-ـ

ـ

ـ

مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وقولوا للناس حسنا

اتصل بنا

اطبع الصفحة

أضف موقعنا لمفضلتك ابحث في الموقع الرئيسة المدير المسؤول : زهير سالم

الأربعاء 09/09/2009


أرسل بريدك الإلكتروني ليصل إليك جديدنا

 

مشاركات

 

التعريف

أرشيف الموقع حتى 31 - 05 - 2004

ابحث في الموقع

أرسل مشاركة


رمضانيات (17)

لا تقصص رؤياك على إخوتك

الدكتور عثمان قدري مكانسي

بدأ الإمام صلاة التراويح بسورة يوسف عليه السلام ، وكان صوته مريحاً ، فلم يكن صوته جميلاً ولا قبيحاً لكنّ تلاوته كانت جيدة وقراءته هادئة ، لهذا قلت إن صوته كان مريحاً ومما يزيد في راحة النفس أن مكبر الصوت يملأ المسجد دون جلبة أوضوضاء .

قلت في نفسي وأنا أدخل المسجد : لعل  الله يرزقني فكرة أدندن حولها في خواطري الرمضانية إذ لم أكن قررت الفكرة التي أدور حولها ليوم الغد . فلما قرأ الإمام قوله تعالى " يا بنيّ ؛ لا تقصص رؤياك على إخوتك " قلت في نفسي – فقد كنا في الصلاة ولا يجوز الكلام فيها بغير الصلاة – جاءت الخاطرة فلا بدّ من إنضاجها . ولعل القارئ يشاركني اليوم الحديث عنها ، ويقدح زناد فكره فيها ، فهلمّ إلى ما يفتح الله بها علينا من خير نحن نحتاجه جميعاً :

1-        لا بد من صدر حنون ذي خبرة في الحياة يسدد خطوي ويشاركني همومي – إن صح أنها هموم – أو يشاركني خواطري وتفكيري حين ألجأ إليه أستعين بمشورته وخبرته . وسيدنا يعقوب عليه السلام أيده الله بالحكمة وسداد الرأي وفهم الحياة ، فقد عركها وذاق حلوها ومرّها ، وهو نبي ابن نبي وحفيد أبي الأنبياء ، والله سبحانه وتعالى يلهمه الصواب ، ويسدده بالوحي ، ثم إنه الأب الحاني والصدر المشفق ، والوالد المحب ، فنِعم المستشار هو لولده يوسف عليهما السلام .

2-        لا بد من الحذر والحيطة في كل الأمور ، ولا ينبغي للسر أن يتجاوز صدر صاحبه إلا إلى الأمين ، وإلا شاع وعرفه القاصي والداني ، كما أن لكل منا خصوصية يحتفظ بها ، ويخفيها عن الآخرين ولو كانوا من المقرّبين . والأب يهمس في أذن ولده " يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك ."

3-        ولكنّ الأخ – عادة - محب ويود لأخيه الخير والسعادة والهناء ، فلماذا يحذر الأب ابنه من إخوته ؟! لا شك أن الأمر خطير إن عرفه إخوته فسوف يحسدونه ، ويكيدون له . إن هذه الرؤيا بشارة بالنبوّة التي تهفو لها نفوس الإخوة جميعاً فأبوهم نبيّ ، ولا بد أن يرثه في النبوّة واحد أو اثنان أو أكثر ، والجميع يحرصون على ذلك ، وليس الكل أهلاً لهذه المكانة العظيمة . وسيزداد الكره ليوسف حين تتجاوزهم هذه المكانة – وهم الكبار – إلى يوسف الفتى الصغير ، لا شك أن الله يختار من يشاء ويصطفي من يريد لدعوته ، ولكن هل يعي الجميع هذا الأمر ويرضونه ؟ أم تراهم يكيدون ليوسف ويأتمرون به إيذاء وإقصاء؟  هكذا فكر بعضهم ثم نفّذه جميعهم ، والله – سبحانه - يفعل ما يشاء .

4-        " لا تقصص رؤياك على إخوتك ، فيكيدوا لك كيداً " ونلاحظ فعل الكيد يتبعه المفعول المطلق ليصف نفسية إخوة يوسف وما فيها من الحسد والبغضاء لمن يعتبرونه سلبهم أمراً يظنونه من حقهم " الله أعلم حيث يجعل رسالته " والإيمان الناقص إذا خالطه حقد وحسد دفع بصاحبه إلى التصرف المشين والحمق البيّن .  ، والأب يعرف أبناءه وشدة مكرهم ، ويعلم أيضاً أن الله يحفظ عباده الصالحين ، إلا أنه لا بد من الحذر وأخذ الحيطة على مبدأ " اعقلها وتوكل " فالتوكل وحده نقص واضح ، والعقلُ دون توكل أكثر نقصاناً .

5-        ومن الذي يدفعهم إلى الكيد الشديد لأخيهم ؟ إنه الذي أقسم أن يغوي الناس أجمعين إلا من عصمه الله وحفظه ، إنه الشيطان الذي أقسم بالله ليحتنكَنّ ذرية آدم وليضلنّهم وليزرعَنّ البغضاء في قلوبهم فهو عدوّهم الأول في هذه الحياة " إن الشيطان للإنسان عدوٌّ مبين " إنه مَن أخرج أباهم من الجنّة وحمل على عاتقه أن يأخذ من استطاع منهم إلى النار .

6-        وهل يقدر الشيطان أن يفعل ذلك مع أبناء الأنبياء ؟! وقد ربّى يعقوب أبناءه على الإسلام والإيمان ؟ ألم يوصِ هذا الأب أبناءه أن يكونوا مسلمين ويحيَوا مؤمنين ويموتوا على ذلك " ووصّى بها إبراهيم بنيه ويعقوبُ : يا بنيّ إن الله اصطفى لكم الدين ، فلا تموتُنّ إلا وأنتم مسلمون "  ألم يعاهدوه وهو على فراش الموت أن يعبدوا الله وحده " أم كنتم شهداء إذ حضرَ يعقوبَ الموتُ إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي ؟ قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلهاً واحداً ونحن له مسلمون " بلى لقد عاهدوه بعد أن تعلموا الدرس واعترفوا بخطئهم أمام يوسف في مصر واعتذروا له وأنهم كانوا خاطئين وسألوا أباهم أن يستغفر لهم ذنوبهم .

7-        وليس شرطاً أن يكون أبناء الأنبياء والصالحين مثلهم فالهداية من الله ، فهذا قابيل قتل أخاه هابيل حسداً ، وهذا ابن نوح يدعوه أبوه عليه السلام أن يؤمن ويركب معه سفينة النجاة ، فأبى واستكبر وقال بلهجة الجاحد المعاند : " سآوي إلى جبل يعصمني من الماء " وتنكب طريق الهداية فكان من المغرقين أهل النار .

8-        والحياة علمتنا أن الإخوة قد يكون بعضهم  أشد عداوة لبعض من الآخرين ، فكم من بيوت هّمت وكم من دماء للإخوة أريقت بأيدي إخوانهم  لمال أو أرض أو امرأة أو منصب أو جاه .

فلا بد أيها الأحباب من الحذر والحيطة ، ولا بد أن يحفظ الإنسان سرّه ، ولا بد أولاً وأخيراً أن يسأل الله تعالى العون والهداية   " فالله خيرٌ حافظاً ، وهو أرحم الراحمين "

-------------------------

المشاركات المنشورة تعبر عن رأي كاتبيها

الصفحة الرئيسةأعلى الصفحة

 

الرئيسة

اطبع الصفحة

اتصل بنا

ابحث في الموقع

أضف موقعنا لمفضلتك

ـ

ـ

من حق الزائر الكريم أن ينقل وأن ينشر كل ما يعجبه من موقعنا . معزواً إلينا ، أو غير معزو .ـ