-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

السبت 12/09/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


تاريخ سورية السياسي الحديث - 14

فترة حسني الزعيم والانقلاب الأول ....

مع قصة الهجوم على القصر وقتله والبرازي كما

وردت من أصحابها في المُلحقات

مؤمن محمد نديم كويفاتيه*

( تنويه لا بُد منه بالنسبة لمقالات الأحزاب السياسية من تاريخ سورية : حيث جاءت مُعنونة إلى ما قبل الاستقلال ، وهو بالفعل ما كانت النية معقودة عليه ، و كانت الكتابة حين البدء على هذا الأساس ، ولكن تم إدخال فترة الاستقلال والحكم الوطني إلى ما قبل انقلاب الجنرال حسني الزعيم كونها فترة مُمتدة مع ما قبلها ، ولم انتبه للعنوان كون الموضوع والبحث المُضني فيه آخذ جُلّ وقتي ولذا وجب التنويه ، ليكون العنوان الأصح الذي اتمنى تصحيحه "الأحزاب السياسية إلى ما قبل انقلاب حسني الزعيم" )

في الساعة السابعة من صبيحة يوم الأربعاء 30\3\1949 أذاع راديو دمشق البلاغ العسكري رقم 1 فحواه أن الانقلابيين قد سيطروا على البلد بدواعي خوفهم على استقلاله ولتهيئته للحكم الديمقراطي الأمثل ولمكافحة الفساد وأنّ ذلك جرى دون إراقة أي  قطرة دم كما جاء في البيان ، الذي حذروا فيه من الإخلال بالأمن وقمع المُشاغبين والمحتجين  بلا رحمة أو شفقة ...،وكان قد سبق البلاغ اعتقال الرئيس شكري القوتلي فجر ذلك اليوم ومعه رئيس الوزراء خالد العظم اللذين أُودعا في سجن المزه ، ليقدما استقالتهما بعد أسبوع من اعتقالهما بفعل الضغط الشديد عليهما بعد رفضهما وتمنع القوتلي بشدة الذي أرهقته حالته الصحية من القرحة فاستقال، وليُعلن قائد الجيش فيما بعد حسني الزعيم – بن حسن بن زعيم البهديني - عن استفتاء لرئاسة الجمهورية ، فيها يكون المرشح الوحيد ، بعد أن صارت سورية ترزح تحت الأحكام العرفية والحكم العسكري المباشر، وبالتالي فقد فاز فيها بأغلبية ساحقة كحالة أي دكتاتور ، مما دفعه إلى التفرد والغرور وتصرفه كطاغية وليس كرئيس مما جعل الشعب يزداد نفوراً منه يوماً بعد يوم ، ويزداد كرهاً إلى كره كونه المُتهم الأول بالتلاعب في تموين الجيش والمواد الغذائية الفاسدة ولا سيما كما أُشيع بفضيحة الزيت التي كان سيُحال على إثرها للقضاء مع البستاني ، والتي من خلالها لم يكن يُذكر اسم الزعيم إلا ويضع الناس أياديهم على أُنوفهم كتعبير عن الاحتجاج الدالّ على رائحة الزيت الفاسد الكريه ، مما جعل الزعيم تحت ضغط نفسي ودعم خارجي ،  فتقدم بانقلابه متغذيا بالرئيس القوتلي وساسته الوطنيين الذين كشفوا حقيقته بأنفسهم قبل أن يتعشوا به   مُبرراً انقلابه بأنه حال دون قيام ثورة دموية شعبية ، وبدعوى لتحقيق آمال الشعب ، وأنه كإجراء دفاعي بعد الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السابقة والرئيس المُخالفة للدستور، وكان ذلك الانقلاب بغطاء خارجي غربي أمريكي ، بغية التصديق على المُعاهدات المُتعثرة من البرلمان ، ومنها اتفاقية الهدنة مع إسرائيل بالشروط الإسرائيلية حيث اعتبرت القوى المُعارضة هذا المشاريع بداية الاستعمار الأمريكي وعودة الفرنسي عبر إملاء شروطهم ، ولما تولد عندهم من حساسية عالية من الاستعمار الفرنسي الذي ذاقت منه سورية الويل والثبور

فكان حسني الزعيم  أول من شرّعن لسنّة الانقلابات العسكرية في عالمنا العربي والتفرد في السلطة بمؤازرة حُلفائه من بعض القوى ولا سيّما البعثيين في ذلك الوقت ، والتي صارت نهجاً في مُعظم الدول العربية فيما بعد وبدعم خارجي لتحقيق مآرب الغرب ، بغية القضاء على أي طموح استقلالي للبلاد عبر حكام استبداديون منبوذون من الشعب ويفعلون ما يؤمرون ، حيث التعامل مع شخص دكتاتور معروف بأطماعه الشخصية وبتضحيته بالمصلحة العامة في سبيل الشخصنة  ، وهو معروف بفسادة وسوء طويته ، مما يجعله ضعيفاً أمامهم ، على عكس الرئيس القوتلي الذي كان يحظى بتأييد برلماني وشعبي منقطع النظير ، ويستطيع الوقوف بوجه الأطماع الخارجية بما يُحقق مصلحة البلاد والعباد ، بينما الزعيم عند اعتلائه سُدّة الحكم كان أول ما فعله هو ما رفضته الجماهير بحينها ، سواءً كان صواباً أو خطأً بتوقيعه على المُعاهدات المذكورة دون الرجوع للشعب ومُمثليه ومنها اتفاقية الهدنة مع إسرائيل بالشروط الإسرائيلية ، هذا عدا عن مُحاولته في إرضاء الغرب بأي وسيلة عبر محاولته في الانقلاب على المجتمع ونسف جذوره وعمليات إزالة الأوقاف الإسلامية وتشجيعه للخروج عن العادات والتقاليد الأصيلة وتشجيع الخنا والفجور ، وأساليب البلطجة التي اتبعها في تعامله مع السياسيين كما فعل سيدة كمال أتاتورك

ومما يجدر ذكره عن وثائق سرية ظهرت عن الخارجية البريطانية بعد مرور ثلاثون عام على أول انقلاب عسكري في الوطن العربي ، بأنّ انقلاب حسني الزعيم

دبره الإنكليز لتدعيم خططها المعروفة بالهلال الخصيب متجاوزة حليفتها فرنسا ، إلا أنّ هذا الطرح له ما يُناقضه ، عندما عزت  فرنسا الانقلاب إلى الطموح الشخصي العسكري والى الطريقة التقليدية في أمريكا اللاتينية لا أكثر ولا أقل ، وفُهم هذا بسبب الإشارة الفرنسية للخارجية البريطانية بان تُبقي اتصالها مع الزعيم بدعوى عدم ذهابه لمكان آخر إن لم يلقى الدعم المدني في الداخل السوري مما يؤكد توافق الحليفين البريطاني والفرنسي على الرضا فيما جرى بينهما من عملية تقسيم العالم العربي،  وحفاظ كل واحد منهما على حقوق الآخر من خلال المُعاهدة الموقعة بينهما ، وحرص البريطانيين على بعث الاطمئنان في صدور الفرنسيين المُتشككين منهم ، ولأن المُنفذين أيضاً والمخططين هم أدوات فرنسية

أو لربما كان هناك تدبير بريطاني لتغير المُعادلة بإبعاد فرنسا عبر فرض الأمر الواقع ، واستخدام تلك الأدوات لوصول الزعيم ومن ثُمّ الاستغناء عن تلك الأدوات بالاعتماد كُلياً على الزعيم الذي عمل جاهداً على استرضائهم ، وذلك لتعزيز موقفهم بالشرق الأوسط ، وحماية مصالحهم من أي هيمنة فرنسية أمريكية  ، لا سيما وأن البريطانيين تدخلوا سابقاً في عملية فصل القوات مابين الفرنسيين والسوريين عام 1945 ، وأرغموا الفرنسيين على الامتثال لأوامرهم

بينما كتاب لعبة الأمم لمايلز كويلاند عضو الاستخبارات المركزية سابقاً  يُشير إلى أصابع أمريكية ، فيحلل ذلك البعض بأن الدور الأمريكي جاء تالياً ، بقصد الحفاظ على حياة الرئيس شكري القوتلي الذي تراءت الأخبار عن نيّة حسني الزعيم لتصفيته ، مما استدعاها للتدخل عبر سفيرها بدمشق للتحدث إلى الزعيم بأن مثل هذا العمل سيؤدي إلى نتائج وخيمة ، ومثل هذا المُبرر لتبرير الدعم لحسني الزعيم لا يكاد يُصدق

وهذا الوضع السوري المُعقد، وما كانت عليه الحالة المُريبة والتشكك من أطراف الصراع مما دفع الدول الغربية ولاسيما فرنسا وبريطانيا وأمريكا للاعتراف بنظام الزعيم في وقت واحد ومُبكر ، حتى حسب زعمهم لا يُفكر نظام الزعيم بغيرهم للتوكل عليه كالسوفيت مثلاً ، وكما جاء عن رجل الاستخبارات البريطاني ونداس الذي أكد التورط الإنكليزي في دعم الانقلاب من خلال قوله للوزير سامي كبارة " إذا لم تحصل حكومة حسني الزعيم على مساعدة فورية فإن نظامه سينهار " ولذلك سارعوا للاعتراف به وبالتالي فلن يكون لأي نظام انقلابي بقاء دون أن يكون له غطاء خارجي ، بينما كان الفرنسيين يعتقدون بأن الإسراع بالاعتراف بنظامه يجعله أكثر إصغاء لنصحهم وإرشاداتهم التي هو أحوج ما يكون إليها، وهذا ما أكده المبعوث الفرنسي هيوستون لرئيس وزراء لبنان رياض الصلح بأن حكومته مُتحمسة للاعتراف بحكومة الزعيم ، في نفس الوقت الذي أبهم فيه الصلح إن كان هناك دوافع سرية وراء هذا التسرّع الفرنسي ، وكذلك الاعتراف العربي جاء مُتزامناً مع الأُوربي مع بعض التخوفات من قبل السعودية ومصر ، لما كانت تربطهم من علاقات وطيدة مع الرئيس القوتلي

ولم تكن فترة حكم الزعيم طوال فترة رئاسته القصيرة التي استمرت 137 يوم ، حين انقلاب العقيد سامي الحناوي عليه في 14\8 آب \1949 إلا بما وصفها رياض الصلح" بالجنون " والحكم الفردي المُستبد والمحسوبية ، والتي أدت إلى فشله في إدارة سياسة الدولة ، والى تخلي حُلفائه عنه الذين أوصلوه الى السلطة وخططوا لانقلابه المشئوم ، مما يُفسر تخبطه الشديد وعدم التوازن الذي أصابه في احتلاله لمنصب لا يستحقه ، إذ كشف من خلال ممارسته الحكم على عدم امتلاكه لأي تجربة سياسية ، مما أدّى إلى المُطالبة وحاجة البلاد إلى إزالته ، كما أنّ حدّة تصريحاته أربكت الوضع الإقليمي ، عبر اتخاذه لخطوط غير مفهومة ، ولا تنم إلا على الغباء والفردية في التصرف ومنها تسليمه للمعارض اللبناني اللاجئ انطون سعادة الذي قُتل على إثر ذلك ، مما أدّى إلى اجتماع عوامل كثيرة عجّلت في نهايته ، وبنفس الكأس الذي سقاه للوطنيين الأحرار وفئات شعبنا السوري 

وأخيراً : لنصل إلى خُلاصة بانّ الانقلابات العسكرية ليست صناعة عربية أو سورية ، بل هي تشكيل أوربي أمريكي مدروس لخدمة مصالحهم ، تهافت عليه بعض المنبوذين الذين سعوا إلى استرضاء الأجنبي لتدعيم نفوذهم ليكون لهم من القسمة والحساب شيئاً ، حتى صار رجال الاستخبارات للدول الخارجية كحكام فعليين في البلاد ، فيستقصون الأخبار ويُقررون المصائر ، ويكفي للاستدلال على ذلك بالنتائج ، بأنّ هذه الانقلابات لم تكن يوماً لصالح الشعوب وتطلعاتها وآمالها ، بل لم تكن إلا خنجراً مسموماً في جسد الأمم والشعوب

 

مُلحقات لمواضيع متعلقة :

بيان الانقلاب الأول لحسني الزعيم ... الذي أعده وقرأه أكرم الحوراني 30 آذار 1949 

ومما جاء فيه ( .... مدفوعين بغيرتنا الوطنية ومتألمين لما آل إليه وضع البلد من جرّاء افتراءات من يدعون أنفسهم حكاماً مُخلصين لجأنا مضطرين إلى تسليم زمام الحكم مؤقتاً في البلاد التي تحرص على استقلالها كل الحرص ، وسنقوم ما يترتب علينا نحو وطننا العزيز غير طامحين إلى استلام الحكم بل القصد من عملنا هو تهيئة حكم ديمقراطي صحيح محل الحكم الحالي المزيف ، وإننا لنرجو من الشعب الكريم أن يلجأ للهدوء والسكينة مقدماً لنا المعونة والمساعدة للسماح لنا بإتمام مهمتنا التحريرية وإن كل محاولة للإخلال بالأمن من بعض العناصر الهدامة تقمع فورا دون شفقة أو رحمة )

وكان السيد فارس الخوري قد قال له إثر انقلابه .. سامحك الله فتحت باباً يصعب على التاريخ اغلاقه

 

مكونات الجيش السوري بعد الاستقلال نيسان 1946

كان الجيش السوري بعد جلاء القوات الأجنبية مكونا من فلول الجيش المختلط والحرس السيار والهمّل وخليط من الأقليات الغير متجانسة التي اُستقدمت من مناطقها لتكون  بتصرف المندوب السامي الفرنسي كي يحفظوا ولاء الأقليات ، ولذلك فقد كانت العائلات المالكة للأراضي والإقطاعية تحتقر الجندية كمهنة لوجود هذا الخليط الهجين الكسل المتأخر دراسياً والمغمور اجتماعياً والمعروف بتهوره ومغامرته لأنه لا يملك الأبعاد لقراراته ، وأيضاً لسيطرة العاطفة الوطنية على تلك العائلات ، التي تعتبر الانتساب إلى هذا الجيش  في فترة مابين الحربين العالميتين خدمة للمحتل الفرنسي ، وقد انضمت هذه الفلول فيما بعد إلى قوة الدرك السورية التي قاوم الكثير منها  الجيش الفرنسي المحتل اثر اندلاع الثورة الشعبية للمطالبة بالاستقلال ، والتي كان لرجال الدرك الأكثر وعياً وانتظاماً حينها من المواقف المُشرفة في حلبة النضال الوطني وهي معروفة من الجميع ، ومن هذا المزيج تكونت القوات السورية الوطنية ، وصدر بعدئذ قانون الخدمة العسكرية الإلزامية على اثر حرب فلسطين

وكان أكثر ضباط وجنود الجيش من العساكر الذين تطوعوا في صفوف الجيش الفرنسي السوري المختلط ، وكان لا يُسمح لهم بالارتقاء المناصب العليا القيادية في الجيش ، وبالتالي لم يكونوا بشعورهم بمستوى الحركة الوطنية ، مما جعل الجيش السوري الناشئ مطية سهلة للمغامرين من ضباطه ، وكان سبباً من أسباب الشقاق والتمزق في صفوفه ، وإبعاده عن واجبه المُقدس في الدفاع عن حدود الوطن وتحمل مسؤوليته وزجه في خضم السياسة والنزاع الحزبي والطائفي والعشائري، وكما قال بشير فنصة عن تلك المرحلة بأنها لأسباب ظروف تاريخية دولية فُرضت على سورية بحكم الانتداب والاستعمار الفرنسي للقضاء على استقلالها المنشود ، وقال فنصة عن هذا الجيش الذي ضم فلولا من العساكر والضباط المرتزقة بأنهم احد مخلفات الانتداب الفرنسي الذي عمل جاهداً في سبيل القضاء على جميع المؤسسات ذات الطابع الوطني المستقل ، وربط جميع أجهزة الدولة بما فيها القوات المسلحة بالحكام والمستشارين الفرنسيين  

 

وإليكم قصة الإنقلاب على الزعيم وقتله من روايتين مكملتين لبعضهما ممن شارك في الإقتحام والقتل

الأولى من محمد معروف مؤلف كتاب « أيام عشتها » يكشف لأول مرة كيف أعدم حسني الزعيم

وعند سؤال محمد معروف من الصحفي طارق ترشيشي من صحيفة آوان  أنت تقول في كتابك «أيام عشتها» إن عصام مريود هو من أعدمهما!

-عصام مريود وبعض الضباط القوميين السوريين لأن الزعيم سلم رئيس الحزب السوري القومي الاجتماعي أنطوان سعادة للسلطات اللبنانية التي أعدمته.

يعني إعدام حسني الزعيم كان ثأراً لأنطوان سعادة؟

-لا، لم تكن عملية ثأر، لقد تألمنا جميعاً لأن كل ضباط الجيش من الشباب تأثروا بأداء حسني الزعيم كيف أنه يأتي برئيس حزب (سعادة) ويؤمنه على حياته ويقول له سأعطيك 3 آلاف جندي وأناصرك على رياض الصلح وتحتل لبنان وأنا موافق معك، وبعدها يسلمه لكي يعدموه، وتحصل معركة يخوضها القوميون السوريون ويُقتل فيها ضابط من آل عساف على ما أذكر ويستسلم بعدها القوميون. وقال لي يومها غسان جديد إن الأسلحة كانت فاسدة وغير صالحة. إن سلوكية حسني الزعيم في الحياة لم تكن صحيحة.

 

{ لقد قرأتُ يوماً في كتاب «الحبر أسود أسود» لناصر الدين النشاشيبي بعضاً من دردشاته مع حسني الزعيم حيث يرد الأخير عليه عندما يحذره من عدم رضى الرأي العام العربي على سلوكه السياسي قائلا: «إن الرأي العام العربي هو حمار كبير».

-حسني الزعيم كان يكره رياض الصلح، والأخير كان يعتبره إنساناً مجنوناً. وللحقيقة فإن الصلح تقرّب منه بواسطة شخص اسمه محسن البرازي المتزوج من آل الجابري، والصلح كان متزوجاً من آل الجابري أيضاً، ولذا كانا قريبين بعضهما من بعض بالمصاهرة. ويومها كان يهم إنكلترا وفرنسا استقرار لبنان، وكانتا تعاديان الحزب القومي السوري لأن منهجه معاد لإسرائيل وينادي بوحدة سورية الكبرى. وأذكر أن رئيس الجمهورية اللبنانية اتصل يومها بالملك فاروق وطلب منه التكلم مع محسن البرازي الذي كان في زمانه سفير سورية في القاهرة قبل أن يعُيّنه حسني الزعيم لاحقاً رئيساً للوزراء بحكم أنهما من أصل كردي. واتصل الملك فاروق بالزعيم وطلب منه فرط الاتفاق القائم بينه وبين الحزب القومي السوري، وبتأثير مزدوج يومها من البرازي والصلح وكل الدولة اللبنانية وصل إلى سورية شخص اسمه فريد شهاب وآخر كان مديراً للأمن العام وشخص ثالث كان قائداً للدرك لا أتذكر اسمه وجاء إبراهيم الحسيني بالزعيم أنطوان سعادة وسلمهم إياه وطلبوا منهم يومها أن يقتلوه في الطريق، وبالفعل اتصلوا برياض الصلح فقال لهم «إياكم أن تفعلوا هذا الشيء». فحاكموه يومها ولم أعد أعرف ما حصل.

 

ما الدافع الذي جعل حسني الزعيم يسلم أنطوان سعادة للسلطات اللبنانية التي أعدمته؟

-حصل ضغط على حسني الزعيم، لأن الإنكليز والأميركيين لا يريدون أن تحصل مشاكل في لبنان. زد على ذلك فقد اتصلوا بواسطة محسن البرازي وبالملك فاروق. وأثناء ذلك عُيّن محسن البرازي رئيسا لحكومة حسني الزعيم، فاتصل الملك فاروق بالزعيم، وأعتقد أنه حصل ضغط عليه لأنه هو الذي سهّل كثيراً للأميركيين خطوط التابلاين وما إلى هنالك، لأن السوريين لم يستطيعوا القيام بذلك، فما كان منه إلا أن سهّل لهم كل الأمور وعقد معهم اتفاقات، حتى قيل أن الأميركيين ساعدوه في الانقلاب. ولكني شخصياً لا أعتقد ذلك لأن الانقلابات العسكرية في سورية كانت سورية بحتة، وليس صحيحاً أنه كان وراءها أميركا أو  العراق أوالسعودية.

 

إعدام حسني الزعيم ومحسن البرازي

{ ذكرت في كتابك «أيام عشتها» أنكم عندما دبرتم الانقلاب على حسني الزعيم كنتم متفقين على عدم إراقة أي دم، فماذا تبدل حتى أُعدِمَ حسني الزعيم ومحسن البرازي؟

-أولاً بالنسبة لحسني الزعيم بالفعل طُلب من شخص درزي يقال إنه من آل أبو عساف ينتمي إلى الحزب السوري القومي أن يأتي به حسب الاتفاق إلى مقر الأركان، وكانت من مهمات عصام مريود في الوقت نفسه أن يأتي بمحسن البرازي إلى الأركان أيضاً، ولكنه بدلاً من أن يأتي به إلى الأركان مرره على بيت أكرم الحوراني الذي كان أقرب المقربين بالزمن لحسني الزعيم، ولكن من أزاحه من عند الزعيم كان محسن البرازي (والاثنان من حماه)، وقبل الانقلاب قال لي الحوراني إن محسن البرازي هو روح الزعيم الشريرة، وكان ناقماً عليه بشدة. عصام مريود بدل أن يأتي به رأساً إلى الأركان أتى به إلى بيت أكرم الحوراني فقال له «روح صرفو» وهذا ما حصل. ويُقال إنه ضربه وركله برجله أيضاً. وفي هذه الأثناء جيء بشخص إلى مقر الأركان الذي كنتُ احتللته ضمن خطة الانقلاب العسكرية التي كنت من واضعيها، وقد أضاع هذا الشخص نظارته، وهو يرتدي «البيجاما»، فركض نحوي وتمسك برجلي اليسرى، وكان إلى جانبي ضابط يعرفه فلطمه على خده، فقلت له «مين حضرتك» فقال لي: «أنا محسن البرازي ويريدون قتلي». فقلت له: «لا تخف لن يقتلك أحد». وبالفعل فإن أول بند من بنود خطة الانقلاب كان عدم إراقة أي دم إلاّ في حالة الدفاع عن النفس، وإذ تسلم سامي الحناوي هيئة الأركان جاءني ضابط مدرعات من جماعة حسني الزعيم اسمه بديع ملحم، وقال لي إن الحناوي يريدك لكي توقف ما حصل، فسلمت محسن البرازي لملحم وقلت له: «لا تسلمه لأحد». وذهبت إلى الحناوي، في هذا الوقت كان عصام مريود مازال رئيساً للأركان، فسحب البرازي من الضابط الذي كان أقل رتبة منه، والتقى حينها مع الجماعة الذين أمسكوا بحسني الزعيم واقتادوا الاثنين الى مكان اسمه «الشراطيط»، وقال حسني الزعيم للجنود «أنا عملت لأجلكم»، ولما كاد يحصل انقسام بين هؤلاء عاجله أحدهم بمسدسه وقتله ودفنوه في المكان».

والرواية الثانية من قصة الدخول الى قصر الزعيم وقت الإنقلاب وإعدامه    المصدر:مذكرات أكرم الحوراني

حول وقائع هذه الحادثة نثبت هنا بعض ما جاء في مذكرات الضابط فضل الله أبو منصور الذي داهم مقر حسني الزعيم في حي أبي رمانة ليلة 13-14-آب1949 فاستسلم الحرس بتواطؤ رئيسهم مع رجال الانقلاب.

يقول فضل الله أبو منصور في كتابه أعاصير دمشق:

"مشيت إلى باب القصر يرافقني ادهم شركسي والرقيب فايز عدوان، وقرعت الباب بقوة فلم أسمع جوابا وكررت القرع ثانية وثالثة والليل ساج والهدوء شامل والصمت تام، وواصلت قرع الباب بشدة، فإذا بالأنوار الكهربائية تشع وإذ بحسني الزعيم يطل من الشرفة صائحا:

- ما هذا؟.. ما هذا؟.. من هنا؟.. ماذا جرى؟

أجبته بلهجة الامر الصارم:

- استسلم حالا، فكل شيء قد انتهى، وإلا دمرت هذا القصر على رأسك.

فانتفض وتراجع مذعورا، فعاجلته بوابل من رصاص رشاشتين إلا انه دخل القصر وتوارى فيه.. فأطلقت الرصاص على باب القصر حتى حطمته ودخلت واذا بحسني الزعيم ينزل من الدور الثاني وهو يرتدي بنطلونه فوق ثياب النوم وزوجته وراءه تصيح:

- حسني، حسني، إلى أين يا حسني؟

وقبل ان يتمكن من الرد على زوجته دنوت منه واعتقلته، ثم صفعته فقال محتجا:

- لا تضربني يا رجل. هذا لا يجوز، احترم كرامتي العسكرية.

أجبته بصوت متهدج:

- أنا أول من يحترم الكرامة العسكرية، أما من كان مثلك فلا كرامة له، أما أقسمت للزعيم أنطون سعادة يمين الإخلاص وقدمت له مسدسك عربونا لتلك اليمين ثم خنته وأرسلته إلى الموت؟

قال:

- والله يا بابا أنا بريء... اتهموني بذلك ولكنني بريء.

فانتهرته قائلا:

- هيا بنا، اخرج، لا مجال لكثرة الكلام.

مشى حسني إلى الخارج صاغرا وهو يحاول أن يكبت الخوف الذي أخذ يبدو بوضوح في قسمات وجهه وحركاته المرتبكة، وكنت في ثياب الميدان، وقد أرخيت لحيتي السوداء فلم يعرفني، وحسبني شركسيا، فأخذ يخاطبني باللغة التركية ولكنني أمرته بالتزام الصمت، ثم أدخلته الى المصفحة التي كانت تنتظر على الباب الخارجي وسرت به صوب المزة.

كان حسني في المصفحة ساهما تائه النظرات، كأنه لا يصدق ما يرى ويسمع... كأنه يحسب نفسه في منام مخيف... ثم تحرك وتفرس في وجهي فعرفني، وتظاهر بشيء من الارتياح ثم قال لي:

- يا فضل الله أنا بين يديك، معي ثمانون ألف ليرة، خذ منها ستين ألفا لك ووزع عشرين ألفا على جنودك وأطلق سراحي، دعني أهرب الى خارج البلاد.

فسألته:

- من أين لك هذه الثروة؟ ألست أنت القائل انك دخلت الحكم فقيرا وستخرج منه فقيرا؟ كيف انقلب فقرك ثراء؟

فأخذ يتمتم:

- والله يا بابا أنا بريء .. هذه مؤامرة علي دبرها الانكليز لتقويض استقلال البلاد... والله أنا بريء، أنا أحبكم، أنا جندي مثلكم.

أجابه فايز عدوان:

- لو كنت تحبنا لما باشرت تسريحنا دون سبب ونحن في الجبهة نقاتل أعداء الوطن، أنت لا تخاف الله ولا تحب احدا.

قال:

- والله يا إخواني انأ مظلوم، الذي سرحكم هو عبد الله عطفة رئيس الأركان العامة، أما أنا فقد أصدرت أمرا لتشغيلكم في خط التابلاين.

 

عند هذا الحد أمرت حسني بالصمت وحظرت عليه مخاطبة الجنود، فساد على المصفحة صمت ثقيل، اذ لزم حسني الصمت، وقد بدا على ملامحه الرعب الشديد، فكان ينظر الى مسدسي المصوب إلى رأسه، والى رشيشات الجنود المحيطة به فتلمع عيناه ذعرا.

سارت المصفحة على طريق المزة إلى حيث كان الحناوي وأركانه ينتظرون خارج المدينة حتى تأتيهم الأخبار عن نتيجة مغامرتي. ولما وصلت إلى مفرق كيوان وجهت رسولا ينقل خبر اعتقال حسني الزعيم إلى الحناوي ويسأله: "ماذا تريدون ان أعمل بالأسير؟".

ما كاد الرسول ينطلق على دراجته النارية حتى تكلم حسني وسألني:

- من هو قائد الانقلاب؟.. أيكون أنور بنود؟

أجبته بالنفي ولم أذكر اسم أحد، فاستطرد قائلا:

- إذن فهو الزعيم سامي الحناوي؟

فنهرته قائلا:

- هذا لا يعنيك الآن ولا يهمك، ستعرف ما يجب أن تعرفه بعد قليل.

ولما تأخرت الدراجة رأيت أن طول الانتظار على مفرق كيوان لا يوافق، فأمرت آمر المصفحة فايز عدوان من "الكفر" بمواصلة السير على طريق المزة القنيطرة. ولما ابتعدت عن المدينة، انحرفت عن الطريق وأقمت انتظر.

كنت أظن أن الجميع زحفوا معي إلى دمشق، ولكنني علمت فيما بعد أنهم تريثوا حتى يروا نتيجة قيامي بمهمتي، ولما وصلت إلى مفرق كيوان من القصر الجمهوري بتلك السرعة، ظن كثيرون آني فشلت ولذت بالفرار، فكادوا يفرون هم أيضا.. ثم عاد الرسول بعد نصف ساعة ليقول لي: " القيادة تطلب إليك أن تبقى هنا حتى يأتيك منها إشعار بما ينبغي أن تعمل، وكانت الساعة قد بلغت الثانية والنصف بعد منتصف الليل، وأقمت انتظر في المصفحة دون أن أحول نظري عن حسني الزعيم حتى الساعة الثالثة والدقيقة 45 .

كان الزعيم يلبس بنطلونه العسكري المختص برتبة مشير وقميصا تحتانيا من القطن، مما يدل على أنه هب من فراشه مذعورا ولبس بنطلونه بسرعة دون أن يجد متسعا من الوقت ليلبس شيئا آخر، لذلك أحس بالبرد وخاطبني قائلا:

- يا فضل الله أعطني معطفك، بردان.

فخلعت معطفي وأعطيته اياه فارتداه شاكرا، ثم طلب سيكارة، فأشعلت واحدة من النوع المختص بالجيش وقدمتها له فأخذ يدخنها ساهما وقد بدا عليه شيئا من الارتياح لأنني أعطيته كل ما طلب، وخيل إليه أن هذه المسايرة تدعو إلى التفاؤل. فحاول من جديد أن يخاطب جنود المصفحة ولكنني أمرته بالصمت فقال:

- إلى أين تريدون أن تأخذوني؟

قلت:

- إلى مكان يليق بك، فلا تخف.

قال:

دعوني أنزل قليلا من المصفحة .. أريد أن أقضي حاجة.

قلت:

- اقض حاجتك هنا في المصفحة ولا حرج عليك.

فأطاع دون أن يفوه بكلمة.

وآنذاك وصل الرئيس عصام مريود، والملازم أول حسن حكيم، والملازم عبد الغني دهمان، في مصفحة، تتبعهم سيارة كبيرة ملأى بالحنود، ومعهم معتقل آخر هو رئيس الوزراء محسن البرازي، ومعه ابنه... بقي الابن في المصفحة على الطريق وجاءني الجنود بمحسن جريا على الأقدام، فإذا هو في ثياب النوم يرتعد خوفا ويردد بصوت مرتجف:

- ارحموني .. ليس لي أية علاقة بما جرى.. ارحموني.. ارحموا أطفالي دخيلكم.

وتكلم الرئيس عصام مريود فقال لي:

- حكمت القيادة على حسني الزعيم ومحسن البرازي بالإعدام. ويجب ان يتم التنفيذ فورا.. هذا هو قرار المجلس الحربي.

فأمسكت حسني الزعيم بيدي اليسرى، ومحسن البرازي بيدي اليمنى، وسرت بهما إلى المكان الذي تقرر ان يلاقيا فيه حتفهما وهو يقع على مقربة من مقبرة كانت للفرنسيين في مكان منخفض، وقد أدرت وجهيهما صوب الشرق، صوب دمشق. وكان الجنود في موقف التأهب لإطلاق النار.

أوقفتهما جنبا إلى جنب، وتراجعت مفسحا للجنود مجال التنفيذ، فإذا بمحسن البرازي يصيح:

- دخيلكم .. ارحموني .. أطفالي.. أنا بريء.

وإذا بحسني الزعيم يشجعه باللغة الفرنسية قائلا:

n, ayez pas peur, ils ne nous tuerons pas c,est imoissible

أي لا تخف لن يقتلونا، هذا مستحيل.

وما كاد حسني يصل إلى هذا الحد من كلامه حتى انطلق الرصاص يمزق الرجلين ويمزق أزيزه سكون الليل ولم يكن الفجر قد بزغ بعد (1)

يبدو أن رواية فضل الله أبو منصور صحيحة بناء على حادثتين جرتا معي:

الحادثة الأولى: قبل انقلاب الحناوي بثلاثة أسابيع، كنت أسهر في النادي العائلي بالقصاع مع الأستاذ نخلة كلاس ورفاق آخرين عندما أقبل علينا عصام مريود ثملا وقد أخذ منه السكر مأخذه، فراح يشتم حسني الزعيم ويتوعد بالقضاء عليه، فنصحته بأن لا يكرر هذا الحديث مرة أخرى في مكان عام لأن عيون إبراهيم الحسيني بالمرصاد.

الحادثة الثانية: في ليلة الانقلاب وأنا نائم في بيتي "دار اليقظة" في زقاق صخر استيقظت على طرق شديد فأطللت من النافذة فإذا بالضابط عصام مريود ومصفحة واقفة عند رأس الشارع.

نزلت وفتحت له الباب فقال:

- إن شئت جلبت لك ألان محسن البرازي ليقبل حذاءك.

كنت لا أزال بين النوم واليقظة في تلك الساعة المتأخرة من الليل. وكان عصام مخمورا وقد زاده السكر هياجا، فقلت له:

- ما هذا الكلام يا عصام؟ .. من قال لك إنني أرضى بذلك؟ .. إن محسن البرازي أستاذي في الحقوق ولن أرضى أن أراه بمثل هذا الموقف، ثم أغلقت الباب بعصبية.

وقد روى خالد بن محسن البرازي لأحد أصدقائه ما يلي:

"دخل الجند منزلنا في الساعة الثالثة بعد منتصف الليل، وأطلقوا الرصاص إرهابا، فأطل أبي يستطلع الخبر. وإذ بهم يقبضون عليه ويضربونه ويضعونه في سيارة جيب. ووضعوني إنا في السيارة المصفحة، وساروا بنا إلى مركز أركان حرب الجيش، فاخذوا والدي وصعدوا به إلى مركز القيادة بينما ظللت انأ في المصفحة، وبعد وقت قصير عادوا به وانطلقت السيارات باتجاه قلعة المزة، وعلى بعد مائتي متر تقريبا من قرية المزة رأيت حسني الزعيم واقفا وحوله الجند على بضعة أمتار من الطريق العام. فأنزل الجند والدي من السيارة وقادوه إلى قرب الزعيم وأطلقوا عليه الرصاص، فسقطا مضرجين بدمائهما" (صحيفة النهار اللبنانية 18/8/1949).

لقد تكتم ضابط الحناوي عن تفاصيل مصرع حسني الزعيم ومحسن البرازي خشية من ثأر آل البرازي. وكان عصام مريود يدعي أنه سلمهما أحياء إلى ضباط آخرين، وبعد اغتيال سامي الحناوي على يد حرشو البرازي ثأرا لابن عمه محسن البرازي كشف فضل أبو منصور عن تفاصيل مصرعهما.

 

 (1)  المقدم في الجيش السوري فضل الله أبو منصور: أعاصير دمشق - طبعة لم يذكر مكان ولا تاريخ صدورها - ص68-77.

حسني الزعيم  ماجاء عنه من مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والإستراتيجية

هو حسني ابن الشيخ رضا بن محمد بن يوسف الزعيم البهديني "من أصول كردية ". ولد في حلب عام 1897، كان والده مفتياً في الجيش العثماني، وكان فاضلاً من رجال العلم، استشهد في هجوم على قناة السويس في الحرب العالمية الأولى سنة 1915. أما والدته فكردية ، وله شقيقان: الأول الشيخ صلاح الزعيم والثاني بشير الزعيم.

البهديني : عشيرة كردية كبيرة منتشرة في سورية وتركيا والعراق ولبنان وزعيمها سليمان أغا حاج سعدون

درس حسني الزعيم في المدرسة الحربية بالأستانة، وقبل أن يتم دراسته جُعل من ضباط الجيش التركي، اعتقله البريطانيون في الحرب العالمية الأولى. ثم تطوع في الجيش الفيصلي الذي دخل دمشق وحارب الأتراك، وفي عهد الانتداب الفرنسي تطوع في الجيش الفرنسي، وتابع علومه العسكرية في باريس. بعد وصول قوات فيشي إلى سورية انقلب على الديغوليين، وحارب ضدهم، وفي عام 1941 اعتقله الديغوليون، وأُرسل إلى سجن الرمل في بيروت حتى 17 آب 1943، حيث أُفرج عنه، وسُرح من الجيش وهو برتبة كولونيل (عقيد).

منذ عام 1945 ظل يتردد على السياسيين وأعضاء مجلس النواب لإعادته إلى الجيش، فتعرف على رئيس تحرير صحيفة (ألف باء) نذير فنصة، الذي توسط له وأعاده إلى الجيش، فعين رئيساً للمحكمة العسكرية في دير الزور، ثم انتقل إلى دمشق مديراً لقوى الأمن. وفي أيلول 1948 أصدر رئيس الجمهورية مرسوماً بتعيين الزعيم قائداً للجيش بعد ترفيعه إلى رتبة زعيم.

تطورت العلاقة بين الزعيم ونذير فنصة، بعد زواج الزعيم من شقيقة زوجته. عرف عنه إدمانه على شرب الخمر، ولعب القمار، وحب الظهور والمغامرة بصورة مسرحية ملفتة للانتباه، أصيب بمرض السكري الذي جعله عصبي المزاج متهوراً.

كان الزعيم منذ صغره تواقاً للسلطة. له كلمة مأثورة: (ليتني أحكم سورية يوماً واحداً ثم أُقتل بعده). " فحكم 137يوم وقُتل

يعتبر حسني الزعيم، صاحب أول انقلاب عسكري في تاريخ سورية المعاصر، ففي ليلة 30 آذار 1949 قام بانقلابه متفقاً مع بعض الضباط، فاعتقل رئيس الجمهورية شكري القوتلي، ورئيس وزرائه وبعض رجاله، وحل البرلمان، وقبض على زمام الدولة وتلقب بالمشير. وألّف وزارة، ودعا إلى انتخابه رئيساً للجمهورية، فانتخبه الناس خوفاً في 26 حزيران 1949، وكان يحكم وقد وضع له غروره نصب عينيه صور نابليون وأتاتورك وهتلر.

يقول أوين في كتابه (أكرم الحوراني): (لقد تأكد حديثاً بعد السماح بنشر بعض الوثائق السرية، وبعد ما يقرب من أربعين عاماً من انقلاب حسني الزعيم تورط الولايات المتحدة بأول انقلاب عسكري في العالم العربي، وكان قد أُشيع لسنوات بأنها ساندت انقلاب حسني الزعيم، كما كان مايلز كوبلند عضو المخابرات المركزية السابق قد ذكر في كتابه لعبة الأمم عن المساعدات الأمريكية لحسني الزعيم. ولكن روايته لم تؤخذ آنذاك على محمل الجد، واستناداً لما كتبه فإن سورية كانت على حافة اضطراب سياسي عنيف، بينما كانت حكومة الكتلة الوطنية عمياء عنه. ورأى السفير الأمريكي في سورية أن الأوضاع ستأخذ أحد مجرين: إما احتمال قيام الانتهازيين قريباً مع مساعدة السوفييت بانتفاضة دموية، أو أن يسيطر الجيش على السلطة بمساعدة الأمريكيين السرية للمحافظة على النظام، إلى حين إحداث ثورة سلمية. ويقول المؤلف أيضاً: وهكذا شرعت المفوضية الأمريكية بالقيام بعملية هدفها تشجيع الجيش السوري على القيام بانقلاب، من أجل الحفاظ على سورية من الاختراق السوفييتي، وجلبها إلى طاولة السلام مع إسرائيل، ولم يكن حسني الزعيم الخيار الأول لفريق العمل السياسي الأمريكي المشرف على العملية، ولكنه أصبح هدفها لأنه لم يكن هناك الكثير مما يمكن عمله، لقد رأى فيه الأمريكيون نواحي إيجابية عديدة، فقد كانت له مواقف شديدة العداء للاتحاد السوفييتي، وكان يرغب في الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية، بالإضافة لكونه مستعداً لعمل بناّء بخصوص (القضية الفلسطينية)، واستناداً للوثائق السرية التي سمح بنشرها التقى الزعيم حسني الزعيم مرات مع مسؤول من السفارة الأمريكية، للنقاش حول الانقلاب، وقد بدأت هذه اللقاءات في أواخر 1948، وانتهى الإعداد للانقلاب أوائل 1948، وفي شهر آذار من العام نفسه تقدم حسني الزعيم بطلب المساعدة من الأمريكيين للقيام بانقلابه).

 

دفع حسني الزعيم ثمناً للدول الكبرى لاعترافها به، اتفاقياتٍ تخولها إقامة نفوذ ومصالح لها في سورية، ففي 30 حزيران سُمح لشركة التابلاين الأمريكية أن تمارس عملها، وأن تنشئ المطارات وسكك الحديد وأن تشتري البضائع وتقيم المنشآت المعفاة من الرسوم والضرائب مقابل حصول سوريا على مبلغ 20ألف إسترليني سنوياً.

كما صادق على الاتفاق الموقع بين سوريا وشركة المصافي المحدودة البريطانية، بشأن المصب في بانياس لتصدير البترول العراقي، ونصت الاتفاقية حصول الشركة على امتياز لمدة سبعين عاما لإنشاء وصيانة مصفاة أو مصافي في الأراضي السورية، على أن تؤول ممتلكات الشركة في سورية إلى الحكومة السورية بعد أن تنتهي مدة الامتياز، وتتعهد الحكومة السورية لقاء العائدات بإعفاء الشركة من الضرائب والرسوم وعدم انتزاع الأراضي التي تمتلكها طول مدة الامتياز. وتتعهد الحكومة بإعطاء الشركة أفضلية في الموانئ السورية كما لها الحق في إنشاء وصيانة ميناء أو موانئ في سورية لأغراض المشروع، وأن تضع عوامات لربط السفن وتنشئ إشارات وأضواء على الشاطئ وحواجز لصد الأمواج. ولها حق إنشاء السكك الحديدية، والطرق البرية وإنشاء وصيانة شبكات هاتفية وبرقية ولاسلكية، وتتعهد الحكومة بمنح موظفي الشركات الأجانب تسهيلات خاصة لتنقلاتهم عبر مراكز الحدود. وتحصل الحكومة على عائدات نسبية (6 مليون جنيه عن 2 مليون طن نفط الأولى، و10 مليون عن 4 مليون الأولى و13 مليون جنيه عن 6 ملايين طن فما فوق).

كما صادق حسني الزعيم على الاتفاقية بين الحكومة السورية وشركة خطوط أنابيب الشرق الأوسط المحدودة البريطانية، لنقل النفط العراقي عبر أنابيب مارة في سورية إلى البحر الأبيض المتوسط. وقد حصلت هذه الشركة على امتياز لمدة سبعين سنة أيضاً لمد وصيانة خط أو خطوط الأنابيب من الحدود السورية ـ العراقية شرقاً وحتى البحر الأبيض غرباً. وتضمنت الاتفاقية بنوداً مشابهة لبنود الاتفاقية الموقعة مع شركة المصافي المحدودة.

وفي 7 تموز 1949 سلم الزعيم الحكومة اللبنانية (أنطون سعادة) زعيم الحزب القومي السوري الاجتماعي، الذي التجأ إليه وكان محكوماً عليه بالإعدام، ليتم إعدامه في 8 تموز، مما أثار سخط السياسيين وعامة المواطنين عليه.

فقد الزعيم في غضون ثلاثة أشهر معظم شعبيته، وأثار عداء مختلف فئات المواطنين. فسياسته الموالية للغرب أثارت عليه الفئة المحايدة، وتصرفاته الرعناء جلبت عليه سخط الزعماء الدينيين وأتباعهم من المدنيين، وأساليبه الأوتوقراطية قوضت آماال الليبراليين. والأهم من ذلك كله أنه خلق سخطاً بين الضباط بتعيينه اللواء عبد الله عطفة الذي أخفق كقائد للجيش السوري في الحرب الفلسطينية وزيراً للدفاع، وكذلك بترفيعه لكثير من أصدقائه ومؤيديه في الجيش.

وضع حد لحكم الزعيم حين أطاح به خصومه العسكريون ليلة 13 آب 1949. وضُم إليه رئيس وزرائه محسن البرازي ونذير فنصة مستشاره الخاص، واجتمع المجلس الحربي الأعلى برئاسة الزعيم سامي الحناوي، وأجرى محاكمة سريعة لرؤوس العهد، وأصدر حكمه: بإعدام (حسني الزعيم ومحسن البرازي) وبعد لحظات من صدور الحكم نُفذ بهما حكم الإعدام رمياً بالرصاص، وذلك في 14 آب 1949.

ــــــ

* باحث وكاتب وناشط سياسي ..مُعارض سوري

mnq62@hotmail.com

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ