني رئيس المكتب الثاني إلى باريس.. و..و.. وهكذا فرط الزعيم عقَد مجلس العقداء، وبات يحكم البلاد عبر حفنة من الملازمين الأوائل، بينما فُرضت الرقابة العسكرية على جميع الضباط المناهضين للشيشكلي).

انصب اهتمام الشيشكلي نحو ترسيخ جذور الانقلاب الرابع في البلاد عبر حكم عسكري مباشر واجهته الزعيم (فوزي سلو) بعد تعيينه رئيساً للدولة وحقيقته العقيد أديب الشيشكلي رئيس الأركان، وأصدر مرسوماً بحل البرلمان، وآخر بتولي الأمناء العامين في الوزارات صلاحية الوزراء، ريثما يتم تشكيل حكومة جديدة. كما أصدر مرسوماً آخر بإلغاء جميع الأحزاب السياسية، وآخر بتوحيد الصحف وجعلها أربعة صحف تصدر في دمشق وحمص وحلب والجزيرة.

استمر الحكم العسكري المباشر بقيادة العقيد أديب الشيشكلي مدة ستة اشهر، وخلال هذه المدة أراد الشيشكلي الرد على الحملات العربية، ومعارضة الأحزاب والسياسيين لانقلابه بتحقيق إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية في البلاد، للبرهان على أن ما حققه العسكريون خلال ستة أشهر لم يحققه السياسيون خلال ست سنوات منذ الجلاء. فقد صدر عن رئيس الدولة (257) مرسوماً، تناولت تنظيم الحياة الداخلية في البلاد، فبدأت هذه المراسيم بقانون إلغاء الأحزاب وقانون جمع الصحف، وقانون منع انتماء الطلاب والمعلمين والموظفين والعمال إلى الأحزاب السياسية أو الاشتغال بالسياسة، وصدر قانون لتنظيم الشؤون المالية اعتمد على مبدأ فرض الضرائب التصاعدية والتخفيف قدر الإمكان من الضرائب غير المباشرة التي تقع على كاهل ذوي الدخل المحدود، وأُلغيت الرقابة على النقد الأجنبي فسمح باستيراده بينما منع خروج النقد المحلي، وصدر قانون الإصلاح العقاري لتنظيم العلاقة بين المالك والمستأجر، وآخر للإصلاح الزراعي يقضي بتوزيع أملاك الدولة على الفلاحين ممن لا أرض لهم، وباشرت الدولة بتوزيع 5 ملايين هكتار على 50 ألف أسرة فلاحية بهدف توطين ربع مليون نسمة.

وبدأت الدولة خططاً لتنفيذ مشاريع الري الكبيرة في البلاد، وأبرزها مشروع تجفيف الغاب، ومشروع اليرموك، وبدأت مفاوضات مع مصرف الإنشاء والتعمير الدولي الذي تسيطر عليه الولايات المتحدة لتمويل خطة الدولة لري 120 ألف دونم، وتوطين 25 ألف أسرة، وقطعت الدولة شوطاً في تنفيذ مشروع مرفأ اللاذقية لتفريغ 800 ألف طن من البضائع سنوياً، ووضعت خطة خمسية لإنجازه، بالإضافة إلى مشاريع الكهرباء وإنارة الريف.

كما أولت الدولة اهتماماً خاصاً بالجيش لزيادة قدراته وتزويده بالأسلحة الحديثة. فاشترت ثلاث سفن حربية فرنسية، وعقدت صفقة لشراء طائرات نفاثة مقاتلة بريطانية ، وأجرت اتصالات مع الولايات المتحدة للحصول على الدبابات والمدفعية، وشجعت أجهزة الإعلام التي تنادي بتجنيد النساء في صفوف القوات المسلحة.

وعلى الصعيد الأمني، شهدت البلاد حالة من الهدوء والطمأنينة. انخفضت نسبة الجرائم وحوادث السرقة والسطو، بينما سارت أمور وزارات الدولة بإشراف الأمناء العامين سيراً حسناُ، وأعلم الشيشكلي مندوبي الدول العربية والأجنبية أن لا حاجة لحصول انقلابه على اعتراف جديد وأنه يكتفي بالاعتراف القائم.

حقق الشيشكلي استقراراً داخلياً لم تشهده البلاد من قبل، ولإزالة طوق العزلة العربي الذي فُرض على نظامه، شن سلسلة من التصريحات ضد إسرائيل، وصلت حد التهديد بشن حرب ضدها، وقال في أحد تصريحاته: (إن الطريق من دمشق إلى الخليل سيكون سالكاً أمام الجيش السوري).

عندما شعر الشيشكلي بتعاظم المعارضة الداخلية لنظامه العسكري، أصدر مرسوم تشكيل وزارة في (6 حزيران/1952) وأعلن بعد تشكيل الوزارة بأن الجيش سيدعم مشاريع الحكومة دون التدخل بشؤونها، وأكد بأن هذه الحكومة مؤقتة مهمتها إيصال البلاد إلى الانتخابات النيابية في إطار قانون جديد للانتخابات يفتح السبيل أمام تمثيل حقيقي للشعب.

اعتمد الشيشكلي على أنصاره من الحزب القومي السوري، ودعا إلى تأسيس حزب جديد باسم (حركة التحرير العربي) حتى يكون الحزب الوحيد في البلاد استعداداً لخوض الانتخابات، وبعد الإعلان عن تأسيسه، بدأ الشيشكلي عقد اجتماعات جماهيرية لإلقاء الخطب الطنانة التي تلهب حماس الجماهير وتجعل تحرير فلسطين في متناول اليد. ولما اطمأن إلى قاعدته الجماهيرية وجهازه الإعلامي، التفت لتنظيم جهاز القمع، وبدأت حملة الاعتقالات والتعذيب ضد كل من يعارض العقيد شملت الطلاب والمدرسين ورجال السياسة وقادة الأحزاب والأقلام الحرة، وعندما شعر الشيشكلي بأن الساحة خلت له ولحزبه دعا إلى إجراء الانتخابات النيابية في (10 تموز/1953)، وفاز حزب التحرير العربي بـ 83 مقعداً، وبعد أن وضع دستوراً جديداً للبلاد، انتخب رئيساً للجمهورية طبقاً لأحكام هذا الدستور، وهكذا مهد لمرحلة فرض الديمقراطية من خلال الديكتاتورية العسكرية. أما قيادة الأحزاب السياسية المعارضة فقد ألّفت جبهة شعبية معارضة تصدت لسياسة الشيشكلي عبر المظاهرات الطلابية والعمالية والفلاحية، وبدأت معركة المعارضة في دمشق بإلقاء المتفجرات، وأًعلن العصيان في جبل الدروز، فقاومه الشيشكلي بالدبابات والطائرات، فزاد من النقمة على النظام، ثم تنادى السياسيون من الأحزاب والهيئات إلى عقد اجتماع في حمص لعقد (ميثاق وطني) فيما بينهم، ووجهوا إنذار إلى الشيشكلي لإعادة الأوضاع الدستورية والإفراج عن المعتقلين السياسيين ووقف الحرب الأهلية في جبل العرب. وكان رد العقيد على الإنذار باعتقال كل من وقع عليه، وشهدت البلاد حالة من الاضطراب والمظاهرات الطلابية، قاومها رجال الأمن بالعنف والقنابل المسيلة للدموع، وعطلت الدراسة في المدارس، وعمت المظاهرات المدن السورية وهي تنادي بسقوط الديكتاتورية وإلغاء البرلمان، وعودة الحياة الدستورية إلى البلاد، فكانت التمهيد الشعبي المناسب لإسقاط الشيشكلي وبدء الانقلاب الخامس.

ولما شعر الشيشكلي بأن زمام الأمور أًفلت من يده، كلف أحد أعوانه بالاتصال مع الحكومة اللبنانية لقبوله كلاجئ سياسي ثم اتخذ ترتيبات مغادرته لسورية وسطر كتاب استقالته وسلمه للزعيم شوكت شقير، وتوجه إلى بيروت في 25 شباط/ 1954 ناجياً بنفسه إلى المملكة العربية السعودية حيث ظل لاجئاً إلى أن توجه سنة 1957 إلى فرنسا، وحُكم عليه غيابياً بتهمة الخيانة فغادر باريس سنة 1960 إلى البرازيل حيث أنشأ مزرعة وانقطع عن كل اتصال سياسي، إلا أن شخصاً مجهولاً يُظن أنه من رجال الدروز فاجأه في شارع ببلدة سيريس في البرازيل وأطلق عليه النار فقتله.

 

بعض المراجع التي تم الإعتماد عليها في أبحاثي ومقالاتي عن تاريخ سورية

1- مُزكرات ومنشورات ومقالات السياسيين السوريين

2- صحف ومجلات وجرائد سورية قديمة

3- مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

4- مواقع في النت ويوكيبيديا

5- صحف ومراجع لبنانية متعددة

6- الاحزاب السياسية في سورية السرية والعلنية لهاشم عثمان

7- الحكومات السورية في القرن العشرين لسعاد جمعة وحسن ظاظا

8- الصراع على سورية باتريك سيل

9- الأسد الصراع على الشرق الأوسط

10- صحوة الرجل المريض لموفق بن المرجة

11- تاريخ دمشق ومن حكمها خليل طيب

12- المحاكمات السياسية في سورية هاشم عثمان

13- عبد الرحمن الشهبندر حياته وجهاده لحسن الحكيم

14- الصراع على السلطة في سورية نيقولاوس فان دام

15- هؤلاء حكموا دمشق لسليمان المدني

16- كفاح الشعب العربي السوري لاحسان هنيدي

17- الحياة الجزئية في سورية محمد حرب فرزات

18- الحكومة العربية في دمشق

19- النضال التحرري الوطني في لبنان

20- الثورة العربية الكبرى ثلاثة اجزاء لامين السعيد

21- الاخوان المسلمون كبرى الحركات الاسلامية لاسحاق موسى

22- دمشق والقدس في العشرينات لعدنان مردم بك

23- الحكومة العربية في دمشق للدكتورة خيرية قاسمية

24- الوثائق التاريخية المتعلقة بالقضية السورية في العهدين العربي الفيصلي والانتداب الفرنسي حسن الحكيم رئيس وزراء سورية السابق

25- سورية من الاحتلال الى الجلاء نجيب الارمنازي

26- تاريخ سورية المعاصر للدكتور غسان محمد رشاد حداد

27- تاريخ لبنان للدكتور علي معطي

28- سورية ولبنان وفلسطين تحت الحكم التركي ترجمة الدكتور يس جابر

29- كتيب لم أعثر على اسمه ومؤلفه من النوع القيم يتكلم عن الأحزاب السياسية

30- مؤلفات ومراجع عن الخلافة العثمانية تتجاوز الخمسين ، وهذا فيما يخص بحث المخطط التفصيلي للسلاطين العثمانيين

ــــــــــ

*باحث وكاتب وناشط سياسي ..مُعارض سوري

mnq62@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ